قلب الرياض النابض
أسس معبداية الدولة السعودية الثانية.
• الرياض: نزار الغنانيم
• تصوير: هشام شما
§ يعود تاريخ إنشاء قصر الحكم إلى نحو عام 1160هـ
§ روعي في إعادة إعماره المحافظة على الملامح التقليدية التي كانت سائدة في الرياض
شكلت منطقة قصر الحكم، منذ تأسيس الدولة السعودية الثانية، معلمًا بارزًا من معالم الرياض, حيث كانت بمنزلة القلب النابض لمدينة الرياض, ويحمل في أركانها أبرز ملامح تاريخ الدولة السعودية, أعيد بناؤه في الوقت الحالي بشكل يبرز ملامح الماضي في شكل عصري.
يعود تاريخ إنشاء قصر الحكم إلى حوالي عام 1160هـ في عهد دهام بن دواس, ثم أعيد بناؤه في عهد الإمام تركي بن عبدالله، مؤسس الدولة السعودية الثانية, والذي اتخذه مقرًا للحكم والإمارة بعد أن انتقل إلى الرياض وجعلها عاصمة لدولته بدلًا من الدرعية, حيث أضاف إليه أجنحة وأبراجًا, وأدخل عليه بعض الإصلاحات.
وشهد القصر في عهد الإمام فيصل بن تركي عملية إعادة بناء, حيث زيدت مساحته, وتم تحصينه بعد أن اتخذه الإمام سكنًا له ولعائلته. وعمل الإمام فيصل على إعادة بناء المسجد الجامع المجاور للقصر وزاد من سعته, وأدخل على ساحته زخارف إسلامية لم تكن معروفة في نجد في ذلك الوقت, وأنشأ ممرًا علويًا يربط القصر بالجامع. استمر القصر مقرًا للحكم في مرحلة ما بعد الإمام فيصل, حيث اتخذه أبناؤه، الذين تولوا الحكم بعد وفاته، مقرًا لهم.
مقر الحاكم
أعيد بناء القصر في عهد الملك عبدالعزيز في مكانه السابق نفسه عام 1330ﻫ, واتخذه مقرًا له حتى عام 1357هـ عندما انتقل إلى قصر المربع. وقد أمر في تلك الفترة ببناء عدد من القصور, وبنى قصرًا كبيرًا خصص للضيوف في الجهة الشمالية لقصر الحكم.. ومن أجل سهولة التنقل والاتصال أمر ببناء ثلاثة جسور مسقوفة بالأخشاب, الأول يربط بين قصر الحكم من جهة والجامع الكبير من جهة أخرى, والثاني يمتد من منتصف القصر من الجهة الشمالية إلى قصر الضيافة, والثالث يربط بين قصر الحكم وقصور العائلة.
كان قصر الحكم في ذلك الوقت يعد أكبر بناية في الرياض, حيث كانت مساحته تزيد على 1500 متر مربع, وقد تم تصميمه وفق الطراز المعماري الذي كان سائدًا في ذلك الوقت, حيث بني كغيره من بيوت الرياض بمواد اللبن والطين.
وكان القصر في عهد الملك عبدالعزيز يتكون من طابقين وأربعة أجنحة, كل جناح يتكون من غرف واسعة، وقاعات، وسلالم وساحات. ويعد الجناح الشمالي من أوسع هذه الأجنحة وأهمها, حيث خصص الطابق الأرضي منه لتخزين المواد الغذائية المختلفة واللازمة للتموين, وصالة الطعام الرئيسة التي تبلغ مساحتها 1120 مترًا مربعًا, إضافة إلى مجالس وقاعات. أما الطابق الأول من الجناح فكان مخصصًا لأعمال الديوان الملكي, وكان يحتوي على غرفة بلاط الملك, ومجلسي الملك الخاص والعام. وبني في داخل القصر وخارجه عدد من «الدكك» ليجلس عليها الزوار من رجال القبائل والمراجعون من أصحاب الحاجات, أما الجناحان الشرقي والجنوبي فقد خصصا للمكاتب، وإدارة الجيش، ومستلزمات الشؤون الداخلية، ومقرات حراس القصر والخدم ومساكنهم.
