فنون

 

الفنون الإسلامية

شواهد على حضارة عظيمة

أكثر من مئتي قطعة في مختلف أنماط الفنون الإسلامية وأشكالها ضمها معرض الفنون الإسلامية في مركز الملك فيصل.

• الرياض: نزار الغنانيم

• تصوير: هشام شما

§ اكتسبت الفنون الإسلامية طابعها وتميزها حسب الثقافات المحلية لكل مجتمع دون أن تفقد ارتباطها بالإسلام

§ تتميز مجموعة د.عبدالعزيز المشعل للفنون الإسلامية بشموليتها لمختلف نواحي الفنون الإسلامية

§ اكتسب الفنان المسلم مهارته في إجادة صناعة التحف المعدنية, مستفيدًا من إرث الحضارات السابقة للإسلام

 

تأتي إقامة معرض «الفنون الإسلامية– مجموعة خاصة» حلقة في سلسلة معارض الحضارة الإسلامية التي يأمل مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية أن تسهم في التعريف بالجوانب المشرقة من حضارة المسلمين, وأن تكون حافزة للأجيال المسلمة لاستلهام تاريخها والوعي بحضارة أمتها, وربط مستقبلها بماضيها, حيث أقام المركز عدة معارض سابقة، الأول: كان تحت عنوان: «وحدة الفن الإسلامي»، والآخر تحت عنوان: «زخرفة الفضة والمخطوطات عند المسلمين».

يضم المعرض أكثر من مئتي قطعة في مختلف أنماط الفنون الإسلامية وأشكالها، ومن عصور مختلفة متتابعة تتوزع بين أدوات منزلية, ومكونات صناعة الكتاب وفنونه, وآلات طبية, ومسكوكات, ومن حيث التكوين فإنها تتكون من مشغولات معدنية، وخشبيات، وفخاريات، وخزفيات، وزجاجيات. جمعها الباحث في المخطوطات والتحف الإسلامية د.عبدالعزيز المشعل من مختلف دول العالم منذ عام 1403هـ.
وقد بدأ الاهتمام بالفنون الإسلامية في القرنين الأخيرين بمبادرة من الرواد المهتمين بتراث الإسلام والمسلمين وتاريخهم, الذين أخذوا على عواتقهم مسؤولية إعادة اكتشاف هذا الموروث الحضاري الضخم والمحافظة عليه من الاندثار, فتكونت بذلك في العالمين الإسلامي وغير الإسلامي مجموعات خاصة للفنون الإسلامية, كان بعضها، منذ منتصف القرن الماضي إلى اليوم، النواة الأساسية لعدد من المتاحف والمؤسسات المعروفة في عصرنا الحاضر بمقتنياتها النادرة والمتميزة في الفنون الإسلامية.

أنماط الفنون الإسلامية وأشكالها

ولتسليط مزيد من الضوء على أنماط الفنون الإسلامية وأشكالها التقينا السيد إبراهيم بن عبدالرحمن الهدلق, المشرف على االمعرض, الذي أفاد بأن مجموعة د.عبدالعزيز المشعل للفنون الإسلامية تعد واحدة من المجموعات المهمة في عالمنا العربي, لما تشكله من صحوة حضارية نحو إعادة اكتشافات جديدة لتاريخنا الإسلامي. وتكتسب هذه المجموعة تميزها من شموليتها لمختلف نواحي الفنون الإسلامية, ومن ذلك التنوع الذي يدل على ثراء الحضارة الإسلامية والقدرات غير المحدودة للفنان المسلم القادر على الإبداع والتطور المستمرين مع مختلف الأمكنة ومرور الأزمنة. وهكذا ترسِّخ هذه المجموعة نسقًا أساسيًا في حضارة الإسلام, وهو تلك العالمية والشمولية التي تتخطى الحدود الجغرافية والعصور والحقبات التاريخية, حيث تكتسب الفنون الإسلامية طابعها وتميزها حسب الثقافات المحلية لكل مجتمع، وظروفه، ومتطلباته الذاتية دون أن تفقد ارتباطها بالإسلام بوصفه معطى حضاريًا وتاريخيًا. وتكتمل هذه الاستفادة من هذه المجموعة المتميزة للفنون الإسلامية من خلال التفاعل الدائم والمستمر مع المجتمع والناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية والتعليمية.

