سفر وسياحة

بلاد البحر الجميل والهواء العليل

شواطئ أنطاليا كانت عبر التاريخ مصيفًا للأسر يطلون من خلالها على جبال طوروس الشاهقة.

§ مدينة بورصة مشهورة بحماماتها، حيث تنتشر فيها ينابيع المياه الغنية بمختلف أنواع الأملاح والمعادن

§ متحف أيا صوفيا تحفة معمارية فريدة، تملؤه الزخارف البيزنطية، وتتوسطه قبة ضخمة يصل ارتفاعها إلى 30 مترًا

§ طقس أنطاليا المعتدل والدافئ طوال العام يستقطب السياح الأوروبيين لممارسة رياضة الجولف

§ بالإضافة إلى زراعة الحمضيات من برتقال وليمون، تشتهر مدينة أنطاليا بصناعة الأخشاب

 

إذا كنت قاصدًا تركيا في رحلة سياحية، فعلى الأغلب ستكون وجهتك الأولى اسطنبول، هذه المدينة العريقة التي تفرد جناحيها على قارتي آسيا وأوروبا. وأن تزور تركيا للمرة الأولى، فإن ذلك يعني متعة الأوقات بين شواطئ نظيفة وطبيعة جبلية ساحرة، وقبل ذلك عراقة وحضارة ضاربة في جذور التاريخ، تمثلها متاحف وقصور وأسواق متعددة، تعيدك إلى ماضٍ تخال للحظة أن الزمن توقف بعظمته عند مبدعي هذه الحضارة، الذين أينما التفتَّ رأيت ما يذكرك بجميل صنيعهم.

كنا مجموعة صحفيين انطلقنا من قطر في زيارة لتركيا استغرقت ستة أيام. وصلنا اسطنبول صباحًا بعد أن انطلقنا فجرًا من الدوحة. استوقفني يومها أن البرنامج المعد مسبقًا، يبدأ من اسطنبول الحضارة والتاريخ والأصالة، وينتهي بها.
لم يكن مقررًا لنا أن نبقى فيها عند وصولنا غير ساعة من نهار، لحين استقلال طائرة أخرى بعد أربع ساعات طيران.
ما أعرفه عن هذه المدينة أنها عاصمة ثلاث إمبراطوريات: الرومانية، والبيزنطية، والعثمانية، والتي لم يمر بها قائد إلا واتخذها عاصمة.
وبين ذكرياتي النظرية عن تلك المدينة والدعوة التي تلقيتها لزيارة تركيا، كانت تنازعني رغبة بأن تبدأ الزيارة باسطنبول.

أنماط الفنون الإسلامية وأشكالها

ولتسليط مزيد من الضوء على أنماط الفنون الإسلامية وأشكالها التقينا السيد إبراهيم بن عبدالرحمن الهدلق, المشرف على االمعرض, الذي أفاد بأن مجموعة د.عبدالعزيز المشعل للفنون الإسلامية تعد واحدة من المجموعات المهمة في عالمنا العربي, لما تشكله من صحوة حضارية نحو إعادة اكتشافات جديدة لتاريخنا الإسلامي. وتكتسب هذه المجموعة تميزها من شموليتها لمختلف نواحي الفنون الإسلامية, ومن ذلك التنوع الذي يدل على ثراء الحضارة الإسلامية والقدرات غير المحدودة للفنان المسلم القادر على الإبداع والتطور المستمرين مع مختلف الأمكنة ومرور الأزمنة. وهكذا ترسِّخ هذه المجموعة نسقًا أساسيًا في حضارة الإسلام, وهو تلك العالمية والشمولية التي تتخطى الحدود الجغرافية والعصور والحقبات التاريخية, حيث تكتسب الفنون الإسلامية طابعها وتميزها حسب الثقافات المحلية لكل مجتمع، وظروفه، ومتطلباته الذاتية دون أن تفقد ارتباطها بالإسلام بوصفه معطى حضاريًا وتاريخيًا. وتكتمل هذه الاستفادة من هذه المجموعة المتميزة للفنون الإسلامية من خلال التفاعل الدائم والمستمر مع المجتمع والناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية والتعليمية.

