سياحة

 

tallin1

تالين عاصمة إستوني

مدينة معتدة بحضارتها

عبق الماضي يفوح من أحيائها، ومنظمة اليونسكو أعلنتها واحدة من المواقع التراثية العالمية.

 

• بقلم : فيرونيكا ماريا جاربوت
• ترجمة : إيمان عبدالواحد

رنين الهواتف النقالة، وأصوات أبواق السيارات، وأحدث أنواع الحواسيب المحمولة التي تراها في كل مكان، تعلن عن حضارة القرن الحادي والعشرين في مدينة تالين ( Tallin ) عاصمة إستونيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وهي مظاهر لم تكن معروفة لدى العامة قبل عشرين عامًا . بالإضافة إلى انتشار الاتصالات اللاسلكية عبر الشبكة العنكبوتية « الإنترنت » التي أصبحت تغطي جميع أرجاء العاصمة الإستونية، وهي المدينة المعتدة بحضارتها، والمصممة على المضي قدمًا في ترك بصماتها على الاتحاد الأوروبي مع احتفاظها بعبق الماضي الذي يفوح في أرجاء البلدة القديمة التي أعلنتها منظمة اليونسكو واحدة من المواقع التراثية العالمية .

  • في القرن الثالث عشر الميلادي أصبحت مدينة تالين مركزًا تجاريًا مهمًا، حيث شهدت تدفق رجال الأعمال والنبلاء الأوروبيين

  • تعد تالين إحدى قرى العصور الوسطى الحصينة وأحد أهم الموانئ الشرقية

  • يقف الجزء الشمالي من وسط المدينة والمعروف باسم « تومبيا » شاهدًا على معالم العصور الوسطى الرائعة التي لا تزال تحتفظ برونقها حتى الآن

في عام 1154 من الميلاد وصف العالم العربي الإدريسي، رائد علوم الجغرافيا الشهير، مدينة تالين للمرة الأولى ثم أطلق عليها اسم كولوفان ( Kolovan ). وبالنسبة للإسكندنافيين كان اسمها لينداناس ( Lindanas ) ثم سماها الألمان ريفال ( Reval ). ويقال إن اسم تالين مشتق من كلمة « تاني لين » ( Taani Linn ) والتي تعني « المدينة الدانماركية » ويرجع تاريخها إلى أيام الحكم الدانماركي للمدينة . وتقترب اللغة الإستونية من اللغة الفنلندية، كما تشهد إستونيا توسعًا في استخدام اللغة الإنجليزية كلغة ثانية مثل غيرها من الجمهوريات السوفيتية السابقة .

وفي القرن الثالث عشر الميلادي أصبحت مدينة تالين مركزًا تجاريًا مهمًا، حيث شهدت تدفق رجال الأعمال والنبلاء الأوروبيين من كل حدب وصوب للعمل بالتجارة . وتعد تالين إحدى قرى العصور الوسطى الحصينة، وإحدى أهم الموانئ الشرقية في هذه المنطقة التي ترد إليها أنواع البضائع كافة من الأماكن القصية كالقارة الإفريقية مثلاً . وما زالت المدينة، حتى اليوم، تتميز بأنها مدينة تزدهر فيها التجارة، حيث تقف القلاع الباقية من العصور الوسطى شاهدة على حضارتها وتقاليدها .

وقد بلغت معدلات النمو في المدينة في السنوات الأخيرة أكثر من خمسة بالمئة، حيث أصبحت أهم معبر لتصدير البترول الروسي .

ومن أهم ملامح هذه المدينة العصرية أنها عاصمة شابة نشطة وطموحة مسلحة بأحدث التقنيات، ومستعدة لاقتحام عالم التجارة خارج حدودها مع أوروبا الغربية، ودول الشرق الأوسط، وباقي دول العالم على حد سواء .Tallin2

وقد وصفت صحيفة الفينانشيال تايمز البريطانية ( The Financial Times ) المدينة بأنها غريبة ومتميزة مثل هونج كونج .

ويتميز وسط مدينة تالين بصغر المساحة وتقارب الأطراف بحيث يمكنك أن تجوبه مشيًا على الأقدام . ويمكنكم الوصول إلى هناك باستخدام سيارات الأجرة التي تنتظر خارج أسوار المطار ويتقاضى سائقوها عشرة دولارات أمريكية مقابل هذه الخدمة التي تستغرق عشر دقائق فقط . وتتوافر بالمدينة وسائل المواصلات العامة التي تعمل بكثافة، لكنها ليست بالكفاءة المطلوبة .

ويمكن لزوار المدينة استخدام خطوط الترام، والتروللي باص، والباصات العادية للتنقل فيها بعد شراء البطاقات من كبائن المحطات الخاصة بهذه الوسائل . أما سيارات الأجرة فهي مزودة بعدادات لحساب قيمة الانتقال، وهو ما يجب على الزائر أن يلزم السائق به منذ لحظة صعوده إلى المركبة . وتصطف هذه السيارات في مواقف خاصة في شارع ( Viru Valjak ) بجوار مبنى مسرح الدولة .

