سياحة وسفر

 

 

«القصبة» حي البسطاء بالجزائر العاصمة.. وقبلة السياح

انتعاش السياحة في حي القصبة العتيق

أهم غرف قصر «خداوج العمياء» تلك التي أقام بهانابليون.

• الجزائر: إلياس فضيل

بدأت أزقة القصبة العتيقة في الجزائر تستعيد حيويتها بعد سنوات من النسيان والجمود، وأصبحت تشكل واجهة حقيقية للمدينة القديمة التي تستقطب السياح يوميًا، وحتى تلك الأزقة المهترئة التي تنتظر الترميم أضحت تستقطب هؤلاء أيضًا، في الوقت نفسه بدأ أصحاب الحرف التقليدية الذين تعج بهم أحياء القصبة يستعيدون نشاطهم، إذ أصبح السياح يقتنون بعض منتوجاتهم التي كانت تبقى مكدسة لأيام، أو أن يتم التصرف فيها عن طريق بيعها لأصحاب بعض المحال التجارية وسط المدن.

في قلب معركة الجزائر

يُجمع أغلب السياح الأجانب على أن حي القصبة يعد من أفضل الأماكن التراثية التي زاروها، إذ يفضلون الجزائر على الدول المجاورة بما تزخر به من إرث تراثي وتاريخي.

شاهد على تاريخ الأمة

يعد حي القصبة بموقعه ومعالمه وهندسته شاهدًا على ذاكرة الأمة وتاريخ الشعب الجزائري، لاحتوائه على أكبر تجمع عمراني لمبانٍ يعود تاريخ بنائها إلى العهد التركي، ومنها قصر مصطفى باشا، وقصر دار الصوف، وقصر دار القادس، وقصر سيدي عبدالرحمن، ودار عزيزة بنت السلطان، وقصر دار الحمرة الذي تحول إلى دار للثقافة إلى جانب قصر أحمد باي الذي يستغله المسرح الوطني، وما زالت هذه القصور موجودة، ومنها ما حُوِّل إلى مكتبات ودور ثقافة، أو مراكز للتأهيل المهني، أو متاحف.
ويعد حي القصبة من الأماكن التي ألهمت الأديب الجزائري الراحل والشهير محمد ديب في رواياته مثل: «دار السبيطار»، و«الحريق»، و«الدار الكبيرة»، وكلها روايات تقع أحداثها في القصبة.

الفرنسيون يراودهم الحنين

تقول إحصائيات وزارة السياحة الجزائرية إن أغلب السياح الذين يفضلون الجزائر كوجهة لهم من الأوروبيين، وأكثرهم من الفرنسيين، ويؤكد عدد من السكان أنهم يشاهدون العشرات من السياح يتوافدون على القصبة يوميًا، وأنهم يحظون بحفاوة كبيرة، وأن العائلات أصبحت تستضيف، أيضًا، هؤلاء السياح كما جرت العادة في السنوات الماضية.
برنارد، رجل طاعن في السن من جنسية فرنسية، يقول إنه من مواليد مدينة عين البنيان «20 كم شرق العاصمة الجزائر»، وإنه لم يرَ القصبة منذ أن غادر الجزائر عام 1963، وإنه يعود للوقوف على ذكرياته الماضية.
يرى برنارد أن القصبة بقيت يقظة في ذاكرته كما تركها خلال السنوات الأولى للاستقلال، وأن طباع سكانها لم تتغير كثيرًا، وكأن الشباب ورثوا كل شيء بما فيه العادات والتقاليد، في حين تقول «نتالي»، وهي ابنة برنارد إنها تشوقت كثيرًا لرؤية قصبة الجزائر التي سمعت عنها الكثير، وقد تجولت عبر أزقتها العتيقة، وأبدت إعجابها بهذه المدينة القديمة التي تتوسط العاصمة الجزائرية.

