مؤتمرات

خادم الحرمين الشريفين في المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار:

التسامح لغة الإسلام

دعوة لمواجهة الانغلاق والجهل وضيق الأفق والصراع بين الحضارات. 

• مكة المكرمة: يوسف غريب
 

§ إنشاء مركز الملك عبدالله للتواصل بين الحضارات، وتخصيص جائزة دولية باسم الملك عبدالله للغرض نفسه

§ نداء مكة يطالب ببيئة نظيفة، وحماية الزواج المشروع، وإشاعة ثقافة التسامح، وبناء منظومة للأخلاق

§ الاختلاف بين الأمم والشعوب وتمايزهم في معتقداتهم وثقافاتهم واقع بإرادة الله ووفق حكمته البالغة، ما يقتضي تعارفهم وتعاونهم على ما يحقق مصالحهم

§ كشف دعاوى المروجين لصراع الحضارات ونهاية التاريخ، ورفض مزاعمهم بعداء الإسلام للحضارة المعاصرة، بهدف إثارة الخوف من الإسلام والمسلمين

 

رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقد بتاريخ 30/5/1429هـ على مدى 3 أيام في مكة المكرمة بمشاركة أكثر من 500 شخصية إسلامية، تمثل 50 دولة، من العلماء والمفكرين، والباحثين، والدعاة، ورؤساء المراكز، والجمعيات الإسلامية، ومعظم وزراء الأوقاف والشؤون الدينية في العالم الإسلامي، ورؤساء المجالس الإسلامية العليا من مختلف مناطق العالم الإسلامي، ومن الجاليات المسلمة، وممثلين عن الجهات الإسلامية المهتمة بالحوار مع الحضارات والثقافات الإنسانية.

قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته الافتتاحية للمؤتمر: «إن هذا اللقاء يبعث رسالة للعالم مفادها أننا أمة قيم وعدل، وأن المؤتمر يعد دعوة للبحث في التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، وبينها تطرف عدد من أبنائها، وأن التسامح هو لغة الإسلام، وهناك ضرورة لتعزيز لغة الاحترام بين الأديان السماوية، لهذا جاءت دعوة أخيكم لمواجهة تحديات الانغلاق والجهل وضيق الأفق، ليستوعب العالم مفاهيم رسالة الإسلام الخيرة وآفاقها دون عداوة واستعداء».
وقد ناقش المشاركون في المؤتمر على مدى أيامه الثلاثة، أربعة محاور رئيسة هي: التأصيل الإسلامي للحوار، ومنهج الحوار وضوابطه ووسائله، وأسس الحوار وموضوعاته.
في المحور الأول تناول المشاركون موضوعين أساسيين، الأول: دعوة الإسلام إلى الحوار، حيث بحث خلاله مشروعية الحوار، ودعوة الإسلام إليه، ومسوغاته، والنصوص الشـرعية الوفيرة التي تدعو إليه، وترسم آدابه، وتبين نماذج منه، وتم التوصل إلى أن:
الاختلاف بين الأمم والشعوب وتمايزهم في معتقداتهم وثقافاتهم واقع بإرادة الله ووفق حكمته البالغة، ما يقتضي تعارفهم وتعاونهم على ما يحقق مصالحهم، ويحل مشكلاتهم في ضوء القيم المشتركة، ويؤدي إلى تعايشهم بالحسنى، وتنافسهم في عمارة الأرض وعمل الخيرات: ‭}‬لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعا‭{‬«المائدة: الآية 48».
الحوار منهج قرآني أصيل وسنة نبوية درج عليها الأنبياء في التواصل مع أقوامهم. وتقدم السيرة النبوية العطرة منهاجًا واضح المعالم لا تخطئه عين المتأمل في حوار النبي، صلى الله عليه وسلم، مع نصارى نجران ومراسلاته عليه الصلاة والسلام لملوك الأمم وعظمائها، فكان الحوار من أهم سبل بلوغ هداية الإسلام إلى العالمين.
النظر إلى مجتمع المدينة المنورة الذي أقامه النبي، صلى الله عليه وسلم، على أنه الأنموذج الأمثل في التعايش الإيجابي بين أتباع الرسالات الإلهية، حيث تسمو وثيقة المدينة المنورة بسبقها، لتكون مفخرة تحتذى في التعايش الحضاري، فقد حددت أطر التعاون على تحقيق المصالح المشتركة، والتعاضد على إرساء قيم العدل والبر والإحسان وغيرها من القيم الإنسانية النبيلة.

