october_banner

فنون

السجاد اليدوي

فن يسجل تاريخ الشعوب

تحفة فنية راقية، كلما امتد بها العمر ازدادت قيمتها المادية والفنية، ولا توجد سجادة تشبه الأخرى.

• القاهرة: أهلاً وسهلاً

festival_pict

السجاد اليدوي فن خاص جدًا، خيوطه تثبت أن بداخل الإنسان قدرة هائلة على الإبداع. أدواته الخيال، والخيوط، والرغبة في التعبير عن النفس، والأنامل التي تعزف سيمفونية من الألوان والحكايات التي تعبر عن البيئة، والحياة، والأماني، والأحلام.

§ بدأت صناعة السجاد في تركيا، والهند، وإيران، وباكستان، والصين، ثم دخلت مصر بعد ذلك بنحو ثلاث مئة عام، وتحديدًا أيام المماليك

§ الصوف، والحرير، والقطن، الخامات التي يصنع منها السجاد، وتختلف قيمة السجاد تبعًا لنوعية الصوف

§ لا توجد قطعة تشبه الأخرى، وكل واحدة تمثل لوحة فنية خاصة لها ظروفها في تصنيعها

    في أحد الأيام البعيدة في الصحراء، خرج الراعي بحملانه، فجزَّ لهم الصوف، وعاد به إلى خيمته ليغزله، وتتلقفه أيدي زوجته لتتفتح كل ملكاتها التي خلقها الله بها، سبحانه وتعالى، فتتحرك أناملها لتخرج لوحة رائعة الجمال تزين بها خيمتها، هكذا بدأ فن السجاد.
    تتطور الحياة ويتطور معها فن السجاد، ويعرفه سكان المدن، فأضافوا إليه من مدنيتهم وحياتهم، وبدأ المصممون والفنانون الابتكار، لتتحول إحدى حرف الزمن القديم إلى فن له قواعد وأصول، ويصبح رمزًا للثراء والمكانة التي تستغرق صناعة الواحدة منها شهورًا، وسنوات أحيانًا .
    يسجل السجاد بكل أمانة تاريخ الشعوب، وأسماء مدنه التي وضعت طابعها بين خيوطه، فيحتفظ السجاد الإيراني بشهرة حملت أسماء مدنه لتنشره في العالم كله، فعرفنا السجاد الأصفهاني نسبة إلى مدينة أصفهان، والتبريزي نسبة إلى تبريز، وقم نسبة إلى مدينة قم، وحملت كل سجادة طابع مدينتها، وما اشتهرت به من رسومات وألوان حصلت عليها من النباتات التي تنمو في المدينة، واستخدمتها في صباغة خيوط السجاد.
    وكما اشتهرت إيران بصناعة السجاد اليدوي، اشتهرت مصر، أيضًا، بذلك الفن الذي عرفه أهلها منذ فجر التاريخ. وما زالت مدن وقرى بعينها في مصر مثل: أخميم، وفوه، وأسيوط، تخرج أجمل لوحات السجاد، إلى جانب قرية الحرانية التي يغزل أهلها أروع لوحات السجاد بتلقائية شديدة، رغم عدم دراستهم فن السجاد في المدارس والجامعات.
    يتصدر السجاد الإيراني العالم بشهرته، فقد كان وراء ذلك اهتمام حكام إيران أنفسهم، فمنذ أكثر من خمس مئة عام كانت الأسرة الحاكمة في إيران هى الأسرة الصوفية. وقد عشق الشاه عباس الصوفي فن السجاد، فحظي صانعو السجاد في عصره بمكانة رفيعة، حتى إن أشهر صانع للسجاد في عصره كان يجلس على يمينه قبل مجلس رئيس الوزراء، وأحيانًا كان تكريم الحكام للفنان يصل إلى تعيينه وزيرًا للفنون. وأصبح في إيران أربعون مدينة تنتج السجاد بأنواع مختلفة من الصوف والحرير. تختلف نوعيتها حسب ظروف المناخ. ففي الشمال وعلى حدود روسيا نجد نوعية الصوف ناعمة جدًا، وغاية في الرقي، وتتميز بلمعة براقة، أما في الجنوب حيث الجو الحار، فيكون الصوف خشنًا نوعًا ما، ولا توجد به لمعة.

