افتتاح أولمبياد بكين
خمسة آلاف عام من تاريخ الصين وثقافتها
91 ألف متفرج شاهد الحفل بالاستاد الوطني «عش الطائر»، وتابعه أكثر من ملياري متفرج.
§ توج الحفل سبع سنوات من العمل الذي أعاد رسم خريطة بكين، كما جسد طفرة صناعية عززت وضع الصين في العالم
§ في أثناء الافتتاح أطلقت الآلاف من الألعاب النارية لتضيء سماء العاصمة الصينية بأشكال رائعة
§ تكلفت الألعاب 43 مليار دولار لتحطم الرقم القياسي السابق الذي سجلته دورة أثينا في 2004
أجمل ما في الأولمبياد هو حفل الافتتاح، واجتماع كل الشعوب بمسؤوليها وممثليها، وإذا كانت أولمبياد موسكو 80 آخر الدورات الأولمبية التي اعتمدت على العنصر البشري في رسم التشكيلات، وبلغت التقنية ذروتها في دورتي سيدني وأثينا، فإن أولمبياد بكين مزجت بين العنصرين معًا في قالب واحد، وجاء حفل افتتاح مثالًا حيًا على أن الإعجاز البشري ليس له حد.
جاء افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التاسعة والعشرين التي استضافتها العاصمة الصينية «بكين 2008»، بعد حفل رائع عرض خمسة آلاف عام من تاريخ الصين وثقافتها، وشهد عرضًا للألعاب النارية الحديثة، وأضيئت سماء العاصمة الصينية في بداية الحفل وبعد كل فقرة منه.
حضر الحفل الذي افتتحه الرئيس الصيني هو جينتاو الذي أقيم بالاستاد الوطني «عش الطائر» في العاصمة الصينية بكين 91 ألف متفرج، وتابعه أكثر من ملياري متفرج من خلال شاشات التلفاز، ورفع العلم الصيني في الاستاد من قبل أطفال يمثلون 56 مجموعة عرقية تعيش في الصين.
شهدت الرحلة التي استعرضت الحقب المختلفة للتاريخ الصيني الحافل بالأحداث والتطورات رموزًا لصناعة الورق، والخطوط القديمة، وسور الصين العظيم، وفنون الأوبرا، وقدم عدد من الفنانين فقرات رائعة من بينهم عازف البيانو الصيني الشهير لانج لانج.
تابع الرئيس الصيني الحفل من مقصورة الشخصيات المهمة بجوار نحو 90 من رؤساء الدول، من بينهم الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين.
أخرج حفل الافتتاح المخرج الصيني الشهير تشانج ييمو، وشارك فيه نحو 15 ألف شخص، وقد ابتعد الحفل عن القضايا السياسية، حيث أصر منظمو الدورة، دائمًا، على عدم الخلط بين السياسة والرياضة.
ألعاب نارية
تولى جيش من قارعي الطبول القيام بالعد التنازلي لافتتاح الدورة الأولمبية، وأطلقت الألعاب النارية في محيط الاستاد، ثم أطفئت الأنوار لتظهر غابة من العصي باللون الأحمر في أيدي قارعي الطبول مضيئة في جو صيفي رطب.
وردد قارعو الطبول قبل انطلاق سلسلة من الألعاب النارية الهائلة في الهواء مضيئة قلب العاصمة الصينية وتعبر ميدان تيانانمين عبارة «حضر الأصدقاء من بعيد.. كم نحن سعداء».
توج الحفل سبع سنوات من العمل الذي أعاد رسم خريطة بكين، كما جسد طفرة صناعية عززت وضع الصين في العالم، حيث أصبحت رابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
في أثناء الافتتاح أطلقت الآلاف من الألعاب النارية لتضيء سماء العاصمة الصينية بأشكال رائعة فوق ميدان تيانانمين، وتغطي الاستاد الوطني، حيث الافتتاح المبهر، وفتحت السلطات الصينية ميدان تيانانمين شاسع المساحة أمام العامة لمنحهم فرصة مشاهدة الآلاف من الألعاب النارية.
تكلفت الألعاب 43 مليار دولار لتحطم الرقم القياسي السابق الذي سجلته دورة أثينا في 2004 التي كلفت 15 مليارًا، لكن أولمبياد بكين تسببت، كذلك، في طرد آلاف الأشخاص من مساكنهم لإفساح المجال أمام بناء الاستادات الحديثة.
واستعان المنظمون بنحو 14 ألف فرد و29 ألف قذيفة من الألعاب النارية لعرض الافتتاح الذي قدم مخرجه السينمائي الشهير تشانج ييمو، الذي منعت أعماله في يوم من الأيام من العرض في الصين، رؤية سينمائية لخمسة آلاف عام من التاريخ الصيني.