أهداف الحوار

أما الموضوع الثاني: أهداف الحوار، فمن خلاله تمت الإشارة إلى أن الحوار من أهم النوافذ التي يطل المسلمون من خلالها على العالم، وعن طريقه يمكن تحقيق جملة من الأهداف، من أهمها:
التعريف بالإسلام وشرائعه ومبادئه الإنسانية، وما يملكه من رصيد حضاري كبير يمكنه من الإسهام الفاعل في ترشيد مسيرة الحضارة الإنسانية.
الرد على الافتراءات المثارة عن الإسلام، وتصحيح الصورة المغلوطة عنه، وعن دوله ومؤسساته في الأوساط الدينية، والعلمية، والإعلامية.
الإسهام في مواجهة التحديات وحل المشكلات التي تواجه البشـرية بسبب بعدها عن الدين، وتنكرها لقيمه وأحكامه، ما أوقعها في براثن الرذيلة، والظلم، والإرهاب، وهتك حقوق الإنسان، وإفساد البيئة التي أنعم الله، عز وجل، بها على البشرية.
مساندة القضايا العادلة المتعلقة بحقوق الإنسان المشروعة والدفاع عنها، وتكوين رأي عام عالمي يناصرها، ويهتم بها، ويتعاون على تحقيق مطالبها المشروعة.
كشف دعاوى المروجين لصـراع الحضارات ونهاية التاريخ، ورفض مزاعمهم بعداء الإسلام للحضارة المعاصرة، بهدف إثارة الخوف من الإسلام والمسلمين، وفرض السيطرة على شعوب العالم، وبسط ثقافة واحدة عليه.
التعرف على غير المسلمين وثقافاتهم، وإرساء المبادئ المشتركة معهم، ما يحقق التعايش السلمي والأمن الاجتماعي للمجتمع الإنساني، والتعاون في بث القيم الأخلاقية الفاضلة، ومناصرة الحق والخير والسلام، ومكافحة الهيمنة، والاستغلال، والظلم، والفساد الخلقي، والتحلل الأسري، وغيرها من الشرور التي تهدد المجتمعات.
حل الإشكالات والخصومات التي قد تقع بين المسلمين وغيرهم ممن يتشاركونهم الأوطان والمجتمعات بدرجتي الأكثرية أو الأقلية، وتوفير المناخ الصالح للتعايش الاجتماعي والوطني، بلا مجافاة أو خصومات أو تباعد.
تحقيق التفاهم بين الحضارات والثقافات الإنسانية، وتأكيد انخراط المسلمين ضمن التعددية الحضارية لبني الإنسان، وتوظيف هذا التفاهم لتحقيق السلام العالمي وحمايته.
دعم التواصل بين أتباع المذاهب الإسلامية، سعيًا إلى وحدة الأمة، وتخفيفًا من آثار العصبية والخصومة.