أسرار السجاد

    تعد عائلة عبدالله الكحال أكثر الناس معرفة بالسجاد وأنواعه، وهو من الأسماء المعروفة والمشهورة في مصر والعالم العربي في مجال صناعة السجاد والاتجار فيه. وتلك الشهرة لم تأتِ من جمال سجادهم فقط، بل لأنهم من أقدم العائلات التي عملت في تجارة السجاد بالعالم العربي.
    ويمثل عبدالله الكحال الجيل الخامس في عائلته التي بدأت رحلتها في تجارة السجاد مع جده عام 1830، حيث كان يجوب العالم لشراء السجاد من الهند، وتركيا، وأفغانستان، وإيران. ويحمل بضاعته الثمينة ليبيعها في سوريا، ومصر، والسودان، وإفريقيا، لتتوارث بعد ذلك العائلة صناعة السجاد والاتجار فيه.
    وحسب عبدالله الكحال، فإن فن صناعة السجاد لم يبدأ من أجل التجارة، ولكنه فن فرضته البيئة وطبيعة الحياة واحتياجاتها، فقد بدأ ذلك الفن من أجل الاستعمال الشخصي لفرش خيمة البدو في الصحراء، وكانت رسومات السجاد في البداية مجرد خطوط هندسية بسيطة تعبر عن رؤية الصانع، فلم يبدأ برسم الطيور والأشخاص، وإنما بدأ بخطوط تعبر عن حياته ومعيشته البسيطة، وهو ما نعرفه الآن بـ«السجاد الكازاك».
    ثم عرف أهل المدن السجاد من البدو ساكني الصحراء، فأضافوا إلية وتفننوا في صنعه وزخرفته، لدرجة أن السجادة أصبحت تحمل جزءًا من التاريخ يعبر عن طبيعة أهل المدينة ومدى تحضرها ورقيها.

السجادة المملوكي

    بدأت صناعة السجاد في تركيا، والهند، وإيران، وباكستان، والصين، ثم دخلت مصر بعد ذلك بنحو ثلاث مئة عام، وتحديدًا أيام المماليك. وصانعو السجاد يؤرخون لذلك بالسجادة المملوكي، وكان ذلك أمرًا طبيعيًا، نظرًا لأن الأماكن التي أتى منها المماليك كانت تشتهر بصناعة السجاد.
    الصوف، والحرير، والقطن هي الخامات التي يصنع منها السجاد. ويعد الصوف المأخوذ من بطن الخروف الصغير أجود أنواع الصوف وأغلاها. وترتبط الجودة، أيضًا، بالمكان الذي يعيش فيه الخروف، ونوعية المرعى، والمناخ ما بين الحار والبارد والجاف.
    تختلف قيمة السجاد تبعًا لنوعية الصوف ومكانه في الخروف، وتتميز تركيا بالسجادة المصنوعة من الحرير. ويأتي بعد ذلك السجاد الهندي بألوانه الزاهية ونقوشه الطبيعية. ويعد سجاد «أجرا الهندي» من أشهر أنواع السجاد، لأنه كان يصنع في سجون أجرا، وكان المساجين يعبرون فيه عن واقعهم، فيصورون الطيور على السجادة تعبيرًا عن رغبتهم في الحرية، حتى أطلق على ذلك النوع من السجاد «طيور السجن».
    وهناك نوع آخر من السجاد يختلط فيه الصوف بالحرير. ومن المعروف أن السجاد الحرير بدأت صناعته في المدن فقط، ليتناسب مع الحياة المرفهة لأهلها بعكس أهل البدو الذين يصنعون السجاد من الصوف والقطن.
    وإذا كانت إيران تمتاز بالسجاد المصنوع من أرقى أنواع الصوف، وتركيا بالحرير، فإن الصين تمتاز بأرقى أنواع الصوف، حيث يأخذونه من حيوان اللاما المشهور. وأكبر دليل على ارتفاع ثمنه، أن الصين منعت تصدير صوف اللاما لندرته وجودته.
    يحدد عدد العُقد الموجودة في السجاد قيمتها، والعقدة في السجادة تعني عدد العقدة في السنتيمتر الواحد في أثناء غزلها، فهناك سجادة بها 12 عقدة أو 24 عقدة أو 64 عقدة في السنتيمتر. وكلما زاد عدد العقد ارتفعت قيمة السجادة، لأنها تستغرق فترة أطول في الصنع، فإذا كانت السجادة العادية تستغرق من أربعة أشهر إلى ستة أشهر، فهناك سجادة قد يستغرق صنعها سنوات عدة، ويصل ثمنها إلى أرقام خرافية. وهناك فنانون في إيران غزلوا 200عقدة في السنتيمتر الواحد، علمًا أن كل عقدة تمثل جزءًا من الرسم.

السجاد لا يتشابه

    لا توجد قطعة سجاد يدوي تشبه الأخرى، حتى لو كانت من نوع واحد، لأن كل قطعة تمثل لوحة فنية خاصة، لها ظروفها في تصنيعها، وحتى في الحالة المزاجية التي يمر بها العامل نفسه. والسجادة تحفة فنية راقية كلما امتد بها العمر ازدادت قيمتها المادية والفنية، ولكن هذا يتطلب صيانة معينة للحفاظ عليها وعلى قيمتها. وإذا احتاجت السجادة إلى تنظيف فلا بد من اللجوء إلى المختصين، وإذا اضطرت ربة البيت إلى تنظيفها بنفسها، فعليها أن تقوم بتنظيفها بالمكنسة اليدوية، ثم بالمكنسة الكهربائية العادية.
    وتتم عملية التنظيف برفق شديد حتى لا يتسرب وبر السجاد داخل المكنسة، لأنه يعني استهلاك عمر السجادة.
    وعند استخدام الماء والصابون يتم التنظيف في اتجاه واحد حتى لا تتآكل وبرة الصوف، مع ضرورة الشطف الجيد من الصابون.
    ولا بد من تعرض السجادة للتهوية الجيدة، مع وضع المبيدات الخاصة بالعناية بالأصواف مثل البريدكس والنفتالين، والحذر، أيضًا، من استخدام تلك المواد بكثرة حتى لا تسبب تآكل أجزاء من السجادة.
    وإذا تعرضت سجادة ثمينة للتلف في بعض أجزائها، يمكن ترميمها، ولكن لا بد أن يقوم بذلك أحد المختصين بإعادة غزل الجزء المتآكل بخيوط القطعة التالفة وألوانها نفسها.
    يُعرف السجاد الحرير والصوف باسم «العجمي»، وهو لفظ يعني مَنْ لا يتحدث العربية، وارتبط هذا الاسم بالسجاد الذي كان يصنع في إيران، وتركيا، وأفغانستان.
    وارتبط، أيضًا، بتصوير الطيور، والحيوانات، والأشخاص، في تناغم وانسجام أخرج لوحات فنية رائعة، خصوصًا بعدما اهتم ملوك إيران بتصوير أنفسهم على قطع السجاد. وهو الفن المقابل لفن البورتريه الأوروبي. وأشهر من رسمت صورته على السجاد، الشاعر الإيراني عمر الخيام الذي عُرفت باسمه.
    وإلى جانب هذا الفن ظهر نوع آخر من فن السجاد غزله الفلاحون البسطاء. عبروا فيه عن أنفسهم بقوة وجمال، فغزلوا مظاهر الحياة حولهم، وصوروا حياتهم اليومية البسيطة بتلقائية أثارت دهشة الجميع، فهم لايقرؤون ولا يكتبون، ويحركون أناملهم على الأنوال فتخرج مشاهد غاية في الروعة والجمال.
    والأعجب من هذا كله أن ما يغزلونه من لوحات فنية رائعة يعتمدون فيها على الذاكرة فقط، ولا يتبعون فيها قواعد أو قوانين فنية، بل يستخرجون من داخلهم الإحساس الفطري بالفن، والجمال، والموهبة.