أنطاليا الساحرة

ما هي إلا ساعة حتى انطلقنا من مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول، متجهين إلى أنطاليا. هذه المدينة الساحلية الوديعة على البحر الأبيض المتوسط، لم يستغرق الوصول إليها أكثر من ساعة.
ونحن نهبط في مطار أنطاليا، كنت أنظر من نافذة الطائرة، ويا لهذا التناسق الجميل في بناء المدينة على طول الساحل، حيث يقع المطار.
وبالتوازي مع ساحلها الهادئ ربضت عشرات البنايات الحديثة المتناسقة، بألوان بناء متقاربة، وأطوال موحدة، تتجلى فيها فنون العمارة بأبهى صورها، ثم يلفت انتباهك استغلال المساحات المحيطة بالمطار في الزراعة، خصوصًا بوساطة البيوت البلاستيكية.
أما جنبات الطريق نحو الفندق الذي أقمنا فيه، فليست بها مساحة واحدة إلا وقد كستها الخضرة، اللهم إلا القليل من المساحات، ملأتها قطع الخشب، حيث تشتهر هذه المدينة، بالإضافة إلى زراعة الحمضيات من برتقال وليمون بصناعة الأخشاب، التي تشكل أحد مصادر الدخل الرئيسة لسكان المدينة.
بعد رحلة السفر هذه، لا بد من استراحة على شواطئ أنطاليا الساحرة، التي كانت عبر التاريخ مصيفًا للأسر العثمانية يشاهدون أمام ناظريهم جبال طوروس الشاهقة.
وعلى طول الشاطئ تمتد مئات الفنادق الفخمة. إضافة إلى الاستمتاع بالسباحة والجلوس على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، فإن برك السباحة المتنوعة والنوادي الرياضية الحديثة، تنتشر في مختلف فنادق المدينة.
في المساء استمتعنا بالجلوس على شاطئ البحر، وتناول المشويات التركية التي يبدع الأتراك في صناعتها.
يقول محدثي التركي يوسف كاراسالان: «الإقامة في فنادق أنطاليا، تكون شاملة مختلف الخدمات، حيث إن الشواطئ بعيدة عن مركز المدينة، ثم إن هذا الأمر يوفر متعة إضافية وراحة للسائح». كان لافتًا أن معظم المقيمين في الفندق من العائلات، ومعظمهم من الأوروبيين والروس.
هؤلاء يجذبهم طقس أنطاليا المعتدل والدافئ طوال العام، ويسحرهم هذا الهدوء الذي يشعر به كل من يزور المدينة. وإن هواة رياضة الجولف القادمين من أوروبا، يجدون في الفنادق المنتشرة هنا مكانًا مناسبًا وجميلاً، لممارسة هواياتهم المفضلة، حيث يوفر كثير من الفنادق في أنطاليا ملاعب الجولف الحديثة.
ولكن ما لفت انتباهي أكثر هو أن هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة، يقفز عدد مرتاديها إلى قرابة 20 مليونًا في الصيف، حيث موسم قدوم السياح إليها.
وبعد قضاء يوم جميل نسينا فيه عناء السفر، كانت وجهتنا قلعة اسباندوس التاريخية، التي يعود إنشاؤها إلى العصر الروماني «800 عام قبل الميلاد». مكان عريق يتوسطه مدرج ضخم يرتاده السياح من كل حدب وصوب.
وقبل أن يُسدل الليل خيوطه، كانت لنا جولة على شلالات أنطاليا، في أطراف المدينة، حيث المناظر البديعة للمياه والينابيع.
والأكثر روعة هو نظافة البيئة هناك. ولا شك أن المتعة ازدادت مع احتساء فنجان من القهوة التركية في أحد مقاهي الجبل في ظل الأشجار الوارفة، التي يتجاوز عمر أكثرها 600 سنة.
هناك في أعلى التلة مقهى هادئ اعتلى المكان, وقد أحاطت به الجبال الشاهقة, وعلمت من دليلنا السياحي أن هذه المقاهي تنشط في الفصول كلها، حتى في الشتاء. ويستخدم بعضها لتكون منطلقًا لممارسة التزلج على الجليد، إذ إن درجة حرارتها المنخفضة، تتيح تساقط الثلوج بغزارة على مدار فصل الشتاء.
بعد أن تتعرف على المدينة من أعلى، يحين موعد دخولها، لتبهرك متاحفها التاريخية، ومساجدها القديمة، وأسواقها العريقة. وبالتأكيد لن يكفي يوم واحد لكي تتعرف على بورصة التي تكسوها أشجار الزيتون والحمضيات، فهناك الكثير الممتع في هذه المدينة طوال النهار والليل. ولا شك أن حمامًا تركيًا ساخنًا في المساء سيكون كفيلًا بتحقيق الاسترخاء والراحة لك بعد تعب يوم جميل. ورغم أن الحمام التركي متوافر في المدن التركية كافة، إلا أن بورصة هي الأشهر، حيث تنتشر فيها ينابيع المياه الغنية بمختلف أنواع الأملاح والمعادن.