منهج الحوار

تدارس المؤتمر في المحور الثاني منهج الحوار وضوابطه من خلال الآيات القرآنية التي تتضمن دروسًا حوارية بين الأنبياء وأقوامهم، وترسم ملامح الحوار المشروع، وتوضح ضوابطه ومحظوراته، كما تدارس التطبيق العملي لهذا المنهج في حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه والعلماء المتمسكين بهديه: ‭}‬قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ‭{‬ «يوسف: 108». وفي هذا الصدد أكد المؤتمر ما يلي:
الالتزام بضوابط الإسلام وآدابه في الحوار، بأن يكون موضوعيًا، وبالحكمة والحجة والبرهان، والجدال بالتي هي أحسن، دون إسفاف أو تطاول على معتقدات الآخرين، مما لا يرتضيه الإسلام، ولا تقتضيه موضوعية الحوار: ‭}‬وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‭{‬ «العنكبوت: 46».
الحوار الهادف والتعايش السلمي والتعاون بين أتباع الرسالات وغيرهم لا يعني التنازل عن المسلمات، ولا التفريط في الثوابت الدينية، ولا التلفيق بين الأديان، وإنما يعني التعاون على ما فيه خير الإنسان، وحفظ كرامته، وحماية حقوقه، ورفع الظلم، ورد العدوان عنه، وحل مشكلاته، وتوفير العيش الكريم له، وهي مبادئ مشتركة جاءت بها الرسالات الإلهية، وأقرتها الدساتير الوضعية وإعلانات حقوق الإنسان، فالحوار يجري وفق القاعدة القرآنية: ‭}‬لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ‭{‬ «الكافرون: 6».
كما أوصى المؤتمرون رابطة العالم الإسلامي بالاهتمام بآليات الحوار، ومؤسساته، ووسائله، وبرامجه، ودعوا الرابطة إلى ما يلي:
تكوين هيئة عالمية للحوار، تضم الجهات الرئيسة المعنية بالحوار في الأمة الإسلامية، وذلك لوضع استراتيجية موحدة للحوار، ومتابعة شؤونه، وتنشيطه، والتنسيق والتعاون في ذلك مع الجهات المعنية به.
وقرر المؤتمر تكوين فريق مختص تختاره الرابطة ممن شارك فيه، لدراسة الخطوات اللازمة لتكوين الهيئة العالمية للحوار، ووضع تصور لها يعرض على اجتماع لاحق للجهات المعنية بالحوار في الأمة الإسلامية، وكذلك متابعة ما صدر عن هذا المؤتمر.
إنشاء «مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي للتواصل بين الحضارات»، بهدف إشاعة ثقافة الحوار، وتدريب مهاراته وتنميتها وفق أسس علمية دقيقة.
إنشاء «جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للحوار الحضاري»، ومنحها للشخصيات والهيئات العالمية التي تسهم في تطوير الحوار وتحقيق أهدافه.
عقد مؤتمرات وندوات ومجموعات بحث للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات والفلسفات المعتبرة، يدعى إليها أكاديميون وإعلاميون وقيادات دينية تمثل مختلف الثقافات العالمية.
وقد شكر المؤتمر الهيئات الإسلامية المختلفة على ما قدمته للحوار، ودعاها إلى المزيد من التعاون والتنسيق، في تطوير الحوار واستثماره في تحقيق مصالح الأمة الإسلامية، من خلال اتباع الخطوات التالية:
ممارسة الحوار ضمن ضوابطه وأهدافه الشرعية، وفيما يحقق المصالح العليا للأمة الإسلامية، ودراسة مسائله كافة، وتأصيلها، والإعداد الجيد لها وفق الأطر الشـرعية، والتحلي بآداب الإسلام في الحوار، والنأي عن التجريح والإسفاف، والوقوف فيه موقف النِّد، مع الاعتزاز بالخصوصيات الثقافية للأمة المسلمة، وتمثيلها في اللقاءات الحوارية بما يليق بمكانتها الحضارية.
توحيد الموقف الإسلامي من الحوار من خلال الهيئة العالمية المختصة بذلك في رابطة العالم الإسلامي، واحتساب هذه الهيئة الملتقى التنسيقي الجامع لمؤسسات الحوار ولجانه، والالتزام بالرؤى الاستراتيجية التي تنبثق عنها.
تركيز الحوار في المشترك الإنساني، والمصالح المتبادلة، والعمل على تحقيق التعايش السلمي والعدل والأمن الاجتماعي بين شعوب العالم وحضاراته المختلفة، والتصدي للتحديات المعاصرة.
إشاعة ثقافة الحوار في المجتمعات الإسلامية والاهتمام بنشر كتبه وترجمتها، والتحذير من دعوات صراع الحضارات وانعكاساتها الخطيرة على السلم العالمي، والتعاون في ذلك مع وزارات الثقافة والإعلام والتربية في الدول الإسلامية.
الإفادة من تجارب الحوار، والسعي إلى تطويره واستثمار برامجه، بمزيد من التعاون مع حكومات الدول الإسلامية ومؤسساتها في برامجها الحوارية، سعيًا إلى النهوض بالمشروع الحواري للأمة الإسلامية، واستثماره في تحقيق أهدافها.
إعداد مجموعة من العلماء المختصين من ذوي الخبرة العالمية في الحوار في مختلف مجالاته وموضوعاته، وتدريبهم على المشاركة في المحافل الدولية للحوار، والمشاركة الإيجابية في اللقاءات الحوارية.

