حوار

 

الفنان السعودي علي الجاسر:

هدفي تعريف العالم بالتراث الإسلامي

فن النحت يتطلب مهارة عالية وجهدًا بدنيًا.

استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
 

§ مصادر إلهامي الطبيعة التي خلقها الله سبحانه وتعالى وأمرنا بالتفكر فيها

§ أمثّل المملكة قريبًا في ملتقى سياحي بتونس عن الحرف اليدوية

§ فن النحت على الخشب من أندر الفنون على الساحة المحلية والعربية

§ أنا لا أدعي الانتماء إلى مدرسة معينة في النحت وأجهد في التعرف على الثقافات والفنون العالمية المتاحة

 

على مدى التاريخ يبقى الفن التقليدي الأصيل بشتى أنواعه هو الفن الأرقى الموافق للذائقة الفطرية السوية, مهما علت الأصوات المناهضة له والمشككة في انتماءاته الفنية, ومهما تنوعت ضربات الفرش المذعورة وضجت بالألوان المسعورة, ووضعت الآذان مكان الأفواه، والأعين في الرقاب, والأرجل في مكان الأيدي كما سُول لبيكاسو ولسيلفادور دالي غير السوي، وغيرهما أن يفعلوا ممن قرر طمر الفن باللافن والانحدار به إلى الهاوية بدل الارتقاء به إلى القمم, وتسميم الذائقة الإنسانية لتموت وتصلب جيفتها في العراء باسم الفن, نتج هذا الشذوذ الأرعن والمرض النفسي الارتكاسي عن ردة فعل لما عانته أوروبا من دمار شامل طال كل شيء تقريبًا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ومن الفنون الراقية التي ظلت تفرض نفسها على الساحة الفنية فن النحت على الخشب وغيره، وهو فن عريق مغرق في القدم وليس فنًا طارئًا كما قد يتبادر إلى الذهن, إلا أن الفنان السعودي علي الجاسر أصر من خلال أعماله على أن يقولبه بقالب عصري أخاذ، ويطوره إلى آفاق أرقى وأرحب بابتكارات وأساليب جديدة لم تكن معروفة من قبل.. وللتعرف عليه وعلى نشاطه الفني كان لنا معه هذا اللقاء الماتع.

كيف بدأت قصتك مع عالم النحت؟
فنون النحت والرسم ليست جديدة، فقد عرفها الإنسان منذ القدم. فوجودنا نحن مرتبط بمن كان قبلنا.. وهكذا، ونحن امتداد للماضي بكل أبجدياته.
وأنا منذ صغري أحب الرسم والأشغال اليدوية عامة دون تحديد، وهذا ما دفعني إلى الدخول في مجال التربية الفنية ليتسنى لي دراسة قواعد الفنون على أصولها.

ما مصادر إلهامك؟
مصادر إلهامي هي الطبيعة التي خلقها الله سبحانه وتعالى وأمرنا بالتفكر فيها، فهي غنية جدًا ولا تنتهي. وأنا دائمًا في بحث دؤوب لإيجاد خامات جديدة قد تكون مصدر إلهام لي, وأحاول جاهدًا في مشاريعي الفنية نقل التراث الإسلامي والشعبي بطريقتي وأسلوبي وتعريف العالم به.

هل تختلف مصادر إلهام النحات عن التشكيلي؟
لا تختلف كثيرًا في الهدف والرؤية الفنية، وفي النهاية هي لا تعدو كونها وسائل تعبير لأفكار ومواضيع أردنا إيصالها لقراء العمل الفني ومتذوقيه. فالفنان التشكيلي يعبر بالفرشة والألوان, والنحات يعبر بالأزميل والمطرقة التي ربما كانت هي الأصعب.

