April_09Banner

الأسرة


معاقبة الأطفال
بين التهذيب والتعذيب
تعليم الأطفال الصواب والخطأ يحتاج إلى التوجيه والتشجيع.. وليس الضرب والتوبيخ.

Family1_April

• القاهرة: شريف عبدالمنعم

من الطبيعي أن يخطئ الأطفال عمدًا أو من غير قصد، وتتفاوت طريقة معاقبتهم بين الاعتداء البدني أو اللفظي أو العقاب المعنوي، وبين هذا وذاك يحتار الآباء أو المدرسون في أي الطُرق أجدى لتقويم الطفل، دون أن يعلم الكثيرون أن هناك فرقًا بين العقاب للتهذيب والعقاب للتعذيب.

Family2_April
  • العقاب البدني يجعل شخصية الطفل سلبية ومقهورة وضعيفة

  • بعض الآباء والمعلمين يتفننون في عقاب الأطفال بالطرق الأكثر إيلامًا

بعض الآباء يعاقبون أطفالهم دون أن يفكروا فيما يقصدون من هذا العقاب، فقد يخطئ الطفل عن غير عمد بأن يكسر كوبًا رغمًا عنه، ونسمع كثيرًا عن آباء وأمهات يوجعون أطفالهم ضربًا حتى تظهر على أجسادهم الصغيرة علامات الزُرقة والاحمرار، وهو عقاب غير متناسب بالطبع مع طبيعة الطفل ككائن رقيق ولطيف لا يستوعب الخطأ الذي قام به، ولا يتناسب، أيضًا، مع عقلية الأب والأم التي من المفترض أنها ناضجة بالدرجة التي تحافظ على سلامة أبنائهم الجسدية والصحية.
الحب.. والعقاب
في البداية استطلعنا آراء نماذج مختلفة من المجتمع حول فكرة معاقبة الأطفال والطرق الأجدى تأثيرًا والأخرى المرفوضة، فيقول حاتم السيد، أب لثلاثة أبناء لا يتجاوز أكبرهم عشرة أعوام، إنه اتفق مع زوجته قبل أن يُنجبا على عدم اتخاذ الضرب وسيلة لعقاب أبنائهم مستقبلاً، حتى لا يكونا سببًا في إيذاء فلذات أكبادهم بدنيًا أو نفسيًا، وحينما رزقهم المولى عز وجل بالأبناء فوجئ الاثنان بأن أعصابهما قد تتهور بسبب «شقاوة» الأطفال، فجلس مع زوجته واتفقا على عدة وسائل بديلة عن الضرب، منها حرمانهم من المصروف اليومي، أو منعهم من اللعب، أو عزل كل منهم بمفرده لمدد قصيرة.. وما إلى ذلك من العقوبات البسيطة.
كما أن فكرة العقاب البدني القاسي قد رفضها الوالدان تمامًا، لأنها لا تعبر عن حبهم لأبنائهم بقدر ما تعبر عن قوة الأب والأم في مقابل ضعف الأطفال، وقد اختارا أساليب العقاب البسيطة لأنهما في البداية والنهاية لا يريدان تعذيب أطفالهما، وإنما تهذيبهم وتقويمهم على أسس التربية والتنشئة السليمة.

العقاب.. والعدوانية
وتحكي إحدى الأمهات عن قصة أطفالها مع والدهم الذي كان غليظًا وشديدًا في التعامل معهم، لدرجة أنه حينما يخطئ أحدهم كان الأب ينفرد به في إحدى الحجرات ويغلقها ثم يوجع الطفل ضربًا بخرطوم المياه في مختلف أنحاء جسده حتى يتغير لون جلده. ورغم أن الأم كانت تعارض زوجها كثيرًا على هذه الطريقة القاسية في التربية، إلا أنه كان يتجاهل رأيها فانعكس الأمر بالطبع على تعامل أطفالها مع أقرانهم من الجيران وزملائهم في المدرسة، وأصبحت العدوانية هي سمة مميزة لجميع تصرفاتهم خارج المنزل.

