أسواق

الأسواق الشعبية في جدة

رائحة البخور وعبق التراث الحجازي

ما زالت رمزًا لجدة القديمة، وحافظة لهويتها، ومثبتة لجذورها، وبرهانًا على أصالتها .

• جدة : يوسف غريب

Jeddah_Market1

تميزت المنطقة التاريخية بجدة بكل ما تضم من مبانٍ وأسواق، بكونها وجهة حضارية وجزءًا مهمًا من الهوية الثقافية والحضارية للمدينة وللمملكة بأسرها، لما تحويه من تراث ثقافي ومعماري مميز .

  • على مشارفها يشم زوارها روائح الهيل، والقرفة، والزنجبيل، والزعفران، والقهوة العربية الأصيلة، والبخور

  • أسواق جدة الشعبية شهدت نشأة ألمع نجوم تجارة جدة والمملكة الذين قدم أغلبهم من حضرموت، فصاروا، لاحقًا، من كبار رجال الأعمال بجدة والمملكة

  • بعض رجال الأعمال الكبار بجدة ما زالوا يحتفظون بمحالهم الصغيرة التي شهدت انطلاقتهم التجارية هناك

تعج شوارع المنطقة التاريخية الضيقة مع نبض أسواقها بالحياة وبخطوات مرتاديها من مختلف الجنسيات سواء من المقيمين، أو السائحين، أو الحجاج والمعتمرين القادمين من خارج المملكة الذين لا بد أن يأخذهم الفضول للعبور بالمنطقة التاريخية في وسط البلد، حيث التجول سيرًا على الأقدام في أجواء تحتفظ بطابعها الشعبي الحجازي لزيارة أسواقها القديمة المشهورة، المتميزة بنوعية بضائعها وأسعارها .
« البدو » ، و « قابل » ، و « العلوي » ، و « الندى » ، و « الخاسكية » ، و « باب مكة » ، و « باب شريف » عناوين لها دلالاتها المفعمة بتراث مدينة جدة العريق، فهي تمثل أسماء أهم الأسواق الشعبية في المدينة، ومن أراد رؤية جدة الحقيقية، يجب عليه زيارة هذه الأسواق التي، بصرف النظر عن طبيعتها ونوعية بضائعها وأسعارها وكونها مفضلة من قبل بعضهم أو عدم استهوائها آخرين، تبقى، بحق، رمزًا لجدة القديمة، وحافظة لهويتها، ومثبتة لجذورها، وبرهانًا على أصالتها .

الماضي والحاضر

من أشهر الأسواق القديمة التي أصبح لها، أيضًا، « وجه حديث » سوق قابل، حيث شهدت تطورًا حتى في السلع التي تبيعها، فتلتقي فيها السلع القديمة بالحديثة، وهي محطة لا بد أن تجذب زوار المدينة للوقوف عليها والتبضع منها، وأهم بضائعها الأقمشة، والأحذية، والذهب، وجميع مستلزمات المناسبات من حلوى، وبن، وساعات كهربائية، وهي هدف حيوي لزوار المدينة قديمًا وحديثًا .
في سوق قابل تلمح الكثير من صور التجارة البسيطة لباعة يصعب أن نطلق عليهم صفة تجار . التعامل هنا له وجه آخر وروح أخرى، فيه شيء من الحس الإنساني، فأنت تشتري ما تريد مباشرة من صاحب البضاعة والمتربح منها، دون وسيط أو محاسب بيع، تشعر بما يعتريه من مشاعر فرح وهو يبيع لك، وتكاد تسمع نبضات قلبه تشكر ربها على هذا المكسب الزهيد .

باب مكة

تختص سوق باب مكة بالكامل بالمواد الغذائية والتموينية، بدءًا من تنكة التمر، إلى الحبوب المطحونة وغير المطحونة، والعسل بأنواعه، إلى الأواني المنزلية . وعلى جانبي أحد الطرق في سوق باب مكة تجد بعض الباعة ينشرون بضائعهم على الأرض، ولا سقف لهم إلا السماء . نوعية البضائع بطبيعتها غير مرتفعة القيمة، وتتركز على الخضراوات والفاكهة، بالإضافة إلى بعض المستلزمات المنزلية . وعلى امتداد الشارع الضيق للسوق ينتشر عدد كبير من محال اللحوم، ونوعيات معينة من البقالات التي تتركز معظم بضائعها حول الأجبان والزيتون .
تشعر وأنت تتجول في المكان بعبق الماضي، ونوعية التسوق هنا لا تستهوي الناس كلهم، وإنما لها روادها ومرتادوها والباحثون، دائمًا، عن الجذور .

سوق البدو

أهم أسواق جدة التاريخية، وتقع بالقرب من بوابة مكة التي كانت من مكة المكرمة وإليها، وقوافل المزارعين والإنتاج الزراعي من الحبوب والتمور وغيرها، وحتى صهاريج المياه كانت تفد منها وإليها عن طريق بوابتها .
والداخل من باب مكة، حاليًا، يلحظ وجود شارعين طويلين متفرعين أحدهما على ناحية اليمين يؤدي إلى سوق البدو، والآخر على ناحية الشمال، ويؤدي إلى سوق العلوي، ولكن المهم في سوق البدو هو أن الشارع الضيق الذي يقع عليه يقود إلى أقدم معلم في معالم جدة، وهو المسجد الجامع العتيق، كما أنها سوق معروفة بالعديد من الأنشطة، وتمتاز بوجود أعرق الأسر الجداوية .

