فنون

 

الخطاط ناصر الميمون:

مهمتنا صناعة الحروف النابضة بالحياة

الخط هو رسم يكتب بقلم محرّف، والحروف بطبيعتها صور وأشكال ترسم بالقلم مباشرة.

 

دسلدورف: أسامة أمين

§ بعض اللوحات تصل قيمتها إلى مليون دولار

§ الاهتمام المحلي لا يواكب إنجازات الخطاطين السعوديين

§ الموافقة على إقامة الجمعية السعودية للخط العربي

§ حروف الخط التي ينفذها الحاسوب «أجسام من غير روح»

 

يحمل الخطاط ناصر الميمون مفارقة كبيرة في مسيرته الفنية، حيث تعلم قواعد الخط العربي على نفسه معتمدًا على محاكاة الأعمال الفنية دون أي دراسة متخصصة، ووصل من خلالها إلى جوائز دولية وعربية ترجمت إمكاناته الفنية العالية. في ثنايا حوارنا معًا سنتلمس أفياء جديدة للخط العربي تستحق أن نتأملها كثيرًا.

كيف كانت بدايتك الفنية مع الخط العربي؟
كانت البداية في الصف الأخير من المرحلة الابتدائية في منتصف القرن الماضي الميلادي، حيث كان لدينا مدرس للغة العربية، وكان يقوم بتدريس الخط في الصف السادس الابتدائي، وقد استرعى انتباهي لهذا المجال، فحرصت في العام نفسه على الإكثار من النظر للوحات الحائطية بالمدرسة، إضافة إلى مشاهدة اللوحات الخطيَّة على كثير من المحلات التجارية، وخصوصًا لافتة لوحة المدرسة التي أدرس فيها في حي الشميسي القديم في الرياض، والتي كتبها خطاط وزارة التربية الأستاذ محمد حلمي، وكانت رائعة جدًا، من هنا كانت البدايات حيث تعلمت على نفسي، وصولًا إلى محاكاة لوحات الخطاطين العرب والمسلمين طيلة عشرين عامًا.

كيف تبدأ رحلتك مع اللوحة؟
هي نوع من الأفكار في البداية، ثم تتحول إلى تصورات شكلية، وما تلبث أن تصبح حقيقة كاملة من خلال التجارب العديدة التي أجريها على الورق أولًا، ثم على اللوحة الأساسية لمحور التنفيذ، وهذا يتطلب اختيار عبارات جيدة، وكلمات متلائمة في أحجامها، وبروفات عديدة يمكن من خلالها إخراج لوحة جميلة تسر الناظرين.

حتى تخرج اللوحة بشكلها النهائي، ما الأدوات الفنية المطلوبة إلى جانب الموهبة؟
حجر الزاوية يتركز في عمل بروفات متواصلة، وأما مسألة الأدوات الخطية المطلوبة فهي ليست أشياء كثيرة، كل ما في الأمر وجود القلم المعروف بالقصب، والحبر الأسود الخفيف، والورق المقهَّر أو الورق المعبد، وعلى هذا الأساس يتم إعداد اللوحة من خلال تصميم مبدئي، ثم إجراء عدة محاولات خطية للوصول إلى شكل مناسب يتفق مع مضمون العبارة، إضافة إلى المحافظة على قواعد الخط وجمالياته الأصلية التي بنيت من أجله.

هناك قواعد صارمة ومحددة لرسم الحروف العربية، أين يكمن هامش الإبداع الذي يفرق بين خطاط وآخر؟
يختلف الخطاطون في إجادتهم من خطاط إلى آخر، وعلى درجات متفاوتة، فمنهم القوي، والمتوسط، والضعيف في القواعد، ومع ذلك فلكل منهم إبداعه، وطريقته، وجمالياته، ومسألة التفريق بين إبداعاتهم تتوقف على الناقد المتخصص في هذه الفنون الدقيقة.

ما أبرز المدارس في فن الخط العربي، وعلى أي أساس يتم اختيار نوع الخط عند إعداد اللوحة؟
تنقسم مدارس الخط العربي إلى عدة اتجاهات، فهناك المدرسة البغدادية التي نشأ منها عدد من كبار الخطاطين في العراق، وهناك المدرسة المصرية الجميلة، والتي تمتاز حروف خطاطيها بالليونة والتركيبات الرائعة السهلة.
بينما تتميز المدرسة التركية التي بناها الخطاطون العثمانيون بأسلوب قوي في حروفه، وامتلاء تركيباته الثلثية الخلابة، وأخيرًا تأتي المدرسة الفارسية التي أبدعت الكثير من الخطاطين المجيدين لخط «التعليق والشِكستَه»، وكلٌ من هذه المدارس لها جمالياتها الخاصة، وقدرتها على التعبير في فن الخط العربي.

هل يكون الخطاط رسامًا بالضرورة؟
ليس من الضروري أن يكون الخطاط رسامًا أصلاً والعكس، وبشكل عام، فإن فن الخط هو رسم يكتب بقلم محرّف، والحروف بطبيعتها صور وأشكال ترسم بالقلم مباشرة. فالرسام في لوحاته يستخدم الفرشاة والألوان لإخراج فنه التشكيلي، بينما الخطاط يستخدم فقط قلم القصب لإخراج الحروف بأشكالها المتميزة.

أين يقع فن الخط العربي في المشهد السعودي بالموازاة مع الفنون الأخرى؟
ينظر للخط العربي في المشهد السعودي على أنه فن تراثي قدّم، ولا يزال يقدّم، الكثير من الأعمال الفنية، والاستخدامات التعبيرية، بمختلف الصور، والأشكال، والإبداعات، وخصوصًا ما نراه في الأعمال السعودية للخطاطين الحروفيين، في كثير من المراكز المهمة في هذا البلد الكبير.

كيف تقرأ مستقبل هذا الفن على الساحة المحلية؟
ملامح هذا المستقبل في الساحة المحلية تبعث على التفاؤل، وذلك لأن معرض الخط العربي الأول الذي أقيم في مدينة الرياض بداية شهر رجب الماضي، فاتحة خير للخطاطين في السعودية، والبشرى الثانية هي موافقة وزارة الثقافة والإعلام على إقامة الجمعية السعودية للخط العربي، وبإذن الله سيحقق هذا المشروع الرفع من قيمة هذا التراث العريق في السعودية.

أين يقف الخطاط السعودي على المستوى العربي؟
على الرغم من تباطؤ الرعاية المحلية عن مواكبة إنجازات الخطاطين السعوديين، إلا أنهم سجّلوا حضورًا قويًا على المستويين العربي والدولي، بحصولهم على الكثير من الجوائز الدولية في عدة مناسبات فنية في مجال الخط العربي، منذ بدايات المسابقات العالمية، وتحديدًا في عام 1407هـ، في إستانبول في تركيا، مرورًا بالعراق، والملتقيات الخطية الإسلامية في إيران، وبقية دول مجلس التعاون الخليجية.

هل تلخص لنا القصة التي مر بها معهد تحسين الخطوط العربية التابع لوزارة التربية والتعليم؟
بدأت حكاية معهد تحسين الخطوط العربية في الرياض منذ مطلع التسعينيات حين اقترح وكيل وزارة التربية والتعليم الأسبق، الأمير خالد بن فهد، إنشاء مدرسة لتعليم الخط العربي في الرياض، وتم استقطاب عدد من الخطاطين العرب، وخصوصًا من جمهورية مصر العربية، وبدأ المعهد يقوم بتدريس الموهوبين من جيل الخطاطين في ذلك الوقت، وصار يخرّج العديد من الدفعات الموهوبة في فن الخط العربي، خلال ما يزيد على إحدى وعشرين سنة، ثم بدأ الاهتمام يقل تجاه المعهد, كما قلّ عدد المدرسين. وأخيرًا اضطرت الوزارة إلى إغلاقه في عام 1414هـ، وقام عدد من الدارسين بمطالبة الوزارة بإعادة الدراسة في المعهد إلى سابق عهدها، إلا أن نداءاتهم ذهبت أدراج الرياح.

يلاحظ تركيز الكثير من أعمال الخطاطين على الآيات القرآنية الكريمة، بعيدًا عن الأقوال المأثورة، أو الأبيات الشعرية، هل هذا يأتي لفرض القدسية على العمل الفني؟
اختيار الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة لتنفيذ لوحات الخط، يعود إلى قدسية هذه الأقوال العظيمة التي تفرض نفسها على العمل الفني وليس العكس. فالخطاط يحرص على أن يخط هذه اللوحات بآيات عظيمة تستحق الجهد الذي يبذله في هذا الفن، ولأن الآيات والأحاديث منار هذه الأمة في الدنيا والآخرة، والتذكير بها من أهم الأمور. وأما الأقوال المأثورة والأشعار فلها نصيب من جهود الخطاطين وإبداعاتهم، وخصوصًا القصائد المشهورة تاريخيًا، كقصيدة البردة لكعب بن زهير «رضي الله عنه».

على المستوى العربي والإسلامي، أين يقع فن الخط العربي؟
كان موقع الخط العربي يحتل مكانة كبيرة في الوطن العربي والإسلامي، وللأسف الشديد ضعفت هذه المكانة مع خروج فنون التصوير ومعارض الرسوم بمدارسها المتعددة، والآن، وفي هذه السنوات الأخيرة، شهد العالم الإسلامي صحوة لإعادة هذا الفن لسابق عهده، وهذه الصحوة بدأت في إستانبول، وبغداد، وطهران، والشارقة، ودبي، وبيروت، ولاهور، وعمّان، والرياض، والكويت، والإسكندرية، والدوحة، وهناك توجهات، ولله الحمد، لإقامة جمعيات ومراكز لتدريس فنون الخطوط العربية.

إلى أي مدى يمكن القول بأن فن الخط العربي لا يستقطب إلا النخبة، وسط غياب عامة الجمهور؟
كل الفنون الجميلة، ومنها الخط العربي، لها حدود معروفة من استقطاب الجمهور العربي والدولي، فكثير من الجماهير ما زالت نظرتهم للفنون، وخصوصًا مجال الخط العربي, محدودة, ويعدون ذلك مجرد خطوط على لافتة، أو لوحة هامشية. والندرة من هذه الجماهير هم الذين يقدرون هذا الفن وجمالياته، ويكثرون من السؤال عن تفاصيله المتفرعة، وفي النهاية، فالجمهور المتذوق لهذا الفن محدود.

تباع الكثير من لوحات الخطاطين بمبالغ عالية على هامش المعارض التي يشاركون فيها، ما المعايير التي تحدد سعر اللوحة؟
المعايير التي يتم فيها تحديد سعر اللوحات الفنية الخطية، هي جودة الكتابة الخطية من جهة، والإبداع في رسوم الزخارف النباتية، والتذهيبات اللونية من جهة أخرى، فهناك لوحات عثمانية، وفارسية، وعربية مخطوطة ومزخرفة تصل قيمتها إلى مليون دولار، ومنها لوحة حلية الخطوط العربية للأستاذ هاشم محمد البغدادي، المنفذة سنة 1378هـ، بجميع أنواع الخطوط العربية.

ما تأثير تقنيات الحاسوب في فن الخط العربي، بعد أن كان امتياز كتابة «مانشيتات» الصفحات الأولى من الصحف اليومية، وأغلفة الكتب خاصًا بالخطاطين؟
جاء الحاسوب بهجومه القوي ليضرب أيدي الخطاطين، ويأمرها بالتوقف، ومع هذا فلا أزال أقول إن حروف الخط التي ينفذها الحاسوب «أجسام من غير روح»، على الرغم من حسنته الأكيدة في الإنتاج، بسرعة وكثافة تتجاوز أيدي الخطاطين بمراحل، والذين يتميزون من جهتهم بمهارة صناعة «الحروف النابضة بالحياة».