April_09Banner

حوار


مدير جمعية إبصار:
سنختصر الزمن ونصل إلى العالمية
كلما وصلنا إلى مرحلة عددناها نقطة انطلاق للمرحلة التالية.

Dialouge1_April

• الرياض: أحمد أحمد صيام

من مكان صغير لا تتجاوز مساحته عدة أمتار، انطلقت جمعية «إبصار» الخيرية. وبصدق التوجه، والرغبة في الريادة، والشعور برسالة واجبة، استطاعت أن تلفت الأنظار وتقنع الجميع بدورها الفعال. في السطور التالية نحاور الأستاذ محمد توفيق بلو، مدير الجمعية وصاحب فكرتها الذي عاش التجربة مع ما فيها من معاناة وسجلها في كتاب «حصاد الظلام».

5 سنوات على ولادة فكرة إبصار.. نبدأ من نقطة البداية.. متى برزت فكرة «جمعية إبصار الخيرية»؟
بفضل الله تعالى انطلقت إبصار كفكرة أوليّة في شهر مارس عام 2001 من مكتب معالي رئيس البنك الإسلامي د.أحمد محمد علي, وبعد ذلك انتقلت إلى مستشفيات مغربي ومراكزه كفكرة أوليّة للبحث والدراسة وذلك بناءً على موافقة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز, رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية «أجفند»، حيث عدّ سموه آنذاك أن فكرة مشروع مركز لتأهيل المعاقين بصريًا يندرج تحت أولويات «أجفند» التي تعد منظمة غير حكومية تعنى بالتنمية في دول مجلس التعاون وبصفة عامة في الدول النامية، ونظرًا لارتفاع نسبة المعاقين بصريًا عُدّ هذا المشروع أحد أولويات برنامج الخليج، وأيضًا نال دعم البنك الإسلامي للتنمية ومستشفيات مغربي ومراكزه. وخلال سنة من انطلاق المكتب في مارس 2001 أصبح للجمعية كيان رسمي ذو صفة اعتبارية مسجّلة في وزارة الشؤون الاجتماعية، وتم تأسيسه بفضل الله تعالى في ليلة مباركة هي العاشر من رمضان عام 1424هـ الموافق 5 نوفمبر 2003م، وأعلنت بهدف تقديم الخدمات للمعاقين بصريًا، وتأهيل القدرات المتخصصة في مجال الإعاقة البصرية، وتقديم الدعم والأبحاث والدراسات التي تطور خدمات الإعاقة البصرية بالمملكة العربية السعودية.Dialouge2_April

هل هناك بواعث ملحّة؟
بالتأكيد، فالإعاقة البصرية من حيث الرقم الإحصائي تمثل مشكلة على مستوى دول العالم النامية، وأيضًا على مستوى العالم بصفة عامة، إذ تؤكد الإحصاءات الصادرة عن الوكالة الدولية لمكافحة العمى المنبثقة عن منظمة الصحة العالمية أن إجمالي المعاقين بصريًا في الوقت الراهن قد تجاوزوا 300 مليون إنسان مصنفين على النحو التالي: 37 مليون كفيف «أي لا يستطيع الرؤية على الإطلاق أو تحسس الضوء»، و124 مليون ضعيف البصر «وهم الأشخاص الذين لديهم نسبة من الإبصار لكن لا يمكن الاعتماد عليها في مهام حياتهم اليومية مثل القراءة والكتابة»، وهناك نحو 150 مليونًا هم أصحاب الإعاقة البصرية نتيجة لعيوب انكسارية وبحاجة إلى نظّارات طبية أو ما شابه، إلا أن عدم وجود الخدمات المتوفرة لهم تجعلهم في تصنيف المعاقين بصريًا، ونحو90% من إجمالي هذا العدد موجودون في دول العالم النامية ومنهم دول العالم الإسلامي والدول العربية بصفة عامة، ولا يتجاوزعدد الذين يحصلون على الخدمة نسبة 15%، وهذا يؤكد مدى ضرورة مثل هذا المشروع وإلحاحه في الوقت الراهن. ولو اقتربنا أكثر نحو ما نتحدث عنه لوجدنا أن عدد المكفوفين في المملكة العربية السعودية عام 2008 تجاوز 159 ألف شخص، وضعفاء البصر تجاوزوا 400 ألف، وهم في أعمار مختلفة وظروف مختلفة أيضًا، في مقابل هذا العدد تنحصر الخدمات في الخدمات التعليمية. فانطلاق مثل هذا المشروع أصبح أمرًا حتميًا ولا بد منه كضرورة قصوى للمملكة بصفة خاصة، وللدول العالم النامية بصفة عامة.

