october_banner

مدن

شوارع لندن

تاريخ وحكايات وأسرار

تتميز بأنها شوارع تخصصات وحرف لا مثيل لها في العالم.

• لندن: أهلًا وسهلًا

pict1

تحكي الشوارع والمدن وتروي تاريخ الشعوب، لأنها تعكس حركة البشر وترصد خطواتهم وعاداتهم، وشوارع لندن لها طابعها الخاص المليء بالحكايات وربما، أيضًا، بالأسرار، ذلك أن لكل شارع حكاية ومذاق يختلف عن الشارع الآخر.

§ شارع للخياطين، وآخر للأطباء، وشوارع للمشي

§ تشاينا تاون.. نموذج مصغر للصين

§ قبل عامين، دقت وكالة «رويترز» المسمار الأخير في نعش فليت ستريت «شارع الصحافة»

    على الرغم من أن ظاهرة الـ«فرانشايز» أو فروع المحال المستنسخة غزت العالم بأسره، وتحديدًا مدنه الكبرى، ومن ضمنها، بلا شك، العاصمة البريطانية إلا أن للندن طابعًا خاصًا نجحت في الحفاظ عليه, والإبقاء على تميز شوارعها، فبعيدًا عن المناطق التجارية المعروفة، مثل أكسفورد ستريت، ونايتسبريدج، هناك شوارع لا تتميز بالمتاجر ذات الماركات العالمية، أو فروع المطاعم والمقاهي التي أصبحت تتكرر في كل مكان، بل تشتهر بأنها شوارع تخصصات لا مثيل لها في العالم، فهذا شارع يتميز بالخياطين اليدويين، وآخر يتميز بكونه شارعًا للأطباء، وهناك، أيضًا، «آدجوار رود»، وهو الشارع الذي نجح في توحيد العرب، وأصبح انعكاسًا للعالم العربي بأسره، قد لا تجد مثله في كثير من بلدان الشرق الأوسط.

كارنبي ستريت: شارع الأناقة

    يتميز هذا الشارع بكونه مخصصًا للمشاة، وهو يقع في منطقة «سوهو»، ويجاور شارعي أكسفورد وريجينت ستريت، ويضم كارنبي ستريت 168 متجر أزياء، وله خلفية تاريخية تسببت في تحوله إلى معقل للأناقة وسط العاصمة البريطانية.
    وتعود هذه الخلفية التاريخية إلى الستينيات من القرن الماضي، حيث نمت شعبية هذا الشارع عندما تبناه عدد من اتباع أزياء الـ«مود»، وعدد من مصممي الأزياء المستقلين مثل: ماري كوانت، ولورد جون. ومع هذا الحراك، افتتحت كذلك مقاهٍ ومرابع جمعت فنانين وموسيقيين من وزن فرقتي ذا بيتيلز ورولينغ ستونز، وسرعان ما تحول الشارع إلى أحد أكثر الأماكن شعبية في حقبة الستينيات.

إدجوار رود: شارع العرب

    إذا انتهيت من السير في شارع أكسفورد ستريت المشهور بمحاله التجارية، واستدرت يمينًا عند محطة «ماربل آرش» المقابلة لحديقة «هايد بارك»، فمن المؤكد أنك ستذهل عندما تلتفت حولك وتجد أن الكتابة على واجهات المحال تحولت جميعها إلى العربية، ومن ثم قد تنتبه إلى أن اللغة المحكية حولك تحولت إلى العربية في الغالب، «وذلك أمر نادر في لندن، ليس لأن اللغة الطاغية هي الإنجليزية، بل لأنك في كل الأوقات وكل الأماكن محاط بجميع لغات العالم»، حتى سينما «أوديون» الموجودة هناك تتميز عن غيرها من دور العرض بوجود أفلام عربية فيها.
    بعد ذلك لا بد أن حاسة الشم لديك ستبدأ بالتقاط رائحة دخان «المعسل» بنكهاته المختلفة، ولا عجب في ذلك، فأنت الآن وسط «ادجوار رود»، أو شارع العرب الشهير في العاصمة البريطانية.
    يتميز هذا الشارع تحديدًا بكثافة المطاعم والمقاهي العربية الموجودة فيه، علمًا بأن المطاعم اللبنانية والمقاهي المغربية ذات شعبية في لندن بأسرها، لكن هناك في ادجوار رود، مثلاً، فروع عدة لمطعم «مروش» اللبناني، ومحال بيع سندويشات الشاورما العربية، «وليست التركية الطاغية في أوروبا عمومًا»، كذلك توجد محال لبيع الأفلام واسطوانات الأغاني العربية ومكتبات وأكشاك جرائد تبيع صحفًا عربية
    كما طغت عادات العرب على المحال البريطانية أو العالمية الموجودة به، والتي سعت إلى التأقلم مع سكان هذا الشارع، فتجد مثلًا أن فروع مقاهي ستاربكس وكوستا تفتح حتى منتصف الليل تقريًبا، وهي لا تفعل ذلك في مناطق أخرى من لندن، كذلك فالسينما تعرض أفلامًا عربية كما ورد، والمطاعم جميعها تحرص على إبراز كلمة «حلال» على واجهاتها إشارة إلى أن اللحم الذي تبيعه مذبوح على الطريقة الإسلامية.

