رمضانيات

الصيام في الإسلام

وجوه من الإعجاز العلمي

الصيام يحقق منافع جمة للصائمين، ويحسن صحتهم، ويقي من العلل النفسية والجسدية.

تعد دراسة الحكمة الظاهرة من التشريعات الإسلامية أمرًا مهمًا، ليزداد الذين آمنوا إيمانًا، وهذه الحكمة مجال لدعوة الآخرين إلى هذه التعاليم السمحة التي تفيد الإنسان في دينه ودنياه وفي حياته الروحية والنفسية والجسدية. ومن الكتب المفيدة والهادفة في هذا المجال، هذا الكتاب الذي يقع في230 صفحة من القطع المتوسط، والذي يجمع خلاصة نتائج عدد كبير من الأبحاث العلمية التي تناولت الصيام كما هو في الشريعة الإسلامية، وليس الصيام بمعنى التجويع، أو الصيام الطبي.

التقوى واتقاء العلل والأمراض

    وقد طبق المؤلف في كتابه هذا منهجًا علميًا تطبيقيًا لإيضاح فوائد الصيام وإعجازه، وأنه وقاية من العلل والأمراض النفسية والجسمية، وهو تحقيق لقوله تعالى:}يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون{ «البقرة: 183»، فكان من جوانب هذه التقوى اتقاء العلل النفسية والجسمانية، وهو، أيضًا، تحقيق لقول المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم: «الصوم جنة». والجنة هي الوقاية والستر.
    وعد المؤلف الوجه الثاني من الإعجاز منافع جمة للأصحاء والمرضى، وهو معنى يزيد على الوقاية، فهو علاج لبعض الأمراض، كما أنه يحسن صحة الأصحاء، ويرفع مستواها وأداءها، واستدل المؤلف على ذلك بقوله تعالى: }وأن تصوموا خير لكم{ «البقرة: 184»، فهذه الخيرية للصحيح والمريض على السواء، وللمقيم والمسافر إلا عند حدوث المشقة، فيأتي العذر.
    أما الوجه الثالث للإعجاز كما أورده المؤلف، فهو أن الصيام المشروع في ديننا الحنيف سهل ويسير، ولا يسبب مشقة للجسم أو إجهادًا للنفس، وليس المقصود بالمشقة المشقة اليسيرة المحتملة، فهذه لا بد منها في جميع التكاليف.
    وقارن المؤلف بين الصيام المشروع لدينا وما يسمى «الصيام الطبي»، وهو التجويع الكامل فترة من الزمن تراوح بين أسبوع أو أسابيع عدة مع السماح بشرب الماء القراح.
    وأوضح البون الشاسع بين الصيام الشرعي ويسره، وبين خطورة ما يسمى «الصيام الطبي»، وأنه يحتاج إلى إشراف طبي، ودخول الشخص مصحة، ليقوم بهذا النوع من الصيام.
    وهذا الأمر، تحديدًا، يعد من الأهمية بمكان، لأن بعض الأطباء يذكر أضرار الصيام، وأنه قد يؤدي إلى هلاك الصائم في بعض الحالات، والمقصود بذلك كله ما يسمى «الصيام الطبي» الذي لا علاقة له بالصيام الشرعي الإسلامي.
    هذا رغم حدوث فوائد عديدة لكثير ممن يصوم الصيام الطبي إلا أنه يحتاج إلى إشراف طبي ليتقي المرء ما قد يحدث فيه من محاذير.
    والكتاب مبسط سهل العبارة، واضح البيان، رغم أنه مليء بالحقائق العلمية التي حاول المؤلف أن يعرضها بشكل لا يصعب على القارئ العام فهمه أو متابعته، فقد ذلل الكاتب ما استطاع من صعوبة المادة العلمية المبثوثة في المراجع الطبية الخاصة بهذا الموضوع ليستوعبها غير المتخصص، وتعم الفائدة.
    ورغم أن المجلات العامة والصحف كثيرًا ما تكتب عن فوائد الصيام الصحية، خصوصًا عند حلول شهر رمضان المبارك، إلا أن معظم ما يكتب فيها مكرر معاد وليست فيه جدية الأبحاث العلمية التي اعتمد عليها الكاتب، لذا فإن هذا الكتاب يعد بحق رائدًا في بابه.
    وقد استفاد المؤلف من إقامة ندوتين طبيتين لأبحاث عن الصيام الإسلامي عقدتا بالتعاون بين هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وكل من كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، وكلية الطب بجامعة الملك سعود في الرياض، شارك فيهما عدد كبير من الأساتذة والباحثين من داخل المملكة وخارجها.
    وكان البحث الذي قدمه المؤلف في الندوة الأولى وهو عن الفرق بين الصيام الإسلامي والصيام الطبي هو الدافع والنواة لكتابة هذه الدراسة.
    وكانت الأبحاث القيمة التي قدمت في هاتين الندوتين دليلًا آخر يرد على شبهة الانفصال المزعوم بين الدين والعلم، والتي يبثها ويروج لها في عالمنا مَنْ لا دين له، ولا علم عنده، وليعلم الجميع أن الدين الحق لا يتعارض أبدًا مع حقائق العلم، بل إن العلم خادم للدين، يكشف كل يوم آية من آيات الله في الآفاق والأنفس، تحقيقًا لقوله تعالى: }سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق{ «فصلت: 53».