ما أهم الخدمات التي تقدمها الجمعية لذوي الإعاقة البصرية؟
نبدأ بخدمة «العناية بضعاف البصر»، لأنها خدمة نحن في أمسّ الحاجة إليها، أولاً لأن العالم كله أدرك أن ضعف البصر مشكلة، ولا بد من التعامل معها بما أن ضعف البصر ينتج عن أمراض العيون المؤدية للعمى أو بسبب كبر السن، ونحن نـُعنى بخدمة ضعف البصر من حيث تقديم فحوص ضعف البصر وهي تختلف عن فحوص النظر، ونطلب شخصًا مؤهلاً متخصصًا في ضعف البصر لتوصيف المعينات البصرية اللازمة لتمكين ضعيف البصر من مزاولة حاسة البصر المتبقي لديه لبعض المهام التي يمكن القيام بها باستخدام المعينات البصرية بالوسائل مثل المكبّرات اليدوية والمدعومة بالإضاءة، والمكبرات الإلكترونية.. إلخ, أما الخدمة الأخرى فهي تدريب المعاقين وتأهيلهم بصريًا، والذين هم أصلاً إما مكفوفون منذ الولادة أو الطفولة، أو الذين طرأ عليهم العمى ويحتاجون إلى دعم فني، وتطوير وسائلهم البديلة مثل التدرّب على الحافز، وتعلم طريقة برايل، والدعم النفسي والاجتماعي.

كم عدد المستفيدين من خدمات الجمعية خلال العام الحالي؟
نحصر عادةً إجمالي المنتفعين من الخدمة بنهاية السنة الهجرية من كل عام. وبلغ عدد المستفيدين على سبيل المثال في عام 1428هـ من العيادة 220 حالة ضعف بصر. فعلى مستوى تدريب الحاسب الآلي هناك 160 متدربًا، وعلى مهارات الحركة والتنقل الآمن نحو 65 معاقًا بصريًا ومختصًا استفاد من برامج التدريب والتعليم المستمر، وفي المؤتمرات العلمية نحو 600 طبيب عيون واختصاصي بصريات واختصاصي تربية خاصة، هذه أهم الإحصائيات التي أعلنت في التقرير السنوي للعام 1424هـ وإن شاء الله خلال الشهرين القادمين يعلن تقرير عام 1429هـ وعادة نعمل دراسة مقارنة ما بين السنة والسنة التي تليها.

هل لكم تعاون مع المؤسسات العاملة في المجال نفسه.. «النور» مثلاً؟
نحن نتعامل أولاً على المستوى الدولي من خلال عضويتنا في الوكالة الدولية لمكافحة العمى المنبثقة من منظمة الصحة العالمية، ونحن متخصصون في العناية ببرامج ضعف البصر من حيث تدريب الكوادر وفتح عيادات ضعف البصر، وتقديم فحوص لضعفاء البصر، أيضًا متعاونون مع المجلس الدولي لتعليم المعاقين بصريًا، وهو مجلس متخصص على مستوى العالم لتنمية البرامج التعليمية وتطويرها للمعاقين بصريًا، وحماية المعوق بصريًا. ولديهم الآن هدف توفير تعليم لـ4 ملايين طفل كفيف حول العالم محرومين من التعليم، ونحن نسير معهم في هذا الهدف أيضًا. كما أننا نتعامل مع منظمة اللايت هاوس الدولية لخدمات ضعف البصر، وهي منظمة أمريكية لها 100 عام ورائدة، وهي أول من ميز بين ضعيف البصر والكفيف في الاحتياجات والتدريب.

متى نرى ثقافة مجتمعية تعنى بمكفوفي البصر ودمجهم في المجتمع كأفراد نافعين بدلاً من ربطهم بمظاهر سلبية مزيفة للوعي؟
كنت في اجتماع الجمعية العمومية للوكالة الدولية لمكافحة العمى في شهر أغسطس الماضي 2008 في «بوينس أيرس» بالأرجنتين، وأبلغت مرافقي في الرحلة أننا بإذن الله سنصل إلى مستوى الأرجنتين في عام 1470 هـ، ولكن بعد عودتي ومن خلال العمل والنتائج التي ظهرت أرى إن شاء الله أن الزمن اختصر إلى عقدين من الزمن. فهناك خطة موضوعة للعناية في المقام الأول بأصحاب الحالات، وأنا آمل أن يكون العِقدان قد اختصرا في سنتين.. فكلما قربنا بفهمنا للقرآن الكريم والسنـّة وانتهلنا منها لاستنار لنا الطريق بنور يملأ الطريق ليلاً ونهارًا، لكنّ المشكلة تكمن في عدم القراءة. وأعتقد أن بالاطلاع على فكر الإسلام ومنهجه في بناء الإنسان، وبفضل إضاءات القرآن والسنة في كل حياتنا اليومية اجتماعيًا، وإنسانيًا، واقتصاديًا فالعبادات أمر لا بد منه وأيضا بناء المجتمع أمر لا بد منه، سنصل لقناعات أن الكفيف إنسان عادي يسهم في المجتمع بجهده.

