معالم

 

أحد المعالم العريقة للدرعية

حمّام الطريف

تصميمه تأثر بحمامات الشام التي استمدت هويتها من الطابع الإسلامي.

 

الطائف: أهلاً وسهلاً
تصوير: هشـــــام شــــما

تولي وكالة الآثار والمتاحف مدينة الدرعية اهتمامًا كبيرًا، وذلك من خلال إعادة ترميم المدينة القديمة بكل مظاهرها التراثية والجمالية، وقد شملت أعمال الترميم حمّام الطريف الذي أنشئ وملحقاته السكنية لضيافة الوافدين إلى الدرعية.

يقع حمّام الطريف في مكان مميز بمدينة الدرعية الزاخرة بالعديد من المباني التراثية والطينية، حيث يوجد في جنوب حي الطريف، ويطل على شعيب صغير كان مصدرًا للطمي والأحجار التي استعملت في بناء قصور الحي نفسه ومبانيه.
ويوجد بالشعيب البئر البيضاوية الفوهة التي كانت تغذي الحمام وملحقاته بما يلزم من المياه المحمولة على ظهور الدواب عبر طريق ممهد في الصخر الطبيعي بالجانب الشمالي للهضبة ويوصل للباب الغربي للحمام. وكانت تصرف مياه الحمام عبر قنوات دقت في جوانب الصخر وساعد على جريان الماء بها الانحدار الطبيعي بأرضية مباني الحمام وملحقاته نحو الهضبة من الشمال إلى الجنوب.
ويتصدر مباني الحمام وملحقاته فناء كبير مكشوف يقدر بحوالي ألف متر مربع، وهو محاط بسور يصل ارتفاعه أربعة أمتار، وبابه الرئيس يقع بالجهة الشرقية من الجدار الشمالي، ويقود إلى المدخل الرئيس المشترك لكل من الحمام والملحقات، وتقع على القرب من هذا المدخل حجرة الاستقبال الرئيسة للحمام ومساحتها كبيرة وكان يتواجد بها المشرف على الحمام.
واللافت للانتباه أن هذه الغرفة محاطة من جهاتها الأربع بالمصاطب المليسة بالجص، وتعد بمنزلة الحجرة الباردة التي تستقبل زائر الحمام، وتستخدم المصاطب للراحة، والاسترخاء لفترة طويلة وللجلوس والسمر والمناقشة في مختلف الشؤون وتناول المشروبات.أما في الركن الشمالي الغربي للغرفة الباردة فيوجد حوض للماء البارد يستخدم في الوضوء وإزالة العرق بعد التمرينات الرياضية.
ويوجد بأسفل الحوض فتحة مستديرة لتصريف المياه، وبالجدار الجنوبي توجد أربع طاقات «غير نافذة» اثنتان منها بعقد مدبب، واثنتان بأعتاب أفقية، كان يوجد بها أرفف لحفظ المقتنيات الثمينة قبل الانتقال إلى الغرفة الدافئة ولها أبواب خشبية مزخرفة. ويوجد بهذه الغرفة شباكان صغيران في كل من الجدارين الشمالي والغربي، ويعلو ذلك مجموعة من المثلثات في صفوف أفقية، وبعضها في صفوف رأسيه، وأخرى في مجموعات هرمية في أشكال هندسية بديعه. وهي تستعمل لأغراض التهوية والإنارة، وكعنصر زخرفي يضفي الجمال على الحجرة، ويجعلها أكثر ملائمة للغرض الذي أقيمت من أجله.
ويتوسط الغرفة عمودان وعمود ثالث يتوسط الجدار الشرقي للحجرة وجميعها محاورها على خط مستقيم واحد، وتتشكل الأعمدة الثلاثة من خرزات حجرية أسطوانية الشكل، وجدران هذه الحجرة ترتفع إلى مترين، مليسة هي والأرضية بلياسة جيرية. ويعد ذلك دليلًا على الاهتمام بهذه الحجرة، وأهميتها بين وحدات الحمام.