الحوار بين المسلمين وغيرهم

أما في المحور الثالث، فقد تدارس المؤتمر تجربة الحوار بين المسلمين وغيرهم خلال العقود الخمسة الماضية، واستشرف آفاق مستقبل الحوار مع مختلف أتباع الرسالات والملل والثقافات، ورأى ما يلي:
فتح قنوات الاتصال والحوار مع أتباع الرسالات الإلهية والفلسفات الوضعية، والمناهج الفكرية المعتبرة، تحقيقًا لعموم رسالة النبي، صلى الله عليه وسلم: ‭}‬وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‭{‬ «سـبأ:28»، ما يساعد على تحقيق المصالح الإنسانية المشتركة.
الانفتاح في الحوار على جميع الاتجاهات المؤثرة في الحياة المعاصرة، سياسية وبحثية وأكاديمية وإعلامية وغيرها، وعدم الاقتصار على القيادات الدينية.
شمول الحوار الجهات ذات المواقف المسيئة للإسلام، لبيان حقائق الإسلام، وتوضيح المفاهيم الخاطئة التي قد تكون سببًا في إساءتهم.
وأكد المؤتمر حاجة العالم إلى المزيد من الحوار من أجل التفاهم والتوافق على صيغ تحول دون وقوع الصدام بين الحضارات.
وأوصى المؤتمر رابطة العالم الإسلامي والمنظمات الإسلامية الرسمية والشعبية بما يلي:
إنتاج مواد إعلامية بمختلف اللغات ونشرها، تفند نظريات الصراع بين الحضارات، وتبين خطرها على المستقبل الإنساني، وعقد مؤتمر دولي حول: «أخطار نظريات الصدام بين الحضارات على الأمن والسلم في العالم»، وإشراك القيادات المؤثرة، الدينية، والثقافية، والسياسية، والأكاديمية.
مطالبة دول العالم والمؤسسات الدولية، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة، بالقيام بواجباتها في مواجهة ثقافة الكراهية بين الشعوب، ومواجهة الدعوات العنصرية الفاسدة التي تحض معتنقيها على كراهية غيرهم والاستعلاء عليهم، ما يقوض الأمن والسلم العالميين، ويتنافى مع الرسالات الإلهية والمواثيق الدولية، والنظر إلى هذه الدعوات على أنها جريمة تهدد التعايش السلمي بين الشعوب.
دعوة المسلمين في الدول التي يوجد فيها معهم مواطنون غير مسلمين بأكثرية أو أقلية متبادلة حسب الأحوال إلى إقامة حوارات لمعالجة ما قد يقع بينهم من خلافات، لضمان حسن المعايشة بالسلام الاجتماعي، على أساس أن الحوار الذي يحقق الوفاق الاجتماعي من أهم أنواع الحوارات.
دعوة المسلمين في دول غير إسلامية إلى الحوار المستمر مع أهالي تلك البلاد، وتأكيد تحليهم بصفات المواطنة الصادقة، مع عدم التفريط في واجباتهم الدينية.
التعاون مع حكومات الدول والمنظمات الإسلامية في مطالبة هيئة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان العالمية الرسمية منها والشعبية بتجريم حملات الإساءة الموجهة إلى الإسلام ورسوله، صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم، وإصدار القرارات التي تدين الإساءة إلى الأنبياء ورسالاتهم، وتحول دون استغلال الحريات الثقافية والإعلامية بطريقة تقوض التعايش والأمن الدوليين.