من أين تتلقى الجمعية الدعم المالي؟
هناك دعم يأتي مباشرة بتبرعات نقدية من داعمي العمل الخيري وهم رجال الأعمال، وهناك نسبة من دعم الجمعية عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، وهناك دعم مخصص للجمعية من برنامج الخليج العربي لمنظمات الأمم المتحدة الإنمائية ضمن برامجهم في التنمية، كما أن البنك الإسلامي للتنمية يدعم البرامج بالإضافة إلي البرامج التي تقدمها الجمعية نظير خدمة المعاقين بصريًا وتموّل من قبل الشركات والمؤسسات الكبيرة.

حلم تريد أن يتحقق؟
أن نرى مكفوفين وضعفاء بصر يقومون بما قام به ابن أم مكتوم، وحسان بن ثابت، وعبدالله بن العباس فيما يتوافق وأسرهم. ابن أم مكتوم كان رجل جيش عندما مات في القادسية، ونأمل أن يأتي يوم لا يجد المكفوفون ما يعيق انخراطهم في أي عمل يرغبون القيام به. الأمر الثاني أن تقوم الدول والحكومات الإسلامية بما قام به الرسول، صلى الله عليه وسلم، من إعطاء الأعمى منزلة ومرتبة لم يعطها لأي أحد من أصحابه، وهي الجلوس على ردائه وهي مرتبة شرف. الأمر الثالث أن يكون المكفوفون في أنفسهم كما قال الله سبحانه وتعالى }وأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى وهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى{، فالتزكية عادة في معناها التنمية فلا بد على الكفيف أن ينمي نفسه، وأن ينمّي ذاكرته. فالتذكر وسيلة ضرورية جدًا للاعتماد على نفسه، وأن يسعى ويطلب التقدم إلى الأمام ويبني طموحات أعلى، هذا الحلم الذي آمل أن يتحقق، فنرى في عصرنا الحاضر معظم المكفوفين لديهم مهارات متميزة ونجدهم منافسين للمبصرين. ولابد من الإشارة هنا إلى د.إسماعيل صالح، مستشار رئيس وزراء ماليزيا وهو رجل كفيف قاد ماليزيا في تنميتها، فكان من ضمن الهيئة الاستشارية لتطوير الخطة العشرية لماليزيا التي أطلقها مهاتير محمد رئيس الوزراء سابقًا، والآن يعمل مستشار رئيس فريق تطوير ماليزيا لعام 2020. إسماعيل أيضًا رئيس جمعية المكفوفين بماليزيا ورئيس هيئة الأبحاث المتعلقة بعلم الاجتماع ومؤسسة تهتم بطب العيون، بالإضافة إلى منصبة رئيس الهيئة الاستشارية لتطوير ماليزيا.

كلمة أخيرة توجهها للأمة الإسلامية؟
دائمًا أصعب لحظات في أي حوار هو اختتام الحوار، وخصوصًا عندما يكون الموضوع موجهًا لعموم البشر، ولكن أعتقد، والله العالم، أن خير ما يقال هو أن أي مجتمع إسلامي أو غير إسلامي لا يستطيع أن يكون مجتمعًا منتجًا ما لم يُبنَ الإنسان، وبناء الإنسان يبدأ بتقوية الضعيف، حيث قال أبو بكر الصديق «ألا إن أقواكم عندي هو الضعيف حتى آخذ الحق منه، وأضعفكم عندي هو القوي حتى آخذ الحق له»، فلا بد من تقوية الضعيف.
وتقوية الضعيف هي جعل الإنسان العاجز أو من لديه قصور ضمن خط الإنتاج المجتمعي وتمكينه، وتذليل كل العقبات له حتى ينتقل من درجة إلى درجة أعلى من الدرجة التي يقف فيها بحسب إمكانياته وقدراته، وبالتالي يصبح المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا.