محمية الفائجة التونسية
استكشاف
الطبيعة
برفقة الأيائل
فيها أكثر من 700 نوع من النباتات، وغابات الزان فيها الأجمل بالعالم.
• تونس: منال العابدي
حين تأسرك الطبيعة بجمالها الفاتن وإبداعها الرباني اللا متناهي، لا يسعك سوى القول: «إن العظمة لله والخلق له وحده»، فالطبيعة بتضاريسها وتنوعها تُذهلك يومًا بعد يوم بعالمها الغرائبي الذي لا يتسع الأفق ليشمله. إنها محمية الفائجة التونسية، حيث يحرسها الطير، ويلهو في مراتعها الأيل الأطلسي.
تقع المحمية الطبيعية بالفائجة في أقصى الشمال الغربي للجمهورية التونسية، وتبعد نحو 195كم عن تونس العاصمة. تمتد على مساحة 2632 هكتارًا منها 417 هكتارًا مخصصة لحماية الأيل الأطلسي، وتحتل المرتبة الأولى في تونس من حيث وفرة الأنواع النباتية الموجودة بها، ويوجد بها غطاء غابي متنوع الأشجار.
منذ سنة 1960، استقطبت منطقة الفائجة حماة الطبيعة من تونسيين وأجانب، إلى أن أعلنت محمية رسميًا عام 1990.
وقد استهوى الغطاء النباتي الذي تتميز به علماء الطبيعة والخبراء لمميزاته وثرائه، فنجد في غابات الفائجة أكثر من 700 نوع من النباتات، ويُعرف عن غابات الزان فيها أنها أجمل الغابات في العالم، ويطلق عليها اسم «نقّار البطة» لموقعها على الحدود الجزائرية- التونسية.
علاج طبيعي
تكسو مرتفعات الفائجة غابات الزان الكثيفة التي تجاورها غابات الفرنان. وقد أنشأ تداخل هذين النوعين من الأشجار غابة ممتزجة بظلالها الوارفة والمتشابكة.
أشجار الزان والفرنان كثيرًا ما يغمرها الضباب في ضفاف جبال خمير ومقعد، فيضفي عليها طابعًا من الغموض في عالم الطبيعة البرية بين حيوانات ونباتات مختلفة ومتنوعة. طبيعة بكر لا تنقصها سوى هبَّة ريح لتصبح أرضًا مختلفة تمامًا.
وخلافًا لأشجار الزان التي تنفرد بالعيش وحدها، لكونها تمنع أشعة الشمس من الوصول إلى باقي النباتات، تتيح أشجار الفرنان المتباعدة عن بعضها الفرصة لنمو عدد من الشجيرات مثل: الريحان، واللنج، والزعرور، وسبحان الخلاقو، ...»، بالإضافة إلى الأعشاب والأزهار البرية «العنصل، والبرواق»، كما تضم الحديقة مجموعة من النباتات المهددة بالانقراض أهمها: السحالي التي تميز غابة الفائجة بجمال أزهارها، ونبات الحلحال، والدفلة، والعنصل، والوزان، ونبات السرخس الذي كونت أسلافه الغابة البدائية منذ عشرات الآلاف من السنين.
وتفقد أشجار الزان أوراقها في الخريف عكس أشجار الفرنان، وهذه الأشجار تُهدي قشورها المعروفة بالخفاف، حيث يتم جمعها مرة كل 9 سنوات أو 13 سنة. وتمثل شجرة «البوحداد» مصدرًا آخر للصناعات التقليدية، حيث تستغل جذورها في صنع الغليون، وتضفي بأزهارها البيضاء حلة تكسو هذه الغابة
أما شجيرة الريحان، فهي شجيرة عطرية ذات أوراق خضراء تظهر ابتداءً من شهر يونيو حتى شهر أغسطس، ومثلها شجرة «اللنج»، فهي ذات أوراق خضراء لامعة تمتد فترة إزهارها ما بين شهري أكتوبر ومارس، وأزهارها بيضاء اللون أو مخططة باللون الأخضر. أما «سبحان الخلاقو» فهي شجيرة تنمو ثمارها في أوراقها، وهي حبيبات صغيرة حمراء اللون ذات طعم لذيذ.
نظرًا لموقعها الجغرافي، تمتاز الحديقة الطبيعية بالفائجة بمناخ متوسطي رطب ذي شتاء ممطر وبارد يمتد من شهر أكتوبر، ويتواصل إلى مارس. هذه البرودة، يصحبها تساقط الثلوج التي يبلغ سمكها مترًا في بعض الأحيان، غير أنها لا تدوم طويلا،ً فهي سريعة الذوبان. كما تقابل قساوة برودة الشتاء حرارة الصيف العالية التي يبلغ معدلها نحو 29.5 درجة مئوية، مع إمكانية بلوغها 45 درجة مئوية عند هبوب رياح «الشهيلي» المقبلة من الصحاري.
