أماكن

سور الأزبكية

سوق دائمة للكتاب

كنوز من الكتب لا تقدر بثمن، ومعين ثقافي لا ينضب، وأحد معالم الذاكرة الثقافية لمصر.

• القاهرة : شريف عبدالمنعم

Past_pic2

هنا تجد الباحثين، والكتاب، والمثقفين، والمفكرين، وطلاب العلم، يتجولون، بل يذوبون بين كميات كتب هائلة تحوي صنوفًا شتى ومتنوعة ما بين الدين، والثقافة، والتاريخ، والجغرافيا، والهندسة، والرياضيات، والروايات العربية، والأجنبية، والمترجمة . هذه هي الحال في « سور الأزبكية » ، السوق العتيقة للكتب الجديدة والمستعملة في مصر، وكل ما يمكن أن يبحث عنه طالب علم أو معرفة .

  • مقصد لفئات عديدة منها الباحثون عن الكتب التي لا توجد إلا فيه

  • حوى مكتبات الكثير من المشاهير، وارتاده محفوظ، والعقاد، وحقي، وزويل

  • لولا السور لما ظهر جيل الستينيات الذي برع منه العديد من المثقفين في فنون الفكر والإبداع المختلفة

في « سور الأزبكية » بمنطقة « العتبة » وسط القاهرة تجد رائحة التراث والورق الأصفر تفوح من المكان، تنفض الغبار من على أحد الكتب فتجده ديوانًا للمتنبي، أو المعري، أو رواية لنجيب محفوظ، أو كتابًا للعقاد، أو السحرتي . تتلفت بأنظارك يمينًا ويسارًا فتجد روايات شكسبير، وديكنز، وديستوفيسكي، وتولستوي، وغيرهم من عمالقة الأدب العالمي .
تكمن أهمية هذه السوق التاريخية الشهيرة في أنها شكلت وعي أجيال عديدة من المجتمع على اختلاف فئاتها وطبقاتها، نظرًا لتنوع الكتب المعروضة فيها من ناحية، وأسعارها الزهيدة من ناحية أخرى، ولذا فقد نالت مكانتها الكبيرة تلك لدى كل مواطن مصري وعربي يبحث عن العلم والمعرفة في مختلف فروعهما .

كتب متنوعة

تحتوي مكتبات السوق على كميات كبيرة من الكتب في صنوف شتى ومتنوعة بين الدين، والثقافة، والتاريخ، والجغرافيا، والهندسة، والرياضيات، والروايات العربية، والأجنبية، والمترجمة، والكتب الدراسية، وكل ما يمكن أن يبحث عنه طالب علم أو معرفة، كما تبيع بعض هذه المكتبات الأعداد الأولى والقديمة للمجلات والصحف المصرية والعربية، خصوصًا الأعداد التي تروي لحظات مهمة في تاريخ الأمة .
معظم الباعة هنا توارثوا مهنة بيع الكتب عن آبائهم وأجدادهم، ولذا فإنهم متقنون أعمالهم جدًا، ويفهمون طبيعة كل كتاب وقيمته بمجرد رؤية العنوان أو الغلاف، وكثيرًا ما يساعدونك في جلب ما تريده إن كنت تبحث عن شيء معين، أو يوجهونك إلى كتاب أفضل منه، ما يسهل عليك الوصول إلى ما تريده بكل يُسر .

نشأة السوق

لنشأة سور الأزبكية قصة طريفة بدأت أحداثها في ثلاثينيات القرن الماضي وقت أن كانت القاهرة تعج بحركة أدبية أفرزت عشرات الكتاب والأدباء على رأسهم عباس العقاد، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، والسحرتي، وغيرهم الكثير من الأدباء الذين تركوا لنا ذكرى وإرثًا من أطيب ما يتركه الإنسان ألا وهو العلم .
كان باعة الكتب يطوفون منذ بداية النهار في منطقة وسط القاهرة ومقاهي المثقفين التي كانت منتشرة حينها مثل مقهى ريش، ومقهى البستان، وحينما تأتي الظهيرة يلجأون إلى الراحة في حديقة الأزبكية القريبة من وسط القاهرة، والتي كانت في الأصل بركة مياه أنشأها الأمير أزبك، قائد جيش السلطان قايتباي، منذ نحو سبع مئة عام، وكانت محاطة بأفخم الحدائق وأروعها في مصر قبل أن يأمر الخديو إسماعيل بردمها وإقامة دار الأوبرا الملكية على جزء منها، والتي أنشأت خصيصًا للاحتفاء بملوك العالم الذين وقادته جاءوا إلى مصر لحضور حفل افتتاح قناة السويس .

كان الباعة يتوجهون إلى الأزبكية للاستراحة والاحتماء بظل الأشجار التي كانت تملأ المكان، وبعضهم كان يعرض كتبه في أثناء ذلك الوقت، حيث كانت المقاهي تغلق أبوابها، فانجذب المارة إليهم، واكتشف الباعة أن ما يبيعونه في هذا الوقت بهذه المنطقة أكثر مما يبيعونه طول النهار، فاستقروا بهذا المكان، وكانت قوات الشرطة تطاردهم باستمرار بوساطة خراطيم المياه، لتبعدهم عن تلك المنطقة، بسبب ملاصقتها لدار الأوبرا الملكية .
ورغم هذه المشاغبات مع رجال الشرطة إلا أن الباعة لم يتركوا مكانهم المفضل، وتمسكوا بموقفهم هذا إلى أن قام رئيس الوزراء الوفدي مصطفى النحاس في أربعينيات القرن الماضي بمنحهم تراخيص لبيع الكتب في هذه المنطقة التي عُرفت، منذ ذلك الوقت وإلى الآن، بـ « سور الأزبكية ».