الضرب مرفوض
أما الأستاذ عادل جابر، مدير إحدى المدارس بالقاهرة، فيرفض تمامًا أن يدخل أحد المعلمين إلى الفصل وفي يده أي وسيلة من وسائل الضرب كالعُصي، أو ما شابه ذالك. ويشير إلى أن هناك قرارًا من وزارة التربية والتعليم بعدم الاعتداء على التلاميذ بالضرب نهائيًا، حفاظًا على كرامتهم، وعدم إيذائهم بدنيًا ونفسيًا من ناحية، وحفاظًا على المعلم حتى لا يُساق إلى السجن إذا أصاب الطفل، دون أن يقصد، إصابات بالغة من ناحية أخرى.
ويوضح أن هناك وسائل أخرى لمعاقبة الأطفال بدلاً من ضربهم، ومنها استدعاء أولياء أمورهم، أو استخدام أسلوب الثواب في حالة قيامهم بأداء واجباتهم على الوجه الأكمل، أو التعنيف بأسلوب مقبول وبطريقة لا تحرج الطفل أمام زملائه مثل أن يقول المعلم للتلميذ «إذا ظللت لا تقوم بعمل الواجب فسوف ترسب في الامتحان»، وذلك بالطبع بعد أن يتأكد المعلم من أنه لا توجد أي مشاكل في استيعاب التلميذ للدروس، وقدرته على حل الواجبات المنزلية.Family3_April

أضرار سلبية
عن رأي الطب النفسي في موضوع معاقبة الأطفال يقول د.صالح عبدالكريم، استشاري الطب النفسي والصحة النفسية، إن معاقبة الأطفال بدنيًا يكون لها العديد من الأضرار، أولها على المستوى البدني، حيث تترك آثارًا جسدية وصحية ظاهرة على الطفل، ولكن المستوى أو التأثير الأكبر فهو انعكاسات العنف على الأطفال وجدانيًا، وعاطفيًا، ونفسيًا، حيث يصابون بالخوف، والجبن، والهلع والفزع، الأمر الذي يؤثر فيهم مستقبلاً، فتكون شخصياتهم سلبية، ومقهورة، وجبانة، وضعيفة. وعلى المستوى العقلي يصابون بتشتت التركيز والانتباه، ووأد الإبداع والعبقرية.
لذا، فإن فكرة العقاب البدني للأطفال على النحو الذي يؤذيهم جسديًا أو نفسيًا مرفوضة من الأساس. وفي حالة ما استلزم الأمر ضرب الطفل فيجب أن يكون العقاب خفيفًا، وبعيدًا عن الوجه والأماكن الحساسة، حتى لا يصاب الطفل بعاهة مستديمة تظل ملازمة له طوال حياته. وهذا لأن الوظيفة الأساسية للآباء والمربين هي حماية الأطفال، والمحافظة على سلامتهم جسديًا ونفسيًا من أي خطر خارجي، فما بالنا والأسرة أو المؤسسة التربوية هي التي تقوم بمثل هذه الأفعال العدوانية تجاه الأطفال، إضافة إلى أن تعليم الطفل الصواب من الخطأ يحتاج إلى التوجيه والتشجيع، وليس إلى الضرب المبرح أو التوبيخ.

