مواسم |
||||||||
سوق المجلس جنادرية القصيم تشهد حراكًا تراثيًا طوال العام، وتقام فيها فعاليات ثقافية، وفنية، وفلكلورية، وتجارية. • استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي كم يتوق المرء إلى أن يعود إلى الماضي لينفك من ربقة الحاضر ومعترك دوامته، وتطويه زوبعة زمن تنقله عبر العصور بطريقة عكسية إلى تلك الأمكنة، والأزمنة التي لطالما سمع عنها من أفواه الأجداد، والجدات يلوكونها بألسنتهم لسنوات عديدة وكأنها تنضح بالشهد.
§ مركز مهم للقطع الأثرية النادرة، وملتقى للمهتمين بالتراث والهواة العودة إلى الماضي يمكن تحقيقها من منطلقات يفهم منها أنها عودة ولو لفترات قصيرة وأوقات محددة، فتقليب صور فوتوغرافية قديمة للأهل والأصحاب يعد عودة وجيزة إلى الماضي، وكذا مشاهدة فيلم من إبداعات شارلي شابلن، أو لوريل وهاردي، أو زيارة أحد الأمكنة التاريخية، حتى الاسترسال بالخيال وإطلاقه عبر أزقة الذاكرة وسراديبها، ونفض الغبار عن ملفات كادت تختفي وتطمر تحت كثبان النسيان يعد نوعًا من العودة إلى الماضي. مدينة المذنب ومن الأمكنة التي يمكن أن تلج عن طريقها إلى الماضي سوق المجلس أو جنادرية القصيم، كما يحلو لبعضهم تسميتها. تعد هذه السوق من أبرز المعالم التاريخية لمدينة المذنب وتقع شرق قصر قديم يرجع إلى القرن العاشر الهجري يشتهر باسم «باهلة»، هذه السوق الشعبية تشهد حراكًا تراثيًا طوال العام على شاكلة مهرجان الجنادرية، حيث تقام فيها فعاليات ثقافية، وفنية، وفلكلورية، وتجارية تبرز أصالتها مثل مهرجان صيف المذنب الذي تحشد فيه الطاقات الإبداعية، وتتوهج المواهب الفنية، وتفرض فيه ألعاب الأطفال الشعبية القديمة حضورها مثل: «سبت سبوت» و«حمد حمد» و«طاخ طيخ»، حيث يقوم بعض الأطفال بممارستها أمام الحشود وقد تزينوا بالألبسة التراثية زاهية الألوان، تفيض وجوههم البريئة بالوضاءة والحيوية. الطريقة النجدية والسوق عبارة عن عدد من الدكاكين المبنية من الطين وقد عمل لها قباب ذات عماد في مقدمتها وعلى امتداد السوق، وقد زينت بالشرف والمقرمصات الجبصية على الطريقة النجدية المميزة، تحيط بساحة كبيرة تتيح للزوار التنقل بين الدكاكين بحرية، وقضاء أوقات ممتعة في التسوق، ومشاهدة الفعاليات والاستعراضات. وفي كل جمعة تمتلئ ردهات السوق بالمتسوقين والسائحين، ويتبارى التجار بعرض مختلف البضائع التراثية، حيث تعد السوق مركزًا مهمًا للقطع الأثرية النادرة، وملتقى للمهتمين بالتراث والهواة. وتفتح السوق عادة بعد صلاة الجمعة، وتستمر نشاطاتها إلى ما بعد صلاة العشاء. منطقة اليمامة وتعد سوق المجلس من أقدم أسواق منطقة اليمامة، وقد ارتبط ظهورها بقصر باهلة الشهير. وكان لإمارة القصيم والهيئة العليا للسياحة دور كبير في استعادة السوق لنشاطاتها المعهودة، فضلاً عن تكاتف أهل المذنب وجهودهم، وحرصهم على إبراز السوق كما كانت في الأزمنة القديمة. ومن الأشياء اللافتة في السوق وجود عدد كبير من السيارات القديمة التي يعود بعضها إلى الأربعينيات من القرن العشرين، ما أضفى على ساحة السوق المزيد من الكلاسيكية والبعد الزمني. أصالة الموروث ومن طرائف السوق استقطابها لعدد كبير من كبار السن الذين أتوا ليستمتعوا بفعالياتها، بل يشارك بعضهم بنشاطاته التي لا بد أنها تعيد إلى أذهانهم ذكريات الصبا وعبق أصالة الموروث، وتلطف حرارة الحنين إلى الماضي في وجدانهم، خصوصًا ذلك الشيخ المعمر الذي أخذ الزوار يلتفون حوله مستمتعين برقصاته وحركاته الظريفة يرفع رجلاً ويؤخر أخرى، وقد حمل سيفًا أخذ يهزه بالأعالي بطريقة احترافية حد الإدهاش رغم كبر سنه الذي تجاوز مئة وخمس سنوات. وعندما تتأمل قسمات وجهه المليء بأخاديد الزمن، وعينيه المنكسرتين كقطعتين من الزجاج المسحوق تشعر بقشعريرة الأسى والشوق إلى أيامه الخوالي، وقد بدا وجهه وكأنه قطعة من لوحة مسمارية تسرد لك حروفها المنحوتة قصة حياته الطويلة بأفراحها وأتراحها. وبدت الدكاكين والمحال وكأنها أفواه تبتسم فرحًا بحضوره الذي كاد يطغى على كل الفعاليات. الموروث الصناعي وتؤكد السوق ضرورة العناية بالموروث، خصوصًا الموروث الصناعي، حيث تجد هناك كمًّا كبيرًا من الحرفيين الذين لا يزالون يجيدون حِرَف الآباء والأجداد مثل: «خراز النعال النجدية»، و«صانع المباخر»، و«حايك المفارش الصوفية»، والحداد، والنجار، وغيرهم ممن أسهموا في حراك السوق وحيويتها. بوابة القصيم وتعد المذنب، وهي حاضنة السوق، بوابة القصيم الجنوبية، وأكبر المسطحات الخضراء بها، وتبعد عن الرياض العاصمة بنحو ثلاث مئة كيلو متر شمالاً، وهي ثالث أكبر مدن القصيم، وسميت بهذا الاسم كونها نقطة لتجمع أذناب الأودية. وقد سكنها بنو عامر، وقد أتى على ذكرها الكثير من الشعراء في الماضي والحاضر، أشهرهم لبيد بن ربيعة وهو عامري. رالي الصحراء وتشهد المذنب، إلى جانب السوق الشعبية، عدة فعاليات أخرى طوال السنة أهمها رالي الصحراء الذي يسهم، إلى حد كبير، في دعم السياحة في المنطقة، ويشارك فيه عدد غفير من أشهر أبطال الراليات في منطقة الخليج والعالم، ويعطي أبلغ الدلالات على تمرس شباب المذنب وحرفيتهم في تطويع أشهر ماركات السيارات العالمية، والقدرة الميكانيكية على تغيير محركاتها، وإطاراتها، وهياكلها، لتناسب البيئة الصحراوية القاسية، ويطلق على ذلك «الترهيم». ويجيد شباب المذنب، والقصيم بشكل عام، تلك الصناعة بشكل مذهل، ويتعرضون للكثير من المخاطر جراء تلك الهواية الحضارية، خصوصًا عندما تقام مسابقات ما يسمى بالتطعيس، أو تحدي الكثبان الرملية الأعلى، حيث تشاهد سيارات الدفع الرباعي وهي تمخر عباب الرمال الناعمة، وتتسلق أعلى الكثبان الرملية وهدير محركاتها يكاد يصم الآذان.
|
||||||||
|
||||||||