مليون سائح سنويًا

حسب تقرير مديرية السياحة فإن مدينة القصبة كان يزورها بين 300 سائح و500 سائح في اليوم خلال الثمانينيات، لينقطع عنها السياح في التسعينيات نهائيًا، أما اليوم فقد بدأت المياه تعود إلى مجاريها، وأصبحت القصبة تستقبل بين 200سائح و400 سائح، وينتظر أن يرتفع العدد ليتجاوز ذلك بكثير.
يشير التقرير، أيضًا، إلى أن عددًا كبيرًا من الصناعيين الفرنسيين ورجال الأعمال الذين يأتون إلى الجزائر يسألون كثيرًا عن القصبة، ويفضل الكثير منهم زيارتها.
وتتطلع وزارة السياحة الجزائرية إلى جذب أكثر من مليون سائح سنويًا إلى القصبة، وأغلب المعالم السياحية في البلاد.

إقبال على كل ما هو تقليدي

يشهد حي القصبة حركة غير عادية صباحًا، ممزوجة بالضجيج ليزعزع سكونه الليلي، ورغم أن تلك الحركة خفت في السنوات الماضية إلا أن الطابع الشعبي للحي ومعرفة السكان بعضهم بعضًا يعطي مسحة خاصة للقصبة وساكنيها.
ويحكي عم محمد، كما يدعوه أبناء الحي، أن القصبة للقصبة وساكنيها، وهي ما زالت تحافظ على خصوصيتها بوجود محال الخياطة والطرز والنحاس، وهي معروفة بأنها حي البسطاء.
تجارة أخرى أصبحت تستقطب السياح الأجانب والعرب الذين يزورون القصبة، تتمثل في البطاقات البريدية التي تصور مدينة القصبة وبعض عادات السكان.
ورغم تميز هذا الحي بالأزقة الضيقة إلا أنه يضم الكثير من المحال الخاصة بالخياطة ومحال صانعي الحرف التقليدية مثل: صناعة الفخار، والنحاس، والأحذية، والألبسة التقليدية كالفساتين الخاصة بالأعراس.
كما خصصت بعض المراكز في قلب القصبة للتكوين المهني المختص بالحرف والصناعات التقليدية التي تشتهر بها كالطرز على الحرير، وخياطة البرانيس والجلابيات الخاصة بالجزائر.

هنا أقام نابليون

وفي قصر «خداوج العمياء» الذي يعد أحد أهم القصور الموجودة في هذا الحي الشهير،إذ يمكن مشاهدة الغرفة التي أقام بها نابليون حاكم فرنسا طيلة مدة إقامته في الجزائر، حيث تم بناء مدفأة لاستقباله، خصوصًا أن فترة إقامته تصادفت مع اجتياح برد قارص مدينة الجزائر.
وقصر «خداوج العمياء» الذي حُوِّل الآن إلى متحف للفنون التقليدية الشعبية، هو أحد القصور التركية القديمة, والعاصمة الجزائرية غنية بأمثلة من هذه القصور, ولكن من المؤسف أن عددًا منها تحتله الإدارات الحكومية، وتحولت جدرانها المكسوة بالفسيفساء إلى أرفف لحفظ الملفات.

التخلص من روتين العصر الحديث

يجد المتجول في حواري حى القصبة وأزقته الضيقة نفسه أمام مناظر لم يشهدها من قبل، فتجعله يتطلع لاكتشاف ما هو في الأفق. وبين بساطة العيش لدى سكان هذا الحي العتيق، وبراعة الهندسة المعمارية لقصور شيدها حكام أتراك يجد الزائر فسحة للخروج من روتين البنايات العصرية.
ويقصد أغلب السياح المكان برفقة دليل سياحي يمكن انتدابه مباشرة بعد حلول الزائر بالمطار، أو عبر وكالات السياحة والسفر، بل إنهم في الغالب يأتون في رحلات منظمة.
ويُحدد رسم الدخول بمئة دينار جزائري أو ما يعادل دولارًا ونصفًا.