كيف تؤثر طبيعة الخامة المستخدمة في النحت في التعبير عن موضوعها؟
تؤثر طبيعة الخامة المستخدمة في النحت، خصوصًا إذا كانت من جذوع الأشجار، في التعبير عن موضوعها. فأنا شخصيًا أتفحص القطعة المراد نحتها، ولمدة طويلة، حتى أرى جميع تفاصيل الفكرة وما ستؤول إليه قبل بداية العمل. فالفكرة والهدف من الموضوع يعدان الركيزة الأولى للفن، يأتي بعد ذلك استخدام الأدوات.

ما أهم الخامات المستخدمة في النحت؟
الخامات التي تستخدم في النحت كثيرة، ومن أهمها الأشجار والأخشاب بأنواعها، والأحجار، والمعادن، والشمع، والعاج، وغيرها. أما بالنسبة لي فأنا أفضل النحت على الأشجار والأخشاب.

إلي أي مدرسة تنتمي في النحت؟
أنا لا أدعي الانتماء إلى أي مدرسة معينة في النحت أو في الرسم، بيد أني أجهد في التعرف على جميع الثقافات والفنون العالمية المتاحة, وما أنتجه وأقدمه من أعمال فنية لا يعدو كونه طريقتي، وأسلوبي، وذاتيتي، وحسي، ونتاجًا لانفعالاتي.. فأعمالي هي قطعه مني مهما كان شكلها.
وأنا من المعجبين جدًا بالفن والفنانين الإسلاميين.. هؤلاء الذين تحدوا بأعمالهم الفنية، والهندسية، والعمارة الإسلامية، ودقة القياس، والزخرفة النباتية، والقباب جميع العالم. وها هم الأوروبيون اليوم يطبقون ويطورون ما ابتكره الفنان المسلم. كما لا أخفي مدى إعجابي بالفنانين الأوروبيين الذين برزوا في عصر النهضة، وخصوصًا الإيطاليين أمثال النحات والرسام والشاعر «مايكل أنجلو»، والفنان والرسام والفيلسوف والمخترع الفذ «ليوناردو دافنشي».

كيف ترى انتشار فن النحت محليًا؟
فن النحت في الوقت الحالي أعتقد أنه يعاني على المستوى المحلي والعربي، وهذا مرده إلى عدة أسباب أهمها:
• الخوف أصلاً من فكرة النحت والتجسيم تورعًا أن يكون فيهما ما ينافي الشريعة الإسلامية، خصوصًا عند تجسيد ذوات الأرواح.
• افتقار عالمنا إلى ثقافة المنحوتة وقيمتها الفنية واحتسابها مجرد قطعة رخيصة يمكن الحصول على مثلها، أو أفضل منها من محلات بيع السلع المخفضة.
• عدم وجود دعم لهذا الفن بالذات أو تشجيعه.
• هناك ندرة في وجود نقاد ومختصين يقومون بتحليل مثل هذه الأعمال الفنية.
• لا توجد تغطية إعلامية تتابع أعمال فناني النحت وترصد أعمالهم.
• صعوبة وجود أماكن «ورش» مهيأة لفن النحت، ما يسبب النكوص والإحباط عن العمل.
• الصعوبة في نقل هذه الأعمال من بلد إلى بلد آخر في حال رغب الفنان في عمل معرض يجمع فيه أعماله.

ما مدى اهتمام وسائل الإعلام في هذا الفن؟
وسائل الإعلام تغفل هذا الفن، والدليل على ذلك أنني أعمل في هذا المجال لأكثر من 12 سنة دون مبادرة تذكر لإبراز مواهبي وتشجيعي في وسائل الإعلام كافة. وفي المعرض الذي أقيم على هامش ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي 2008 بمبنى الفيصلية، قام بزيارتي العديد من الإعلاميين دون أن يجروا معي حتى مقابلة تلفازية قصيرة لتوضيح ما أجهد لإبرازه طوال أكثر من عقد من الزمن.

