october_banner

كتب

قراءة في كتاب الشيخ عائض القرني

«لا تحزن».. دعوة للسعادة

القراءة في دفتر الماضي ضياع للعمر وتمزيق للجهد.

تتركز الفكرة الأساسية والمقصد من كتاب «لا تحزن» حول جلب السعادة، والهدوء، والسكينة، وانشراح الصدر، وفتح باب الأمل، والتفاؤل، وهو محاولة لطرد الهم، والغم، والحزن، والأسى، والإحباط. والكتاب مزيج مرتب، وجهد من مؤلفه الشيخ د.عائض القرني يقول فيه باختصار: «اسعد، واطمئن، وأبشر، وتفاءل، ولا تحزن».

§ الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها

§ مطالعة الكتب تفتق الذهن، وترك النظر فيها فتور للعقل، وذبول في رصيد المعرفة

§ بحث الشيخ عائض القرني قبل أن يشرع في كتابه «لا تحزن» عن مشكلة الإنسان الأولى، فوجد بعد الاستقراء والدراسة أنها الحزن

الكتاب دراسة جادة تُعنى بمعالجة الجانب المأسوي من حياة البشر. جانب الاضطراب، والقلق، وفقد الثقة، والحيرة.
قلَّب د.القرني في العديد من الكتب والدوريات، وما قدمته وسائل الإعلام من صحف، ومجلات، ودوريات، وملاحق، ونشرات، بحثًا عن حل لمشكلات العصر، فأخرج العديد من التجارب الراشدة، والأمثلة الحية، والقصص، حيث تجد في ثنايا الكتاب مقولات عن الصحابة والتابعين، ونفحات من قصائد كبار الشعراء، ووصايا الأطباء، ونصائح الحكماء، وتوجيهات العلماء، وأطروحات الشرقيين والغربيين، والقدامى والمحدثين.

مشكلة الإنسان الأولى

بحث الشيخ عائض القرني قبل أن يشرع في كتابه «لا تحزن» عن مشكلة الإنسان الأولى، فوجد، بعد الاستقراء والدراسة، أنها الحزن، ولهذا قال رسولنا، صلى الله عليه وسلم، لصاحبه في الغار: «لا تحزن إن الله معنا». وما تم نعيم أهل الجنة حتى قالوا: «الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَنْ». وبدأ القرني رحلة البحث عن مادة الكتاب من مكة، حيث الوحي المبارك والرسالة الخالدة، ثم طاف يفتش عن كل قول جميل يسعد الإنسان ويخرجه من حالة الغم والحزن التي قد تعتريه، فوجد في أئمة الإسلام، وأساطين الأدب، ورجال الفكر، ورموز الثقافة، ضالته التي قدم خلالها في الكتاب قواعد وأسسًا لو اتبعها الناس لتخلصوا من أحزانهم.

سُنة الحياة

الكتاب للمسلم وغير المسلم، حيث يتناول القرني موضوعات تمس الإنسان أي إنسان، فيتحدث عن القراءة في دفتر الماضي بأنها ضياع للعمر، وتمزيق للجهد، ونسف للساعة الراهنة، وأن الذي يعود إلى الماضي كالذي ينثر نشارة الخشب، وأن الناس عليهم ألا ينظروا إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف، لأن الرياح تتجه إلى الأمام، والماء ينحدر إلى الأمام، والقافلة تسير إلى الأمام، فلا تخالف سنة الحياة، لأن الاشتغال بالماضي ضرب من الحماقة والجنون. ويقول أحد السلف: «يا ابن آدم إنما أنت ثلاثة أيام: أمسك وقد ولى، وغدك ولم يأتِ، ويومك، فاتقِ الله فيه، فكيف يعيش مَنْ يحمل هموم الماضي واليوم والمستقبل؟».