تنوع.. وامتداد

اشتمل المعرض على مجموعة من الفخاريات التي تتميز بتنوعها وامتدادها على الفترات الزمنية المختلفة وصولًا إلى القرن الحادي عشر الهجري- السابع عشر الميلادي، حيث تضم نماذج تعود إلى العصر الإسلامي المبكر، كالمسراجة التي نسبت إلى طراز المسارج المصنوعة في جرش نهاية القرن الأول ومستهل القرن الثاني الهجريين, وهي عبارة عن مسراجة شكلت بقالب, وزينتها بعبارات البركة التي كتبت بالخط الكوفي يعتقد بأنها تحمل اسم الصانع. وهناك، أيضًا، الفخار المدهون المزجج وغير المزجج الذي يعود إلى القرن الثاني الهجري, وهذا ما نلاحظه على أبريق صغير من الفخار المدهون بخطوط وأشكال بسيطة برأس كبش محور, والذي يعتقد أن مصدره من آسيا الوسطى, وكذلك أبريق صغير من الفخار المدهون بطبقة لماعة من اللون الأخضر وزين بدنه بحزوز طويلة, وصممت فوهته على هيئة حيوان محور ويعود إلى بلاد الرافدين من القرن الثالث الهجري- التاسع الميلادي.
وقد كان هناك نوعان من الفخار: الأول غير المطلي. ويعتقد أن الأنواع المبكرة منه تعود إلى فجر الإسلام ولا تكاد توجد إلا في إيران. ويتكون في معظم الأحيان من قدور كبيرة للتخزين ذات شكل بصلي لها فوهات ضيقة كانت تستخدم في حفظ السوائل, وفوهة واسعة كانت تستعمل في حفظ الحبوب ونحوها, وقد زخرفت بالطرق التي كانت متبعة من قبل في العصر الساساني.
أما النوع الآخر فهو الفخار المطلي. وكانت معظم الأواني تصنع من مادة طينية حمراء طبيعية, وهي من الطينات الضعيفة التي لا تحتمل درجة حرارة أعلى من 900 درجة مئوية, وكان يعثر عليها في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي، كونها سطحية عادة، وتتميز باحتوائها على نسبة كبيرة من الحديد الذي يمنحها اللون الأحمر. ويطلى هذا النوع بطلاء زجاجي شفاف عديم اللون ليعكس لون الجينة الحمراء, أو يضاف إليه في بعض الأحيان لون آخر، ويستعمل هذا الطلاء في الأنواع الشعبية والرخيصة. وقد يزخرف الفخار ببطانات ملونة, وقد تعددت الطرق الصناعية لرسم الزخارف الملونة فوق البطانات التي غُلِّفت بها الأواني وهي رطبة قبل حرقها.

مهارة في إجادة الصناعة

مهر الصناع في العصر الإسلامي في طلاء الخزف بالميناء ذات الألوان المختلفة, وهو ما يلاحظ داخل المعرض على زبدية فخارية مزينة برسوم آدمية، وحيوانية، وتوريقات نباتية بألوان زاهية متعددة, كما زينت من داخلها بشريط عليه كتابات كوفية, ومن الخارج بشريط كتب بالخط الفارسي يتضمن عبارات شعرية, وتعود إلى إيران من بداية القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي. وهناك، أيضًا، صحن مزخرف بزخارف غنية بالألوان الزاهية, وقد زين الشريط العلوي بكتابات كوفية وكتابات فارسية باللون الأحمر، كما زين الصحن بست دوائر خزفية تظهر فرسانًا على خيولهم بأشكال حركية, وفي المنتصف دائرة تصور فارسًا يرد التحية وتظهر وراءه الشمس, وفي ظهر الصحن شريط كتابي فارسي وزخارف هندسية متشابكة. ويعود إلى إيران من بداية القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي.
يتكون الخزف من طينة صناعية بيضاء نسبيًا, تستبعد منها الشوائب الضارة بالصناعة, ويضاف إليها مواد أخرى كالسلكا «الرمل», والكولين الأبيض، وهو ما يزيده صلابة وجودة, وقد وجدت صناعة الخزف في إيران، والعراق، ومصر منذ فجر الإسلام. وتمتاز صناعة الخزف الإسلامي بالرسم على الخزف المزجج بطلاء قصديري ناعم الملمس, وهو ما يلاحظ بالتحف الخزفية ذات البريق المعدني التي ظهرت وانتشرت بين القرنين الثالث والتاسع الهجريين.
استعمل الخزف في مختلف الصناعات ولعدة أغراض، منها: الأباريق, والأكواب, والسلطانيات, والأباريق, والفناجين, والقوارير, والمسارج... وغير ذلك من الأواني والتحف. وشاع من الألوان المستخدمة اللون الأزرق الزبدي, والأزرق الزرنيجي، وهو الأزرق والأخضر, واللون الأخضر الفيروزي, واللون الأحمر البنفسجي.
ويضم المعرض أنواعًا من الخزف المنسوب إلى الشام في العصر المملوكي أو قبله في العصر الأيوبي زخرفت بأشرطة أفقية أو حلزونية، وزينت برسوم نباتية منقوشة بالبريق المعدني ذي اللون الأزرق أو الأخضر.

