ضرورة المشاركة في إسعاد الآخرين
العيد يرسخ قيم الحب في أطفالنا
إن تعويد أطفالنا على الاحتفال بالعيد يعد بمنزلة غرس لمفاهيم الإنسانية وقيمها.
• الرياض : أهلاً وسهلاً
§ زيارة الأيتام وإهداؤهم الملابس الجديدة والهدايا تقليد تحرص عليه الأسرة المسلمة
§ العيد يُشعر الطفل بقيمة الجماعة، وأن السعادة تتحقق بمشاركة الآخرين أفراحهم وأحزانهم
§ لا بد أن نغرس قيمًا تربوية، واجتماعية، ونفسية في نفوس أطفالنا، ما يجعلهم، بعد ذلك، متواضعين، ومتواصلين مع المجتمع
العيد فرحة ومناسبة طيبة، يسعد بها أطفالنا، ويجتمعون فيها مع عائلاتهم وأصدقائهم على الحب والخير، ويمسكون بأيدي آبائهم للذهاب لأداء صلاة العيد وهم يرتدون ثيابهم الجديدة، وينطلقون بعدها لزيارة الأهل وتهنئتهم بالعيد، وأيضًا لزيارة الفقراء والأيتام، ومنحهم الهدايا.
العيد بهجة وفرحة
هل يقتصر احتفال أطفالنا بمظاهر العيد على البهجة والفرحة أم تؤثر تلك الاحتفالات في شخصيتهم وعلاقتهم بالمجتمع؟ ترى د.إيمان شريف، أستاذة علم النفس الاجتماعي أنه إلى جانب شعور الأطفال بالقيمة الإسلامية للاحتفال بالعيد لا بد أن تعد هذه المناسبة فرصة مهمة لترسيخ مفاهيم جيدة تؤثر في شخصية الطفل، فلكي يصبح رجلًا أو امرأة لا بد أن يعلم أن للصبر، دائمًا، مكافأة وهبة وجزاءً جميلًا.
ونستعين بقول الله تعالي: }وبشر الصابرين{. فبعد تحمل مشقة الجوع والعطش ومقاومة الرغبات يأتي العيد ليمثل المكافأة التي يمنحها الله، سبحانه وتعالى، لمن التزم، وتعد الملابس الجديدة، واللهو في أماكن الترفيه، وزيارة الأقارب، وصلة الرحم، والعطف على الفقراء ومنحهم الهدايا في العيد، قيمًا للمشاركة الاجتماعية، إلى جانب تنفيذ الفريضة، خصوصًا أن هناك عادات مثل زيارة الأقارب تعد من القيم القديمة المتأصلة في المجتمعات العربية والإسلامية. لا بد أن نخاطب عقول أطفالنا وأرواحهم، وأن نلغي داخلهم الرغبة في الكراهية، والغضب، والضيق من الآخرين، فنحرص على اصطحابهم لزيارة الأقارب والأهل الذين هم على خلاف معنا، إذا وجدت خلافات، لإعلاء قيمة التسامح والرحمة، والعطف، وأيضًا، فضل المبادرة بالخير، واحتساب الأعمال الطيبة عند الله، وهو ما نترجمه في علم النفس بمخاطبة الأنا الأعلى لديه، أو ما نطلق عليه «توعية الضمير الداخلي»، وهو أعلى من الواقع الذي نعيشه، وأن نجعله هو البادئ بفعل الخير، وهو ما يقابله في الدين «خيركم من بدأ بالسلام».
شخصية الطفل
ومثل هذه المظاهر تؤثر في شخصية الطفل فيما بعد، وتجعله مرتبطًا بالقيم والمعاملات الإسلامية، وملتزمًا بها، فنحن لا بد أن نغرس قيمًا تربوية، واجتماعية، ونفسية في نفوس أطفالنا، ما يجعلهم، بعد ذلك، رحماء، متواضعين، متواصلين مع المجتمع بلا مشاكل نفسية أو اجتماعية. ولدينا مقولة مهمة فى علم النفس تؤكد أن كل شيء يورث للأبناء حتى القيم والأخلاق، وهم يعيدون إنتاج ما ورثوه مرة أخرى، لذلك لا بد من الاهتمام بمظاهر الفرحة في العيد، وأداء العادات الجيدة المرتبطة به، لينقلها كل جيل إلى الجيل الذي بعده.
صلة الرحم
كيف احتفل الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالعيد؟ وكيف يجب أن نعوِّد أطفالنا على الاقتداء به؟
يقول د.منيع عبدالحليم، أستاذ التفسير وعلوم القرآن والعميد السابق لكلية أصول الدين: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان في ذهابه إلى المسجد لأداء صلاة العيد يسير في طريق ويرجع من طريق أخرى هو وصحابته الأجلاء، ينشرون التكبير والتهليل، ويجيبهم الناس على ذلك، وفي الوقت نفسه يوزعون الصدقات على الفقراء والمحتاجين، وقد أصبح هذا الفعل سنة مؤكدة.
يجب على الآباء اصطحاب أطفالهم وهم يرتدون ملابسهم الجديدة، والحرص على تطبيق سنة الرسول الكريم، فالعيد في الإسلام فرحة يُسعد فيها الإنسان نفسه بفطره بعد شهر طويل من الصيام، وتقوى الله، ويسعد الآخرين، أيضًا، ومن سعادة للآخرين تعويد أطفاله على زيارة الأقارب، وتبادل التهنئة والفرحة بالعيد، فيعرف الأطفال أقاربهم، حيث تستمر صلة الرحم طوال حياته، وفي الوقت نفسه لا تقتصر السعادة على هذا فقط، فقد قيل لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، إنا نرحم أهلينا وأولادنا. قال: ما هذا أريد، ولكنها الرحمة العامة. ولذلك يجب أن تشمل صلة الرحم المجتمع كله، فيحرص الأب على اصطحاب أطفاله فى زيارات ليست القربى شرطًا فيها، لإدخال الفرحة والسرور على الناس كافة.
