حرف

 

هند الجرَيِّد المشرفة على مركز التدريب لصناعة السَّدو بالجوف:

السدو ..

تحفة من الماضي الجميل

يُصنع بخيوط من القطن والصوف، ويتميز بأشكال هندسية وزخارف جمالية.

• الرياض: أهلاً وسهلاً
 

§ صناعة السدو يدوية بحتة تنفذ باستخدام آلة النول دون استخدام أي أدوات إلكترونية

§ السجادة ثروة وتحفة يحرص على اقتنائها الكثيرون وكلما تقدم بها الزمن تحافظ على جودتها ويرتفع سعرها

§ تختلف طريقة صناعة السدو عن صناعة السجاد من حيث الآلات المستخدمة والنقوش والزخارف

تعد الصناعات اليدوية التقليدية تلخيصًا لتاريخ الأمم، وفي المملكة الكثير من الصناعات التقليدية التي برعت فيها المرأة السعودية، ومنها صناعة البُسُط والسَّجاد، وخصوصًا في منطقة الجوف التي تحدثنا عنها هند الجرَيِّد، المشرفة على مركز التدريب لصناعة السدو التابع لجمعية الملك عبدالعزيز بالجوف، حيث تلقي إضاءات على هذه الحرفة اليدوية.

يشيع في منطقة الجوف صناعة السَّدو، هلا عرفتنا به وبصناعته؟
السَّدو نوع من البُسُط أو السَّجاد من أثاث المنزل، يوضع في غرف الاستقبال، أو الضيافة، أو لتزيين غرف النوم. وهو يصنَّع من خيوط الصوف أو القطن، ويتميز بأشكال هندسية وزخارف جمالية تُنفَّذ يدويًّا باستخدام آلة النَّوْل، حيث تُركَّب الخيوط عليها وتُنسج بها، لنحصل في النهاية على الشكل والزخارف المطلوبة، دون استخدام أي أدوات إلكترونية، فهذه الصناعة يدوية بحتة.

ماذا عن بدايتك في تعلم هذه الحرفة؟
هذه الحرفة من أهم ما يميز منطقة الجوف التي تقع في شماليِّ شرق المملكة، ولا يكاد يخلو بيت في تلك المنطقة من قطعة من السَّجاد أو السَّدو المصنوعة يدويًّا، إما بالشراء من السوق أو بصنع أهل البيت لها. فهي تعد من العناصر التقليدية في البيت الجوفي.. أما بدايتي مع هذه الحرفة فكانت مبكرة، حين كنت أساعد والدتي في صناعتها وأنا طفلة صغيرة، وقد استمرت تدربني على هذه الحرفة حتى أصبحتُ اليوم مشرفةً على مركز التدريب على صناعة السَّدو التابع لجمعية الملك عبدالعزيز بالجوف. وأقوم، حاليًّا، بتدريب الطالبات الملتحقات بالجمعية على هذه الحرفة، على اختلاف أعمارهن، وعددهن الآن 25 متدرِّبة.. ومع كل هذه الخبرة ما زلت تحت إشراف الوالدة.

لا بد لكل نتاج متميز من مراحل يمر بها، فما أطوار هذه الصناعة في الجوف؟
شهدت هذه الحرفة تطورًا كبيرًا، فقد كان النساء في الماضي يستخدمن وبر الجمال، أما اليوم فإن النساء يستخدمن الصوف ويقمن بصبغه، وأحيانًا يخترن ألوانًا مخالفة للألوان القاتمة التقليدية. ويُصنَّع السَّدو بشكل خيوط عمودية تُمد على أوتاد باستخدام آلات خاصة حادة مُصنعة من قرن الغزال، وتختلف طريقة صناعة السَّدو عن صناعة السَّجاد من حيث الآلات المستخدمة، والنقوش، والزخارف. ففي السَّدو تستخدم، غالبًا، الأشكال والزركشات التقليدية، أما في السَّجاد فإن الفرصة متاحة لابتكار نقوش وزخارف متنوعة ومختلفة. ونستخدم، حاليًّا، الألوان الشبابية الجاذبة للجيل الجديد.

كيف ترين اهتمام الفتيات وإقبالهن على تعلُّم هذه الصناعة؟
نشجع الفتيات على تعلُّم هذه الحرفة من خلال برنامج تدريبي في جمعية الملك عبدالعزيز بالجوف، التي فتحت أبوابها للراغبات في تعلمها، ووجدنا إقبالًا كبيرًا، خصوصًا من فتيات العشرينيات، وبعض النساء الأكبر قليلاً. وأقيم في هذا البرنامج دورات في التدريب على صناعة السَّجاد شهدت، أيضًا، إقبالًا متميزًا، فأقمنا معرِضين في الجوف لنتاج الطالبات المتدرِّبات لقيا حضورًا من الزوار عظيمًا، وكان ذلك حافزًا جيدًا للفتيات على الاستمرار، كما أقمنا معرِضًا في الرياض في جمعية النهضة الخيرية النسائية، وكان من أنجح المعارض التي أقيمت من حيث الإقبال، وإعجاب الزائرات، وإبداء كثير منهن الرغبة في تعلُّم صناعة السَّدو والسَّجاد. أما البداية فكانت في محافظة جُدَّة حين عرضنا قطعتين، لاقتا القبول والإعجاب واقتنتهما إحدى الزائرات، ومن ثَم تواصلت الأعمال والمعارض.

ألم يدفعكم هذا النجاح إلى المشاركة في معارض خارج المملكة؟
بلى، كانت لنا مشاركات في عدد من المعارض خارج المملكة، أولها في العاصمة البريطانية لندن من خلال المعارض السعودية التي أقيمت هناك، وكانت من أنجح الفعاليات التي شاركنا فيها. فقد أبهر السَّدو والسَّجاد السعودي الزوار الحاضرين من مختلف دول العالم، وشهد إقبالًا كبيرًا. وكان لنا مشاركات دولية أخرى داخل المملكة، من ذلك معرض الحرف اليدوية في الدول الإسلامية الذي أقيم في الرياض بمناسبة استضافة المملكة لمؤتمر وزراء السياحة في الدول الإسلامية، ولقي ذلك المعرض قَبولًا واسعًا من سكان الرياض وزوَّارها، وحصلت فيه على المرتبة الثانية على مستوى الدول المشاركة بعد كازاخستان. ثم شاركت في دبي بمعرِض شخصي، وحظي، بفضل الله، بإعجاب الكثيرين، وبيعت جميع القطع التي عرضتها فيه، وشاركت أيضًا في معرِض سوق عُكاظ الذي أقيم في مدينة الطائف في الصيف الماضي، وتضمن عرضًا لمجموعات من السَّجاد والسَّدو الذي قمت بصناعته خلال العام الحالي.

ما المراحل التي تمر بها المتدربة على صناعة السَّدو؟
تمر المتدربة بمراحل عديدة، أولها تعلم الطريقة الصحيحة لمدِّ القطن على آلة النَّوْل، وهي آلة خشبية بأحجام مختلفة توضع بشكل عمودي، ثم تُستخدم آلة أخرى تسمى «النير»، وهي آلة تستخدم لتثبيت الخيوط بحيث توزَّع في الأعلى والأسفل، ثم تأتي عملية تنفيذ الغرز للرسم على السَّدو، ولها أنواع عديدة منها «غرزة العويرجان»، وهي مثلثات متداخلة، وهناك أشكال هندسية عديدة تجتهد المتدربات في تنفيذها.

صناعة القطعة الواحدة من السَّدو هل تستغرق زمنًا طويلًا؟
تتطلَّب صناعة قطعة السَّدو غير قليل من الوقت، من أسبوع إلى أسبوعين. أما السَّجاد فيتطلب مدة أطول من شهر إلى شهرين، ويعتمد الوقت على قدرة الصانعة وسرعتها.

