أماكن |
||||||||
سور الأزبكية • القاهرة : شريف عبدالمنعم هنا تجد الباحثين، والكتاب، والمثقفين، والمفكرين، وطلاب العلم، يتجولون، بل يذوبون بين كميات كتب هائلة تحوي صنوفًا شتى ومتنوعة ما بين الدين، والثقافة، والتاريخ، والجغرافيا، والهندسة، والرياضيات، والروايات العربية، والأجنبية، والمترجمة . هذه هي الحال في « سور الأزبكية » ، السوق العتيقة للكتب الجديدة والمستعملة في مصر، وكل ما يمكن أن يبحث عنه طالب علم أو معرفة .
في « سور الأزبكية » بمنطقة « العتبة » وسط القاهرة تجد رائحة التراث والورق الأصفر تفوح من المكان، تنفض الغبار من على أحد الكتب فتجده ديوانًا للمتنبي، أو المعري، أو رواية لنجيب محفوظ، أو كتابًا للعقاد، أو السحرتي . تتلفت بأنظارك يمينًا ويسارًا فتجد روايات شكسبير، وديكنز، وديستوفيسكي، وتولستوي، وغيرهم من عمالقة الأدب العالمي . كتب متنوعة تحتوي مكتبات السوق على كميات كبيرة من الكتب في صنوف شتى ومتنوعة بين الدين، والثقافة، والتاريخ، والجغرافيا، والهندسة، والرياضيات، والروايات العربية، والأجنبية، والمترجمة، والكتب الدراسية، وكل ما يمكن أن يبحث عنه طالب علم أو معرفة، كما تبيع بعض هذه المكتبات الأعداد الأولى والقديمة للمجلات والصحف المصرية والعربية، خصوصًا الأعداد التي تروي لحظات مهمة في تاريخ الأمة . نشأة السوق لنشأة سور الأزبكية قصة طريفة بدأت أحداثها في ثلاثينيات القرن الماضي وقت أن كانت القاهرة تعج بحركة أدبية أفرزت عشرات الكتاب والأدباء على رأسهم عباس العقاد، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، والسحرتي، وغيرهم الكثير من الأدباء الذين تركوا لنا ذكرى وإرثًا من أطيب ما يتركه الإنسان ألا وهو العلم . كان الباعة يتوجهون إلى الأزبكية للاستراحة والاحتماء بظل الأشجار التي كانت تملأ المكان، وبعضهم كان يعرض كتبه في أثناء ذلك الوقت، حيث كانت المقاهي تغلق أبوابها، فانجذب المارة إليهم، واكتشف الباعة أن ما يبيعونه في هذا الوقت بهذه المنطقة أكثر مما يبيعونه طول النهار، فاستقروا بهذا المكان، وكانت قوات الشرطة تطاردهم باستمرار بوساطة خراطيم المياه، لتبعدهم عن تلك المنطقة، بسبب ملاصقتها لدار الأوبرا الملكية . بعد ذلك تم منحهم أكشاكًا ومكتبات لبيع الكتب، وظلت الحال هكذا إلى أن إنشئ كوبري الأزهر العلوي، فتم نقل الباعة إلى شارع 26 يوليو، ثم جاء النقل الثاني أوائل التسعينيات الماضية بالقرب من جامع الأزهر الشريف، بسبب البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من مترو الأنفاق، وبعد سنوات عدة، عادوا إلى مكانهم بالأزبكية مرة أخرى . الكتب القديمة يعد السور مقصدًا لفئات عديدة منها الباحثون عن الكتب القديمة التى لا توجد إلا في هذا السور، والكُتَّاب، والأدباء الذين في طريقهم إلى تكوين مكتباتهم الخاصة، كذلك الراغبون في شراء الكتب الجديدة بأسعار زهيدة، والآباء الذين يبحثون عن قصص أو روايات مفيدة لأطفالهم، وطلاب العلم الذين يبحثون عن الكتب الدراسية، بالإضافة إلى طبقة المثقفين والمهتمين بالمعرفة والأدب الذين يداومون على الذهاب إلى السور لاقتناص ما تقع عليه أيديهم من كنوز الكتب القديمة . « الأغاني » للأصفهاني وعن سور الأزبكية يحكي الروائي خيري شلبي أن علاقته مع السور بدأت منذ دخوله عالم الكتابة قبل نحو أربعة عقود، فمنه كون مكتبته الضخمة التي تحوي آلاف الكتب من بينها دواوين أبي العلاء المعري، والمتنبي، والكتب التراثية في طبعاتها القديمة مثل : « الأغاني » للأصفهاني، و « البيان والتبيين » ، و « الحيوان » للجاحظ، وموسوعة مصر القديمة لسليم حسن، و « قصة الحضارة » لـوول ديورانت، ومعظم الكتب التي ترجمتها دار « اليقظة » اللبنانية من الأدب الروسي إلى اللغة العربية . مصادر الكتب هناك مصادر خاصة يجلب منها الباعة بسور الأزبكية ما يعرضونه من كتب، وروايات، ومجلدات في شتى المجالات، فالأمر لا يقتصر بالطبع على ما يتلقونه من دور النشر، فلو أنهم اعتمدوا على ذلك لما استطاعوا عرض بضاعتهم بهذا السعر الرخيص . قيمة ثقافية كانت تلك القيمة الثقافية المهمة لسور الأزبكية سبًبا في أن قامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بتخصيص جزء من معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يقام على أرض المعارض أوائل كل عام لباعة السور، يعرضون فيه بضاعتهم وينافسون كبريات دور النشر التي تقيم أجنحة ضخمة بالمعرض . إلى مكان آخر والآن يتم الإعداد لنقل سور الأزبكية إلى مكان آخر بالقرب من الموقع الحالي، نظرًا للبدء في تنفيذ المرحلة الثالثة من مترو الأنفاق، ويعترض بعض التجار على هذا النقل، لأن المساحة ضيقة ولا ترقى بأية حال لأن تكون مكانًا لمثل هذا الكنز الثقافي، والحضاري، والمعرفي، ولسان حال باعة الكتب يتساءل : متى نستقر؟ ! قيمة أدبية إذا كانت ذاكرة المدن هي مبانيها، وأحياؤها التاريخية، ومعالمها القديمة، فإن الحفاظ عليها يعد مطلبًا مهمًا في سبيل الاحتفاظ بذاكرة المدن قوية ومنتعشة، ومن هنا يعد الحفاظ على « سور الأزبكية » ضرورة، كقيمة أدبية، ومعرفية، وثقافية في المجتمع المصري، أسهمت في تشكيل وعيه وثقافته على اختلاف طبقاته وأجياله .
|
||||||||
|
||||||||