دحول الصُّمان..
خيـر الخطائين التوابون
• أميمة عبدالعزيز زاهد
الخطأ سلوك وارد وكلنا نذنب.. وكلنا نخطئ.. وكلنا نقبل على الله تارة وندبر أخرى، ونخافه ونحذر من تصرفاتنا مرة، وتتملكنا الغفلة أحيانًا.. والسهو والتقصير من طبع البشر، فنحن لسنا معصومين. وقد قال عليه الصلاة والسلام: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون». ولا بد لنا أن نعود أنفسنا ألا نحاول البحث عن الأخطاء الخفية، ولنصحح الأخطاء الظاهرة، ولا نصدق كل ما يقال لنا قبل أن نستفسر ونتأكد من مصداقيته، وأن ندرك أن مراجعة الأخطاء وتصحيحها تحتاج إلى اعتدال وموضوعية في المستويات كافة.
كما أن الإلحاح على ملاحقة الخطأ قد يصنع مشكلة جديدة وخطأ آخرَ، وأن نتعلم أن الناس تتعامل بعواطفها أكثر من عقولها، والأخطاء لا يمكن أن تعالج بين يوم وآخر، ولا تعالج من خلال إصدار قرار، ولكنها تحتاج منا إلى جهد ومثابرة ومراجعة.. والأهم من كل ذلك أن يكون التغير نابعًا من قناعاتنا ورغبتنا في التعديل.
ففي بعض الأحيان قد نرتكب أخطاء في حق الآخرين.. وقد تكون دون قصد منا، ولا نصدق أننا كنا بتلك القسوة والانفعال، ونعود بعدها نندم على عدم قدرتنا على التحكم في أعصابنا، ونظل نبحث عن أي مبرر لنرتاح من وخز الضمير.. فكيف يا ترى سيكون تصرفنا حيالها؟ وما مدى معرفتنا لفن الاعتذار؟ وماذا نعرف عن مقوماته وشروطه؟ ففي بعض المواقف قد تنفع كلمة أسف، ولكن في أحيان أخرى لا تفي هذه الكلمة بالمطلوب، ولا بد أن يتبعها شرح أو تفسير وتعليل لما حدث من سوء الفهم. فالقدرة على النظر إلى الموقف والشعور به كما يراه الطرف الآخر، وتفهم وجهة نظره، والشعور بمعاناته، واستباق حسن الظن، والامتناع عن إصدار حكمنا دون تعقل.. كلها أمور مطالبون بأخذها في الحسبان. وحتى يكون الاعتذار ذا قيمة لابد ألا يبنى على مبررات وأعذار واهية ولا بطريقه فظة وكأننا نعاتب لنجرح وليس لنداوي، ونزيد الأمور تعقيدًا. فانتقاء الألفاظ مهم جدًا، وتحمل المسؤولية إذا كنا حقًا مخطئين أهم، فلا نلقي اللوم على الغير، أو على سبب بعيد عن أصل الموضوع. وحتى نسترجع ثقة من أخطأنا في حقه لا بد أن نعترف أمامه بخطئنا، وأن نوقن بأن الاعتذار لا يقلل من قيمتنا.. وقد قال الفاروق عمر، رضي الله عنه، في موقف أمام جمع كبير من الصحابة: «أصابت امرأة وأخطأ عمر».
فالصدق هو أساس استمرار الشعور بالسعادة في التعامل مع المحيطين حولنا، والصراحة دون تجريح، واختيار الوقت المناسب، واستخدام العتاب الخالي من الكراهية والشماتة، والاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه والشكر لمن يقدم إلينا معروفًا مهما صغر أمر واجب. فمن لم يشكر الناس لا يشكر الله، كما أن قمة الأخلاق لا تتجلى فقط بالصمت والتسامح مع من أخطأ في حقنا، ولكن بالعفو عند المقدرة لمن أساء لنا. فالإحسان والتخلي عن رد الإساءة يستلزم إيمانًا صادقًا، وهو علاج ناجع لمن أمامك في تحسين سلوكه وتقويمه بعد ذلك. فالمصارحة والمعاتبة والاعتذار أمور لا بد أن نروض أنفسنا على ممارستها بقلب خالص ونية سليمة قائمة على التبرير المقنع، والاعتذار بنفس طيبة، فلا نتردد في البدء بالمصارحة وتوضيح تصرفاتنا، أو الاستفهام عن أي أمر قد تضيق منه صدورنا، ولا نسكت أو نؤجل ما قد نشعر به من ظلم، والبعد عن كل ما ينغص علينا حياتنا. أما القيام بتخزين ما نعانيه بداخلنا فيجعل قلوبنا تنبض بالكراهية.
وليس من الإنصاف أن نحكم على غيرنا من كلمة تقال، أو موقف رأيناه، أو عبارة سمعناها.. فالنفس قد تهدأ، ولكن يبقى الأثر في الأعماق. فلنبادر بالمصارحة، ونُقْدِم بشجاعة حتى ينكسر الجدار بيننا وبين الآخرين.. فكسر الحاجز أفضل بكثير من تراكم الكراهية.
وأحيانًا لا يشعر المخطئ أنه أخطأ ويظن نفسه على صواب، وعلينا قبل أن نلومه أو نعاتبه أن نزيل الغشاوة من على عينيه ليعلم أنه على خطأ، وأن نتقبل من يخطئ حتى نتمكن من معالجته بصبر، وحب، وتسامح، لأن لومه في الغالب قد يؤذيه ويحطم كبرياءه ولا يأتي بنتائج إيجابية، وكلنا لا نحب من يوجه لنا اللوم.. فحينما نكثر عتابه وتوبيخه باستمرار ربما تُحطّم نفسيّته وشخصيّته، كما أن الجدال قد يسبب ألمًا أعمق أثرًا من الخطأ نفسه. لذا فإن معالجة الخطأ تحتاج منا إلى أن نتعامل بذكاء، وبأسلوب حكيم، ونظرة إيجابية، وأن ندرك مدى تأثير الكلمة الطيبة، وأنّ نتفهّم دوافع الآخرين ونمنحهم حسن الظن، ونبرر لهم أخطاءهم، ونلتمس لهم العذر، ونتغاضى ونتغافل عن بعض تصرفاتهم، ما يساعد على تجاوز الأخطاء وتداركها.
ومضة
علينا ألا نقف كثيرًا عند أخطــــــاء ماضينا.. لأنها ستحيل حاضرنا جحيمــًا، ومستقبلنا حطامــًا.. ويكفينا منها وقفة اعتبـــار تعطينا دفعة جديــدة في طريــــق الحق والصواب. ولكي نعالج الأخطاء يجب أن نتذكر أخطاءنا تجاه الآخرين، وأن نتحلّى بالصبر على الناس وعلى أخطائهم، وعلى أنفسنا قبل ذلك. يقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».