مهرجان الخالدية الدولي للجواد العربي
العاديات الفاتنات
.الخيل معقود في نواصيها الخير
الرياض: بندر الماضي، عبدالعزيز العريفي
تصوير: هشام شمّا
§ تقييم أصالة الخيول غير العربية بات مبنيًا على مدى قربها أو بعدها من الخيول العربية
§ تملك الولايات المتحدة الأمريكية في إسطبلاتها العدد الأكبر في العالم من سلالات الخيول العربية الأصيلة
§ مهرجان الخالدية الأول من نوعه من ناحية تخصصه في الخيول العربية
§ صنفت منظمة الأيكاهو الدولية مزرعة الخالدية أفضل مزرعة لإنتاج الخيول العربية الأصيلة
وسط تلك التشكيلة الرائعة من سلالات الخيول العالمية النادرة يبقى الخيل العربي هو الأكثر أصالة وجاذبية لمقتني الخيول ، ونعني بالخيول العربية الأصيلة أي التي تكون جذورها وأصولها من أواسط الجزيرة العربية.
قام العرب على مدى آلاف السنين بالعناية بسلالاتها, وتدريبها على الجري مسافات طويلة، وعلى المراوغة والتحمل بغية استخدامها في الحروب, والغزوات الخاطفة في ظروف صحراوية قاسية كان من نتيجتها أن توالدت سلالات في غاية الأصالة, والجودة تميزت بخفة الوزن، والرشاقة، وطول العنق، وضخامة الرئة، وجمال الأذنين، وقوة الأرجل والحوافر، فضلًا عن الذكاء وسهولة «العسف» والترويض، وهذا ما دعا الكثير من عظماء التاريخ أن يحرصوا كل الحرص على اقتنائها والتفاخر بها أمثال الإسكندر الأكبر، وجنكيز خان حتى جورج واشنطن في أمريكا، ونابليون في فرنسا.
ويبقى الحصان العربي سيد الأحصنة إلى اليوم في السرعة، والجمال، والذكاء لدرجة أن تقييم أصالة الخيول غير العربية بات مبنيًا على مدى قربها أو بعدها من الخيول العربية. فيندر مثلًا أن تكون خيول السبق جيدة, ورائعة إلا أن يكون دمها أو بعضها عربي الأرومة. والعرب كانوا يحرصون على العناية الفائقة بأحصنتهم وأفراسهم ولو كلفهم ذلك الصبر على المخمصة في سبيلها، وتقاسم الطعام والشراب، أو المسكن معها، وقد أفضى هذا إلى حصول ألفة, وصداقة حميمة بين هذه الخيول والإنسان. ولأن العرب يعيشون في الصحراء، ويعانون شظف العيش، وندرة الماء والمرعى اضطرتهم ظروفهم هذه إلى العناية بالسلالات الرفيعة فقط واختيارها دون السلالات الوضيعة التي تضاءلت أعدادها إلى حد الانقراض عبر آلاف السنين.
لا تعجب إذا ما عرفت أن الحصان العربي الأصيل اليوم هو ذلك الحصان نفسه الذي عاش قبل أكثر من ألفي سنة، هذا الحيوان الجميل المطواع بعينيه الواسعتين، وأذنيه الجميلتين، وفخذيه الواسعتين، وجسمه الرشيق، ورقبته الطويلة المقوسة، وأرجله الرفيعة، وفوق ذلك تميزه بالشجاعة, والإقدام,وقوة التحمل للمشاق إذا ما استعمل للعمل, وبتفوقه على الأحصنة الأخرى في الاستعراضات، والسباقات، ومنافسات القفز على الحواجز، فضلًا عن رقته، وحبه، وتكيفه مع جميع أفراد العائلة التي تقتنيه.