استلهام الحضارات السابقة

اكتسب الفنان المسلم شهرة عظيمة في إجادة صناعة التحف المعدنية, مستفيدًا في ذلك من الإرث الذي خلَّفته الحضارات السابقة للإسلام، كالحضارة الساسانية في بلاد فارس. من هنا كان النمط السائد في إنتاج التحف المعدنية في بداية العصر الإسلامي مطابقًا، إلى حد كبير، لذلك النمط الساساني من حيث تقنيات الصناعة وأنماط الزخارف, ثم جاء دور التميز الإسلامي بإدخال الحرف العربي كنمط زخرفي جديد لم يستعمل من قبل. وهذا ما يلاحظ على أبريق من البرونز ذي سمات ساسانية من حيث صبِّ القالب, وهو يخلو من الزخارف في أغلبه, ويعلو كلاًّ من المقبض والغطاء تشكيل وردي بارز. ويعد هذا الإبريق من بواكير صناعة المعادن في المشرق الإسلامي, ويعود إلى إيران في القرنين الأول والثاني الهجريين- السابع والثامن الميلاديين.
وازدهرت صناعة التحف المعدنية بمصر في العصر الفاطمي، وما كانت تحويه قصورهم، وخزائنهم من نفائس، وكنوز تنوعت ما بين تماثيل مجسمة لحيوانات، أو طيور كانت تستخدم كمباخر، أو صنابير للآنية, كما كانت تستخدم للزينة كذلك. وأبدع الفاطميون، كذلك، في صناعة الأواني، والثريات، والشمعدانات المعدنية التي كثيرًا ما كان أحد عناصر الزخرفة فيها الخط الكوفي, وكانت تحمل في بعض الأحيان اسم الصانع وتاريخ الصنع. وتوجد في المعرض وزنة شرعية فاطمية من الرصاص عُملت بأمر الحاكم بأمر الله الفاطمي، 375 إلى 411هـ، وحدة قياس مرعية. وقد عُملت على طريقة السكة الإسلامية, إلا أنها أكبر حجمًا وأكثر سمكًا. ويظهر على الوجه الأول شريط كتابي كوفي على المحيط نصُّه: «بسم الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له». وفي المركز: « محمد رسول الله علي ولي الله». بينما ترى على مركز الوجه الآخر ما نصُّه: «الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين». ويظهر على محيط هذا الوجه شريط اندثرت معالم كتابته, إلا أنه يظهر منها مكان الضرب: «ضرب بالمنصورية», وربما تضمن وحدة القياس.

