مهرجانات

 

ورد الطائف:

ندى الربيع الممراح

أفرط الورد في دلاله على أرضها ومنحها كل الفرح والعبير.

الرياض: نوف الغشيان

§ أربعون يومًا فقط تحتفي فيها الأرض بميلاد الورد

§ منطقة «الهدا» هي الأشهر والأفضل في إنتاج الورد

§ عملية القطف تستمر لمدة ساعة ونصف الساعة إلى ساعتين من صباح كل يوم

§ يبلغ إنتاج مناطق الطائف مجتمعًا من دهن الورد ما بين 75 كيلو إلى 85 كيلو غرامًا

 

كما للجمال مواطن.. أيضًا للورود مدن.. نسيمها شذا.. وغيومها ألق.. تجعل من الرائحة حياة أخرى نتنفسها.. تجذبنا من البعد إلى حيث اللوحة الأروع تلك التي تبعث إشعاعها عطرًا يملأ أنفاسك كما تمتلئ عيناك بإشعاع الجمال.. فتكون الرحلة إلى حيث يكون العبير رسمًا وجسمًا يشي بكثير من أحاسيس الرقي العاطفي.. إلى هناك حيث يكون التعبير عن إنسانيتك.. فخامتك.. عطرك.. وردة.

الطائف مدينة الورد كما يحلو لبعض الناس أن يسميها ترتفع عن سطح البحر بـ1700 كلم كحد أدنى، علها تكون مناسبة لتنشر الأريج في قمم جبال الشفا، والهدا التي تحيط بها، فهناك قصص تثرثرها كل وردة تُجنى وكأنها الملكة التي انتظرت لأحد عشر شهرًا من السنة حتى تُتوج قطرة ماء ورد، أو مسحة غنية من دهن الورد.

يبدأ ميلاد الورد في المنتصف من شهر مارس حتى يحين القطاف في أواخر شهر إبريل.. هي أربعون يومًا فقط تحتفي فيها الأرض بميلاد الورد، أو هي الطائف التي ترفل في ألق اللون والرائحة التي تتعانق مع هتان السحب ليكتمل الجمال في مدينة الورد التي استحقت بروعة مقوماتها الطبيعية من جو بارد، ومياه عذبة إلى احتضان شتلات الورد الأم التي أهداها أحد سلاطين الدولة العثمانية إلى شريف الحجاز قبل ما يتراوح بين 170 عامًا إلى 200 عام، لتكون الدخول الأول لنبات الورد إلى أرض الطائف الخيرة لتنمو فيها، بل لتتزايد وتزدهر زراعة وصناعة.. لتنسب بذلك الطائف لها.. فتلقب بمدينة الورد.

هذه المدينة التي أفرط الورد في دلاله على أرضها فلم يعشق إلا أجزاءً منها كانت هي الأبرد في درجة الحرارة، والأعلى في الارتفاع والأنسب في التربة، لذا جاءت منطقة «الهدا» الواقعة بين الطائف ومكة هي الأشهر والأفضل في إنتاج الورد يليها «وادي محرم»، ثم «وادي الغديرين»، ثم «الشفا والاقيلح وبلاد طويريق والضحيا»، وغيرها من السفوح المطلة على تهامة من غربي الطائف وجنوبها.
وخلال هذه الأربعين الوردية يتم قطف الورد بشكل يومي حتى لا تذبل وتفقد مخزونها من الرحيق الذي حبسته في بتلاتها الداخلية، والذي أصدر فرمانًا بعدم صلاحيته إلا إذا قطف قبيل الشروق، إذ الظلام يتفوق على النور، حتى إذا ارتفعت الشمس وعم ضوؤها الحقول يتوقف القطف، إذ تنغلق الورود على نفسها، وكأنها خجلى من ضوء الشمس، لذا يساهم الكل النساء والأولاد في عملية القطف هذه التي تستمر لمدة ساعة ونصف الساعة إلى ساعتين من صباح كل يوم، حيث تجمع في أكياس من «الخيش» مبللة، ثم تنقل إلى مصانع التقطير الملحقة بحقول الورد، ثم توزن هذه الورود بطريقة الميزان الوردي، إذ تعد كمية من الزهور 500 زهرة أو 1000 زهرة ثم يقاس عليها في الوزن، وذلك لأن تركيبة القدر الواحد من قدور الورد الخاصة لا تتسع إلا لألف وردة مضافًا إليها 50 ليترًا من الماء.

