وادي صلبوخ
رئة الرياض الربيعية
صلبوخ سمي بهذا الاسم لأن أرضه صلبوخية، أي صوانية الحجارة، وقيل سمي بذلك لأن أول من أعاد عمرانه رجل يسمى صلبوخًا.
• استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
إذا كنت من قاطني مدينة الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، وكنت من هواة الرحلات البرية، ومن محبي التوغل في البراري واستكشاف المجهول، فحتمًا ستكون ممن يعرف وادي صلبوخ الواقع على بعد 50 كيلومترًا شمالي الرياض، أو تكون قد سمعت عنه على الأقل.
|
|
|
|
أورد المؤرخ عبدالله بن خميس في كتابه «تاريخ اليمامة» أن صلبوخًا بضم الصاد وإسكان اللام سمي بهذا الاسم لأن أرضه صلبوخية، أي صوانية الحجارة، وقيل سمي بذلك لأن أول من أعاد عمرانه رجل يسمى صلبوخًا، فسمي به. أما أنا فأرى وربما كنت مخطئًا أن سبب التسمية يرجع للكلمة العامية صلبخ ويصلبخ صلبخة، أي يضرب ويصفع ويصدر عن ذلك صوت عال، وهو كناية عن الجلبة التي تصدر عن ضرب السيول والشلالات لصخور الوادي عند نزول الغيث.
إجازات الربيع
أما قديمًا فكان يطلق عليه «وترا» بكسر الواو، قال ياقوت الحموي: ووتر موضع فيه نخيلات من نواحي اليمامة، قال الحفصي:
يذودها عن زعزعي بوتر
صفائح الهند وفتيان غير
والزعزعي: نوع من التمر، وذكر الهمداني فقال ووتر لبني غير، وهي نخيل وحصون، ووادي صلبوخ الذي كان مرتعًا لنا في الصبا، خصوصًا في إجازات الربيع، أضحى الآن يرتع في مخيلتنا ويمتد ويتفرع في أبعاد ذاكرتنا بومضات فردوسية كما لو كان جنة أهبطنا منها عقابًا لنا على خطيئة التمرد على الطفولة وبراءتها.
الجمال الطبيعي
هذا الوادي الذي يصيب زائره لأول مرة بالدهشة المفعمة بالحيرة، كون الزائر لا يتوقع أن يري في بيئتنا الصحراوية كل هذا الجمال الطبيعي والامتداد الخضري، وأشجار الطلح العظيمة بخضرتها الدائمة، وحجمها الهائل، وظلالها الوارفة لدرجة أنه بالإمكان بناء الخيمة الكبيرة في ظل الواحدة منها، فضلاً عن وجود الماء في الوادي طوال السنة تقريبًا، إذ يحير في المناطق المنخفضة منه بعد نهاية موسم الأمطار على هيئة مستنقعات تعج بالكائنات الحية مثل الضفادع، والأسماك الصغيرة، التي كنا نصيدها عبثًا عندما كنا صغارًا.
إمارة صلبوخ
وللوادي روافد كثيرة، ويتجه شرقًا حتى يصب في وادي ملهم، وقد قامت الحكومة مشكورة ببناء سد كبير في وادي ملهم يحجز السيول، ويكون بحيرة كبيرة فائقة الجمال، وإمارة صلبوخ تابعة لإمارة الشعيب التي قاعدتها حريملاء. ووادي صلبوخ يعج دائمًا بالمتنزهين وهواة الرحلات البرية، خصوصًا في فصل الربيع عندما تتحول بعض مناطقه إلى بسط خضر من شتى أنواع النباتات البرية كالحماض، والجرجير البري، والقراس، والبسباس وغيرها، فترى النساء، خصوصًا العجائز منهن، منهمكات طوال اليوم بجني ما يعتقدن أن فيه فوائد ومنافع صحية، معتمدات على خبرتهن الطويلة، وثقافة المشافهة والمحكي على ثقافة المدون والمكتوب في هذا المجال، يساعدهن في بعض الأحيان الفتيات الصغيرات ممن يملن عادة إلى قطف الزهور.
الماء الرقراق
وصلبوخ ارتبط في ذاكرتنا، نحن سكان مدينة الرياض، بأنه المتنزه الأفضل والأشهر، وعندما تتلبد السماء بظلمة الغمام، وتلهبها سياط نيران البرق والرعد القاصف لتنفض ما فيها من ماء، تهفو نفوسنا إلى صلبوخ، وسرعان ما نتداعى ونهرع إليه حال ما تكف السماء عن هدايا الماء لنتمتع برؤية السيل، والشلالات، وجريان الماء الرقراق في واديه كما لو كان نهرًا لا يغيض أبدًا، غير آبهين بما يواجهنا من مخاطر في بعض الأحيان. فاحتمالات الغرق في السيول الجارفة، وانقلاب السيارات أو انحباسها في الأوحال، أو التعرض لخطر الانزلاق وما أشبه كلها واردة. ويقوم بعضنا بنصب الخيام تحت أشجار الطلح في رحلات برية قد تمتد إلى عدة أسابيع.
الجبال الصلبوخية
ومن مزايا صلبوخ قربه الشديد إلى كثير من القرى العامرة، ما يشكل راحة كبيرة لرواده من ناحية الاحتياجات الضرورية من غذاء وغيره، فضلاً عن تبدد الهاجس الأمني، خصوصًا من أصحاب العائلات والأطفال، وعندما تلوح لنا الشمس بوشاحها الذهبي في الغروب مودعة وهي تتوارى خلف الجبال الصلبوخية، ويرخي الليل سدوله، وتطغى الظلمة على النور يختلط صوت خرير الماء وهو ينساب في جداوله بزقزقة العصافير ونقنقة الضفادع وحفيف الرياح وهي تمر من خلال أشجار الطلح في «سيمفونية» طبيعية يصيخ لها السمع، وتداعب أهداب القلب بأناملها الطفولية، وتنتشي النفس لعطرها الربيعي الفواح، وتتجرد من ذاتها المتلفعة بهموم الحياة، وتستجيب الرئة بدورها لكل ذلك بشهقة طويلة عبر الأنف يتمدد لها الصدر وترتفع الأضلاع، إنه ليل صلبوخ الجميل، حيث يعمد الكثير من المتنزهين إلى إشعال نار الحطب والقعود حولها يتسامرون ويشربون القهوة والشاي حتى انبلاج الفجر.
موسم الربيع
ومجمل القول أن صلبوخًا يعد متنفسًا رائعًا لمدينة الرياض، خصوصًا في موسم الربيع، ويحتاج إلى المزيد من العناية، والنظافة، والحفاظ على بيئته الطبيعية من أن تعبث بها يد الحضارة، أو يخنقها الامتداد العمراني. كما يجب بذل المزيد من الجهود لتهيئته للزوار وحمايتهم من حجز السيول في أثناء موسم الأمطار، ودفن الطرقات الطينية بالبطحاء، وليس ثمة ما يمنع من وضع بعض اللوحات الإرشادية على أن تأخذ أشكالاً وألوانًا تنسجم مع الطبيعة حولها للتنبيه للأخطار المحتملة وللتوعية.