حداثة في التقنيات وعراقة في المضمون
الكاريكاتير المعاصر.. رقمي!
دخول التقنية ينقل الكاريكاتير إلى مناطق جديدة في الرسم.
حائل: طلال فهد الشعشاع
رسام كاريكاتير
§ الكاريكاتير الساخر أداة مهمة من أدوات العمل الصحفي
§ اليوم يلبس الكاريكاتير الحلة الرقمية زاهية الألوان والخطوط
§ الكاريكاتير الكلاسيكي سوف يندثر وينتهي قريبًا!
§ التقنية الجديدة تمنح الرسم روحًا أجمل وتناسقًا أكثر مع شكل الجريدة
أطاح الرسام الأمريكي توماس ناست من خلال لوحاته الكاريكاتيرية التي كان ينشرها في صحيفة «نيويورك تايمز» وصحيفة«هاربرز ويكلي» بتاماني هول، وكذلك قضى برسوماته، أيضًا، على مجموعة سياسية كان يقودها ويليام إم تويد، حيث ألقي القبض عليه وزج به في السجن. وقد اعترف تويد بنفسه بمدى قوة فن الكاريكاتير وتأثيره.
منذ ذلك الحين ترسخ دور الكاريكاتير الساخر في الصحافة محليًا وعالميًا، وأصبح أداة مهمة من أدوات العمل الصحفي الذي يغير أوضاع المجتمع، ويعري مشكلاته التي يعانيها ويسخر منها، ويعبث بالمفارقات الحسية والمعنوية، ويقف منها موقف الناقد الأريب. ولقد تطور الكاريكاتير الساخر، أو بما يعرف في العربية بالرسوم الساخرة، تطورًا كبيرًا مر بمراحل نمو مهمة ومفصلية في مسيرته الطويلة، خصوصًا مع نمو الطباعة وازدهارها في أواسط القرن السادس عشر إلى اليوم، حيث أخذ ينحى منحنيات جديدة, وها نحن نراه اليوم يلبس الحلة الرقمية زاهية الألوان والخطوط، ذات الحبكة الفنية المتقنة، والتي لم تكن لتتوفر فيما سبق من الأعمال الكاريكاتيرية القديمة.
وفي حقيقة الأمر وفرت التقنية الرقمية الجديدة من أدوات وتقنيات وبرامج متطورة لفنان هذا العصر إمكانيات كبيرة ومذهلة في اختيارات الخطوط وكذلك في اختيارات الألوان، هذا عدا طبقات العمل ومرشحات الصور في بعض البرامج المتخصصة، أو بما يعرف بالفلاتر«filters» التي أضافت إمكانيات مدهشة في الصورة من حيث الشكل، ومن حيث اللون، ومن حيث البعد البصري، والتي لم تكن موجودة في العمل الفني سابقًا.
وقد غيرت هذه التقنية طابع الكاريكاتير المعاصر ذي النكهة التقنية اللذيذة والفريدة، الأمر الذي أثر بدوره في طابع الصحيفة العام، حيث تكامل الكاريكاتير، خصوصًا المنشور في الصفحات الأخيرة، مع مستوى التقنية وإخراج الصفحات المتطور عما كان عليه في السابق. وقد حرص الكثير من رؤساء التحرير على وجود الكاريكاتير الرقمي، إن صح التعبير، ضمن صفحات الجريدة، كذلك حرص الفنانون الكاريكاتيريون من جانبهم، أيضًا، على تطوير أدواتهم وتقنياتهم الجديدة ليتماشوا مع سيل التطور التقني الجارف. وقد أثر هذا الأمر بشكل أو بآخر في حضور فن الكاريكاتير الكلاسيكي، إن جاز التعبير، ذي الإنتاج اليدوي الخالص. وأضحى وجوده قليلًا في صحافتنا المحلية اليوم. مع العلم أنه لا يمكن القول بأي حال من الأحوال إن الكاريكاتير الكلاسيكي سوف يندثر وينتهي مستقبلًا.
في البداية كان هناك تخوف من قبل الكثير من الفنانين عند ظهور برامج الرسم المتخصصة، وعند بداية ظهور الكاريكاتير الرقمي من حيث تقبل القراء له بسبب إمكانياته الجديدة وطابعه المميز، وأن التغيير في أسلوبهم قد يؤثر في تقبل القراء لأعمالهم بشكل أو بآخر، كما أن بعض هؤلاء الفنانين أو غالبيتهم لا يتقنون التعامل مع كل برامج الحاسب الجديدة أو بعضها، خصوصًا برامج الرسم، والتي كان يتعقد بأنها لن تصل إلى مستوى العمل اليدوي الخالص المليء بالأحاسيس والمشاعر الذي يحبذه الفنان وجمهوره على حد سواء، اعتقادًا منهم بأن العمل الآلي لن يصل إلى مستوى العمل اليدوي بأي شكل من الأشكال كما هو متعارف عليه منذ ظهور الآلة وخطوط الإنتاج المصنعية، والتي تقدم أشكالًا نمطية جاهزة ومقولبة لا روح فيها. ولكن أثبت الواقع بطلان هذا الاعتقاد، وأن العمل الفني الرقمي الجديد يكون من خلال برامج الحاسب المتخصصة والأجهزة الحاسوبية المتطورة التي تصل إلى النتيجة نفسها، وإلى الجودة نفسها للعمل الفني اليدوي، وربما أفضل من ذلك، بعمل نظيف وبجهد أقل، حيث وفرت هذه البرامج إمكانيات دقيقة جدًا أتاحت لمستخدميها إبراز الأحاسيس والانفعالات من خلال العمل، بل إن المتعامل معها يستطيع أن ينتج أعمالًا قد يعتقد الرائي لها منذ الوهلة الأولى بأنها عمل يدوي محض، بينما هي من صنيع تلك البرامج. وأخص هنا بالذكر برنامج «Adobe Illustrator»، وبرنامج «Adobe photoshop»، وبرنامج «Corel painter»، وغيرها الكثير.
لقد برهن الفنانون الكاريكاتيريون الجدد الذين استخدموا التقنية في أعمالهم، إما كليًا أو جزئيًا، على مدى جمال الأعمال الجديدة وجاذبيتها، والتي حافظت على أصالتها ورسالتها الراقية. وبالتالي تغيرت النظرة القديمة حول هذا اللون الجديد، وأصبح الجمهور يتابع هذه الأعمال ويتذوقها، ويحرص على متابعتها يوميًا عبر الصحف أو عبر مواقع الإنترنت المتخصصة.