إسلاميات

من محاسن التأصيل النبوي

حقوق الطفل في الإسلام

هذه الحقوق في الإسلام تمتاز بأنها كاملة، لأنها من عند الله خالق الإنسان وهو أعلم بما يصلحه.

د . أحمد بن عثمان المزيد
أستاذ مشارك بجامعة الملك سعود

Kids_pict1

الأطفال نعمة إلهية جديرة بأن تصان وترعى وتحفظ، وتعطى حقوقها التي قررها قدوتنا وحبيبنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم . وهذه الحقوق في الإسلام تمتاز بأنها كاملة، لأنها من عند الله خالق الإنسان وهو أعلم بما يصلحه } ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير { ( الملك : 14 ) ، وهي كذلك حقوق متوازنة يسعد بها مؤديها في الدنيا والآخرة , كما أنها عبادة من أعظم العبادات التي يُتقرب بها إلى الله .. فتعظيم الله ومراقبته يعدانّ أفضل وسيلة لأداء هذه الحقوق .

  • لقد سبق النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، منظمات حقوق الطفل بأربعة عشر قرنًا من الزمان , حيث قرر للطفل من الحقوق والمميزات ما لا ينكر فضله إلا جاحد أو مكابر

  • للطفل الحق في التمتع بنسبه الصحيح , وليس لأحد حرمانه من ذلك لمجرد شبهة عرضت له

  • الحياة الكريمة هي التي يتمتع فيها الطفل بجميع حقوقه من العطف، والرحمة، والرعاية بأشكالها كافة

الطفل في الإسلام هو من لم يبلغ حدَّ البلوغ , ولا يتجاوز سنُّه الخامسة عشرة . أما تحديد عمره بما لا يتجاوز الثامنة عشرة كما في وثيقة حقوق الطفل الدولية , فنرى أن هذا التحديد غير صحيح، وربط الإسلام سنّ الطفولة بالبلوغ أحفظ للطفل والمجتمع والدولة .
لقد سبق النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، منظمات حقوق الطفل بأربعة عشر قرنًا من الزمان , حيث قرر للطفل من الحقوق والمميزات ما لا ينكر فضله إلا جاحد أو مكابر , فقد روي عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال : « كما أن لوالديك عليك حقًّا , كذلك لولدك » ( الأدب المفرد ).
فمن أعظم وسائل نصرة النبي، صلى الله عليه وسلم، هو تعلم هذه الحقوق والعمل بها , وتطبيقها في واقع الحياة , وبذلك نكون دعاة بالأفعال لا بالأقوال , وقدوة يتأسى بها شعوب العالم .

ومن الحقوق النبوية للطفل ما يلي :
حق الطفل في أبوين كريمين :
وهذا حق قرره النبي، صلى الله عليه وسلم، للطفل قبل أن يولد , وقبل أن يرتبط أبوه بأمه . فحسن اختيار كل من الزوجين الآخر حق من حقوق الطفل في الإسلام , كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم : « تنكح المرأة لأربع : لمالها , ولحسبها , ولجمالها , ولدينها , فاظفر بذات الدين تربت يداك » ( متفق عليه ). وقوله، صلى الله عليه وسلم : « إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه , إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير » ( الترمذي ).
وقوله، صلى الله عليه وسلم : « تخيروا لنُطَفِكم فأنكحوا الأكفاء , وأنكحوا إليهم » ( ابن ماجه ).

حق الطفل في حفظه من الشيطان قبل أن يولد :
ففي المعاشرة الزوجية , لم ينس النبي، صلى الله عليه وسلم، حقَّ الطفل فقال : « لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله , اللهم جنبنا الشيطان , وجنب الشيطان ما رزقتنا , فإنه إن يقدر بينما ولد في ذلك , لم يضره شيطان أبدًا » ( متفق عليه ).