ازدهار صناعة التحف

ازدهرت صناعة التحف في بلاد الجزيرة, وبالتحديد في مدينة الموصل التي كانت في يد الأتابكة الذين اشتهروا برعاية الفن، وإكرام الفنانين وتعضيدهم. ويلاحظ أن الأساليب التي استخدمت في تكفيت البروز والنحاس بالموصل لم تكن مختلفة عن الأساليب التي استخدمت في إيران في العصر السلجوقي. وكانت إيران والأقاليم الشرقية، كهراة، ونيسابور، وسيستان، وغيرها تشتهر في العصر السلجوقي بالإبداع في صناعة التحف المعدنية من مباخر، وصينيات، وصحون، وشمعدانات، وأباريق, كما تنوعت الأساليب الفنية بين الزخارف النباتية، أو الآدمية، أو الحيوانية، أو الكتابية. وقد وجدت أوانٍ سلجوقية معدنية جمعت بين كل هذه الأساليب في تحفة معدنية واحدة, إلا أن هناك فرقًا بين المعادن المُصنعة في إيران ما بين القرنين الخامس والسابع الهجريين، والمعادن التي صُنعت بالموصل, وهو أن الأولى صُنعت من البرونز, فيما صنعت الأخرى من النحاس الأصفر في أغلب الأحيان. ويلاحظ ذلك من خلال مجسم سلجوقي مسكوب من البرونز على هيئة حصان بلجام, وقد زين البدن في منطقة الصدر، والعنق، والمؤخرة، والبطن بزخارف مخرمة قوامها توريقات نباتية, وزين السرج بشريط كتابي كوفي تتوسطه توريقات زهرية, يعود إلى خراسان من النصف الثاني من القرن السادس الهجري- الثاني عشر الميلادي. وهناك، أيضًا، مجسم لحيوان سلجوقي كبير مسكوب من البرونز, وقد زين البدن والرقبة بتخريمات وأشكال زخرفية, وزينت أعلى القوائم بدوائر زخرفية نباتية. ويعود هذا المجسم إلى خراسان من القرن السادس الهجري- الثاني عشر الميلادي. وهناك، أيضًا، مبخرة سلجوقية من البرونز قاعدتها على هيئة صحن بستة قوائم على هيئة رؤوس حيوانية, والبدن بدوائر زخرفية متشابكة مخرمة, عليها ثلاثة نماذج حيوانية محورة بارزة, ويعلو الغطاء مجسم على هيئة طائر, وتعود إلى خرسان من نهاية القرن السادس الهجري- الثاني عشر الميلادي.

تفنن في أساليب الزخرفة

شكل القرن السابع الهجري بداية لعصر جديد في صناعة التحف المعدنية, بعد أن هاجر كثير من الصناع من الموصل إلى مصر والشام, والذين نقلوا معهم الأساليب الفنية التي كانت متبعة في الموصل, واشتغلوا للأمراء الأيوبيين في دمشق، وحلب، والقاهرة بالأساليب الفنية نفسها التي ألفوها في الموصل, واستمرت الطفرة في صناعة المعادن, بل وتطورت في العهد الذهبي للعصر المملوكي, فازدهرت صناعة الأبواب، والصناديق، والأواني، والكراسي، والمقالم وغيرها, وتفنن الصانع في أساليب الحفر، والتكفيت، والتخريم، والتصفيح. وهذا ما نلاحظه على سلطانية من البرونز المطروق, نُقش عليها من الخارج بأشكال هندسية متشابكة على كامل السطح يتوسطها طوق كتابي بخط الثلث المنزل بالفضة والنحاس, جاء فيه: «عز لمولانا السلطان المولوي المجاهد والمنصور والعالم, معمل دمشق 79». ويلاحظ أن هذه السلطانية عُملت على الطراز المملوكي أو ما عُرف باسم «إحياء الفن المملوكي» في القرن الثالث عشر الهجري- التاسع عشر الميلادي.
هذا، ولا يملك المتابع والدارس لتاريخ استخدام التحف الإسلامية, على اختلاف أنواعها واستخداماتها, إلا أن يقف إجلالًا لذلك الحرفي المسلم الذي طوع تلك المواد، وأحسن استخدامها، وتفنن في أساليب صناعتها وزخرفتها وتكفيتها, وهذا ما تشهد به التحف المعدنية المتناثرة في المتاحف العالمية والمجموعات الفنية الخاصة.