تقدير لجهود خادم الحرمين

أعرب المشاركون في ختام المؤتمر عن عظيم تقديرهم للجهود التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في موضوع الحوار، ورعايته هذا المؤتمر الكبير، متطلعين إلى دعمه قراراته وتوصياته.
وتوجهوا إليه، حفظه الله، مؤملين دعوته الكريمة شخصيات متميزة ومختصة في الحوار من المسلمين ومن أتباع الرسالات الإلهية والفلسفات الوضعية المعتبرة، لعرض الرؤية الإسلامية للحو ار، والتي صدرت عن هذا المؤتمر، والاتفاق على صيغة عملية لحوار عالمي مثمر، يسهم في حل المشكلات التي تعانيها البشرية اليوم، وذلك في أقرب فرصة ممكنة.
ومن ثم بذل مساعيه العالمية عبر الأمم المتحدة، ودول العالم ومنظماته، وفق ما يراه مناسبًا.
وأكد العلماء المشاركون في المؤتمر وقوفهم إلى جانبه، حفظه الله، في جهوده لخدمة الإسلام والمسلمين، والبشرية جمعاء، فيما يحقق التعاون والاستقرار والسلام بين المجموعات البشرية كلها، على اختلاف معتقداتها وثقافاتها.
وأعربوا عن عظيم الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية على عنايتها بالحوار، ورعايتها مناشطه ومؤتمراته، كما قدر المشاركون في المؤتمر الجهود التي بذلتها رابطة العالم الإسلامي والهيئات التابعة لها في التعريف بالإسلام والدفاع عنه وعن حامل رسالته محمد، صلوات الله وسلامه عليه، وأكدوا أهمية استمرار مشاركاتها الإيجابية في الندوات واللقاءات، التي كان لها أثر إيجابي واضح في إشاعة ثقافة الحوار، وتصحيح الكثير من الأفكار المغلوطة عن الإسلام والمسلمين.


أسس الحوار

درس المؤتمر في المحور الرابع أسس الحوار وموضوعاته التي يقوم عليها الحوار الجاد حول المبادئ الإنسانية المشتركة، وأكد أهمية المبادئ الإسلامية العامة للتعايش والحوار، والتي تعد مبادئ إنسانية تسعد بها البشرية، وهي:
الإيمان بوحدة أصل البشر، وأنهم متساوون في الإنسانية والكرامة: ‭}‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‭{‬ «النساء:1».
رفض العنصرية والعصبية، والتنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة، فأكرم الناس عند الله أتقاهم، وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى».
سلامـة الفطرة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها، فالله تبارك وتعالى خلق خلْقه محبًا للخير مبغضًا للشر، يركن إلى العدل، وينفر من الظلم، وأن بُعد البشـرية وإعراضها عن هدي الله، عز وجل، وهدي رسله، صلوات الله وسلامه عليهم، هو السبب الرئيس لما يرزح الجنس البشري تحته من الشقاء الذي يهدد مستقبله، ولا منقذ من ويلاته إلا أن يصغي للنداء الإلهي ‭}‬ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا‭{‬ «طـه: الآية123-124».
وما يشجع على حوار المسلمين مع أتباع الرسالات الإلهية السابقة أن الإسلام يعترف بها، وأن المسلمين يؤمنون بأن أساس الرسالات الإلهية التي أنزلها الله على أنبيائه واحد، وهو الدعوة إلى عبادته وحده، وأن المسلمين لا يفرقون بين أحد من رسله: ‭}‬وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا‭{‬ «النساء:152».
وما يشجعهم كذلك عالمية رسالة الإسلام وإنسانية شريعته، بما تفيض به من معاني البر والعدل والرحمة للجنس البشـري برمته: ‭}‬وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ‭{‬ «الأنبياء:107».
كما استعرض المؤتمر موضوعات الحوار، ودعا مؤسسات الحوار الإسلامية والعالمية إلى إعطاء الأولوية في الحوار للموضوعات الآتية:
حماية القيم والأخلاق من دعوات التحلل الخُلقي بدعوى الحرية الفردية.
ظواهر الإرهاب، والعنف، والغلو، والتكفير، ودراسة أسبابها ووسائل القضاء عليها، والتعاون عالميًا على مواجهتها عبر مختلف الوسائل، ودحض شبهة إلصاقها بالإسلام والمسلمين.
مظاهر الظلم والقهر والبغي واستغلال مقدرات الأمم الفقيرة تحت ستار دعاوى تحرير الشعوب وحراسة حقوق الإنسان.
مظاهر العدوان على البيئة بكل مكوناتها، ومواجهة كل عدوان واقع أو متوقع عليها، لتلافي المخاطر والكوارث التي تعم الجنس البشـري بشعوبه كافة: ‭}‬وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا‭{‬ «الأعراف:الآية56».
مشكلات الأسرة وما لحق بنظمها المستقرة في الزواج المشروع والتكاثر من انهيار، والتعاون الدولي على حمايتها، وتوفير مقوماتها الأساسية، ومساعدتها ماديًا ومعنويًا على إعداد جيل صالح يعمر الأرض وفق الهداية الإلهية.
الإعلام في الحياة المعاصرة، واتجاه بعض وسائله إلى إفساد القيم الأخلاقية، وإثارة الفتن، وتأجيج الصراع، والترويج للانحراف والجريمة والإدمان، والتعاون دوليًا على توجيهه لأداء واجبه الفعال في إشاعة القيم والأخلاق الفاضلة.
حقوق الإنسان وما لحقها من انتهاكات، والتعاون عالميًا على حمايتها، ووضع آليات تكفل العيش الكريم للإنسان.
التحديات المختلفة التي يواجهها الإنسان على الصُعد الثقافية، والاجتماعية، والأخلاقية، والتربوية.