حق الطفل في إثبات نسبه :
للطفل الحق في التمتع بنسبه الصحيح , وليس لأحد حرمانه من ذلك لمجرد شبهة عرضت له . فقد جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال : إن امرأتي ولدت غلامًا أسود , وإني أنكرتُه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : « هل لك من إبل؟ » قال : نعم . قال : « فما ألوانها؟ » قال : حمر . فقال النبي، صلى الله عليه وسلم : « هل فيهن من أورق؟ » أي مائل إلى السمرة قال الرجل : إن فيها لورقًا . قال النبي، صلى الله عليه وسلم : « فأنى ترى ذلك جاءه؟ » قال الرجل : يا رسول الله ! عِرْقٌ نزعها . فقال النبي : « ولعلَّ هذا عرقٌ نزعه » ( البخاري ).
إن مواثيق حقوق الطفل الدولية لم تشر إلى حق الطفل في أن يكون نتيجة علاقة طبيعية بين رجل وامرأة , وهذه العلاقة الشرعية الزواج هي التي تكفل للطفل حياة كريمة , وتلزم والدي هذا الطفل برعايته والعناية به والإنفاق عليه .
وكان من نتاج إهمال هذا الجانب المهم أن أهدرت حقوق ملايين الأطفال اللقطاء في العالم، لأن هذه المواثيق لم تجعل للأسرة المحضن والراعي الأساس للطفل أي مكانة أو قيمة .

حق الطفل في الحياة :
وهذا الحق الذي تنادي به منظمات حقوق الإنسان كفله النبي، صلى الله عليه وسلم، للطفل وهو لا يزال جنينًا في بطن أمه , فخفف عن الحامل والمرضع الصيام حتى لا يتضرر جنينها , وسئل، صلى الله عليه وسلم : أيُّ الذنب أعظم فقال : « أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك » قيل : ثم أي؟ قال : « أن تقتل ولدك خشية أن يَطْعَم معك » ( البخاري ).
بل إن النبي، صلى الله عليه وسلم، احترم حق الطفل في الحياة وإن كان لقيطًا , فقرر أن يؤخَّر الحدُّ على المرأة الزانية حتى تضع جنينها وحتى ترضعه , كما في قصة المرأة الغامدية .
وأوجب النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، الدية على من اعتدى على الجنين في بطن أمه , تقديسًا منه للحياة , وعقوبة لمن استخف بها .

حق الطفل في العقيقة والاسم الحسن والختان :
بعد أن يولد الطفل ويرى النور , سنَّ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، لأهله أن يظهروا الفرح والسرور بقدومه , وأن يبرهنوا على ذلك بذبح شاتين عن الغلام وشاة عن البنت , وجعل، صلى الله عليه وسلم، ذلك من حقوق الطفل فقال : « كلُّ غلامٍ مُرْتَهنٌ بعقيقته حتى يذبح عنه يوم السابع , ويسمى , ويحلق رأسه » ( الترمذي ).
وأما حقُّ الطفل في الاسم الحسن , فقد كره النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، الأسماء القبيحة , وغير كثيرًا منها , فغير اسم « عاصية » إلى « جميلة » ( مسلم ) وغيَّر « بَرَّه » إلى « زينب » ( مسلم ) وغيَّر « حزن » إلى « سهل » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « أحبُّ أسمائكم إلى الله عزَّ وجلَّ : عبد الله وعبد الرحمن » ( مسلم ).
ومما يروى في ذلك من الطرائف أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ولده , فأحضر عمر الولد وأنَّبه وذكّره بحقوق أبيه . فقال الولد : يا أمير المؤمنين ! أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال : بلى . قال : فما هي؟ قال عمر : أن ينتقي أمَّه , ويحسن اسمه , ويعلّمه الكتاب .
فقال الولد : يا أمير المؤمنين ! إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، أما أمي فإنها زنجيّة كانت لمجوسي , وقد سماني جعلًا وهي الخنفساء ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا . فالتفت عمر إلى الرجل وقال له : جئت تشكو عقوق ابنك , وقد عققتَه من قبل أن يعقَّك , وأسأت إليه من قبل أن يسيء إليك .
وأما الختان فهو قطع القلفة، الجلدة، التي على رأس الذكر , وقد اكتشف حديثًا أن بقاء هذه الجلدة يؤدي إلى الإصابة بكثير من الأمراض، وذلك لتجمع الجراثيم والأنتان تحت هذه الجلدة , ولذلك جعل النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، الختان من الفطرة . فقال : « الفطرة خمس : الختان , والاستحداد , وتقليم الأظفار , ونتف الإبط , وقصُّ الشارب » ( مسلم ).

حق الطفل في الرضاع الطبيعي :
وفي قصة المرأة الغامدية ما يدلُّ على حقِّ الطفل في الرضاع، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال : « إذًا لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه » ( مسلم ) , ويدلُّ على حق الطفل في الرضاع قوله تعالى : } والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة { ( البقرة : 233 ).
وقد ذكر الأطباء أن للرضاع من ثدي الأم فوائد كثيرة صحية ونفسية للطفل .