سمات فنية عالية المستوى

أصبحت صناعة الخشب من السمات المميِّزة للفنون الإسلامية بدءًا من التأثر بالزخارف المحفورة في الفنون القديمة كالساسانية إلى أن تطور أسلوب الحفر في الخشب حتى صار صناعة لها استقلالها التام وسماتها الفنية عالية المستوى, خصوصًا عندما دخل الحِرَف الحَرْف العربي ليكون أحد دعائم زخارف الحفر على الخشب.
تميزت زخارف الخشب في الفترة المبكرة بالدوائر ذات المركز الواحد, ورسوم العقود المتشابكة, والوريقات ثلاثية الفصوص, والموضوعات المزخرفة المجنحة ساسانية الطراز, إضافة إلى الفروع النباتية المتشابكة لتضم رسوم طيور أو حيوانات، كما تضم أوراق العنب وعناقيده.
وترجع بداية التطور في الحفر على الخشب إلى عهد قدوم ابن طولون إلى مصر، إذ انتشرت في عهد الدولة الطولونية الأساليب الفنية العباسية التي ازدهرت في سامراء.
وبالانتقال إلى العصر الفاطمي نلاحظ زيادة الدقة في الحفر على الخشب حتى بلغت ذروتها في العصر الذهبي للدولة الفاطمية, ويبدو ذلك جليًا في حشوات خشبية تشهد بإتقان عظيم في نقش الزخارف النباتية والأوراق, وكذلك التوفيق في استعمال رسوم الحيوانات والطيور وعناصر زخرفية, وهو ما نلاحظه على قطعة خشب فاطمية يزينها رسم نافر لطاووسين متقابلين بالجناحين المزخرفين بالتوريقات النباتية ليشكلا محرابًا, ويلاحظ وجود صورتي غزالين متقابلين بحجم صغير. كما يزين القطعة شريطان كتابيان بالخط الكوفي اندثرت معالمها, وتعود لمصر من القرن الخامس الهجري- الحادي عشر الميلادي.
أما في عصر المماليك فقد أبدع النجارون في زخرفة الحشوات بالرسوم الدقيقة, وأصبح العنصر الزخرفي السائد في ترتيب الحشوات هو تجميعها، حتى تؤلف أطباقًا نجمية, وكانت رسوم الحشوات تمتاز بمراوح نخلية وفروع نباتية.

سبق.. وريادة

ترجع الريادة في صناعة الزجاج في فجر الإسلام لمصر وبلاد الشام. ومن الأساليب المتبعة في صناعة الزجاج وزخرفته في فجر الإسلام نفخ الزجاج في قالبين الواحد بعد الآخر، أو في قالب واحد. وكان القالب عادة من الفخار أو المعدن أو الخشب, وكان قوام زخرفة التحف الزجاجية في بداية العصر الإسلامي هو الدوائر ذات المركز الواحد، والكتابات الكوفية، والرسوم الهندسية.
ومع مستهل القرن الخامس الهجري تقدمت صناعة الزجاج في العصر الفاطمي, خصوصًا في مجال صناعة البلور الصخري, حتى بلغت ذروتها في العصر المملوكي بصناعة المشكاوات المموهة بالمينا التي تعد بحق فخر صناعة الزجاج عند المسلمين, وهذا ما نلاحظه على أبريق زجاجي شبيه بالمشكاة, ويتكون من الزجاج الأحمر الضارب إلى اللون الأسود مع مقبض من الزجاج الشفاف, كما يزين البدن عشرة خيوط زجاجية شفافة ثبتت بين البدن والعنق, ويعود إلى سورية من القرن الرابع الهجري إلى القرن الخامس الهجري- العاشر الميلادي إلى الحادي عشر الميلادي. وهناك، أيضًا، إبريق من الزجاج الأخضر الشفاف بمصبين وبدن مخروطي يضيق إلى الأعلى. ويزين المقبض خيط زجاجي عريض على شكل نتوءات بارزة, ويعود إلى سورية من القرن الرابع الهجري- العاشر الميلادي.
واحتوى المعرض على مجموعة كبيرة من الزجاج تتكون من قطع متباينة الأشكال، والأحجام، والألوان, وهي تغطي رقعة جغرافية كبيرة من العالم الإسلامي, كما تغطي فترة زمنية طويلة من بواكير صناعة الزجاج الإسلامي حتى القرن السابع الهجري.
وهي متنوعة من حيث الشكل بين أقداح، ومرشات، ودوارق، وأباريق، وجرار. وتتنوع كذلك من حيث الاستخدام، فيغلب عليها الاستخدام الطبي «الاقراباذين»، والعطور، والحياة اليومية, ومنها الزجاج السميك، والرقيق، والمشكل بالقالب, والمقصوص بالعجلة, إضافة إلى المشكل بالنفخ. وتنوعت الألوان بين الأخضر بدرجاته، والبني، والأزرق، والأحمر بدرجاته المتفاوتة, وكذلك الشفاف, ويظهر على معظمها الكمخ الملون بألوان قزحية نتيجة دفنها سنوات طويلة تحت الأرض, يعود معظمها إلى سورية، ومصر، وإيران، والعراق، وبلاد ما وراء النهرين, وتغطي الفترة ما بين القرن الأول الهجري إلى القرن السابع الهجري- السابع الميلادي إلى الثالث عشر الميلادي.