وتقع الأحياء القديمة في وسط العاصمة تالين، حيث كانت تحيط بها بوابات المدينة من كل جانب . ويقف الجزء الشمالي من وسط المدينة، والمعروف باسم تومبيا، شاهدًا على معالم العصور الوسطى الرائعة التي لا تزال تحتفظ برونقها حتى الآن، وهو ما يميز هذه المدينة عن أي مكان آخر في شمال أوروبا .

وعند قيامكم بزيارة مدينة تالين لا يفوتكم الذهاب إلى قلعتها، وهي المقر الرسمي للحكومة الإستونية، ولا تنسوا زيارة حديقة ملك الدانمارك . وتعد الأماكن المطلة على تلة تومبيا أفضل المواقع التي يمكنكم مشاهدة بانوراما كاملة لمعالم المدينة من خلالها، كما يمكن لهواة التصوير التقاط المناظر الرائعة من المكان نفسه .

ويعد الجزء الجنوبي من المدينة، ميدان دار البلدية ( Town Hall Square ) المرصوف كاملاً بالحصى، محور الحياة في المدينة منذ بدء النشاط التجاري فيها، بينما يقف الطراز المعماري القوطي لدار البلدية الواقعة جنوب الميدان شاهدًا على ماضي المدينة الذي يعود إلى العصور الوسطى، بينما يرجع تاريخ « دار الدواء » في مبنى مجلس المدينة إلى مئات السنين، لكنها لا تزال تقدم خدماتها للجمهور حتى اليوم . ويشغل متحف آجالو ( Ajaloo ) مبنى مجمع النقابات الكائن في 17 شارع بيك ( Pikk ) وهو متحف يعرض تاريخ البلاد حتى منتصف القرن التاسع عشر .

والمتجهون شمالًا على امتداد هذا الشارع يلحظون أنه كان أحد الشوارع التجارية المهمة في المدينة . أما الشارع الموازي له، شارع لاي ( Lai ) ، فهو مليء بالحرفيين المهرة، وفيه يقع متحف الفنون التطبيقية في المبنى رقم 17 الذي كان مقرًا سابقًا لأحد المعارض الفنية . وبالقرب منه يقع مبنى كان مقرًا لنقابة التجار العازبين الذين لعبوا دورًا مهمًا في تاريخ مدينة تالين في العصور الوسطى . ويقع أحد مخارج البلدة القديمة عبر البرجين التوأم ( Viru Gate ) اللذين يقع خلفهما مجموعة من المباني الحديثة ذات الواجهات الزجاجية المعدنية تضم فنادق، وبنوكًا، ومكاتب، ومتاجر كبرى، ومحطة الباص الرئيسة في المدينة، وإلى الشمال يقع الميناء الذي تبحر منه العبارات والمراكب .

ومن موقعك في وسط المدينة يمكنك أن تستقل الباص للوصول إلى متنزه كادريورج ( Kadriorg ) المنبسط في هدوء وروعة، حيث شيده القيصر الروسي بيتر الأكبر من تصميم المعماري الإيطالي نيكولو ميشيتي ( Niccolo Michetti ) في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي ليتوسطه القصر الكبير من العمارة الباروكية الذي بني خصيصًا لزوجة القيصر الإمبراطورة كاثرين، والذي يستعيد أمجاده السابقة من خلال استضافته لمتحف الفنون . ويقع خلفه مباشرة القصر الرئاسي الذي يجاوره متحف منزل القيصر بيتر الأول وهو الكوخ الذي قضى فيه أيامه الأولى في أثناء زياراته للمدينة، ويعرض فيه بعض المقتنيات الخاصة به، والتي قد تشد انتباه الزائرين .

وقد تم الانتهاء من ساحة مهرجان الأغنية في كادريورج عام 1960 ، والتي تعد إحدى معالم العمارة الحديثة في تالين، بالإضافة إلى متحف كومو للفن الحديث، وهو متحف رائع صمم على هيئة سفينة ركاب عملاقة . ويقف هذان المتحفان دليلاً على امتزاج الفن الحديث بالمعاصر في إستونيا . وجدير بالذكر أن غالبية المتاحف في مدينة تالين تغلق أبوابها يومي الإثنين والثلاثاء من كل أسبوع، وأيام العطلات الرسمية .Tallin3

والمتجه شرقًا من منطقة كارديورج ( Kardriorg ) ينتقل إلى منطقة بيريتا ( Pirita ) وهي منتجع يتميز بشواطئه الرملية، وأشجار الصنوبر الكثيفة، والمطاعم الفاخرة، ومركز اليخوت الذي بني خصيصًا من أجل دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في موسكو عام 1980 « حين كانت إستونيا جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ». وفي موسم الصيف، يمكن للسائح أن يستأجر أحد قوارب التجديف بجوار الجسر الذي تتقاطع عنده منطقة ( Pirita tee ) الخضراء الرائعة مع مسار النهر، أو يمكنه تأجير ألواح التزلج، أو ممارسة القفز الحر بالمظلات، أو رياضة الجولف في الملاعب المصغرة المعدة لهذا الغرض . وينصح بالتنزه على الأقدام عبر منطقة ( Pirita tee ) للاستمتاع بمشهد غروب الشمس الفريد على خليج فنلندا في صورة ساحرة بديعة .