السفر والترحال

كما تحدث القرني في الكتاب عن السفر والترحال في مسارب الأرض، وكم هي متعة يوصي بها الأطباء من ثقلت عليه نفسه وأظلمت عليه غرفته الضيقة، فالانزواء في الغرف الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للانتحار. ويقول: إن البسمة والضحك المعتدل بلسم للهموم، حيث إن لهما قوة عجيبة في فرح القلوب، ويقتبس من كتاب «فيض الخاطر» لأحمد أمين قوله: ليس المبتسمون في الحياة أسعد حالًا لأنفسهم فقط، بل هم كذلك أقدر على العمل، وأكثر احتمالًا للمسؤولية، وأصلح لمواجهة الشدائد، ومعالجة الصعاب، والإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم وتنفع الناس.

قواعد تجلب السعادة

وضع د.القرني العديد من القواعد التي تجلب السعادة وتطرد الحزن، فالأموال التي في الخزائن، والقصور السامقة، والبساتين الخضراء مع الحزن واليأس، زيادة في الأسف والهم والغم، وأن العقاقير ووصفة الطبيب لا تسعدك، وقد أسكنت الحزن قلبك، فأنت تشرب الماء الزلال، وتستنشق الهواء الطلق، وتمشي على قدميك معافى، وتنام ليلك آمنًا، فلا سبيل للحزن ما دام المرض يزول، والمصاب يحول، والذنب يغفر، والدين يقضى، والمحبوس يفك، فالقلق أساس الأمراض النفسية، ومصدر الآلام العصبية، ومادة الانهيار والوسواس والاضطراب، ويدعو إلى سوء الظن، ويوقع الإنسان في التشاؤم.

الحكمة ضالة المؤمن

الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وقد انتقى الشيخ القرني مجموعة كبيرة من الحكم وأقوال الحكماء التي تناسب الناس هذه الأيام، حيث يروى أن أحد الحكماء ابتلي بمصيبة، فدخل عليه إخوانه يعزونه فقال: إني عملت دواء من ست أخلاط. قالوا: ما هي؟ قال: الثقة بالله، وعلمي بأن كل مقدور كائن، وأن الصبر خير ما استعمله الممتحنون، وإن لم أصبر أنا فأي شئ أعمل، ولم أكن أعين على نفسي بالجزع، وقد يمكن أن أكون في شر مما أنا فيه، وأنه ما من ساعة إلا ساعة فرج.

الماء الصافي

ضل أحد البحارة في المحيط الهادي وبقي واحدًا وعشرين يومًا، ولما نجا سأله الناس عن أكبر درس تعلمه فقال: إذا كان لديك الماء الصافي والطعام الكافي يجب ألا تتذمر أبدًا.
ويقول أحد المفكرين: إن أفضل الأطباء في العالم هم: د.ريجيم، ود.هادئ، ود.مرح، وإن تقليل الطعام مع الهدوء والسرور علاج ناجح لا يُسأل عنه، فالسمنة مرض مزمن، والبطنة تُذهب الفطنة، والهدوء متعة للقلب وعيد للروح، والمرح سرور عاجل وغذاء نافع.

القلق مرض العصر

يشكو كثير من الناس القلق وتوتر الأعصاب، نتيجة ضغوط الحياة المختلفة، والخوف من المستقبل، ويشير د.القرني إلى ما قاله د.الكسيس كاريل، الحائز جائزة نوبل في الطب: إن رجال الأعمال الذين لا يعرفون مجابهة القلق يموتون مبكرًا. ويقول د.جوزيف ف مونتاغيو، مؤلف كتاب «مشكلة العصبية»: أنت لا تصاب بالقرحة بسبب ما تتناوله من طعام، بل بسبب ما يأكلك.
وقد أوضح د.وليم مالك غوينغل في خطابه إلى اتحاد أطباء الأسنان الأمريكيين أن المشاعر غير السارة مثل: القلق، والخوف يمكن أن تؤثر في توزيع الكالسيوم بالجسم، وبالتالي تؤدي إلى تلف الأسنان. ويقول دايل كارنيجي: إن الزنوج الذين يعيشون في جنوب البلاد والصينيين نادرًا ما يصابون بأمراض القلب الناتجة عن القلق، لأنهم يتناولون الأمور بهدوء.

داء القلب

يقول القرني: إن عدد الأمريكيين الذين يقبلون على الانتحار أكثر بكثير من الذين يموتون نتيجة الأمراض الخمسة الفتاكة. ويقول دايل كارنيجي: لقد أثبت الإحصاء أن القلق هو القاتل رقم واحد في أمريكا، ففي سنوات الحرب العالمية الأخيرة قُتل نحو ثلث مليون مقاتل، وخلال الفترة نفسها قضى داء القلب على مليوني نسمة، ومن هذين الأخيرين مليون نسمة كان مرضهم ناشئًا عن القلق وتوتر الأعصاب.

ما السعادة؟

يقول أحد الأذكياء: بإمكانك وأنت في السجن وراء القضبان الحديدية أن تنظر إلى الأفق، وأن تخرج زهرة من جيبك فتشمها وتبتسم، وأنت في القصر على الديباج والحرير تحتد وتغضب وتثور ساخطًا على بيتك وأسرتك وأموالك. إذًا السعادة، كما يقول القرني، ليست في الزمان، ولا المكان، ولكنها في الإيمان وطاعة الديان، وفي القلب الذي هو محل نظر الرب، فإذا استقر اليقين فيه، انبعثت السعادة، فأضفت على الروح وعلى النفس انشراحًا وارتياحًا، ثم فاضت على الآخرين، فصارت في بطون الأودية ومنابت الشجر.

طلب الحديث

يدلل القرني على ذلك بنموذجين أحدهما عاش سعيدًا والآخر عاش في كدر، وهَمٍّ، وغم، فيقول: أحمد بن حنبل عاش سعيدًا، وكان ثوبه مرقعًا يخيطه بيده، وعنده ثلاث غرف من طين يسكنها ولا يجد إلا كسر الخبز مع الزيت، وبقي حذاؤه، كما قال المترجمون عنه، سبع عشرة سنة يرقعه، ويخيطه، ويأكل اللحم في الشهر مرة، ويصوم غالب الأيام. يذرع الدنيا ذهابًا وإيابًا في طلب الحديث، ومع ذلك وجد الراحة والهدوء، والسكينة، والطمأنينة، لأنه ثابت القدم، مرفوع الهامة، عارف بمصيره، راغب في الجنة. وكان الخلفاء في عهد المأمون، والواثق، والمعتصم، والمتوكل، عندهم القصور، والدور، والذهب، والفضة، ومعهم ما يشتهون، ومع ذلك عاشوا في كدر، وقضوا حياتهم في همٍّ وغم.

مطالعة الكتب

على الرغم من النصائح والعبر والقصص العديدة التي نقلها القرني عن آخرين، إلا أن كتاب «لا تحزن» لم يخلُ من نصائح للقرني نفسه قدمها للقارئ حيث يقول: إن مطالعة الكتب تفتق الذهن، وتهدي العبر والمواعظ، وتمد المطلع بالحِكَم، وتطلق اللسان، وتنمي ملكة التفكير، وهي سلوة للمتفرد، ومناجاة للخاطر، ومتعة للمتأمل، وأن هجر المطالعة، وترك النظر في الكتب، والانفراد بها، حبسة في اللسان، وحصر للطبع، وركود للخاطر، وفتور للعقل، وذبول في رصيد المعرفة.

الشهادة العلمية

ومن النصائح التي قدمها القرني للقراء: ليست الشهادة العلمية الراقية كل شيء، فلا تهتم، أو تغتم، أو تضق ذرعًا لأنك لم تنل الشهادة الجامعية، أو الماجستير، أو الدكتوراه، فإنها ليست كل شيء.
بإمكانك أن تؤثر، وأن تقدم للأمة خيرًا كثيرًا، ولو لم تكن صاحب شهادة علمية. كم من رجل شهير نافع لا يحمل شهادة إنما شق طريقه بعصاميته، وطموحه، وهمته، وصموده. نظرتُ في عصرنا الحاضر فوجدت كثيرًا من المؤثرين لم تكن لديهم شهادات عالمية مثل: الشيخ ابن باز، ومالك بن نبي، والعقاد، والطنطاوي، وأبي زهرة، والمودودي، والندوي، وجمع كثير.