نحن نقول إن الأب مسؤول عن غرس قيم وعادات الاحتفالات الإسلامية بالعيد، فالرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». فيجب أن يتأسى الأبناء بالآباء، فالعيد ليس مجرد لهو ولعب، وإنما مشاركة للآخرين، وتنشئة الأطفال على أن إسعاد الآخرين فى العيد هو إسعاد لله، وأن من يفعل ذلك يزيل عنه الله الهمَّ، ويوسع فى رزقه، ويرحمه فى الدنيا والآخرة. فالرحمة هي من الدروس التي يستفيد منها أطفالنا في أثناء الاحتفال بالعيد.
يذكر أن الرحم قالت لله، سبحانه وتعالى فى الحديث القدسي: «هذا مقام العائذ بك من القطيعة». فقال لها، سبحانه وتعالى: «يرضيك أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك».
صلاة العيد
يوضح د.منيع أمرًا غاية في الأهمية مرتبط بأداء صلاة العيد، ويوصي بأن نوضحه لأولادنا ليعرفوا الحكمة من وراءه عندما يصطحب الآباء أبناءهم لأداء صلاة العيد. فعيد الفطر تقترن به زكاة الفطر، وعيد الأضحى يقترن بالأضحية لتكون هناك توسعة على الناس، فالرسول الكريم أمر بتعجيل صلاة عيد الأضحى وتأخير صلاة عيد الفطر ليمكِّن للناس بعد صلاة عيد الأضحى من ذبح أضحيتهم وتوزيعها على الفقراء.
أما تأخير صلاة عيد الفطر لكي يتمكن الناس من إخراج زكاة الفطر وتوزيعها على المحتاجين، وجعل خطبة العيد مختلفة عن خطبة الجمعة، وهو ما يجب، أيضًا، أن نوضحه لأولادنا. فخطبة العيد متأخرة عن الصلاة، والغرض من ذلك هو أن يجلس الناس مع بعضهم بعضًا بعد أداء الصلاة يتحدثون، ويتآلفون، وتنشأ بينهم روابط قائمة على المودة، والرحمة، والعطف.
رحلات ترفيهية
وفق د.سميح شعلان، أستاذ علم الاجتماع، فإن الاحتفال بالعيد، والقيام برحلات ترفيهية في أماكن مناسبة، وزيارة الأقارب واستقبالهم في المنازل، كل هذه العادات والقيم تمثل أسلوبًا للتعايش مع المجتمع لا بد أن يعتاده الطفل ليدرك أنه لا يمكن أن يعيش بمفرده، وأن استمراره في الحياة لا بد أن يكون من خلال وجوده مع الآخرين، وهي سمة من السمات التي تكمن في إنسانيته.
لا بد هنا أن يقدم الآباء والأمهات القدوة، لكي لا نجد أطفالنا يكتفون بالتعامل مع هذه الأجهزة دون ترشيد، ولا بد أن يحرص الأب على ضرورة الاحتفال بالعيد بتزيين المنزل، أو المشاركة في تزين الشارع، وهو أمر لا بد أن يشرك فيه أبناءه معه، إلى جانب ضرورة تعليمهم إظهار الفرحة والسرور عند استقبال الضيوف في المنزل، للتهنئة بالعيد، والمشاركة في تقديم واجب الضيافة لهم بذوق وأدب، وإبداء الشكر عند تلقي العيدية من الأقارب والأصدقاء، والتفكير في كيفية إنفاقها، فيما بعد، بشراء لعب أو ما يرغب الطفل في شرائه، مع إفهامه أنه يمكن أن يمنح جزءًا من العيدية الأطفال المحتاجين، ليشعروا هم، أيضًا، بالفرحة، ويخلق لدى الطفل إحساسًا بأنه شارك بشكل عملي في إسعاد الآخرين، وهو ما يجعلنا نغرس داخله مفهوم الإيثار، والتخلي عن الأنانية والفردية. إذا لم ننجح في غرس هذه القيم داخل أطفالنا، فذلك يعني الرجوع والتقهقر إلى الخلف عن السمة الإنسانية، وإذا نجحنا في أن نجعل أطفالنا يطبقونها، سيعني ذلك أننا استطعنا أن نحقق منطق التعايش مع الآخرين على أسس وقواعد أخلاقية وإنسانية، وتخلصنا من روح الفردية.
الروح الجماعية
إن تعويد أطفالنا على الاحتفال بالعيد، يعد بمنزلة غرس لمفاهيم الإنسانية وقيمها، وهو ليس ما تراه في العالم الغربي، وإنما يكون باتباع قواعد الدين الإسلامي، وتعاليمه، وسلوكياته. فما نراه في الغرب لا يمثل حضارة الإنسانية بقدر ما يمثل المدنية.
لا بد أن يحرص الآباء على التحلي بالهدوء، والصبر وهم يعلمون أولادهم أن الاحتفال بالعيد لا يمكن أن يتحقق بشكل فردي، وإنما يتحقق من خلال الروح الجماعية، خصوصًا أن الفردية أصبحت الآن طاغية، والمشكلة التي تعانيها هذه الأمة ستصبح مشكلة جيل كامل إذا لم نتداركها بالحرص الشديد على التمسك بالاحتفال بالأعياد، لكي لا يكتفي الطفل بتحقيق متعته الفردية من خلال التعامل مع الكمبيوتر ما يجعله لا يرغب في مشاركة الآخرين الاحتفال بالعيد.
|