بعد أن يحكم إغلاق هذه القدور توضع على مواقد تسخين إما بالحطب، وإما بالغاز، فيتم تسخينها على هادئ اللهب لفترة قد تمتد إلى ست ساعات، حيث يبدأ التبخير ويجمع بوساطة وعاء على شكل خوذة معدنية تشبه فطر عيش الغراب ينطبق بإحكام على قدر التسخين، ويخرج من أعلاه أنبوب معدني ينحني إلى أسفل، حيث يمر خلال خزان من الزنك يحتوي على مياه تبريد.
ينساب هذا البخار متكثفًا على شكل قطرات، منحدرًا إلى قوارير زجاجية تترك لفترة طويلة حتى تعلو وجهها قطرات «دهن الورد»، ولكنها كمية قليلة، إذ يظل الجزء الأكبر منها منتشرًا في ماء الورد المكثف.
يعبأ كل ليتر منها في قارورة زجاجية تسمى «العروس»، إذ هي خلاصة احتفالات قطاف الفجر، وزفافه إلى حيث خرجت هذه القارورة «العروس».
وحتى يخرج كل الدهن الخجل الذائب في مائه لابد من إعادة تقطير «العروس» باتباع تقنية التقطير التعاقبي، وهي على نوعين:
الأول: أن تصب محتويات العروس على مجموعة من الأزهار المقطوفة حديثًا، لكي يستحدث كمية أكبر من الزيوت المتطايرة.
الآخر: يكون بإعادة تقطير «العروس» ببطء شديد وبمفردها، ليكون النتاج غنيًا بالزيوت العطرية. وهذه الحصيلة تسمى «الثني» أو «الثنو»، أي القطفة الثانية، إذ «العروس» هي القطفة الأولى.
حيث تطفو طبقة الزيت العطر على وجه ماء الورد ليسحب بشوكة خاصة ويجمع في وعاء خاص، وهنا لا تزال احتفاليات «العروس» سارية، إذ تحفظ هذه الخلاصة لعدة أيام حتى يترسب ما بها من شوائب عالقة ومياه مختلطة بها، ثم يأخذ «دهن الورد» طريقه إلى الأسواق بعد أن يعبأ في قوارير خاصة بالطيب الشرقي تسمى «التولة»، إذ تعادل 11 غرامًا تقريبًا، وتفرع منها عبوات أصغر «نصف تولة» و«ربع تولة».

سعر «تولة دهن الورد» في متوسطه يتراوح بين 800 ريال إلى 2500 ريال حسب جودة الورد المصنع منه، حيث يعد ورد الهدا الأجود الذي يستهلك إنتاج التولة الواحدة منه إلى ما يتراوح بين 10.000 إلى 15.000 وردة، في حين يبلغ إنتاج مناطق الطائف مجتمعًا من دهن الورد ما بين 75 كيلو إلى 85 كيلو غرامًا.
وتصنف المملكة العربية السعودية كثاني دولة بعد بلغاريا، تليهما روسيا كأفضل عطور في العالم، ثم تأتي بعد ذلك دول منتجة كالصين، وتركيا، والهند، والمغرب، وإيران، وكيلوات الطائف المنتجة هي الأقل ولكنها الأجود.
أما وصيفة العروس، فهي مياه الورد التي تنتج بكمات كبيرة إذا ما قورنت بكمية «دهن الورد»، وهي مياه صافية اللون، رائحتها رائحة الربيع، فهو شذا براعم الورد المتفتحة.
هذه المياه تستخدم في التجميل وتخلط مع الكحل الأسود، أيضًا، وتفيد في علل البصر، والقلب، والمعدة، والتهابات العيون.
أيضًا هو الرئيس في كثير من الحلويات وبعض الأطعمة، وهو البديل الأفضل للنعناع الطائفي إذا أضيف إلى الشاي.
ومياه الورد امتداد لأنشودة الفرح الأولى التي عزفتها الورود في منتصف مارس، إذ هي المرحب الأول بالضيوف في الأعياد والأفراح، حيث يزين «المرشات» أو تزينه المرشات لينتثر رذاذه على أيدي الضيوف، ووجوههم، وملابسهم.
لذا خلَّد الشعر الورود أصلاً وتشبيهًا فها هو الشاعر طاهر زمخشري، رحمه الله تعالى، يقف على سفوح الهدا، حيث يستنطق الطبيعة الغناء وهو يرسمها وجه الحسن، ويخلط عبق الفجر بنظيره من الورد لتخرج أبياته قائلة:

أنت الربيع والورد في خديك
أهدى عبيره للأقــاحي
أنت أحلى من الربيع وأزكى
بالذي فيك من ندى ممراح
فيك ما فيه من جمال وورد
زاده الحسن قوة الإفصاح