البعثات العربية
أدت جميع البعثات العربية صلاة الجمعة في مسجد القرية الأولمبية بالعاصمة الصينية بكين قبل ساعات من حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية «بكين 2008». فعلى الرغم من تفرق أماكن إقامة البعثات العربية في القرية الأولمبية ببكين، إلا أن الجميع حرص على التوجه إلى المسجد الكبير الموجود في القرية الأولمبية، حيث أدى الجميع الصلاة بإمامة أحد الشيوخ الصينيين المسلمين، وعقب انتهاء الصلاة تبادل أفراد البعثات العربية ومسؤولوهم التحية والترحيب في جو يسوده الوئام والمحبة، وتمنوا تحقيق نتائج جيدة، وإحراز عدد قياسي من الميداليات في الدورة.
زواج في الأولمبياد
ومن الطرائف التي واكبت الأولمبياد أن مكاتب توثيق الزواج شهدت في مختلف أنحاء الصين إقبالاً شديدًا على الزواج خلال يوم الجمعة الذي انطلقت فيه من بكين دورة الألعاب الأولمبية «بكين 2008»، وفي العاصمة الصينية وحدها تقدم نحو 16400 زوج للقيام بإجراءات تسجيل الزواج المعتادة في الصين.
وحسبما أعلن مكتب الشؤون المدنية التابع لحكومة بلدية بكين أن الطلبات التي تم تسجيلها لعقد الزواج يوم افتتاح الدورة الأولمبية بلغ مليون حالة زواج، ووصف الإقبال على الزواج في هذا اليوم بأنه لم يسبق له مثيل منذ تأسيس الصين الشعبية. وعلل المسؤولون سبب الإقبال الشديد على الزواج في هذا اليوم بأن الصينيين يحبون ويتفاءلون كثيرًا بالرقم 8 الذي يرمز إلى الثروة الهائلة والحظ الحسن، فما بالك بموعد افتتاح الأولمبياد، حيث ينطوي على خصوصية تتضمن أربع ثمانيات، وهي الساعة الثامنة مساء يوم الثامن من الشهر الثامن من العام الثامن بعد الألفين.
فضلاً عن أن زواجهم في هذا اليوم يضمن لهم احتفال الصين كلها، بل والعالم بأسره معهم بهذه المناسبة، ولا يتميز يوم الجمعة في الصين بأنه موعد انطلاق أولمبياد بكين فحسب، ولكن تاريخ 8-8-2008 يحمل دلالة خاصة عند الصينيين، إذ يعني لهم الثروة والحظ.
الشعلة الأولمبية
منذ أن بدأت فكرة مسيرة الشعلة الأولمبية خلال دورة برلين عام 1936، كان اختيار حاملها الأخير رمزيًا خلال حفل الافتتاح، سواء تعلق الأمر بتكريم رياضي كبير كما في دورة بكين، أو إبلاغ رسالة سلام.
وقد عهدت مهمة حمل الشعلة في حفل الافتتاح إلى أساطير في الرياضة أمثال الملاكم محمد علي عام 1996 في أتلانتا، والاختصاصي الأول في المدرسة الكبيرة للمسافات المتوسطة العداء الفنلندي هانيس كوليهماينن في هلسنكي عام 1952.
وفي حفل افتتاح دورة بكين، عاد شرف حمل الشعلة الأولمبية إلى بطل الجمباز السابق لي نينغ «44 عامًا» الذي يعد بطلاً قوميًا في بلاده بعد فوزه بست ميداليات في دورة لوس أنجليس عام 1984 «ثلاث ذهبيات وفضيتين وبرونزية واحدة»، وهو، أيضًا، مؤسس شركة تجهيزات رياضية تحمل اسمه.
طوابع تذكارية
أصدرت إدارة البريد بالأمم المتحدة مجموعة مكونة من ستة طوابع تذكارية تحمل شعار «الرياضة من أجل السلام» احتفالًا بأولمبياد بكين. وقال بيان للإدارة: إن الشعار العام لأولمبياد بكين 2008 «عالم واحد وحلم واحد» يعكس، تمامًا، جوهر الروح الأولمبية وقيمها العالمية المتمثلة في الوحدة، والصداقة، والتقدم، والتناغم، والمشاركة، والحلم، وأنها تعبر عن الرغبة المشتركة للشعوب في جميع أنحاء العالم المستوحاة من المثل الأولمبية في الكفاح من أجل مستقبل مشرق للإنسانية، وأنه على الرغم من اختلاف الألوان واللغات والأجناس، إلا أننا نشترك في سحرنا وفرحنا بالألعاب الأولمبية، ومعًا نسعى إلى تحقيق مثال الإنسانية للسلام. إننا ننتمي إلى العالم نفسه، ونشترك في الآمال والأحلام نفسها.
صمم الطوابع فنان أمريكا الجنوبية الشهير عالميًا روميرو بريتو، الذى وصفت إدارة بريد الأمم المتحدة طوابعه بأنها «ظاهرة ثقافة البوب للعصر الحديث»، وقالت: إن بريتو صمم روائع معاصرة، مستخدمًا ألوانه النابضة بالحياة، ونماذج جريئة، ورسالة دائمة بالأمل