وعلى بعد ستة كيلومترات من وسط مدينة تالين وبالقرب من منطقة روكا أل ماري ( Rocca al Mare ) يقع متحف إستونيا المفتوح الذي يضم نماذج للمباني الخشبية والطواحين بأنواعها « الهواء والماء » ، وغيرها من مظاهر الحياة الريفية السائدة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين . وللبعد عن أجواء المدينة، يمكن للسائح، أيضًا، أن يستمتع بالعروض الموسيقية والغنائية على الطريقة التقليدية التي يقيمها المتحف احتفالًا بالعطلات الشعبية .

ويمكنكم الاستمتاع بالأطعمة الريفية التقليدية مثل الخبز، وأسماك الرنجة التي يشتهر بها بحر البلطيق، والثريد، والحليب، والبازلاء، واللحوم . وعبر سنوات عديدة، تأثر المطبخ التقليدي بالمطبخ الدانماركي والألماني والروسي . فعلى سبيل المثال، عرف المطبخ الإستوني ثمار البطاطس في القرن السابع عشر الميلادي . والآن تجدها قاسمًا مشتركًا بين جميع الوجبات على المائدة الإستونية . وللخبز الأسمر مكانة خاصة على تلك المائدة، حتى إن السكان المحليين يفضلون تناول اللحوم فقط لاستكمال وجبة الخبز .

ويعد مطعم « البيت الإستوني » ( Eesti Maja ) ، الذي يقع بجوار وزارة الخارجية، من أفضل المطاعم التي تقدم أنواع الطعام التقليدية مثل لحم الضأن مع صلصة الثوم والنعناع، ولحم الظباء المشوي وأسماك الرنجة . ولا يجب أن يفوتكم تجربة تناول شوربة الفاصوليا في الهواء الطلق في ساحات متحف الفن الإستوني المفتوح، فهي تجربة لا يضاهيها متعة سوى التنزه على شاطئ بيريتا .Tallin4

وفي البلدة القديمة، فإن مطعم أولد هانزا ( Olde Hansa ) ذائع الصيت يقدم الطعام التقليدي من العصور الوسطى في بلدان بحر البلطيق . وإذا كنتم من عشاق المأكولات البحرية، فيمكنكم الذهاب إلى مطعم موكالا ( Mookkala ) الذي يقدم أسماك القرش مع صلصة ثمار الكرز وأسماك السيف . أما محبو الطعام على الطريقة الروسية فعليهم التوجه إلى مطعم كلافيرا ( Klafira ). ويقدم أحد أوائل المطاعم الأجنبية التي فتحت أبوابها في مدينة تالين المأكولات على الطريقة الهندية وهو مطعم مهراجا ( Mahrajah ). كما يتوفر في المدينة العديد من المطاعم التي تقدم المأكولات من جميع أنحاء العالم مثل المطاعم الفرنسية، والإيطالية، والتايلاندية، وكذلك التركية، إذ يقول المثل الإستوني الشائع : « يمكنك أن تبهج المعدة ».

والتسوق في تالين واحد من الأنشطة الممتعة في هذه المدينة التي يقل فيها أعداد المتسوقين، لكن البيع والشراء يجري على نطاق ضيق هناك، ومن أفضل المشتريات في تالين السترات يدوية الصنع، والملابس القطنية، ومنتجات السيراميك، وأبسطة الحوائط الملونة، والأشغال الفنية المحلية، والمجوهرات يدوية الصنع، وحلوى اللوز والسكر، وأسطوانات الموسيقا الإستونية . ولشراء المشغولات الفنية والحرفية، يمكنكم التوجه إلى ممر كاترينا ( Katrina Passage ) المتفرع من شارع فين ( Vene Street ) ، حيث تباع الجلود، والزجاجيات، والقبعات، والأغطية اليدوية . أما محترفو المساومة على الأسعار فيمكنهم الذهاب إلى سوق المدينة . ويعد متجر ستوكمان ( Stockmann ) القريب من هذه السوق، أفضل المتاجر الكبرى، وكذلك متجر فيرو كيسكوز ( Viru Keskus ) ، وهو أشهر مراكز التسوق في وسط مدينة تالين . وتفتح المحال والمتاجر أبوابها من الساعة العاشرة صباحًا حتى السادسة مساء .

وإذا رغبتم في زيارة تالين، فلا يفوتكم قضاء يوم أو يومين على شاطئ البحر في منتجع بارنو ( Parnu ) الذي يبعد عن المدينة بنحو ساعتين على طريق ريجا ( Riga ) « كان في السابق الميناء البحري للدولة ليصبح العاصمة الصيفية لها الآن ». وأهم ما يميز هذا المنتجع الراقي المحاط بالأشجار من كل جانب، أنه يمتد بطول الشاطئ الرملي على مسافة سبعة كيلومترات خلف أشجار الليمون والبيوت الخشبية والفيلات التي شيدت على الطراز المعماري السائد بعيد الحرب العالمية الأولى « طراز الباوهاوس » ( Bauhaus ) ، والفنادق المبنية على الطراز الحديث .