وفي الجدار الغربي للحجرة باب يوصل إلى ممر تنخفض أرضيته بثلاث درجات عن أرضية الحجرة الباردة، حيث يقود هذا الممر إلى الحجرة الدافئة التي تنخفض أرضيتها عن أرضية الممر بدرجتي سلم. ويتم في هذه الغرفة خلع الملابس، وتحفظ حتى يعود المستحم لارتدائها، ويلاحظ أن الغرفة مربعة الشكل. وقد بني على الجدران الغربية والشمالية والجنوبية للحجرة مصاطب تستعمل للجلوس أو للراحة والاسترخاء والسمر، ويعلو المصطبة بالجهة الغربية سلم من ثلاث درجات يؤدي إلى مكان خلع الملابس بعيدًا عن أعين الموجودين بالحجرة.
بعد ذلك ينتقل المستحم عبر الممر الدافيء، والذي يقدر عرضه بـ1.20 متر، وهو منكسر على شكل زاوية قائمة، وسقفه أقل ارتفاعًا من الغرفة الدافئة، ليصل إلى الغرفة الساخنة، وهي أهم أجزاء الحمام جميعًا، حيث يتم فيها الاستحمام والتعرض للبخار والعلاج الطبيعي، علاوة على نظافة الأبدان.. وهي غرفة مربعة الشكل سميكة الجدران تحمل في نهاية أركانها المربعة بداية مثلثات كروية، تمهيدًا لإقامة مباني القبة المستديرة عليه.
ويلاحظ عبر إنشاء الحمامات في العصر الإغريقي والروماني، ومرورًا بالدول العربية والإسلامية، أن الغرفة الساخنة قد غطت الحجرة بقبة كبيرة أو صغيرة تبعًا لمساحتها، وتكون جدران الغرفة سمكية، ومن الحجر كي تتمكن من حمل مباني القبة أعلاها.
بينما يوجد خارج الحجرة الساخنة المواقد المبنية من «الآجر» الطوب المحروق بمونة الجص وبطريقة فنية متقنة، وتنخفض أرضيتها عن أرضية الغرفة الساخنة بحوالي 1.20، وقد سقفت المواقد بقبة من الآجر، وهو من المواد التي استعملت قليلًا في المنطقة الوسطى.
ويعلو المواقد بالغرفة الساخنة مغطس ترتفع جدرانه الأصلية عن أرضية الحجرة بأكثر من متر واحد، وقد بني المغطس كحوض استحمام بجوانب ترتفع إلى النصف متر، وأكمل ارتفاع الجوانب، ليكون الحوض مغطسًا للاستحمام. ويوجد في الركن الشمالي للغرفة حوض جدرانه مرتفعة عن أرضية الحجرة بـ30 سم، وقد كسيت جدران ذلك الحوض وأرضيته بمونة جيرية مصقولة قليلة المسام. بينما يوجد في أعلى الحوض فتحة ماسورة لتوصيل المياه من الحجر المنحوت مثبتة داخل الجدران من الخزان الرئيس مباشرة.
بعد إتمام الاستحمام، وما يتبعه من عمليات تدليك، يغادر المستحم الغرفة الساخنة إلى الغرفة الدافئة لارتداء ملابسه والاستراحة بها فترة تطول أو تقصر تبعًا لرغبته وتأقلم جسمه مع حرارة الغرفة الدافئة، ثم يغادرها إلى الغرفة الرئيسة، ليستكمل راحته، ويتأقلم مع الجو الخارجي، ويغادر الحمام.
وحول الفناء المكشوف الذي تزيد مساحته على المئتين متر مربع، نجد أنه يقع شمال الحجرة الساخنة، وبجانبه الجنوبي خزان المياه الرئيس، وكان يوجد حوض صغير من الحجر إلى الجانب الغربي لخزان المياه، ويتم في ذلك الحوض غسل ملابس المترددين على الحمام والفوط والمناشف، ويتم التخلص من ماء الغسيل عبر قناة تنحدر على شكل نصف دائرة إلى الجدار الجنوبي المطل على الوادي، ومن خلال فتحة المزراب تسيل المياه إلى الوادي.

ملحقات الحمام

وعندما نترك الحجرة الباردة ونتجه إلى الفناء المكشوف نجده محاطًا بثمانية أعمدة حجرية مكونة من خرزات مستديرة، وتحمل الفروشات الحجرية «تاج العمود» الحاملة للسواتيف جذوع أشجار خشب الأثل التي تحمل الظلة من جهة الفناء. بينما يحمل طرفها الآخر على جدران الحجرات المحيطة بالفناء وعرضها لا يتجاوز المترين، وبوجهتها من أعلى فتحات مثلثة على خط أفقي واحد للإنارة والتهوية والزخرفة، وأسفلها ثلاث طاقات غير نافذة ذات عقود مدببة يتوسطها باب الحجرة ويوجد بالجدار الشمالي للفناء صف من الفتحات المثلثة مستمرة حتى الجدار الشمالي للحجرة الغربية، ومنسوب أرضية الفناء ينخفض بثلاث درجات عن أرضية المدخل الشمالي.
وإذا اتجهنا للجهة الجنوبية المطلة على الوادي مباشرة نجد ثلاث حجرات تنخفض أرضياتها بمقدار نصف متر عن أرضية الفناء.
والحجرة الغربية منهم يتوسطها بقايا عمودين حجريين مكونين من خرزات حجرية، ويوجد بين بقايا العمود الغربي والجدار الشمالي قاطوع من مباني الطين. أما الجدار الجنوبي فهو منهار تمامًا، حيث كان مبنى أساسه من كتل حجرية بارتفاع نحو خمسة أمتار للوصول لمنسوب أرضية الغرفة على سطح منحدر الهضبة، وبالجدار الشمالي للحجرة فتحات مثلثة قاعدتها على خط أفقي واحد.
أما بجدار الفناء من الجهة الشمالية فيوجد حجرة مربعة تقريبًا يتوسطها عمود ويقابله على نفس محوره عمود آخر بوسط الجدار الشرقي لحمل سقف الحجرة، وبالجدار الشرقي باب يوصل بين المبنى السكني والمبنى الاجتماعي والحضاري ويجاوره إلى الشمال من الجدار نفسه دولاب بارتفاع 1.21 متر، وبه رفان الأول لا تزال أماكن تثبيته ظاهرة بالجدار وهو على ارتفاع 40 سم، ويعلوه رف ثان لا زالت بقاياه ظاهرة بالجدران وهو على ارتفاع 30 سم من الرف الأول، والدولاب ذو عقد مدبب وجدرانه مليسة بلياسة جيرية. كما يوجد بالجدار الغربي مجموعة مثلثات، ويفصل بين المجموعة الأولى والثانية مثلثان في صف رأسي على محور واحد.. وأسفل المجموعة الهرمية الثانية يوجد مثلث آخر بنفس الارتفاع.