حق الطفل في الرحمة والحنان والحياة الكريمة :
إن الحياة الكريمة هي التي يتمتع فيها الطفل بجميع حقوقه من العطف، والرحمة، والرعاية بأشكالها كافة . وقد مدح النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، نساء قريش فقال : « خير نساء ركبن الإبل، صالح نساء قريش , أحناه على ولد في صغره , وأرعاه على زوج في ذات يده » ( متفق عليه ).
ومن صور رحمة النبيّ، صلى الله عليه وسلم، بالأطفال أنه قبّل الحسن بن عليّ , وعنده الأقرع بن حابس جالسًا , فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد , ما قَبَّلت منهم أحدًا , فنظر إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم قال : « من لا يرحم لا يُرحم » ( متفق عليه ).
وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يصلي بالناس وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب فإذا سجد وضعها , وإذا قام حملها » ( متفق عليه ). فأين هذا من الذين يطاردون الأطفال في المساجد وينهرونهم كلما رأوهم تقدموا الصفوف , أو فعلوا ما لا يستنكر من أمثالهم .
ومن رحمة النبيّ، صلى الله عليه وسلم، بالأطفال ورقته عليهم أنه كان يزور الأنصار ويسلّم على صبيانهم ويمسحُ رؤوسهم . ( النسائي ).
ونهى النبيّ، صلى الله عليه وسلم، عن الدعاء على الأطفال رحمة بهم , وحذرًا من أن توافق ساعة إجابة فيستجيب الله الدعوة .

حق الطفل في عدم التمييز بين الأطفال :
كفل النبيّ، صلى الله عليه وسلم، حقوق الأطفال ذكورًا كانوا أم إناثًا، وحرم جميع أشكال التمييز بين الأطفال، وأبطل عادة كراهية الإناث وتفضيل الذكور عليهن , فقال : « من كانت له أنثى فلم يئدها , ولم يُهنها , ولم يؤثر ولده، أي الذكور عليها , أدخله الله الجنة » ( أبو داود ).
ونهى النبيّ، صلى الله عليه وسلم، عن إيثار بعض الأبناء بالعطايا على حساب آخرين , لأن هذا يؤدي إلى الكراهية، والعقوق، والتحاسد بين الأبناء .

حق الطفل في حفظ دينه :
يعدُّ حفظ الدين وتعليم قواعد الإيمان , والتدريب على عبادة الله وطاعته , والتخلق بالأخلاق الكريمة والسلوك الحسن، وتأسيس تعظيم الله عزَّ وجلَّ ومحبة رسوله، صلى الله عليه وسلم، في نفوس الأطفال كل ذلك من آكد حقوق الأطفال على الوالدين، وهو مما يسعد به الأطفال والوالدان في الدنيا والآخرة , فقد قال النبيُّ، صلى الله عليه وسلم : « كلُّ مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهوّدانه , أو ينصرانه أو يمجّسانه » ( متفق عليه ).
وسأل النبي، صلى الله عليه وسلم، جارية فقال لها : « أين الله؟ » قالت : في السماء . فقال لسيدها : « أعتقها فإنها مؤمنة » ( مسلم ).
وكان، صلى الله عليه وسلم، يعلم الأطفال معاني المراقبة والتوكل والثقة بالله عزَّ وجلَّ , فعن ابن عباس قال : كنت خلف النبي، صلى الله عليه وسلم، يومًا فقال : « يا غلام ! إني أعلمك كلمات ! احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فاسأل الله , وإذا استعنت , فاستعن بالله » ( الترمذي ).

حق الطفل في اللعب واللهو البريء :
أتاح النبي، صلى الله عليه وسلم، للأطفال فرصة للعب والمرح، لأن سنّ الطفولة تتطلب هذا النوع من الممارسة , فكان الحسن أو الحسين يجلسان على ظهره، صلى الله عليه وسلم، وهو ساجد فيطيل السجود حتى يأخذا حظهما من المتعة واللعب .
وكان صلى الله عليه وسلم، يرسل أنس في حاجته فيمر على الصبيان وهم يلعبون فيلعب معهم ويتأخر عن النبيّ، صلى الله عليه وسلم، فلا يعاقبه ولا يعاتبه لمعرفته أن الطفولة تحتاج إلى شيء من اللعب، واللهو، والانطلاق .
وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يَعْقِدُ المسابقات بين الأطفال , فيقول : « من سبق إليَّ فله كذا وكذا » فيستبق الأطفال إليه , ويقعون على ظهره وصدره , فيقبلهم ويلتزمهم ( أحمد ).