قانون التوازن وشهية الإنسان للطعام

    وقد أوضح الكاتب أن الإنسان يتكون من الجسد والروح، والجسد الحي مكون من ذرات عناصر الأرض: من ترابها ومياهها قال تعالى: }منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى{ «طه: 55». وتكوِّن هذه الذرات جزيئات لمواد عضوية وغير عضوية تتركب منها خلايا كل كائن حي.
    وقد سخر الله، سبحانه، النبات والحيوان كطعام للإنسان يمده بهذه العناصر والمركبات ليواصل حياته على هذه الأرض التي استخلفه فيها، تحكمه سنة التوازن التي تحكم الكون كله، فالكائن الحي تعمل أجهزته بدقة، وترابط، وتوازن عجيب، ابتداءً من أبسط الخلايا النباتية والحيوانية، وانتهاء بالكائنات المعقدة المركبة من أنسجة، وأجهزة، وأعضاء، وعلى رأسها الجسم الإنساني المميز بالملكات العقلية والروحية، فكان لزامًا أن يحكم بقانون التوازن.

التحكم في الغذاء والشهوات وسمو الروح

    كما أن هناك حقيقة أخرى لم يغفل عنها المؤلف، وهي أن بين مركبات الجسد الأرضية أو بين الغذاء والروح كلطيفة ربانية علاقة وسر، فمن تحكم في غذائه وشهواته سمت روحه، وأشرق وجدانه، وارتفعت درجة استجابته لأوامر ربه، واتقى العلل والأمراض التي يمكن أن تصيب الإنسان نتيجة كثرة الأكل على مدار العام.
    فالإنسان بنيان خلقه الله وفق نظام محكم بديع لا يعرف دقائق سنن خلقه ولا يحيط بها وبتدبيرها إلا هو سبحانه القائل: }ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير{ «الملك: 14».
    فالله وحده الذي يعلم على وجه الدقة، والشمول، والإحاطة ما يصلح هذا المخلوق الفذ وما يفسده، وما يصحه وما يمرضه، ففرض الله، سبحانه وتعالى، الصيام علينا وعلى كل الأمم والشعوب قبلنا، لا لكونه أمرًا تعبديًا للخالق العظيم، جل وعلا، فحسب، ولكن لفوائده المحققة لجسم الإنسان وروحه.

مفاهيم خاطئة حول الصيام

    أهم المفاهيم غير الصحيحة عن الصيام في هذا الزمان التي أوردها المؤلف أن كثيرًا من الناس يظنون أن الصيام هو حرمان الجسم بأنسجته وخلاياه من عناصر التغذية في الطعام والشراب، وأن الجسم البشري كالآلة الصماء التي تعمل بالوقود، فإن حرمت منه توقفت عن العمل والحركة، كما يخلط بعض الأطباء بين التجويع المطلق والصيام الإسلامي، فيحملون الثاني كل آثار الأول وأخطاره، لأن المدرسة الطبية الغربية، وعلى نهجها تسير المدارس العربية والإسلامية، لا تدرس في مناهجها إلا التجويع وتسميه أحيانًا «الصيام»، ولا تشير من قريب أو بعيد إلى الصيام الإسلامي.
    وبهذا الظن والخلط شكك الجهلاء في حكمة الصيام وفائدته، وفرط ضعاف الإيمان في الالتزام به وأعطيت التوجيهات الطبية لبعض المرضى بالإفطار في شهر الصيام بغير ضوابط علمية متيقنة. ولكن الحقيقة التي ثبتت بيقين بعد تقدم العلوم المذهل في هذا الزمان أن للجسم البشري مخازن هائلة للطاقة تتيح له العمل والحركة أيامًا عدة والبقاء أشهر عدة دون أن يتناول فيها أي طعام قط، كما أن الصيام الإسلامي يختلف عن التجويع في أمور كثيرة وجوهرية تجعله صيامًا متميزًا، سهلًا، ميسورًا، لا يشكل أي مشقة أو شدة على الجسم البشري، بل إن له من الفوائد والمنافع الوقائية والعلاجية لعدد من الأمراض الجسدية والنفسية ما يحتم كونه ضرورة حيوية للجسم والنفس البشرية، ويجعله معجزة من معجزات التشريع الإسلامي الذي جاء به الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم.