منذ الانطلاقة الأولى لهذا الكيان الكبير، ومنذ أن توحدت بلادنا الغالية على يد الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، بدأت على هذه الأرض المباركة مسيرة بناء حضاري يندر أن يشهد لها التاريخ مثيلاً، مسيرة غايتها الإنسان، ونهجها التعمير والبنيان، وسندها شريعة الواحد الرحمن.
وخلال عقود قليلة تعد قرونًا بمقياس الزمن، تغير وجه الحياة على هذه الأرض الطيبة، وبزغت في سمائها نجوم وصروح للعلم والخير والنماء، بينما تلألأت في جوانبها وربوعها مشروعات عملاقة شملت الجسور، والطرق، والمواصلات، والاتصالات، والمطارات. كما تواصلت التوسعة المباركة لبيت الله الحرام، ومسجد رسوله المصطفى، عليه الصلاة والسلام، من أجل خدمة الملايين التي تفد إلى الديار المقدسة للحج والعمرة من جميع أنحاء العالم. وقد واكبت الخطوط السعودية هذه المسيرة الخيرة في مراحلها المتتابعة وفية بالتزاماتها، فخورة بأداء دورها، وبمكانتها كصرح حضاري من صروح أغلى الأوطان.
هذه الصورة المشرقة، تقدمها بلادنا إلى العالم من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي أصبح خلال سنوات قليلة، منارة لرواد الفكر والأدب والثقافة، ومقصدًا مفضلاً للباحثين والدارسين والخبراء في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وفي مجالات التراث والسياحة والآثار، حيث حقق المهرجان بجدارة مطلقة، مكانة مرموقة، وتحول إلى عالم متكامل تتفاعل فيه الأفكار والرؤى، بينما يحفل بالملتقيات، والمحاضرات، والفنون التي تروي قصة الحضارة على أرض الأمجاد.
ولأنه القائد الملهم، ورجل المحبة والسلام، والساعي، دومًا، إلى تواصل الحضارات والثقافات، فقد حظي المهرجان برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أيده الله، رعاية جعلت من هذا المهرجان الكبير واحة خضراء تتكامل من خلالها ثقافات الشعوب، وتذوب في بوتقتها الخلافات والصراعات، ويمضي الجميع في تكامل إنساني لتحقيق النظرة الثاقبة والرؤية الحكيمة للقائد العظيم، حفظه الله، في وجوب أن تركز البشرية جهودها فيما يجمعها، وتتغاضى عما يفرقها، وبذلك تتحقق العدالة، ويسود الخير والسلام.
ولسوف يذكر التاريخ، دائمًا، أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة قد تجاوز حيز الزمان والمكان، إلى واقع نعيشه، وإنجاز نعتز به، ورسالة دائمة تنطلق من مملكة السلام، مؤكدة أن العمل لخير البشرية هو الذي يأخذ طريقه إلى البقاء والخلود، ويظل رغم محاولات العرقلة والإعاقة شمسًا ساطعة تقدم للجميع الدفء، والنور، والضياء.

والله الموفق.