اسطنبول التاريخ

وجهتنا الأولى في اسطنبول كانت متحف طوب كابي الذي تبلغ مساحته 700 ألف متر مربع، ويضم مساجد وقصورًا، ومكتبات، ومتاحف، أنشأه السلطان محمد الفاتح. وكان دائمًا مركزًاللإمبراطورية العثمانية، ومنه تُدار شؤون البلاد. بين جنبات المتحف تشاهد آثارًا تاريخية غاية في الأهمية، جُمعت على مدار سنوات الدولة العثمانية وقبلها ومنها عمامة يقال إنها تعود27 إلى النبي يوسف، عليه السلام، وسيف داود، عليه السلام، وعصا موسى عليه السلام، وآنية إبراهيم عليه السلام، ورسالة من محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى الملك المقوقس، بالإضافة إلى مفاتيح الكعبة المشرفة، وسيوف للخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم من الصحابة. كما تشاهد الأواني الذهبية، وقطع الكريستال، والملابس التراثية.
وإلى جانب متحف طوب كابي يقع متحف أيا صوفيا، وهو تحفة معمارية فريدة. تملؤه الزخارف البيزنطية، وتتوسطه قبة ضخمة يصل ارتفاعها إلى 30 مترًا.
وبالقرب من متحف طوب كابي، يقع جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق، لما يزين جدرانه من بلاط أزرق اللون. وهو مسجد بست مآذن.
لا شك أن الحيوية تعمر اسطنبول، فطالما عُرفت المدينة بذلك. وفي المساء أيضًا، تشهد المدينة حفلات رائعة، استمتعنا فيها بمشاهدة الفلكلور والعروض التركية التراثية، ونحن تتناول طعام العشاء.
وفي تعانق فريد بين الماضي والحاضر، تقف إلى جانب تلك القلاع والقصور، مبانٍ حديثة تضم فنادق، وسفارات، وشققًا سكنية.
وبعد هذه الجولة، كنا على أهبة الاستعداد لمغادرة المدينة التي تعددت أسماؤها عبر التاريخ ما بين بيزنطيوم، ونوفا روم، وقسطنطينة، واسطنبول. ولكن الجولة ما كانت لتكتمل دون أن نُعرِّج على البازار «السوق المغطى» الذي أمر السلطان العثماني محمد بتشييده بعد فتح القسطنطينية عام 1453.
سوق ضخمة تضم آلاف المتاجر التي اصطفت متناسقة وباختصاص: كلٌّ في شارع، حيث شارع للمصوغات الذهبية، وآخر للملبوسات، وثالث للسجاد، والجلديات، والنحاسيات... إلخ.
وعندما ابتعنا ما يُخلِّد ذكرى زيارتنا هذه المدينة، أيقنا أننا أنهينا زيارتنا إلى تركيا، ونحن نرنو للعودة إليها من جديد.