الدخول للقصر كان عبر بوابتين كبيرتين، تقع إحداهما في الجهة الشرقية للقصر, ويبلغ ارتفاعها حوالي ثلاثة أمتار، وعرضها أربعة أمتار، وسميت هذه البوابة ﺑ«بوابة أبو عشرة» نسبة إلى أحد حراسها. وتحتوي هذه البوابة على فتحة صغيرة يستخدمها سكان القصر عند إغلاق البوابة الكبيرة في الليل. والبوابة الثانية تقع في منتصف القصر من الجهة الشمالية, ويبلغ عرضها أربعة أمتار، وارتفاعها ثلاثة أمتار, وبني فوقها برج مرتفع, وسميت ﺑ«باب ابن عصفور» نسبة إلى أحد حراسها. وكانت هذه البوابة مخصصة لدخول البلاط الملكي، والدواوين، والضيافة الملكية.
كان القصر يضم مدرسة خاصة بالعائلة المالكة, وتتكون هذه المدرسة من ثلاثة فصول أو أربعة فصول, وكانت تدرس جميع المواد الدراسية السائدة في تلك الفترة, وكان موقعها في الجهة الغربية من الطابق الأول. وضم القصر خزانة للكتب والمخطوطات, والتي كانت توزع مجانًا على طلبة العلم.
مركز سياسي وإداري
تميز القصر بموقعه المميز, حيث كان يشرف على جميع جهات المدينة, فيطل من الجهة الشمالية على ساحة الصفا, والتي أعدت خصيصًا لإقامة الاحتفالات في المناسبات مثل عيدي الفطر والأضحى، ومناسبات أخرى مثل ختم القرآن. ويجتمع في هذه الساحة الزوار والوافدون على قصر الحكم من مختلف مناطق المملكة لقضاء بعض المصالح، أو لمقابلة الملك والسلام عليه.
ومن الجهة الشمالية الشرقية يطل القصر على حي «الثميري»، وحي «حلة الأجناب»، وقصر «المصمك» والمنطقة المحيطة به، و«حلة الظهيرة» وما حولها. ويطل من الجهة الشمالية الغربية على المسجد الجامع, وحلة المعيقلية، وحلة العطايف. ومن الجهة الجنوبية يطل على حي دخنة, أما من الجهة الغربية فيطل على «المقيبرة», ومن الجهة الجنوبية الغربية «حلة المريقب», ومن الجهة الجنوبية الشرقية أحياء الحلة والقرى وما حولهما.
القلب النابض لمدينة الرياض
وبحسب الهيئة العليا لتطوير الرياض, فإنها وضعت برنامجًا لتطوير منطقة قصر الحكم, وذلك انطلاقًا من الأهمية التاريخية للمنطقة, ومن أجل إعادة المنطقة إلى ما كانت عليه في السابق, حيث كانت تمثل القلب النابض لمدينة الرياض. وقد شهدت المنطقة عملية تطوير على عدة مراحل, وأعيد بناء قصر الحكم وفي موقعه السابق نفسه, وعلى مساحة تقدر ﺑ11500 متر مربع. وقد روعي في عملية إعادة إعمار القصر المحافظة على الملامح التقليدية التي كانت سائدة في الرياض, ويبدو الشكل الخارجي كأنه مؤلف من جزءين: أحدهما جنوبي ويتكون من ستة أدوار, وصمم على هيئة قلعة محاطة بأسوار, وتتوزع على أركانها أربعة أبراج ضخمة ترمز للقوة والمنعة, ويتوسطها برج خامس ليشكل مصدر إضاءة وتهوية للأفنية والمكاتب الواقعة أسفله. والجزء الآخر يلتصق بالبرج الخامس من الجهة الشمالية وهو مؤلف من خمسة أدوار, الواجهات الخارجية صممت لتعطي إحساسًا بالرحابة والسعة, وهي شبه مصمتة، تنتشر داخلها سلسلة من الفراغات والأفنية المتنوعة الأحجام, تم توزيعها بشكل مرن.
ويحتوي القصر في الوقت الحالي على مجلس ملكي مساحته 2000 متر مربع, ويبلغ ارتفاعه 14 مترًا, وضعت على جانبي المجلس صفوف من الأعمدة المغطاة بالرخام, وزينت جدرانه بزخارف ونقوش على الطراز المحلي. ويضم الدور الأول مكتبًا لخادم الحرمين الشريفين، ومجالس ملحقة به, وصالة كبيرة للطعام تبلغ مساحتها 1120 مترًا مربعًا, إضافة إلى العديد من المجالس والقاعات وعناصر أخرى. ويضم الدور الأول مكتب أمير منطقة الرياض, وجناحًا خاصًا له, وقاعة اجتماعات، وصالة طعام.