مدن |
||||||||
ساعة بيغ بن • لندن : علي صبحي أن يُقبض على الوقت فهذا مستحيل . أن تُسجن الدقائق كأن الذات تسجن نفسها في عالمها الخاص . الزمن هو الأحداث التي تحدث كيفما تحدث، وأينما حدثت هو وقتها الفعلي، ووقت حدوثها، وانبعاثها، واكتمالها أو اندثارها وتلاشيها في ذلك المكان . هذا المكان هو لندن، وذلك الوقت هو وقت حركتها وأحداثها، ولكي لا يذهب هذا الوقت في انسياباته دون إشعار كان لا بد من التذكير بحدوثه جهارًا وعلى الملأ . على مدار الساعة، هذا المدار هو ضابط أوقات العالم ومنظم نشاطه، وحروبه، وسلمه، وسبل عيشه . إنها بيغ بن .
بيغ بن المعلم الأكثر شهرة في لندن، والرمز الأكثر تعارفًا عليه فيما يخص المملكة المتحدة، ولطالما عدت دلالة على مدى اهتمام البريطانيين بالوقت والنظام، وهي تقف اليوم شامخة كشاهدة على التاريخ منذ عام 1895 مجاورة لمبنى البرلمان، ومقابلة لنهر التايمز، ومستعرضة جمال تصميمها أمام آلاف السائحين الذي يتجمعون تحتها كل يوم لالتقاط صورة معها . البرج الشمالي « بيغ بن » تسمية تطلق على الساعة المثبتة فوق البرج الشمالي لمبنى البرلمان البريطاني، وهي مثبتة في الوجهات الأربع، ويمكن رؤيتها من أي اتجاه، واسم « بيغ بن » هو تصغير لاسم وزير الأشغال البريطاني « بنجامين هول » الذي أشرف على تصميم الساعة وتنفيذ برجها، وقد اكتسب الجرس الكبير المعلق الذي تدوي دقاته في سماء المدينة تسمية « بيغ بن » ، ومن ثم تبعته الساعة، فيما بعد، بهذه التسمية . عمل الساعة بدأت ساعة « بيغ بن » عملها في 3 يونيو عام 1859 ، وقد قام بتصميمها إدموند بيكيت، وصنعها إدوارد دنت، وخلفه بعد مماته فريدريك دنت، ولطريقة عمل الساعة تفرد ميكانيكي يعود إلى خبير الساعات الإنجليزي إدوارد دنت الذي ابتكر نظامًا يعزل عمل الساعة وحركتها عن الجاذبية وعن أي تأثير خارجي من خلال فصل « البندول » أو رقاص الساعة عن عمل الساعة الميكانيكي، تخفيفًا للاحتكاك الذي يولد البطء، حيث قام بتركيز « البندول » في صندوق عازل وضع تحت الساعة في ذلك البرج الكبير . طريقة فريدة ولتعديل عمل الساعة طريقة فريدة قائمة على تحميل « البندول » قطعًا نقدية قديمة متعادلة الوزن، وعند سحب إحدى تلك القطع أو زيادتها، يؤدي ذلك إلى تغيير سرعة الساعة بمقدار 2 . 5 أعشار الثانية في النهار الواحد . البرلمان البريطاني « بيغ بن » صنعت ووضعت على أحد أبراج البرلمان البريطاني الجديد بعد أن التهمت النيران المبنى القديم عام 1834 . هوية المدينة يحتل هذا القصر مساحة واسعة في « ويست منستر » ، ويرتفع متعاليًا بلونه الأصفر فوق نهر التايمز، لكنه رغم ارتفاعه، وصلابته، وهندسته المحافظة، إلا أنه أصبح طرفًا في الدلالة على هوية المدينة، فهو لم يعد وحيدًا في رسم تلك الهوية أو تحديدها، شأنه شأن الكثير من الأبنية والنصب القديمة، إذ تنتصب أمامه على الضفة المقابلة للتايمز الـ « لندن آي » ، وهي أكبر دولاب بني في العالم حتى الآن، ولم يكن التاريخ، أو الحروب، أو السياسة حافز البناء، إنما هي السياحة بامتياز . معانٍ كثيرة من الغريب، فعلاً، أن تتغير الدلالات . لقد رأينا قصر « ويست منستر » أو البرلمان مستمرًا منذ القدم، وسمعنا قبله صوت « بيغ بن » ، والآن رأينا « لندن آي » ، وكل هذه المعالم مشيدة مقابل بعضها، وترمز إلى معانٍ كثيرة حدثت وتحدث في هذا البلد وكأنها تتنافس على التعريف به للوافدين إليه . لكنها وبقربها الجغرافي هذا، وتباعدها التاريخي، واختلافها الوظيفي، وتنوعها الهندسي، تطرح تساؤلًا فريدًا في صياغته، وصعبًا في إيجاد إجابة عنه وهو : مَنْ يصنع مَنْ التاريخ أم الاقتصاد؟
|
||||||||
|
||||||||