ثقافة

 

الشاعر محمد التهامي:

يكفي الشعر أن يكون لغة القرآن

الشعر عمود فقري للثقافة العربية، وتراجعه يؤثر سلبًا فيها.

• القاهرة: عبده زكي
 

§ الشعر يمثل العمود الفقري للحضارة والثقافة العربية

§ تراجع الشعر يعد تراجعًا للثقافة العربية بشكل عام

الشاعر محمد التهامي هو من الأسماء المعروفة على الساحة الأدبية العربية، والأدب الإسلامي بوجه خاص، حيث تستند قصائده إلى مفاهيم التراث، والأصالة، والعودة إلى الجذور العربية. وخلال رحلته الطويلة أثرى المكتبة الشعرية العربية بعشرة دواوين كاملة، لكنه خاض خلالها معارك أدبية عديدة. فهو يرى أن هناك صراعًا دائمًا بين الأدب الإسلامي وبين أعدائه المتربصين به، الذين يتطلعون إلى محوه وأن يستبدلوا به مدارس أخرى.

هل مازلت تتذكر بداياتك مع الأدب الإسلامي؟
يمكنك أن تقول إن القدر هو الذي صنعني لأكون شاعرًا إسلاميًا رغمًا عني، فقد كان والدي، رغم أنه لم يتم دراسته الأزهرية وتفرغه للزراعة، قارئًا عجيبًا لم أر مثله أبدًا.. كان يمتلك مكتبة صغيرة في بيتنا الريفي بها القرآن الكريم، ودلائل الخيرات، وبعض كتب التراث، لكنه كان مجنونًا بسيرة عنترة بن شداد، وكان يحتفظ بأكثر من اثنين وثلاثين جزءًا، وكان دائم القراءة فيها. ولأنني جئت إلى الدنيا في وقت كان عمر أبي قد تأخر وأصابه الوهن، وضعف بصره فقد عجز عن القراءة، وكنت ساعتها في كُتاب القرية أكاد اقرأ بصعوبة شديدة، لكنه كان يأتيني في الليل، ويغويني وينهرني، ويدفعني على أن أقرأ له في سيرة عنترة بن شداد، فكنت أقرأ له طوال الليل في جميع أجزاء السيرة، ونعيد ونزيد مرارًا وتكرارًا، حتى إنني حفظت في سن التاسعة كل أشعار عنترة بن شداد ومعاصريه، وعشت حياة حميمية جدًا في الجو العربي مع شيبوب، وشداد، وزهير، وعنترة، وغيرهم.

كثيرون يخلطون بين الأدب الإسلامي وأدب الدعوة.. فكيف ترى الفارق بينهما؟
الأدب الإسلامي قسمان أساسيان، الأول يرتبط بأدب الدعوة الإسلامية ويتعلق بتعليم الشعائر وتاريخ الدعوة والتاريخ الإسلامي.. إلخ. والآخر يرتبط بالأدب الإسلامي، وهو من وجهة نظري يمثل كل إبداع فني يرقي الإنسان وقد يبدعه غير المسلمين. وفي هذه الحالة نسميه إبداعًا موازيًا، إنما الإبداع الذي يبدعه المسلمون ويساهم في ترقية الإنسان ودفعه إلى أعلى فهو الأدب الإسلامي بعينه.

أنت رئيس جمعية الأدباء، فماذا أضافت تلك الجمعية للأدب العربي؟
جمعية الأدباء تعد من أعظم الجمعيات الأدبية في مصر، ويكفيني شرفًا أن أكون رئيسها بعد أربعة من العظماء منذ نشأتها حتى الآن، وهم على التوالي د.طه حسين، وتوفيق الحكيم، ويوسف السباعي، وثروت أباظة، ثم توليت أنا المسؤولية منذ أربع سنوات حتى هذه اللحظة. وما من شك في تقدير الدولة الكبير لهذه الجمعية، ويكفى أن تعرف أنها إحدى الجمعيات التي لها الحق في أن ترشح من يستحقون جوائز الدولة التشجيعية، أو التقديرية، أو جائزة مبارك، وأكثر من ذلك أن غالبية من قدمتهم الجمعية حصلوا على هذه الجوائز بالفعل.

لكن.. كيف تقيم دورها في إثراء الأدب داخل مصر وخارجها؟
جمعية الأدباء تهدف من خلال أنشطتها، ومن خلال محاولات جادة، إلى إثراء الحركة الأدبية في مصر والعالم العربي بشكل عام، وإتاحة فرص اللقاء بين الأدباء الكبار والصغار لضمان الاتصال والارتقاء بمسيرة الحركة الأدبية العربية إلى مستواها المأمول، ولها في هذه السبيل وسائل متعددة منها أنها تعقد كل يوم أربعاء أمسية ثقافية فنية يلتقي فيها الأدباء، إما في إطار أمسية شعرية، أو قصصية، أو نقدية، أو لدراسة إحدى الشخصيات الأدبية الكبيرة، ويحضر هذه الندوات أدباء من مختلف المدارس الأدبية.

هل أنت راض عن رصيدك الشعري حتى الآن؟
أقول رافعًا رأسي إنى أكبر شاعر عربي معاصر له إبداع شعري موزون مقفى في العروبة والإسلام، أقول ذلك ودليلي في يدي فمن حيث الكم لي عشرة دواوين، أما من حيث الكيف فلا أُسأل أنا عنه وإنما النقاد. كما أنفرد بميزة أخرى وهي أني الشاعر المعاصر الوحيد الذي له ست قصائد تدرس على مستوى مدارس الوطن العربي، كما دارت حول أدبي ثمان رسائل علمية في الجامعات المصرية والعربية، أربع منها لنيل درجة الماجستير، وأربع لنيل الدكتوراه. ولا أزعم أني أشهر شاعر أو أجود شاعر، كما تصفني الصفوة الأدبية في مصر والعالم، إنما أقول فقط ما أستطيع تقديم الدليل عليه.

إذًا، إلى أي مدى قدَّرك الآخرون؟
الدولة منحتني جائزتها التقديرية منذ أكثر من خمسة عشر عامًا وقبل كل الشعراء الموجودين على الساحة، ولكن على المستوى الإعلامي يتم تجاهلي عن عمد لتلميع المدارس الحديثة بدعوى أن الناس يحبون الجديد لما له من بريق.

وهل تعد ذلك جزءًا من التجاهل لكل ما هو عربي أو إسلامي؟
لا أقول إنها مؤامرة، ولكن أقول إن هناك اتجاهات خارجية معادية تحارب الحضارة والثقافة والأدب العربي. لا أستبعد أن يكون هناك أعداء غير عرب يهمهم محاربة الثقافة العربية يعرفون جيدًا أن الشعر العربي عمود قوي في الحضارة والثقافة العربية، وبالتالي تحاربه بعدة طرق منها توجيه بعض الأقلام العربية الضعيفة التي تشن حربًا غير مبررة الآن على كل ما هو أصولي.. وأنا قلت عندما كنت أشغل منصب سكرتير عام جمعية الشعراء سنه 1960 في اجتماع كبير بنقابة الصحفيين المصرية إن الذي يهز عمود الشعر العربي فإنه يهز اللغة العربية، والذي يهز اللغة العربية يهز القومية العربية، والذي يهز القومية العربية عميل للاستعمار! وأذكر آنذاك أنه ثار بعضهم عليّ، ووقفوا محتجين، ومنهم إحسان عبدالقدوس، ويوسف السباعي، وغيرهما ولكن استطعت مواصلة حديثي ولم أنصت لهذه الاعتراضات.

وإلى أي مدى تحققت أهدافهم من وجهة نظرك؟
لنكن واقعيين عندما نقول إنهم نجحوا إلى حد كبير، بدليل أنك إذا نظرت في بعض زوايا الخريطة الآن فسوف ترى أن الشعر العربي انتقل من الشعر الموزون المقفى إلى شعر التفعيلة وهو شعر لا أرفضه، بل على العكس، عندما كنت عضوًا في لجنة تمنح جوائز الدولة كتبت بخط يدي هذه ثلاثة تقارير لثلاثة شعراء تفعيلة نالوا بها جوائز، بالرغم من أنني لا أكتب التفعيلة، لأن بعضه شعر جيد.. لكن المشكلة الأكبر كانت بظهور شعر النثر وانتشاره، وهو بلا تفعيلة وبلا وزن، ذلك لأنني أرى أنه مقدمة تمهيدية وخطوة سابقة لمجيء نثر النثر، ومن ثم إلغاء الشعر وضياعه نهائيًا.

وما الخطورة في ذلك؟
خطورة الأمر تتجسد في أن الشعر في الحضارة والثقافة العربية، على غير الثقافات الأخرى، يمثل عمودًا فقريًا وأساسًا من أهم أسس الحضارة والثقافة العربية. وتراجع الشعر يعد تراجعًا للثقافة العربية بشكل عام.

وهل يدخل التشجيع المستمر لشعر العامية وشعرائها في إطار المؤامرة؟
ليس مؤامرة بالمعنى المتعارف عليه، وإن كنت من أكثر المتضررين بهذا.. لكن الشعر العامي له بريق لأنه لغة الشارع والبيت والأم والطفل، هذه اللغة لها تأثير سحري في أعماق الإنسان. ونحن لا نعترض، ولكننا ننظر من زاوية أننا نحن عرب في أي دولة، ولنا لسان عربي مبين يجب أن نغلبه على لساننا المحلي الذي لا بد أن يكون في دائرة ضيقة محدودة.. نحن لا نريد أن نعيش كقطع متناثرة داخل أقطار متباعدة، نريد أن نعيش في كيان واحد، خصوصًا أننا بتنا في زمن تجتمع فيه كل الدنيا.. ويكفي للشعر العربي أن يكون لغة القرآن.

ما أبرز الجوائز التي تعتز بها؟
نلت جوائز كثيرة جدًا ولها قيمتها المعنوية في نظري، حتى وإن كانت قيمتها المادية ضعيفة..أول جائزة حصلت عليها كانت سنة 1956 وهي جائزة لها مكانة خاصة في نفسي، لأن المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب منحني إياها دون أن أتقدم بطلب المشاركة، ما يضاعف بالطبع من قيمة الجائزة، حيث قام بجمع كل ما نشر وأذيع من أشعار في أثناء معركة العدوان الثلاثي على مصر، وأسرد لها جوائز عديدة، كما نلت الجائزة الذهبية الأولى. بعدها حصلت على جائزة الشعر القومي، ثم جائزة الدولة التشجيعية في الشعر سنه 1990، ثم جائزة الملك الحسن الثاني في المغرب، ومن مؤسسة اليماني. كما حصلت على وسام القائد الأعظم من باكستان بعد أن ترجموا بعض أشعاري إلى اللغة الأردية، وغير ذلك العديد والعديد من الجوائز.