القهوة العربية

ويرجع تاريخ سوق البدو، كما تشير كتب التاريخ، إلى 140 عامًا، وكانت في الأساس مخصصة لكل مستلزمات القهوة العربية الأصيلة، وكل من يقترب من هذه السوق يشم من بعد روائح الهيل، والقرفة، والزنجبيل، والزعفران، ثم تتوالى أقسام السوق المختلفة التي تضم الأقمشة، والبهارات، والحبوب، وكل ما كان يجذب سكان البادية .
بعد ذلك في تنظيم بدائي لكنه راقٍ جدًا . تميزت سوق البدو، فيما مضى، عن بقية الأسواق الشعبية ببضاعتها التي تحمل طابع البداوة . اليوم، ومع بعض التغيرات التي طرأت على السوق ما زالت البضائع نفسها تباع، ولكن لم تعد بضائع البادية موجودة كما في السابق .
وستخضع سوق البدو، طبقًا لخطط الهيئة العامة للسياحة والآثار لبرنامج لإعادة إحيائها ببعض ملامحها التاريخية القديمة، ومنها إعادة بيع الثياب البدوية النسائية عن طريق مشاغل نسائية محلية، وتشجيع من بقي من أصحاب محال تلميع الذهب والفضة على الاستمرار في هذه السوق، وهم يشهدون إقبالًا من الأجانب على شراء التحف الفضية القديمة الخاصة بأعراس بعض مناطق المملكة وقراها .

الأسواق الشعبية

قال الكاتب الصحافي محمد صادق دياب في كتابه « جدة .. التاريخ والحياة الاجتماعية »: إن تسمية السوق بهذا الاسم جاءت من اختصاصها ببيع أغراض البادية، بالإضافة إلى كثرة الزوار والمتسوقين الذين كانوا يأتون من الضواحي والصحارى القريبة .
وقد كانت للأسواق الشعبية بضاعتها الخاصة الفاخرة، أيضًا، فكما أن المراكز التجارية الكبرى في الوقت الحالي تسوق للماركات العالمية الشهيرة، والسلع المستوردة غالية الثمن، وتحرص النساء على اقتنائها من باب الوجاهة الاجتماعية، فإنها في جدة القديمة كانت تقتضي أن تذهب السيدة إلى سوق البدو أو غيرها من الأسواق الشعبية لتطلب من باعة الأقمشة قطعًا من القماش الفاخر والحرائر المطرزة التي تجلب من الهند، أو باكستان، أو مصر، أو المغرب، أو من أي مكان آخر، وقد تنتظر السيدة هذه القطعة لمدة عام كامل، إلا أن شعورها بالتميز عند ارتدائها القطعة، وأنه ليست هناك من تمتلك قطعة شبيهة، يجعلها تنتظر طوال هذه المدة بسعادة وترقب .

سوق الخاسكية

تعرف، أيضًا، بسوق « السبحية » ، حيث تكثر فيه محال بيع السبح، وتقع جنوب غرب شارع قابل، وتوجد فيها محال الفوالة، والمطاعم، والمطابخ والمطبقانية .
وتعد سوق الخاسكية من أهم محطات المقيمين ممن يعملون في جدة، وكذلك الزوار، والحجاج، والمعتمرين لشراء التذكارات مثل المسابح، والأواني الفخارية، والأقمشة، وغيرها من الأشياء التي تحفل بها محال السوق المحتفظة بطابعها الشعبي دون تحديث لها .

سوق العلوي

أما سوق العلوي فتعد الفاصل بين حارة المظلوم شمالًا وحارة اليمن جنوبًا بين شارع قابل وشارع سوق البدو، وتتميز سوق العلوي بعرض العديد من السلع والبضائع كالملابس، والبهارات، والمستلزمات المنزلية، وغيرها . أي أنها تشارك سوق البدو في العديد من بضائعها .

أسواق وخانات قديمة

بالإضافة إلى هذه الأسواق الرئيسة، ظهرت في جدة القديمة بعض الأسواق والخانات المعروفة أهمها : سوق السمك « البنقلة » ، وسوق الجزارين بالنوارية، وتقع في نهاية شارع قابل، والسوق الكبيرة، وتباع فيها الأقمشة، وسوق الحبابة وتقع في باب مكة، وسوق الجامع نسبة إلى جامع الشافعي، وسوق الحراج « المزاد العلني » ، في باب شريف، وسوق العصر وتقع في باب شريف ويقام عصر كل يوم، وسوق البرادعية وكانت تصنع فيها برادع الحمير والبغال، وسروج الخيل عند عمارة الشربتلي، وسوق باب شريف وتباع فيها الأقمشة، بالإضافة إلى الخانات في جدة القديمة، والخان هو ما يسمى بالقيسارية، أي السوق التي تتكون من مجموعة محال تفتح وتغلق على بعضها أهمها : خان الهنود، وخان القصبة .

تجار جدة

شهدت أسواق الخاسكية وشارع قابل نشأة ألمع نجوم تجارة جدة الذين قدم أغلبهم من حضرموت، فصاروا لاحقًا من كبار رجال الأعمال بجدة والمملكة، أمثال : باخشوين، وباشماخ، والمحضار، والعمودي، وابن محفوظ .
ومن سوق البدو بدأ بعض كبار رجال الأعمال، حاليًا، مزاولة التجارة، وبعضهم ما زال يحتفظ بمحله الصغير الذي شهد انطلاقته التجارية هناك، ومن أشهر تجاره باعشن، وباربيع، وباناجة، وغيرهم .