حق الطفل في رفع الظلم عنه :
جميل أن تتكاتف جهود المنظمات الدولية لإعطاء الأطفال حقوقهم ورفع الظلم عنهم , وكان النبيّ، صلى الله عليه وسلم، سباقًّا إلى ذلك فعن أبي مسعود الأنصاري قال : كنت أضرب غلامًا لي بالسوط , فسمعت صوتًا من خلفي : « اعلم أبا مسعود » فلم أفهم الصوت من الغضب . قال : فلما دنا مني , إذا هو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول : « اعلم أبا مسعود , اعلم أبا مسعود » قال : فألقيت السوط من يدي . فقال النبي « اعلم أبا مسعود أن الله تبارك وتعالى أقدر عليك منك على هذا الغلام » قلت : لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا . وفي رواية قلت : يا رسول الله ! هو حرٌّ لوجه الله . فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : « أما لو لم تفعل للفَحَتْك النار أو لـمسَّتْك النار » ( مسلم ).

حق الطفل في المواساة والزيارة والهدية :
قدَّر النبيّ، صلى الله عليه وسلم، مشاعر الأطفال , فمسح دموعهم وبدل أحزانهم , ورسم البسمة على شفاههم , فهذا أبو عمير غلام صغير أخ لأنس بن مالك خادم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان لهذا الغلام « نُغر » وهو الطائر الصغير , يلعب به , فمات هذا النغر , فحزن عليه , فذهب إليه النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، ليواسيه ويمازحه , فقال له : « أبا عمير ! ما فعل النغير » ( متفق عليه ) ولك أن تتخيل هذا المشهد، رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين , وأشرف الخلق أجمعين , يذهب إلى طفل صغير ليواسيه في حزنه على طائر صغير كان يلعب به .
وأهدى، صلى الله عليه وسلم، أم خالد وهي طفلة ثوبًا , وألبسها إياه بيده , وقال لها : « أبلي وأخلقي ». ( البخاري ).

حق الطفل في التربية والتأديب :
وهذا من أعظم حقوق الطفل على والديه , لأن إهمال هذا الحق يؤدي إلى فساد الأطفال وضياعهم عند الكبر , ولذلك روي أنه، صلى الله عليه وسلم، قال : « ما نحل والد ولدًا من نحلٍ أفضل من أدبٍ حسن » ( أحمد والترمذي ).
وقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يعلم الصغار ويؤدبهم بلطف ولين فهذا الحسن بن علي رضي الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة وجعلها في فيه , فقال له النبيُّ، صلى الله عليه وسلم : « كَخْ كَخْ » ليطرحها ثم قال له : « أما علمت أنا لا نأكل الصدقة » ( متفق عليه ).
فلم يكتف، صلى الله عليه وسلم، بالنهي وإنما علم الطفل سبب هذا النهي وهذا من حسن طريقته، صلى الله عليه وسلم، في التربية والتعليم .
وقال صلى الله عليه وسلم : « مروا أولادكم بالصلاة لسبع , واضربوهم عليها لعشر , وفرقوا بينهم في المضاجع » ( أبو داود ).
وخصَّ النبي، صلى الله عليه وسلم، تربية البنات بالذكر لما للنساء من أثر كبير في تنشئة الأطفال وإعداد الأجيال فـ :
الأم مـدرســة إذا أعددتـهـا أعـددت شعبًـا طيـب الأعـــراق

حق الطفل في التعليم وتنمية المهارات :
وهذا الحق يندرج ضمن قوله، صلى الله عليه وسلم : « طلب العلم فريضة على كل مسلم » ( ابن ماجه ) , والنبيُّ، صلى الله عليه وسلم، ما بعث إلا للتعليم والتربية , ولذلك قال : « إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا , ولكن بعثني معلمًا ميسِّرًا » ( مسلم ).Kids_pict2
وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يستقبل الموهوبين من الأطفال ممن برعوا في العلم , فقد أتوا بزيد بن ثابت إلى النبيّ، صلى الله عليه وسلم، وقالوا له : يا رسول الله ! هذا غلام من بني النجار , معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة , فأعجب ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال : « يا زيد ! تعلَّم لي كتاب يهود , فإني والله ما آمن يهودَ على كتابي » قال زيد : فتعلمت كتابهم , ما مَرَّت بي خمس عشرةَ ليلة حتى حذقتُه , وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه , وأجيب عنه إذا كتب . ( أحمد ) فأين همة أطفالنا وشبابنا من همة هؤلاء في العلم والدراسة والتحصيل؟ !

