الدورات الاقتصادية
ارتفاع أسعار النفط يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع.
طــارق المـاضي
كاتب اقتصادي
عندما تكون قوى الطلب في الاقتصاد كبيرة، يحدث ما يُسمى «الانتعاش», وترتفع وتيرة الإنتاج لمواكبة هذه القوى، وبالتالي تنمو أرباح الشركات وكذلك الأفراد، وبمنظور آخر تصل ذروة الإنتاج إلى عدم القدرة على تلبية قوى الطلب, ما يؤدي إلى ظهور عمليات المضاربة على السلع لتغطية الطلب عليها، وبالتالي تبدأ معها عملية ارتفاع الأسعار، أو ما نسميه «التضخم» الذي يبدأ، غالبًا، في بعض المواد الأساسية مثل المواد الخام، وينتج عنه، بشكل تدريجي، صعود في أسعار سلع أخرى غير أساسية تكون مرتبطة بها، ومثال ذلك أن ارتفاع أسعار النفط يؤدي في نهاية الأمر إلى ارتفاع أسعار السلع التي ترتبط تشغيليًا أو تسويقيًا بالنفط كسلعة.
وعندما تبدأ رحلة صعود الأسعار وتتفاقم، بالتالي، معها عملية التضخم، ندخل مرحلة يطلق عليها «مرحلة تغيير سلوك المستهلكين» أي قبولهم بتغيير عاداتهم الاستهلاكية، نتيجة ضغط عمليات الارتفاعات السعرية، ومن أهم صفات ذلك التغيير الميل إلى تخفيف عمليات الطلب على المواد الاستهلاكية المعتادة، والبحث عن البديل المناسب سعريًا .
المشكلة إن ذلك يحدث غالبًا بالتزامن مع افتتاح معظم الشركات توسعات إنتاجية جديدة لإعطائها قدرة على تلبية قوى الطلب المتزايدة، وهنا يحدث التصادم بين كثافة العرض وتغيير سلوك المستهلكين، وإحجامهم عن الشراء إلا في أضيق الحدود, ولا يتوقف تأثير عملية التضخم على تغيير سلوك الأفراد فقط، بل يمتد ليؤثر بشكل ما على الصناعة.
ولعل أكبر مثال على تغيير الصناعة نتيجة ضغط عملية التضخم الميل إلى البحث عن منتجات بديلة للنفط، وكذلك التركيز على منتجات ذات استهلاك أكثر توفيرًا. إذًا عملية التضخم قادرة على تغيير سلوك المستهلكين وكذلك الصناعة، كما أن تزامن تغيير سلوك المستهلكين مع استمرار الضغط المتواصل لمرحلة التضخم في الدورات الاقتصادية يؤدي، في بعض الأحيان، إلى دخول الاقتصاد مرحلة الركود التي تضعف فيه قوى العرض والطلب إلى أدنى المستويات، وتنكمش الأعمال التجارية، وبالتالي أرباح الشركات بشكل قوي خلال هذه الفترة، ويظل السلاح الأساسي وليس الوحيد أمام المؤسسات المالية لكبح جماح التضخم وتخفيف وطأة الركود هو تحريك أسعار الفائدة, ولكن تظل تلك القدرة ضعيفة، خصوصًا في حالة وجود عوامل أخرى تتأثر سلبيًا بتغيير أسعار الفائدة كربط العملات المحلية بالدولار، حيث ترتبط أسعار الفائدة على العملات المحلية، بشكل مباشر في هذه الحالة، بأسعار الفائدة على الدولار، وليس بوضع الاقتصاد المحلي، ويكون بالتالي حيز المناورة ضيقًا جدًا.
وترتبط الدورات الاقتصادية بشكل قوي بحجم السيولة المتوافرة في الاقتصاد، والأهم من ذلك القدرة على إدارة تلك السيولة المتوافرة في الأسواق تبعًا لحركة الدورة الاقتصادية ومراحلها، ويساعد رفع أسعار الفائدة على تقليل ضغط السيولة العالية في الأسواق، في حين أن تغيير أسعار العملات مثل الدولار يساعد في دعم المنتجات التي يتم تقييمها بالدولار، وعلى العكس من ذلك, سوف نجد، على سبيل المثال، أن الأوروبيين يستطيعون تحقيق زيادة تصل إلى نحو 40% في حال سفرهم إلى أمريكا أو بلاد ترتبط عملاتها بتسعير الدولار، نظرًا لارتفاع اليورو بالنسبة نفسها خلال الشهور الماضية مقابل الدولار.
بالتأكيد هي دورة اقتصادية لها جوانبها السلبية والإيجابية، وقليل جدًا مَنْ يجيد التنقل بين عناصرها.