وتملك الولايات المتحدة الأمريكية في إسطبلاتها العدد الأكبر في العالم من سلالات الخيول العربية الأصيلة، ويُقام على أراضيها ما ينوف على سبع مئة استعراض وسباق سنويًا، على أن أفضل مكان تُقام فيه استعراضات الخيول وأرقاه في أمريكا، بل في العالم كله، هو بلا شك حديقة خيول ولاية كونتكي بمساحة تقدر بـ1200 فدان تقريبًا، مزروعة بالكامل بأفضل أنواع «الثيل»، فضلًا عن الممرات, والملاعب, والمنشآت عالية الجودة، وتتسع لأكثر من مليون زائر وثمانين استعراضاً، فضلاً عن سباقات كونتكي دوربي الشهيرة التي تُقام في مدينة لوسفيل في الولاية نفسها سنويًا. كما قام الأمريكان بتحسين سلالة خيول «المورغان» الأمريكية الشهيرة عن طريق تلاقحها بالسلالات العربية، وكذا فعل الروس مع خيول «الأورلوف اثروتر» الروسية، والإنجليزية مع خيول «ثوروبرد»، والفرنسية مع خيول «البيرشرون» ذائعة الصيت.
ولا يعرف بالتحديد متى بدأ الإنسان بترويض الخيول وتربيتها، إلا أن بعض المصادر تذكر أن الصينيين، والآشوريين، والفرس برعوا في ركوب الخيل نحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وبرع الآشوريون في صناعة السروج لجنودهم، لتكون بذلك أول سروج للخيل في التاريخ، وكان ذلك في القرن السابع قبل الميلاد. وقبل ذلك كان السرج مجرد خرقة، أو قطعة من الجلد تشد على ظهر الحصان، وقد تطور السرج مع مرور السنين، خصوصًا على يد رعاة البقر حتى وصل إلى أشكاله الحالية.
وبحكم أن المملكة العربية السعودية تشغل ،تقريبًا، معظم أراضي الجزيرة العربية، وتمتد على أراضيها أهم الصحاري، وأشباه الصحاري، فهي بالضرورة أهم دولة للخيول العربية الأصيلة ومهدها، ويتضح ذلك عندما نرى العناية الفائقة التي تقوم بها الدولة مشكورة بالخيل،وأهل الخيل من إقامة لمضامير السبق، وملاعب الاستعراضات، والإسطبلات في كل مناطق المملكة على أحدث الطرق الهندسية وفق أعلى المعايير العالمية، فضلًا عن تشجيع تلك الهواية الأصيلة عن طريق بذل الجوائز القيمة، ورصد المناشط التي تهتم بالخيل عمومًا، ودعمها ماديًا ومعنويًا، فضلًا عن إبرازها إعلاميًا يوميًا تقريبًا في قنوات التلفاز، والصحافة، والإذاعة. وأقرب مثال على ذلك ما قامت به مزرعة الخالدية في منطقة تبراك بمحافظة القويعية، مؤخرًا، عندما نظمت بالتعاون مع مركز الملك عبدالعزيز للخيول العربية مهرجانًا عالميًا للحصان العربي خلال المدة من 6 إلى 9 من المحرم 1429هـ الموافق 15إلى 18 من كانون الثاني «يناير» 2008م.
يعد هذا المهرجان الأول من نوعه من ناحية تخصصه في الخيول العربية، وتشرف عليه لجنة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز مساعد وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية ومالك مزرعة الخالدية. وتضمن المهرجان عددًا من الأنشطة المتنوعة التي تهدف إلى ترسيخ مكانة الحصان العربي في وجدان الأمة، لأنه جزء أصيل لا يمكن إغفاله من تاريخ هذا البلد المعطاء ومسيرته الحضارية. وجاء مهرجان الخالدية الدولي للجواد العربي الذي يؤكد مدى الشعبية الجارفة التي تحتلها مسابقات الجمال على المستوى العربي عامة، والسعودية خاصة، ولفت الجمهور الكبير الذي وجد في ميادين الخالدية أنظار المتابعين، خصوصًا أن الأرقام الجماهيرية تجاوزت المتوقعة على الرغم من أن البطولة تُقام في نسختها الأولى، بيد أن ذلك لم يمنعها من تسجيل الرقم القياسي في الحضور الجماهيري، متجاوزة بذلك الكثير من البطولات العالمية التي سبقتها في ذلك.
واشتمل المهرجان على إقامة ثلاث مسابقات تجاوزت جوائزها عشرة ملايين ريال، حيث خصص اليوم الأول للمزاد على جياد إنتاج الخالدية وتجاوز رقم المبيعات ثلاثة ملايين ريال، في حين خصص اليوم الثاني لأشواط السباق للملاك السعوديين، وهو السباق الأول من نوعه الذي يُقام على مستوى المملكة للخيل العربية الأصيلة، وأقيم في هذا اليوم أربعة أشواط كشفت عن الاستعداد الكبير لخيل الخالدية في الدخول في المعترك الدولي الذي يتوقع أن يكون في الموسم المقبل. وحفل اليومان الأخيران من الاحتفال العالمي بإقامة مسابقات الجمال التي شارك بها 19 دولة في مقدمتها السعودية، وأستراليا، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبلجيكا، والبرازيل، والدنمارك، والولايات المتحدة الأمريكية، ومصر، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وجنوب إفريقيا، وقطر، وبولندا، والسويد، وسويسرا، وعمان، وإيطاليا، وألمانيا وإسبانيا.
وتُوّج الفحل العالمي «بادرونز ايميج» من مزرعة «الجنادرية»، والعائدة ملكيتها إلى أبناء خادم الحرمين الشريفين بالمركز الأول، في فئة الفحول، وجاء الفحل اسبارتو لمربط عجمان في المركز الثاني.
وفي فئة المهرات ظفرت المهرة سارا المحمدية بالمركز الأول من مربط المحمدية، وهي حمراء اللون بالمركز الأول، المركز الثاني أف أس كيان لمربط عجمان.
أما في فئة الأمهار فظفر المهر العالمي كيو ار مارك من بلجيكا بالمركز الأول، وهو يعد من أغلى الأمهار في العالم بعد أن دفع فيه نحو أربعة ملايين ونصف المليون دولار قبل نحو ستة أشهر، في حين جاء المهر بانديروس من مزرعة «الخالدية» في المركز الثاني.
في فئة الأفراس فاز الفرس بنيسيما من بولندا، بالمركز الأول، والمركز الثاني فازت به غلردج باشوناتا من مربط عجمان.
وكانت نتائج مسابقة الخيل السعودية قد جاءت على النحو الآتي: فئة المهرات: الأول بنت خزامى لمركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة، الثاني غلا ديراب لمركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة، فيما جاءت نتائج فئة الأمهار فوز المهر «ماجد الخالدية» من مزرعة الخالدية بالمركز الأول، المركز الثاني نشمى ديراب من مركز الملك عبدالعزيز، وحل الفرس مندوبة للأمير أحمد بن عبدالعزيز في المركز الأول في فئة الأفراس، وجاء الفرس عذبة ديراب لمركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة في المركز الثاني. وفي فئة الفحول حل الفحل رزيق لمركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة في المركز الأول، وذهب المركز الثاني للفحل درع الثاني لأبناء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
ويبرهن الكثير من ملاك الخيل العربية على أن نجاح المملكة في تنظيم هذا الحدث الدولي الكبير سيعطي الجواد العربي اهتمامًا أوسع في السنوات المقبلة، منوهين بالدور الكبير الذي قام به الأمير خالد بن سلطان في إعادة الجواد العربي لموطنه الأصلي بعد سنوات من الغياب، بسبب الاهتمام الذي وجده في أوروبا، وأمريكا.
وكانت إسطبلات الخالدية قد أنهت العام الماضي موسمًا حافلًا بالجوائز، بدأ ببطولة دبي الدولية التي حققت من خلالها أربعة ألقاب، واتبعتها ببطولة الشارقة، حيث أحرزت الخالدية بطولتين بها، كما حازت الخالدية، في كأس العالم لمربي الخيل في لاس فيغاس بطولتين، بالإضافة إلى بطولة كنتاكي الدولية المعروفة باسم «آدا جيبنين ايفنت» حيث حازت 5 بطولات.
ثم جاءت بطولة منتون «فرنسا»، حيث أحرزت الخالدية 4 بطولات، وتاور لاند «بريطانيا»، بورغ لاند «بلجيكا» ،التي حازت في كل منها ثلاث بطولات.
واختتمت الخالدية إنجازاتها بخير ختام من كأس العالم السنوية لجمال الخيول العربية التي أقيمت في باريس، إذ توجت ليان الخالدية بطلة العالم لفئة المهرات، وهي من إنتاج الخالدية، كما توج والدها الفحل داكارو بطل العالم، منهيًا مسيرته الرائعة بإنجاز كبير، وحصل المهر ماركيز على بطولة منظمة الأيكاهو.
وقد استقطب المهرجان عددًا من الإسطبلات العالمية، كيف لا وقد صنفت منظمة الأيكاهو الدولية مزرعة الخالدية أفضل مزرعة لإنتاج الخيول العربية الأصيلة. وتستعد الرياض في نيسان «إبريل» المقبل لاستقبال مهرجان المحمدية الدولي للجواد العربي الذي يُقام لأول مرة على المستوى الدولي، بعد أن اقتصرت منافسات النسخة الأولى على الملاك السعوديين، واعتماده من قِبل منظمة الأيكاهو الدولية. وينتظر أن تشهد منافسات تلك البطولة منافسة قوية بين الإسطبلات العالمية بالظفر بألقاب تلك البطولة.
زاد الراكب
قيل إن أول من ركب الخيل هو إسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام، وروى ابن الكلبي في كتاب «أنساب الخيل» ما معناه أن «زاد الراكب» كان أول خيل أصيل اشتهر في العرب. وقصته باختصار أن قومًا من الأزد قدموا على النبي سليمان، عليه السلام، بعد تزوجه بلقيس ملكة سبأ التي جاء ذكر قصتها في القرآن، وسألوه عن أمور تهم دينهم، ودنياهم، فلما قضوا حاجتهم وهموا بالعودة إلى ديارهم بدا لهم أن يسألوا سليمان بعض الزاد الذي يكفيهم لطريق العودة، فدفع إليهم نبي الله فرسًا من خيله النجيبات، وقال هذا زادكم وكلما نزلتم فاحملوا عليه رجلًا وأعطوه رمحًا، وأوروا ناركم، أي أشعلوا حطبكم حتى يأتيكم بالصيد، فجعل القوم لا ينزلون منزلًا إلا حملوا على الفرس رجلًا بيده رمح، واحتطبوا وأوقدوا نارهم، فلا يلبثون كذلك حتى يأتيهم بصيد من حمر الوحش أو الظباء ما يكفيهم ويفضل منه، فقال الأزديون ما لفرسنا اسم يناسبه غير زاد الراكب، فلما علم به بنو تغلب قدموا إلى الأزد فاستطرقوهم، أي طلبوا تلقيح فرسهم من زاد الراكب، فنتج منه الهجيس، وكان أجود من زاد الراكب، فلما سمعت بذلك بكر بن وائل أتوهم فاستطرقوهم، فنتج من الهجيس الديناري، فكان أجود من الهجيس.. وهكذا حتى انتشرت الخيول النجيبة في أصقاع الجزيرة العربية، وكان من أشهرها:
• الأبجر لعنترة بن شداد. الذي قال فيه:
يزل اللبد عن حال متنه كما زلت الصفواء من متردم
• داحس فحل قيس بن زهير قامت بسببه وبسبب الغبراء الحرب المشهورة باسميهما.
• الغبراء أنثى لحذيفة بن بدر.
• النعامة فرس للحارث بن عُباد الربعي.
• المشهر لامرئ القيس بن أبان، ثم أهداه للمهلهل بن ربيعة المشهور بالزير سالم.
• الصريح لبني نهشل.
• الوجيه ولاحق لبني أسد.
أما خيل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهي:
• السكب، وقد اشتراه النبي، صلى الله عليه وسلم، من أعرابي وركبه يوم أحد.
• المرتجز، وسمي بذلك لجمال صهيله.
• البحر، اشتراه من تجار اليمن وسابق عليه عدة مرات.
• اللحيف، وكان هدية من مروة بن عمرو.
• الورد، هدية من تميم الداري.
• الملاح، هدية من أحدهم.
• سبحة، اشتراه من أعرابي من جهينة.
• الظرب، أهداه له مروة بن عمرو.
• اللزاز، هدية المقوقس حاكم مصر.
والخيل لها مكانة عظيمة في نفوس العرب، وسمي الخيل خيلًا لأن في سيرها خيلاء، ومن أقوالهم فيها: ثلاثة لا تعار الزوجة، والسلاح، والفرس. وقولهم: ثلاثة من نعم الله: زوجة صالحة، وحصان أصيل، وسيف بتار. وقولهم: ثلاثة أنواع من الخدمة لا يعاب بها المرء: خدمته لبيته، وخدمته لفرسه، وخدمته لضيفه.