ما أبرز المدارس الفنية المعروفة في مجال فن النحت؟
أبرز المدارس الفنية في فن النحت هي بالطبع المدارس الكلاسيكية. وتعني كلمة «كلاسيكية» باليوناني «الطراز الأول أو الممتاز أو النموذجي»، وليست كما تعرف بمعنى «التقليدي أو القديم». وكان من أشهر فناني هذه المدرسة الفنان المعروف «ليوناردو دافنشي» في فن التصوير والرسم، والفنان «مايكل أنجلو» في النحت والعمارة. وقد سميت هذه الفترة بالعصر الذهبي، وعُدّت أعلى المراحل الفنية في عصر النهضة. ومن أشهر أعمال «ليوناردو دافنشي» لوحة «الجيوكندا» أو الموناليزا. أما أشهر أعمال «مايكل أنجلو» فهو «تمثال موسى».

بماذا تفسرون قلة اهتمام الوسط التشكيلي بمفهوم النحت خليجيًا؟
قلة اهتمام الوسط التشكيلي بفن النحت خليجيًا ترجع إلى أنه يتطلب مهارة عالية وحذقًا، فضلاً عن الجهد البدني، بينما انصب الاهتمام على ضربات فرش سقيمة لا تدل على أي نوع من الفن، وادعاء الغالبية منهم بميولهم إلى المدرسة السريالية أو التجريدية, كما أن فن النحت يتميز بالبعد الثلاثي.

ما معوقات انتشار فن النحت عربيًا؟
المعوقات كثيرة منها على سبيل المثال:
• عدم توفر أماكن «ورش» عمل وصعوبة التراخيص.
• عدم وجود جهات داعمة، سواء كانت حكومية أو أهلية.
• عدم وجود تغطية إعلامية لهذا الفن.
• عدم وجود نقاد لتحليل الأعمال الفنية، وهذا بدوره يسبب صعوبة في التسويق.
• عدم وجود توعية ثقافية لفن النحت.

هل سبق أن حصلت على جوائز فنية؟
لم أحصل على أي جوائز فنية أبدًا، وهذا لعدم وجود مسابقات فنية لمثل هذا الفن. والأدهى من ذلك اعتقاد بعض الناس أنني أستعمل عمالة أجنبية فلبينية مثلاً لتقوم بتلك الأعمال الفنية، إذ كيف لشاب من بيئة ريفية أن يصل إلى هذا المستوى الفني المبهر، على الرغم من أنني أقضي الساعات الطوال أعمل على مرأى من الناس الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم طوال السنين الماضية.

ما مشاريعك المستقبلية؟
لي مشاركة قريبًا، إن شاء الله، في تونس، وذلك لتمثيل المملكة العربية السعودية في ملتقى سياحي عن الحرف اليدوية سيقام هناك, بعدها سوف أراسل مراكز الثقافة والفنون في البلاد الأوروبية لتقييم هذا الفن الذي يعد من أندر الفنون على الساحة المحلية والعربية.

هل سبق أن قمت ببيع أي من أعمالك؟
نعم، لقد بعت عدة قطع فنية أهمها ما أضحى من مقتنيات سيدي صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وهذه تعد بمنزلة قفزة لهذا الفن ولي أنا شخصيًا، حيث إني ارتقيت إلى هذا المستوى من الذوق الرفيع الذي تشرفت به.
كلمة أخيرة أريد التوجه بها للأخ الكاتب والمصور الأستاذ عبدالعزيز بن محمد العريفي فأقول له: أشكر لك مجيئك إليَّ وحرصك على إبراز مواهبي الفنية بمهنية واحترافية, وأتمنى لك النجاح والتوفيق في مسيرتك الإعلامية.. كما أتمنى لمجلة «أهلاً وسهلًا» الرائدة، والتي ستكون بإذن الله عنصرًا من عناصر تنمية الفنون بأنواعها ورقيها سواء على الصعيد المحلي أو العربي، دوام الاستمرارية، والتقدم، والنجاح.