العقوبة حسب العمر
وبحسب د.داليا الشيمي، خبيرة التقييم والإرشاد النفسي، ومؤسس مركز عين على بُكْرَة للمساندة النفسية والاجتماعية، فإن الأسرة من المفترض أن تتعامل مع الطفل بحسب المرحلة العمرية التي يمر بها. فقبل سن سنتين يجب أن ألفت نظر الطفل إلى الخطأ الذي ارتكبه عن طريق الإشارة بالإصبع ألا يفعل هذا، حتى يستطيع الربط بين الإشارة واللفظ فيتعرف على مفردات لغوية جديدة من ناحية، ولكي يعرف أنه ارتكب خطأ يجب عليه تجنب تكراره من ناحية أخرى.
ويستمر توجيه الطفل إلى أخطائه بالإشارة أو الكلام حتى سن أربع سنوات، حينها يمكننا البدء في معاقبته على أفعاله الخاطئة بوساطة الحرمان أو المنع، لأن الأشياء تكون وقتها قد أخذت قيمتها بالنسبة له، ويكون الطفل قد بدأ تبني مفهوم ملكيته للأشياء فيقول هذا قلمي، أو حقيبتي، أو كتابي فأحرمه من هذه الأشياء إن كانت لا تخصه، وإذا ارتكب خطأ متعمدًا فمن الممكن أن أمنعه من اللعب، أو مشاهدة التلفاز، أو عدم الحضور معه.
أما العقاب البدني فلا يوجد له مكان إطلاقًا إلا في بعض الحالات النادرة، مع ضرورة انتقاء الأماكن التي نضربه فيها، ومعرفة الغاية التي نضربه لأجلها، وهل هي للتهذيب أم التعذيب، لأنه، وللأسف، في مجتمعاتنا العربية نضرب الأطفال بهدف التعذيب أكثر من هدف التهذيب، الأمر الذي يؤثر فيهم تأثيرات نفسية وجسدية كبيرة، كما أن الاعتداء على الأطفال بالضرب يجعلهم يعتقدون أنه أحد وسائل التفاهم بين البشر فيبدؤون في التفاهم بين بعضهم بعضًا بهذه الطريقة حتى يتحول العنف إلى سمة من سمات حياتهم.

أسباب العقاب
تضيف د.داليا الشيمي أنه إذا نظرنا إلى الأسباب التي يتم بناء عليها معاقبة الطفل فسنجد أن الكثير منها «تافه»، ولا يرقى إلى حجم العقاب الموقع عليه. فعلى سبيل المثال تحكي إحدى الأمهات أن ابنها حين يتبول لا إراديًا تقوم بتسخين الملعقة أو السكين على النار ثم تضعها على جسده حتى لا يُكرر هذا الخطأ مرة أخرى، فكانت النتيجة أن أُصيب بحروق متعددة في معظم أنحاء جسده.
وأب يقول إنه ربط يدي طفله في السرير لأنه ضرب أحد زملائه، ثم ذهب إلى العمل وحينما عاد وجد أن الدم انقطع عن رسغي الطفل فذهب به إلى المستشفى وهناك قرر الأطباء بترهما. كما أن الكثير من المعلمين يتفننون في عقاب الأطفال بالطرق الأكثر إيلامًا، فعلى سبيل المثال يضع بعضهم القلم وسط أصابع التلميذ الصغير ثم يضغطون عليها بشدة حتى يبكي، وغير ذلك المئات من القصص المؤلمة والتي مارس فيها الآباء أو المعلمون أقسى أنواع العقاب ضد الأطفال.
وهكذا أصبح العنف ضد الأطفال وللأسف ظاهرة تعانيها مجتمعاتنا العربية، سواء في المنزل من قبل الوالدين، أو في المدرسة من قبل المعلمين. وهنا تطرح الأسئلة نفسها: ما الذي نريده من الأطفال حتى نعاقبهم بهذه الطرق البشعة؟ هل أصبحنا من السذاجة أن نتحدى الأطفال أو نستقوي عليهم حتى يطيعوا كلامنا؟ ثم يتساءل بعضهم عن أسباب جحود الأبناء على آبائهم حينما يكبرون ويلقون بهم في دور المسنين دون السؤال عنهم؟! والجواب بسيط وهو أن الجزاء من جنس العمل، ومن زرع حصد. ولا يجب توقع أن نستمر في تعذيب أطفالنا وهم صغار ثم يتعاملون بحنان معنا، أو مع غيرنا بعد ذلك.
كما أن هناك ناحية أخرى يحسن الالتفات إليها وهي أن الأب أو المعلم قد يكونان يمران بمشاكل شخصية ليس للطفل أي دخل فيها، ويكون حظ هؤلاء الأطفال عثرًا فيوقعهم أمام سطوة الطرف الأكبر منهم وقوته، والذي يُسقط كل الهموم التي يمر بها على الطفل، ويفرِّغ في ضربه لهم كل طاقة غضبه، فتكون النتيجة هي المآسي المتعددة التي نراها ونسمع عنها تحدث كل يوم لأطفال فقدوا حياتهم، أو أصيبوا بعاهات مستديمة نتيجة انفلات أعصاب القائمين على تربيتهم.
ومن الضروري معرفة أن الأخطاء التي يرتكبها الأطفال قد تكون نتيجة شعورهم بعدم الثقة أو الأمان، أو النبذ والغيرة. ويعزز هذا الشعور عندهم قيام الوالدين أو المعلم بالاعتداء عليهم بدنيًا بشكل مستمر.Family4_April