حق الطفل في الرعاية الصحية :
وهذا، أيضًا، يندرج تحت قوله، صلى الله عليه وسلم : « كلم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته » ( متفق عليه ).
وقوله، صلى الله عليه وسلم : « لما سأله الأعراب : أنتداوى؟ فقال : « نعم ! يا عباد الله تداووا , فإن الله عزَّ وجلَّ لم يضع داء إلا وضع له شفاء , غير داء واحد » قالوا : ما هو؟ قال : « الهرم » ( أحمد والنسائي ).
وقد كان النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، يعوّذ بعضَ أهله , يمسح بيده اليمنى ويقول : « اللهم ربَّ الناس , أذهب البأس , اشفه وأنت الشافي , لا شفاء إلا شفاؤك , شفاء لا يغادر سقمًا » ( البخاري ).

حق الطفل في الحضانة :
والحضانة هي تربية الطفل في المدة التي لا يستغني فيها عن أمه , فالأم لها الحق في حضانة الطفل في هذه الفترة يدل على ذلك أن امرأة قالت : يا رسول الله ! إن ابني هذا كان بطني له وعاء , وثدي له سقاء , وحِجري له حِواء , وإن أباه طلقني , وأراد أن ينتزعه مني . فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم : « أنت أحقُّ به ما لم تنكحي » ( أبو داود ).

حق الطفل في النفقة :
ألزم النبي، صلى الله عليه وسلم، والد الطفل بالإنفاق عليه , فقال عليه السلام : « اليد العليا خير من اليد السفلى , وابدأ بمن تعول » ( متفق عليه ).
وعن ثوبان أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال : « أفضل دينار ينفقه الرجل دينار على عياله , ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله , ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله » قال أبو قلابة : بدأ بالعيال , وأيُّ رجلٍ أعظم أجرًا من رجلٍ ينفق على عيال صغار يعفّهم أو ينفعهم الله به . ( مسلم ).
بل إن النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، أذن للمرأة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه لتنفق على نفسها وولدها , إذا كان الرجل مقصرًا في ذلك .

حق الطفل في الميراث :
من محاسن التأصيل النبوي لحقوق الطفل أنه أثبت له الميراث بمجرد اكتمال ولادته , وانفصاله عن أمه حيًّا , فقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم : « إذا استهلَّ المولود ورث » ( أبو داود ) ولذلك لو مات المورّث عن حملٍ يرثه أُخِّر توزيع التركة لحين ولادته , فإن طالب بقية الورثة القسمة لم يعطوا كل المال , ووُقف للحمل جزء من المال بحسب درجة قرابته من الميت كلُّ ذلك شَكَّل حفظًا لحقوق هذا الطفل وهو لا يزال جنينًا في بطن أمّه .

حق الطفل في الرعاية الاجتماعية :
وهذا الحق يشمل الأطفال اليتامى والمحرومين والذين ينتمون إلى أسر فقيرة لا تستطيع الإنفاق عليهم وتأمين الحياة الطبيعية لهم , فهؤلاء يجب على الدولة ومؤسسات المجتمع كفايتهم والعناية بهم وقد قال، صلى الله عليه وسلم : « أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا , وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى » ( البخاري ).
وفي الحديث : « أبغوني ضعفاءكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم » ( أبو داود والنسائي ).

حق الطفل في المحافظة على ماله :
وهذا الحق أناطته الشريعة الإسلامية بكفلاء اليتامى والأولياء والأوصياء، فهم مسؤولون عن حفظ أموال الطفل وعدم تبديدها , وتسليمها له عند رشده كما قال تعالى : } وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم { ( النساء : 6 ) وحذر، صلى الله عليه وسلم، من تضييع حقوق اليتامى فقال : « اللهم إني أحرّجُ حقَّ الضعيفين : اليتيم والمرأة » ( ابن ماجه ) وقال لأبي ذر : « يا أبا ذر ! إني أراك ضعيفًا , وإني أحبُّ لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنَّ على اثنين , ولا تولين مال يتيم » ( مسلم ).