رحلات

 

فاروق الزومان يصلي فوق قمة إفرست

أول سعودي فوق سقف العالم

قمة إفرست التي قهر ارتفاعها 3800 مغامر في 55 عامًا من مختلف دول العالم، لقي 225 متسلقًا حتفهم قبل بلوغها كانت مع موعد فاروق الزومان، أول متسلق سعودي للقمة.

§ إن تأثير الضغط، والارتفاع، والإجهاد الجسدي، والحرمان من النوم في أثناء الهبوط، كانت أكثر أجزاء الرحلة خطورة، وليس الصعود إلى القمة

§ الرحلة بدأها في 23 مارس الماضي فريق مغامر مكون من 8 أشخاص: «4 أمريكيين، وبريطاني، وكندي، وعُماني، إضافة إلى السعودي الزومان»

§ بدأت الرحلة تصبح محفوفة بالمخاطر بشكل متزايد بعد المعسكر الثالث في المنطقة الميتة التي تقوم أجهزة الجسم عندها بالتوقف عن العمل، ويفقد المخ قدرته على التركيز

§ كان الأمير سلطان بن سلمان, الأمين العام للمجلس الأعلى للسياحة والآثار، أول من هنأ الزومان على إنجازه عندما بدأ إرسال الأقمار الاصطناعية يصل المخيم

 

لم تكتمل ذكرى 55 عامًا على أول إنجاز عالمي من نوعه بوصول السير أدموند هيلاري إلى قمة إفرست في 29 مايو عام 1953، حتى كان السعودي فاروق بن سعد الزومان يكرر يوم 21 مايو عام 2008 ذات الإنجاز كأول سعودي ينجح في تسلق قمة إفرست التي تعانق الصقيع على ارتفاع 29.035 قدم.

مع ميل الشمس إلى الزوال في الثالثة من ظهيرة 11 مايو رفع المغامر السعودي صوت الأذان، وأدى الصلاة وهو يحمل قرآنا بين يديه، ناصبًا علم المملكة العربية السعودية الذي يحمل لفظ الشهادتين على أعلى قمة في العالم.
الرحلة بدأها في 23 مارس الماضي فريق مغامر مكون من 8 أشخاص: «4 أمريكيين، وبريطاني، وكندي، وعُماني، إضافة إلى السعودي الزومان» نحو الجبال الواقعة بين النيبال والتبت، قاصدين صعود قمة إفرست، وسارت الأمور على ما يرام حتى تصعدت الأحداث السياسية بين الصين والتبت، ما أدى إلى إغلاق المنافذ والطرق المؤدية إلى الجبل، وزاد سوء الأحوال الجوية المفاجئ صعوبة مهمة الفريق الذي انسحب بعض أفراده في منتصف المسافة.

أعلى مقبرة في العالم

لم تكن رحلة فاروق سهلة كما تمناها، بل أكثر صعوبة وخطورة مما تخيل، حيث يقول الزومان: «إنها أعلى مقبرة في العالم».
القمة التي قهر ارتفاعها 3800 مغامر في 55 عامًا من مختلف دول العالم، لقي 225 متسلقًا حتفهم قبل بلوغها، ومات 175 متسلقًا في هذه الجبال الجليدية خلال عام 2002 فقط.
وتحافظ البرودة الشديدة التي تصل إلى 50 درجة تحت الصفر على بقاء جثث المتسلقين دون تعفن، في حين تغيب أجساد تحت الجليد لا يعرف عددها، وبين طموح الزومان والواقع الصعب المحفوف بالمخاطر الذي عاشه خلال شهرين قاسيين قبل بلوغ القمة تشكلت قصة تحدٍّ بطلها شاب سعودي في الثلاثين من عمره.

طموح الحياة.. مخاوف الموت

يقول الزومان: «لقد واجهت مواقف موت وحياة حقيقية أحيانًا، وكان من الصعب عليَّ الوقوف مستقيمًا من شدة البرد ونقص الأكسجين في أثناء التسلق. لم أعانِ أي مشاكل في معسكر إفرست الرئيس الذي نُصب على ارتفاع 17000 قدم, لكنني شعرت بعدم الراحة عند الصعود إلى المعسكر الثاني الموجود على ارتفاع 2100 قدم، ثم عند عبور الحواجز النهائية قبل الوصول إلى القمة. إن التأقلم مع طبقة الجو الرقيقة وتهيئة الجسم، جزء من الرحلة عندما يتحرك المتسلقون صعودًا.
كان الإجهاد الجسدي ونقص الأكسجين قد بدأ يترك أثره علي وأنا أصعد من المعسكر الرئيس، وبدأت الرحلة تصبح محفوفة بالمخاطر بشكل متزايد بعد المعسكر الثالث في المنطقة الميتة التي تقوم أجهزة الجسم عندها بالتوقف عن العمل، ويفقد المخ قدرته على التركيز».

إنقاذ الأعمى.. وعمل فذ

وشكر الزومان الدليل ويلي بينيقا الأرجنتيني الذي ساعده كثيرًا في الحركة من معسكر رقم 4 ورقم 2 عندما أعيقت حركته لإصابته بالعمى لعدة ساعات بسبب الثلوج، وقد تلقى الزومان وسام «العمل الفذ» من الحكومة النيبالية بينما كان هو ومجموعة من زملائه في البعثة يزورون بصفة مستمرة زميلهم العُماني سلطان الذي يتعافى في مستشفى نورفك الدولي من حالة خطيرة تعرض لها بسبب درجات الحرارة المتجمدة.
ليس هناك شك أن من يحاول تسلق قمة إفرست هو، في الواقع، يتسلق واضعًا احتمالات أن 225 شخصًا قد لقوا حتفهم وهم يحاولون.
على الأقل هناك 41 جثة لا تزال موجودة في الجانب الشمالي من الجبل، لقد رأيت بعضها بنفسي في أثناء الرحلة، فبعض المتسلقين ينفذ عليهم الغاز بكل بساطة وهم في الطريق، ويتجمدون من البرد في أماكنهم، كما أن هناك من تلتهمهم الانهيارات الثلجية ويستحيل إخراج جثثهم من على ذلك الارتفاع، حيث العلو الشاهق، ونقص الأكسجين، والرياح الشديدة، والبرودة المكثفة، تجعل الرحلة تحديًا صعبًا حتى بالنسبة لشخص غير مثقل بالأحمال، ولهذا فإن قلة من المتسلقين يأخذون جثث الموتى معهم عند العودة مع العلم، وهناك بعض الجثث تُفقد نهائيًا على إفرست ولا يمكن العثور عليها أبدًا، فقد لقي 8 متسلقين حتفهم في رحلة الاستكشاف المأساوية في مايو 1996 نتيجة عاصفة ثلجية ولم يتم العثور على جثتين حتى الآن.

نجاح للسلام والأخوة

ويرى الزومان أن السعي السعودي إلى السلام والأخوة كمهمة غدت أكثر أهمية وجرأة مع كل خطوة كان يتسلقها، وكان يسأل نفسه: هل سأنجح؟ هل أستطيع الوصول إلى القمة؟ وكنت أجيب نفسي مناجيًا: نعم أستطيع، كنت واثقًا أن مهمتي ناجحة في رمزيتها للسلام ولإنجازات الإنسان السعودي الذي يفعلها لأول مرة.
وعن شعوره فور وصوله القمة قال الزومان: «لقد شعرت بالرهبة. لم أصدق أنني وصلت، بكل بساطة لم أكن أصدق هذا، لقد كان المكان الأروع والأكثر تألقًا على الأرض، فضلا عن كونه الأكثر قسوة، لقد كان لي شرف رؤيته، ولقد كانت لحظة مدهشة. شعرت فيها بشعور عظيم، وبالرضا، وبسعادة غامرة».

الهبوط أكثر خطرًا من الصعود

كان الأمير سلطان بن سلمان, الأمين العام للهيئة العامة للسياحة والآثار، أول من هنأ الزومان على إنجازه عندما بدأ إرسال الأقمار الاصطناعية يصل المخيم، وتلقى المغامر السعودي دعم الرحلة من شركة الطارق للإعلام التي يعمل فيها في قسم العلاقات العامة، وبرعاية مشاركة من شركة كودو للأطعمة، وفقد الزومان 12 كيلوجرامًا من وزنه، وأصيب بالوهن نتيجة ظروف المعيشة القاسية لمدة شهرين طويلين في الجبال، لكنه ليس مهتمًا بهذه الخسارة في الوزن، فقد كسب التميز، لكونه قهر جبل إفرست، ويقول معلقًا: «لا أزال حتى الآن غير مصدق أنني أنجزت المهمة. إن أصعب جزء في الرحلة هو البعد عن الأهل والأصدقاء لمدة شهرين، والعيش في الخيام، كما أن تأثير الضغط، والارتفاع، والإجهاد الجسدي، والحرمان من النوم في أثناء الهبوط كانت أكثر أجزاء الرحلة خطورة وليس الصعود إلى القمة.
وحسب سلطان البازعي، الرئيس التنفيذي للطارق للإعلام، فإن مبادرة فاروق الزومان كانت فردية في منطلقاتها، لكنها ما لبثت أن أثارت حماس الجميع، ما حدا بالطارق للإعلام إلى تبنيها، كونه أحد موظفيها، إضافة إلى أن التجربة تعد رائدة من شاب سعودي طموح، لذا فقد تم التنسيق مع شركة كودو للأغذية التي أبدت ترحيبًا حارًا بالمشاركة في دعم رحلة البطل السعودي.
وقال عبدالمحسن اليحيى، المدير العام التنفيذي لشركة «كودو»: «إن إنجاز الزومان إنجاز وطني بالدرجة الأولى، ومثل هذه الإنجازات والمبادرات تعكس إقدام الشاب السعودي على قهر مختلف التحديات».

تكريم الزومان في النيبال

واحتفل أقارب وأصدقاء الزومان بالمغامر السعودي لدى عودته إلى المملكة العربية السعودية، كونه أول سعودي تطأ قدماه قمة إفرست، حيث استرعى الكثير من الاهتمام العالمي, وقد تم تنظيم حفلتي تكريم للزومان في كتمندو تزامنًا مع الإعلان في العاصمة أن 29 مايو من كل سنة سيكون يوم قمة إفرست الدولي.
وكان الزومان قد أعرب في مؤتمر صحفي نظمته مجموعة النيبال للإعلام في نادي المراسلين في كتمندو عن تقديره لحكومة النيبال ومؤسساتها. وقد تحدث أزهار ميكراني, رئيس لجنة الحج المركزية في النيبال، عن الحاجة الماسة إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وأن الزومان أول متسلق مسلم نصب علمًا يحمل اسم الله، تعالى، ونبيه، صلى الله عليه وسلم، على إفرست.