نداء المؤتمر إلى شعوب العالم وحكوماته

من خلال تدارس المؤتمر التحديات التي تواجهها الإنسانية، وجه نداء إلى شعوب العالم وحكوماته ومنظماته، على اختلاف أديانهم وثقافاتهم.
ودعاهم إلى:
• التفاهم بيننا وبينهم بأن نؤمن بالله خالقنا، ونعبده وحده، ونتلمس هديه الذي أنزله على أنبيائه ورسله.
• أن نواجه متحدين مظاهر الظلم والطغيان والاستعلاء، ونتعاضد لإنهاء الحروب والصراعات والمشكلات الدولية، ونعمل معًا على إشاعة ثقافة التسامح والحوار، ودعم مؤسساته، وتطوير آفاقه، واعتماده وسيلة للتفاهم والتعاون، وتوطيد ركائز السلم العالمي، والكف عن هدر موارد الإنسانية ومواهبها في إنتاج أسلحة الدمار الشامل التي تهدد مستقبل الأرض بالفناء.
• التعاون على إشاعة القيم الفاضلة، وبناء منظومة عالمية للأخلاق، تتصدى لهجمة الانحلال الأخلاقي، وتواجه العلاقات غير الشرعية خارج إطار الزواج، وتعالج الأخطار المحدقة بالأسرة، بما يصون حق الجميع في العيش ضمن أسرة سعيدة.
• السعي معًا في عمارة الأرض وفق مشيئة الخالق الذي أناط بأبينا آدم وذريته عمارتها وإصلاحها، ووقف الاعتداء على حق الأجيال القادمة في العيش في بيئة نقية من التلوث بأنواعه المختلفة، والحد من أخطاره بالسعي المشترك للتخفيف من آثاره، وترشيد التقدم الصناعي والتقني.
• التعاون في إصلاح الواقع الكوني الذي عمَّ معظمه الفساد والشقاء، وجعله واقعًا تشمله رحمة الله، التي هي جوهر ما أرسل به نبينا محمد، عليه وعلى أنبياء الله الصلاة والسلام، ‭}‬وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ‭{‬ «الأنبياء: 107».