بعد ذلك تم منحهم أكشاكًا ومكتبات لبيع الكتب، وظلت الحال هكذا إلى أن إنشئ كوبري الأزهر العلوي، فتم نقل الباعة إلى شارع 26 يوليو، ثم جاء النقل الثاني أوائل التسعينيات الماضية بالقرب من جامع الأزهر الشريف، بسبب البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من مترو الأنفاق، وبعد سنوات عدة، عادوا إلى مكانهم بالأزبكية مرة أخرى . Al_azbkia2

الكتب القديمة

يعد السور مقصدًا لفئات عديدة منها الباحثون عن الكتب القديمة التى لا توجد إلا في هذا السور، والكُتَّاب، والأدباء الذين في طريقهم إلى تكوين مكتباتهم الخاصة، كذلك الراغبون في شراء الكتب الجديدة بأسعار زهيدة، والآباء الذين يبحثون عن قصص أو روايات مفيدة لأطفالهم، وطلاب العلم الذين يبحثون عن الكتب الدراسية، بالإضافة إلى طبقة المثقفين والمهتمين بالمعرفة والأدب الذين يداومون على الذهاب إلى السور لاقتناص ما تقع عليه أيديهم من كنوز الكتب القديمة .

« الأغاني » للأصفهاني

وعن سور الأزبكية يحكي الروائي خيري شلبي أن علاقته مع السور بدأت منذ دخوله عالم الكتابة قبل نحو أربعة عقود، فمنه كون مكتبته الضخمة التي تحوي آلاف الكتب من بينها دواوين أبي العلاء المعري، والمتنبي، والكتب التراثية في طبعاتها القديمة مثل : « الأغاني » للأصفهاني، و « البيان والتبيين » ، و « الحيوان » للجاحظ، وموسوعة مصر القديمة لسليم حسن، و « قصة الحضارة » لـوول ديورانت، ومعظم الكتب التي ترجمتها دار « اليقظة » اللبنانية من الأدب الروسي إلى اللغة العربية .
ومن الكُتَّاب الذين كانت لهم علاقة وطيدة بالسور، أيضًا، الأديب والروائي يوسف القعيد الذي يرى أن سور الأزبكية كان من أهم العوامل التي شكلت وعي الطبقة المثقفة المصرية وفكرها منذ إنشائه وحتى الآن، ولولا السور لما ظهر جيل الستينيات الذي برع منه العديد من المثقفين في فنون الفكر والإبداع المختلفة، الأمر الذي جعل للسور تلك القيمة الثقافية والحضارية المهمة التي يحتلها في حياتنا .

مصادر الكتب

هناك مصادر خاصة يجلب منها الباعة بسور الأزبكية ما يعرضونه من كتب، وروايات، ومجلدات في شتى المجالات، فالأمر لا يقتصر بالطبع على ما يتلقونه من دور النشر، فلو أنهم اعتمدوا على ذلك لما استطاعوا عرض بضاعتهم بهذا السعر الرخيص .
ومن أهم مصادر هؤلاء الباعة من الكتب القديمة مكتبات المشاهير الذين يتوفون ويتركون إرثهم الثمين المكون من مئات الكتب التي ظلوا يجمعونها طوال عمرهم وتؤول إلى الورثة بعدهم الذين يبيعونها بالكيلو جرام، أو يذهب إليهم أحد تجار السوق ويشتري المكتبة بأكملها عن طريق « الشروة الواحدة » ، وكان من أشهر المكتبات التي بيعت في سور الأزبكية مكتبة الكاتب الراحل عباس محمود العقاد، وحدث الأمر نفسه مع مكتبات الرئيس المصري الراحل محمد نجيب، والكاتب سلامة موسى .

قيمة ثقافية

كانت تلك القيمة الثقافية المهمة لسور الأزبكية سبًبا في أن قامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بتخصيص جزء من معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يقام على أرض المعارض أوائل كل عام لباعة السور، يعرضون فيه بضاعتهم وينافسون كبريات دور النشر التي تقيم أجنحة ضخمة بالمعرض .
وعلى الرغم من أن باعة السور ليست لهم الأجنحة الفخمة ذاتها، بل يضعون كتبهم على مناضد عادية جدًا، أو يفترشون بها الأرض، فإن هذا الفرع يحظى بحركة شراء كثيفة ورائجة من مرتادي المعرض الذين يتهافتون على شراء كل ما تقع عليه أيديهم من الكتب التراثية، والروايات العربية والأجنبية، وما إلى ذلك من المعروضات .

إلى مكان آخر

والآن يتم الإعداد لنقل سور الأزبكية إلى مكان آخر بالقرب من الموقع الحالي، نظرًا للبدء في تنفيذ المرحلة الثالثة من مترو الأنفاق، ويعترض بعض التجار على هذا النقل، لأن المساحة ضيقة ولا ترقى بأية حال لأن تكون مكانًا لمثل هذا الكنز الثقافي، والحضاري، والمعرفي، ولسان حال باعة الكتب يتساءل : متى نستقر؟ !

قيمة أدبية

إذا كانت ذاكرة المدن هي مبانيها، وأحياؤها التاريخية، ومعالمها القديمة، فإن الحفاظ عليها يعد مطلبًا مهمًا في سبيل الاحتفاظ بذاكرة المدن قوية ومنتعشة، ومن هنا يعد الحفاظ على « سور الأزبكية » ضرورة، كقيمة أدبية، ومعرفية، وثقافية في المجتمع المصري، أسهمت في تشكيل وعيه وثقافته على اختلاف طبقاته وأجياله .