وسائل مجدية
سؤال مهم يطرح نفسه بعد هذه المناقشات ألا وهو: ما نوعية الأساليب المجدية في عقاب الأطفال حينما يرتكبون أخطاء يستحقون عليها العقاب؟ وتجيب د.داليا الشيمي عن هذا التساؤل بأنه إذا كنا نحب الأطفال فإننا لن نؤذيهم جسديًا، أو نفسيًا، وإنما سنمارس معهم بعض العقوبات التي تردعهم مثل مخاصمتهم، أو حرمانهم من الأشياء التي يحبونها دون أن نتمادى في ذلك بالطبع حتى لا يكرهونا.
هناك، أيضًا، طرق مجدية للعقاب مثل الجلوس على «سجادة أو كرسي الحرمان» بأن يجلس الطفل عليهما لمدة ربع ساعة أو نصف ساعة مثلاً دون أن يلهو، أو يتحدث معنا، وهذه كلها عقوبات تؤثر في الطفل دون أن تنتهك كرامته أو تُعذبه.
كما ينبغي أن نشرح للطفل أسباب عقابه وتحذيره من تكرار الخطأ دون أن نستخدم الألفاظ أو الشتائم النابية، حتى لا تتعود آذانه على سماعها فيكررها مع أسرته أو أصدقائه. ولا بد أن يتناسب العقاب مع عمر الطفل ونوعية الخطأ الذي وقع منه. ومن المهم، أيضًا، أن يتفق الوالدان على الطريقة الأجدى لمعاقبة الطفل دون أن يستأثر أحدهما بتقرير نوعية العقاب، أو الانفراد بالطفل والاعتداء عليه في حالة عدم وجود الآخر، خصوصًا أن الطرق العدوانية في العقاب قد تجعل الأطفال يفكرون في الهروب من المنزل مثلما يشاهدون ما يحدث في بعض الأعمال السينمائية والدرامية، والتي تؤثر سلبًا بالطبع فيهم، فتجعلهم يتبنون أفكارًا غريبة مثل أن الأهل لا يحبونهم، أو أنهم ليسوا أبناء هذه الأسرة التي يعيشون معها، وأنها وجدته على أبواب أحد الملاجئ أو قارعة الطريق، وغيرها من الأفكار التي تُوَلِّد عنده النظرة العدائية للمحيطين به.

أخطاء.. ودوافع
في النهاية يجب أن يعلم الآباء والمعلمون جيدًا أن الأخطاء التي يقع فيها الأطفال وسلوكياتهم التخريبية قد تبدو لنا أنها سلوكيات خاطئة، إلا أنها من وجهة نظر الطفل تحقق أهدافًا مهمة، فحينما يدمر الطفل دميته فإنه يفعل ذلك لمعرفة ما يوجد بداخلها، لأن الأطفال الصغار يؤمنون بوجود الحياة حتى في الجمادات، وعندما يجذب الطفل غطاء المائدة فيرتطم ما عليه بالأرض لا يكون ذلك حبًا للعبث، وإنما لكي يستعين به في النهوض، وعندما يضرب القطة الآمنة فإنه يفعل ذلك لسماع صوتها، وقد يقطع أزهار الحديقة ليعيد زراعتها وغرسها بنفسه. وهكذا.. فإن للطفل عالمه وتفكيره الخاص، ويجب على الآباء رؤية أخطاء الأطفال من منظورهم قبل التفكير في معاقبتهم.