حارس الغابة
غابات الفائجة يحرسها الطير قبل الإنسان، ولها عصافيرها المستوطنة، ويجد الزائرون المغرمون بالطيور ما يلبي شغفهم ورغبتهم في معرفة المزيد حول هذه الكائنات المثيرة. وقد أحصي ما لا يقل عن 70 نوعًا من الطيور بين مقيم ومهاجر.
يطلق حارس الغابة «الحُريش» صيحة فزع لينبه بقية حيوانات الغابة إذا اقتحم دخيل الهدوء والسكينة التي يعيشونها. أما الكواسر والجوارح الليلية والنهارية فهي كثيرة، مثل «البومة» التي تمتاز بدقة سمعها، وفهد الليل الذي يعد أكبر جارح في تونس وأوروبا، و«الساف» ذي اللون الرمادي والأجنحة العريضة والذيل الطويل.
أما «سيد الغابة»، فهو الأيل الأطلسي الذي أحدثت الفائجة خصيصًا لحمايته. وهو من أكبر الثدييات في الغابة وأهمها، إذ يتميز بوبر بني اللون، قاتم في فصل الشتاء وباهت في الصيف، مع وجود علامات بيضاء على الجانبين. وللأيل بطن وخاصرة باهتتا اللون، وذيل قصير كستاني اللون في أعلاه.
ويتمتع ذكر الأيل، على خلاف الأنثى، بقرون متشعبة ذات لون كستاني طولها نحو 120 سنتيمترًا، وقد يتجاوز وزن تلك القرون 3.5 كجم. وبفضل عدد عُقد تلك القرون يمكن تحديد سن الأيل، حيث تساوي كل عقدة سنة من عمره.
ويعتمد الأيل الأطلسي في غذائه على أوراق أشجار الزان والريحان، والفجوات الغابية في الفائجة مكانه المفضل للتزاوج بين شهري سبتمبر وأكتوبر.
سيدة جميلة ولفت ملتهب
عالم الفراشات يستهويك لفتون هذه المخلوقات الجميلة، فإذا نظرنا بدقة إلى أجنحة الفراشة نكتشف أنها متناظرة، فهذه الأجنحة الشفافة، سواء الأشكال التي تحتوي عليها أو النقاط أو الألوان التي تزينها قد خُلقت كما لو أنها لوحة مرسومة بإتقان، فهي في الحقيقة إبداع لا يضاهى، وعمل استثنائي يفتح أمامك أفقًا رحبًا لمزيد من التأمل فيها واكتشاف أسرارها.
و«السيدة الجميلة» أكثر الفراشات انتشارًا في غابة الفائجة التونسية، وهي تهاجر من شمال أفريقيا إلى أوروبا، أما فراشة «اللفت الملتهب» فهي تفزع مفترسيها بذنبيها الحادين، وهي مستقرة في المنطقة.
أما في صحاري الغابة وأوديتها، فقد نشأ عدد من الزواحف والبرمائيات النادرة في الغابة، حيث أحصي ما لا يقل عن 21 نوعًا منها، ومن الزواحف الموجودة نذكر: الحرباء، وسحلية الجزائر، والسحلية الإسبانية، وحية نعل الفرس، والحية المطوقة النادر وجودها في تونس، وهي تلازم المجاري المائية، حيث تعثر على غذائها المفضل من الضفادع. أما أفعى «لاتاست»، فهي زاحف نادر جدًا، يقتصر وجودها على المرتفعات، ويمكن مشاهدتها خلال الفصول الدافئة بين الحشائش أو في المنحدرات.
ومن البرمئيات هناك الضفدع الضاحك الذي يُعرف بصوته، فهو وسيلته للتخاطب مع بقية الضفادع الأخرى قصد التزاوج، أما ضفدع الشجر فلا يصعب عليه تسلق الشجيرات التي تنمو على ضفاف الأودية.
إن الزائر محمية الفائجة لا ينسى «كاف النقشة»، وهي صخرة كبيرة قُدت فوق سطحها الأملس مدارج منقوشة على الحجر تؤدي إلى مركز ملاحظة يطل على المنطقة بأكملها، مشهد يشعر أمامه المطلع برونق الطبيعة اللا متناهي وجمالها الخلاب.
كما لا ينسى الزائر المتحف البيئي بوصفه من المكونات الأساسية للحديقة، فهو يشتمل على وحدتين متجاورتين تؤوي أكبرها المتحف، بينما تضم الثانية محال المصالح ومشربًا.
لا شك أن المتجول في أرجاء هذه الغابة سينتابه الإجهاد لاكتشاف مسالكها العديدة، إلا أن مناظر الجمال تبقى راسخة في مخيلته، لما تزخر به من ثروات نباتية وحيوانية عديدة، قد لا تتاح له فرصة مشاهدتها في أي مكان آخر.