هارلي ستريت: شارع الطبابة

    منذ القرن التاسع عشر، يتميز هارلي ستريت بكونه مركزًا لعدد كبير من العيادات الخاصة للأطباء والجراحين وأطباء الأسنان، لدرجة أن اسم الشارع أصبح مرادفًا لمفهوم الطبابة الخاصة في بريطانيا «ذلك لأن النظام المعمول به حكومي، بمعنى أن الطبابة مجانية للشعب كافة باستثناء العيادات الخاصة».
    وحسب التقارير فقد نما عدد الأطباء والاختصاصين العاملين في هذا الشارع من 20 عام 1860، إلى 60 عام 1900، إلى نحو 200 بعد ذلك بـ14 عامًا، وصولًا إلى نحو 3000 عامل في مجال الطب حاليًا هناك. pict2

فليت ستريت: شارع الصحافة

    قد لا ينتبه من يمر بفليت ستريت اليوم الذي يغص بمطاعم الوجبات السريعة والمقاهي حاليًا، بأنه يعبر الشارع نفسه الذي كان يشاكس الحكومة البريطانية يومًا ما، والذي كانت تخرج منه أهم القصص الإخبارية على مدى مئات الأعوام.
    هذا الشارع كان يحتضن كبريات الصحف البريطانية، مثل: الديلي تليغراف، والإكسبريس، والتايمز وحتى وكالات الأنباء الكبرى.
    وكانت مطاعم هذا الشارع وحاناته ملتقى للصحافيين والسياسيين، حيث كانت تبحث القضايا المهمة، أو كان يلتقي الإعلاميون هناك بعد ساعات العمل ليتحدثون، ويستعرضون إنجازاتهم، ويتنافسون فيما بينهم.
    لكن قبل عامين، دقت وكالة «رويترز» المسمار الأخير في نعش هذا الشارع عندما أعلنت الانتقال إلى منطقة «كناري وارف» التجارية الجديدة شرق لندن من مقرها السابق الذي كان يحمل رقم 85 في شارع فليت على مدى 66 عامًا.
    وكانت الضربة الكبرى التي تلقاها هذا الشارع جاءت في الثمانينيات، حين أعلن روبرت مردوخ، قطب الإعلام العالمي، نقل مجموعة صحف «نيوز إنترناشونال» التي تشمل التايمز، والصنداي تايمز، والصن إلى مقر جديد وموحد في منطقة «وابينغ» شرق لندن التي كانت خالية في ذلك الوقت.

بريك لاين: شارع الخياطة والجالية الآسيوية

    شرق لندن، وتحديدًا بين منطقتي بيثنيل غرين ووايت شابيل، يقع شارع بريك لاين الذي عُرف طويلًا بأنه مقر الجالية البنغالية في لندن.
    وعلى الرغم من أن الشارع يتحول اليوم إلى مكان مهم في عالم الموضة والسهر، وهو مشهور في جميع الأحوال باحتضانه أفضل المطاعم الآسيوية في لندن على الإطلاق، إلا أن ماضيه لم يكن كذلك مطلقًا.
    فهذا الشارع كان يسمى أساسًا «وايت شابيل لاين»، لكن اسمه تغير إلى «بريك لاين»، لأنه كان مقرًا لصناعة الطوب، و«بريك» بالإنجليزية تعني «طوب»، وكان هذا الشارع مكانًا مفضلًا للجاليات المهاجرة على سنين طويلة، بدءًا من الخياطين الأيرلنديين، مرورًا باليهود الأشكيناز، ووصولًا إلى البنغاليين في القرن الماضي، الذين رسخوا الشارع كمقر لصناعة الخياطة والملابس.
    وتحول الشارع، بعد ذلك، إلى مكان لتطوير الموجة الثانية، ما يعرف بـ«المائدة الأنجلو هندية»، ومع ارتباط الشارع تاريخًيا بمهنة الخياطة لم يكن هناك مفر من تحوله إلى مركز كذلك للمهتمين بعالم الأزياء، فتعرض غالبية كليات التصميم والفنون الجميلة أعمالها سنويًا بالقرب من «بريك لاين».

تشاينا تاون: الصين مصغرة

    بالقرب من منطقة «سوهو» وسط لندن، وبجوار منطقة «ليستر سكوير»، حيث دور السينما الكبرى، تقع «تشاينا تاون»، وهي كما يوحي اسمها بالفعل، نموذج مصغر للصين، حيث تحوي مطاعم، ومخابز، ومحال سوبر ماركت صينية، بالإضافة إلى متاجر بيع الهدايا والتذكارات.
    تتميز «تشاينا تاون» بالديكور والتصميمات الشرقية المبهرة، وهي تزين سنويًا للاحتفال برأس السنة الصينية كذلك، ويزورها يوميًا آلاف السياح لالتقاط الصور، أو شراء الهدايا، أو تناول وجبة طعام صينية طازجة.
    في هذا السياق، يذكر أن هذه المنطقة لم تكن دائمًا هي المعروفة بـ«تشاينا تاون»، فهذا لقب أطلق على أماكن عدة لتجمع الصينيين في لندن، قبل أن يرسو على هذا الحي المجاور لـ«سوهو» في السبعينيات من القرن الماضي.