ندوة

 

المفكر عبدالوهاب المسيري:

الإيمان يفسر الإنسان

انشغلنا بشكل المصطلحات عن مضمونها, وبعض أسئلتنا «تفتت» العقل الإنساني!

• الرياض: أهلاً وسهلاً

 

الحديث عن شخصية ثقافية بحجم د.عبدالوهاب المسيري يأخذنا إلى أبعاد مختلفة ومتنوعة تمامًا، كما هي تجربته الثرية في رحلة البحث العلمي والممارسة الفكرية والثقافية بين النظرية والدراسة والتطبيق، حيث تشير كل القراءات المنصفة إلى أن المسيري نجح في كتابة نموذجه الخاص ضمن مشروع العقل العربي الذي يتجاوز المفاهيم السائدة، ويقترح التغيير بناءً على منجز علمي معرفي ومعطى زمني تاريخي.

المشروع الذي يقوم عليه د.المسيري يجعله يتجاوز مفهوم المثقف إلى مفهوم المفكر، كما أنه من المختصين القلائل بدراسة الثقافة الغربية، فقد اشتهر بدراساته العديدة للحركة الصهيونية التي كان أشهرها موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» التي شكَّلت أحد أهم الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين، حيث استطاع خلالها إعطاء نظرة موسوعية موضوعية علمية جديدة لليهودية بشكل خاص، وتجربة الحداثة الغربية بشكل عام، مستخدمًا ما طوره في مفهوم النماذج التفسيرية في أثناء حياته الأكاديمية.
النادي الأدبي بالرياض استضاف د.المسيري في أمسية بلا تصنيف ولا موضوع محدد، فقط أتاح له فرصة الحديث واللقاء مع المثقفين والأدباء الذين توافدوا بشكل كبير وغير مسبوق، ينبئ عن متابعة عميقة في الوسط الثقافي السعودي لأطروحات المفكر والمؤرخ العربي الكبير وتجربته، قدمه د.سعد البازعي بوصفه المفكر الذي نفض الغبار عن المفاهيم.

الرياض ومرحلة تكونه الفكري

عن الرياض قال د.عبدالوهاب المسيري: «إنها مدينة أعرفها وتعرفني جيدًا، فقد قضيت فيها ستة أعوام هي الأجمل في حياتي، تشكلت فكريًا خلال تلك الفترة، وبلورت فيها نماذجي العلمية والمعرفية من خلال عملي في جامعة الملك سعود، التي تتميز ببيئة فكرية في ظل تجمع عدد من النقاد والأكاديميين، واستفادتهم الدائمة من بعضهم».
ويبدو أنه استمر في ترسيخ أطروحته حول «الموضوعية» التي تحدُّ من الاجتهاد، لذلك أسقط هذه الكلمة من معجمه واستبدلها بكلمة «تفسيرية»، لأنها أنسب للتعبير عن قضية وأخرى.فيما بعد تناول قضية الموضوعية المتلقية، بقوله: «إن الثقافة العربية ليست في حاجة إليها بقدر ما هي بحاجة إلى رؤية نقدية وترجمة دقيقة لما يأتي من الغرب. من هنا يجب أن ننقد بعض ما يطرح في الأوساط الدراسية أو الإعلامية من أسئلة تؤدي إلى تفتيت العقل الإنساني».

ما بين الإنسان والطبيعة

تنقل المسيري بين بعض موضوعات دراساته الفكرية، فتناول كذلك الفوارق التي يراها بين الظاهرتين الطبيعية والإنسانية في ضوء اطلاعه على عدد من المعتقدات والنظريات الغربية، فقد اكتشف علميًّا قدرة الدين الإسلامي على تفسير الظاهرة الإنسانية بمختلف أشكالها، فالإيمان يفسر الإنسان بما هو أرقى منه، لكن المادة تفسره بما هو أدنى منه.

جولة المعاني والمفاهيم

أسئلة كثيرة تتابعت من النقاد على د.المسيري، حيث تنوع مجال الحديث ما بين عدة محاور فكرية ونقدية، فتساءل البعض عن موسوعته وأصدائها العالمية، كما تحدث د.موفق زريق عن قضية حفر المصطلحات وتفكيكها، ووصفها بـ«الألغام الفكرية» التي يرددها البعض دون إدراك لمعانيها، بينما رأى د.علي عفيفي أن وجود شخصية فكرية كبيرة بحجم د.المسيري يحتم عليه طرح أسئلة كبيرة، وطالب بالتوقف عن استنزاف العقول في البحث الأكاديمي ونقد المفاهيم، والتركيز على وضع حلول للأزمات الراهنة، أو ما وصفه بـ«التفكير في الخروج من الحفرة العربية».

الفكر وانتقاد الأزمة الثقافية العربية

تجنب المسيري إدراك الفيض الكبير من التساؤلات بحديث مختزل متنوع، بدت عليه النبرة الثقافية العامة، بعكس الجزئية الأولى من الندوة التي تركزت على الطرح الفكري العميق، حيث قام بتعريف الصهيونية بقوله: «إنها حركة استعمارية استيطانية، تستخدم اليهودية كديباجة لها ليس أكثر، وإن نسبة كبيرة من اليهود الحاليين علمانيون ولا يطبقون اليهودية الحقيقية».
تحدث كذلك عن تجربته الخاصة، فكشف عن أسبقيته على المفكرين الغربيين في طرح قضيتي: «نهاية التاريخ»، و«سيولة الحضارة» وانتقد النظرة الشكلية لدى معظم العرب إلى بعض المصطلحات، حيث تقتصر على طريقة نطقها، مثلاً، وما إذا كانت بالفتحة أم بالكسرة، دون التفكير في جوهرها وإدراك مضمونها. من هنا تبرز مسألة أهمية الوعي بمفهوم الحداثة بوصفها تقوم على استخدام العلم والعقل والفكر للوصول إلى الرقي الحضاري، وأن الديمقراطية الحقيقية يجب أن ترتكز على المرجعية الإنسانية العامة.