ما عدد الفتيات اللواتي تتطلبهن صناعة القطعة؟
يمكن لفتاة واحدة فقط أن تصنع قطعة السَّدو، أما السَّجاد فيختلف بحسب المِساحة، فإذا كانت مِساحة السَّجادة مترين فإن العمل يحتاج إلى فتاتين، وإذا كانت مِساحتها 3 أمتار فإنها تحتاج إلى أربع فتيات.

وما الأصباغ المستخدمة في التلوين؟
عرفت المرأة في الجوف منذ القدم صبغ الخيوط، ولكنها لم تستخدم مثبتات الألوان، فصارت تختلط عند غسل القطع، وهذا ما دفعنا إلى استيراد الصوف الطبيعي من الخارج، حيث يكون ملونًا ومضافًا إليه مادة مثبتة، فنضمن جودة المنتج.

هذا الجهد المبذول في صناعة السَّدو ألا يؤثر في ثمن القطعة؟
تختلف تكلفة إنتاج قطعة السَّدو الواحدة وفقًا للمِساحة، فكلفة القطعة التي مِساحتها 3 أمتار تصل إلى نحو 1500 ريال للمواد والمستلزمات فقط، وبخاصة مادة القطن أو الصوف والألوان، وتستغرق أسبوعين من العمل، فيكون سعرها للمستهلك بين 2500 ريال و3000 ريال سعودي، وهي أسعار مناسبة بالنظر إلى جودة المنتج، والعمر الافتراضي الطويل لقطعة السَّجاد أو السَّدو الذي يصل إلى عشرات السنين دون تلف، إذا ما حفظت بطريقة صحيحة.

يقودنا هذا إلى سؤال مهم: ما وسائل المحافظة على هذه المنتجات؟
يجب أن تُحفظ السجادة وقطعة السَّدو في مكان جيد التهوية، وفي حال عدم الرغبة في استعمال السَّجادة تُنثر فيها قطع مادة «الفونيك» ثم تُلف بطريقة صحيحة، مع مراعاة فتحها بين حين وآخر من أجل التهوية ومنع الرطوبة، كما يمكن استخدام قطع الصابون في السَّجادة للحفاظ عليها من التلف، وفي حال ارتفاع درجة الحرارة يجب استخدام التكييف، أما في حال تلف السَّجادة فلا يمكن معالجتها. وكلما تقدم بها الزمن وهي محافظة على جودتها ارتفع سعرها، لأنها ثروة وتحفة يحرص على اقتنائها الكثيرون.

وماذا عن دعم الجهات الرسمية وتشجيعها لهذه الصناعة؟
ما زال الدعم محدودًا من مختلف الجهات، ولكننا من خلال الجمعية نبذل جهدًا كبيرًا في حث تلك الجهات على توفير الدعم اللازم للنهوض بهذه الصناعة الحيوية والمهمة التي تنفرد بها منطقة الجوف على مستوى المملكة، وعلى مستوى المنطقة العربية. ونتوقع أن تتولى دعم هذه الحرفة إحدى سيدات الأعمال لتصبح مشروعًا استثماريًّا يدر أرباحًا عالية ومضمونة ومستمرة، إن شاء الله تعالى، وسيوفر فرص عمل لأعداد كبيرة من الفتيات والنساء، وبخاصة ذوات التعليم المتوسط والثانوي، إذ يمكن أن يتعلمها الجميع على اختلاف أعمارهن.. فالمهم هو توافر الرغبة والاهتمام.

في الختام، ما الوسائل المطلوبة للتعريف بهذه الحرفة، والترغيب فيها؟
هناك عدة وسائل منها إقامة معارض متكررة ودورية، ونأمُل أن تحظى هذه الحرفة اليدوية المهمة بالمزيد من الدعم الإعلامي، فمستقبل هذه الصناعة مشرق، وسيكون منافسًا للمنتجات من الدول الأخرى في العالم.