القسم الشرقي

وهو فناء مكشوف عظيم الاتساع محاط من جهاته المختلفة بالأعمدة، حيث يوجد به أربعة عشر عمودًا تحمل مظلة كبيرة، ولا يوجد بهذا المبنى سوى حجرتين صغيرتين لا تكفي أيهما، لكي تستخدم لأي أغراض سكنية، وإنما تصلحان كمستودعات.
ويحتوى هذا المبنى على عناصر زخرفية بأشكال متنوعة ومختلفة بكثرة، حيث أقيم لغرض الاجتماعات والاحتفالات والندوات، سواء منها السياسية أو الدينية أو الاحتفالات بانتصارات عسكرية. ومما يلفت الانتباه وجود مداخل فخمة عبارة عن عقود مدببة كبيرة الاتساع محمولة على أكتاف مبنية بقطع من الحجر الجيري المنتظم الشكل.
ويتوسط مباني الكتف الأوسط عمود مكون من خرزات حجرية، وهذه الأكتاف والعقود مليئة بالزخارف المصنعة باللياسة، وهو عبارة عن مثلثات ومعينات بأشكال ومساحات وأطوال مختلفة ومتنوعة منتشرة في أماكن متعددة بالأكتاف، وأرجل العقود بالواجهتين الشرقية والغربية لهذه العقود، وتتفاوت في ارتفاعها. وهذه المداخل الفخمة المتجاورة والمحمولة على الأكتاف مزخرفة بسعة وإسراف، وتعد عملاً معماريًا فريدًا، سواء في مدينة الدرعية أو ما جاورها. وتعد هذه الأكتاف عبارة عن أربعة أكتاف مستطيلة مبنية بالحجر تحمل ثلاثة عقود ضخمة مدببة، اثنان منها كمدخلين والثالث كواجهة مكملة وهو عبارة عن الجدار الشرقي لحجرة التخديم، وللوصول إلى هذين المدخلين هناك باب بالجهة الشرقية يوصل إلى ممر أمام المدخلين، وهذا المدخل مليس بلياسة جصية مصنع بها صف من المثلثات تظهر على واجهة الجدار الطيني الحالي الذي بني ملاصقًا له من الجهة الغربية.
ويظهر التعدد في الزخارف في غرفة التخديم، وهي غرفة صغيرة الحجم والمساحة لا تتجاوز 2×2 مترًا، وواجهتها الغربية عبارة عن شرفتين على يمين بابها بارتفاع 1.90 متر، ويتخللها صفان من المثلثات الرأسية. ويتخلل كل شرفة مجموعة هرمية من ثلاثة مثلثات يعلوها مثلث بالارتفاع نفسه، ولكن بعرض أقل. والجدار الغربي به طاقة عقدها على شكل مثلث، والحجرة مليسة بلياسة جيرية في مختلف جدرانها، ويظهر عليها الآن آثار الدخان، ما يرجح أنها كانت للتخديم.
ويوجد بالمبنى مدخل آخر منكسر وواجهته شرقية، والمدخل أمام العقود على خط مستقيم واحد، ويقود هذا المدخل إلى الفناء، وتواجهه مباشرة حجرة صغيرة بطول 2.85 متر مربع، وعرض 2 متر، كانت تستعمل كمستودع، حيث إن مساحتها لا تكفي، ولا تصلح إلا لهذا الغرض، وبجدارها الجنوبي طاقة غير نافذة وعقدها على شكل مثلث. والحجرة مليسة بالطين، ويوجد قاطوع بين المدخل والحجرة حتى لا يرى الداخل إلى الفناء من بالحجرة، وبالجهة الشمالية من المدخل على اليمين توجد حجرة المجلس، وقد أضيفت في وقت لاحق للمبنى، وهي حجرة غير متساوية الأضلاع يتوسطها بقايا عمود من الخرزات الحجرية، وقد استعملت هذه الحجرة كمجلس، إذ يوجد موقد للنار بالجهة الشمالية الغربية للحجرة وأرضيته تنخفض عما حولها بمقدار 10 سم.
وقد عثر بالموقد على بعض قطع الفحم الصغيرة، حيث كانت تصنع القهوة العربية وتقدم للضيوف، وبقية أرضية الغرفة، غير الجزء حول الموقد، مشيدة على الصخر الطبيعي للهضبة.
ويوجد سلم أضيف في عصر لاحق، ونتج عنه سد العقود الفخمة التي كانت للمبنى، وما زالت بقاياها وزخارفها قائمة، وقد بقي من درجات هذا السلم سبع درجات، وهو مبني بالحجر المليس بمونة جيرية. وامتدت المباني السكنية التي اشتركت مع الحمام في مدخل رئيس واحد، هو المدخل الشمالي، وقد أعدت هذه الملحقات لاستقبال أمراء المناطق وحكامها، ورؤساء القبائل والعشائر، وعلية القوم القادمين إلى الدرعية.