أماكن

 

قف: أنت في وادي موهد

أميرة جميلة في ليلة عُرس!

على جانبيه جبال شامخة تعانق الغمام وتقبل النجوم وتحتضن البحر.

 

استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
 

§ مياهه عذبة رقراقة، تنساب بين الصخور والبطحاء

§ جوانبه الصخرية أشبه بجدران القصور الملكية

§ مدرجاته الجبلية تلتف حول قراه كعقود من الزمرد تلتحف بالضباب

 

تتداعى على الفكر تصورات وخيالات تتنازعها أهواء النفس التي جبلت على حب الجمال والافتتان به وبأدق تفاصيله، ويتضور القلب جوعًا ويتلمظ عطشًا كلما وقعت عيناه على رائعة من روائع الجمال الأخاذ، هذا ما شعرت به ساعة ولوج وادي «موهد» في جبال بني مالك، حيث كنت من ضمن طاقم قافلة الإعلام السياحي التي نظمتها الهيئة العليا للسياحة، وتقع جبال بني مالك في شمال شرق منطقة جازان، وتبعد عن مدينة جيزان نحو120كم، وهي مرتفعات جبلية شاهقة الارتفاع، وسهول تتخللها كثير من الأودية، أهمها: وادي ضمد، ووادي جورى، ووادي الرمح واهراي، ووادي دفا وعرقين، ووادي موهد، وتسقط عليها الأمطار صيفًا بسبب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تهب من المحيط الهندي على جنوب الجزيرة العربية، ولذلك تعد من المناطق المطيرة، ولا سيما في فصل الصيف، وتشتهر بمدرجاتها الجبلية التي تلتف حول قراها كعقود من الزمرد تلتحف بالضباب، وتعد محافظة الداير بني مالك بوابة جازان الشرقية على عسير، إذ أصبحت تشكل مدينة مثلثة تربط منطقة جازان بعسير من الشمال والشمال الشرقي، وتتصل بالحدود اليمنية من جهة الجنوب والشرق، تسكنها قبائل بني مالك منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، بتاريخها العريق وحاضرها المشرق، ولذلك سميت باسمها، وهي امتداد للقبيلة الأم المنتشرة في الحجاز وعسير، وفي كثير من دول شبه الجزيرة العربية.
ووادي موهد وادٍ بركاني ضيق، يقع شرق العين الحارة جنوب جبال آل سعيد بني مالك بطول كيلومتر تقريبًا، تشامخت الجبال على جانبيه كأنها انفلقت للتو، لتبدي لنا ما بداخلها من جمال مكنون، بعدما سحرت ألبابنا بجمالها الخارجي وهي تعانق الغمام، وتقبل النجوم، وتحتضن البحر. هذا الوادي الذي بدأ كأنه قطعة هبطت من الفردوس، مياهه عذبة رقراقة، تنساب بين الصخور والبطحاء الأشبه بالأحجار الكريمة متعددة الألوان برقة لعاب الرضيع عندما يلفظ ثدي أمه، وقد نحت جريان الماء جوانبه الصخرية حتى أضحت أشبه بجدران القصور الملكية، اعتلتها الأشجار الوارفة والفريدة في نوعها وجمالها، وبدت جذورها معلقة تحتها تبحث عن تربة تواري بها نفسها دون جدوى، فتضطر إلى التشبث بالصخور كأقراط أميرة حسناء تدلت من أذنيها، «إنها حقًا ظاهرة غريبة تستدعي البحث والدراسة العلمية من قبل الجامعات والهيئات العلمية، وخصوصًا من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ».
ويتداعى إلى مسامعك وأنت تتوغل في الوادي صوت شلالات الماء قبل أن تصلها مختلطًا بأصوات الطيور، وزقزقة العصافير، وهبات النسيم، التي تطرب لها الآذان، وترقص لها القلوب، خصوصًا من تلك الطيور الغريبة فائقة الجمال بألوانها، ومناقيرها الطويلة، وتيجانها الشبيهة بتيجان الهداهد، وما إن تتوغل أكثر فأكثر حتى تقع عيناك على الشلالات وهي تتدفق بحرية مطلقة، كما لو كانت كميات هائلة من حبات اللؤلؤ تتناثر على الصخور تقفز هنا وهناك، لا تلبث بعدها حتى تنتشي وتنتعش خياشيمك وروحك، لعليل طلها، وزخات رذاذها المحمل بعبق نباتات البعيثران، والخزام، والهزاب، والوذحة، تدغدغ وجنتيك، كأنك في مصنع عطور فرنسية، أو كأنما هو وشاح أميرة فاتنة في ليلة عرسها ألقته على وجهك، فتحمر وجنتيك خجلاً، وينتابك إحساس بأن الوادي قد امتلأ فجأة بالصبايا الجميلات اللائي يلحظنك بمقلهن لتصبح مفتونًا معنًّى بحبهن، إنه حلم جميل لا تريد أن تفيق منه. هل كل هذا في بلادنا حقًا ولم يدر بخلدنا يومًا أنه موجود؟ أتراه جهلاً منا أم تراه تقاعسًا من أهل جازان الذين أخفقوا في نقل تلك الصور والأطياف الجميلة عن بلادهم لنا، على الرغم مما اشتهروا به من علم وثقافة؟ ولماذا غيب هذا الكنز السياحي عنا وكنوز أخرى كثيرة في المنطقة طوال السنين الماضية؟ أم تراه تقصيرًا من الإعلام الذي غفل عن نقل تلك الصور الرائعة للسياح داخل مملكتنا العظيمة وخارجها؟
إن الزائر لجازان ليدهش حقًا من ذلك الكم الهائل من مقومات السياحة، وتعتريه غصة ألا تقدر تلك الكنوز وتستغل لصناعة السياحة، خصوصًا من رجال الأعمال الذين يهاجرون بأموالهم ويغامرون باستثمارها في بلاد بعيدة، ويحجمون ببلاهة عن اصطياد تلك الفرص الذهبية السمينة واستثمارها في وطنهم وبين أهليهم، وجازان تملك من المقومات السياحية والترفيهية ما لا تملكه كثير من البلاد العالمية، فضلاً عن الجزيرة العربية، خصوصًا بوجود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، أمير منطقة جازان، الذي يبذل من الجهد قصاراه، لينهض بتلك المنطقة الغالية من بلادنا، لتصل إلى مصاف البلاد المتقدمة عمرانيًا وثقافيًا وسياحيًا، والذي لا يفتأ دائمًا يحث على الاستثمار السياحي في محافظات جازان، ويشجع على ذلك بالدعم المادي والمعنوي، برحابة صدر وسعة أفق.