رياضة الغوص
ممر العجائب في البحر الأحمر
خليج العقبة يحتوي على أكثر من 700 نوع مختلف من المرجان الحي.
• تحقيق: نور الصالح
بعض أفضل المواقع لممارسة الغطس والغوص ممتدة على شريط ساحلي ضيق طوله 27 كيلو مترًا بين العقبة والحدود السعودية، حيث يقول جاك كوستو وهو عالم فرنسي ومستكشف: «إن البحر الأحمر هو ممر العجائب، وأسعد الساعات التي قضيتها في تجربة الغوص كانت هناك».
|
|
|
|
لم يكن من قبيل المصادفة أن يختار كوستو البحر الأحمر ليقدم للعالم أول عرض عن الحياة تحت سطح الماء، وحيث إن البحر الأحمر معروف بمحمياته ومده الرقيق الهادئ، فإن الغواصين يعدونه منطقة جذب لممارسة رياضة الغوص فيه، أضف إلى ذلك أنه ملتقى دول عدة في نقطة واحدة مثل: مصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية وغيرها، وليس من العجيب أن يختار نخبة من العلماء العالميين البحر الأحمر أحد العجائب السبع لعالم ما تحت الماء.
كنا محظوظين للقاء عبدالله المومني، الغطاس المتمرس الذي يمتلك مركز غطس في البحر الأحمر بالعقبة، فوالده هو أول غواص في العقبة، ويحمل درجة الماجستير في العلوم العسكرية البحرية. وخاض منافسات مع 34 دولة من بينها فرنسا والولايات المتحدة، وفاز ثلاث مرات في بطولة العالم للتصوير تحت الماء. أنشئ في عام 1992 مركز البحر الأحمر للغطس وهو مرخص من قبل رابطة مدربي الغوص العالمية (PADI).
مارس عبدالله الغطس منذ كان في التاسعة، وحاليًا عمره 29 سنة، ويعلم الغطس في الجامعة الأردنية.. عن هذه التجربة يقول: «هناك عالم آخر تحت سطح الماء، خصوصًا عند وجود حيد مرجاني حي وثراء الحياة البحرية في البحر الأحمر، وخصوصًا في خليج العقبة تعزى إلى دفء مياهه، حيث تصل إلى 19 درجة مئوية في الشتاء صعودًا إلى 28 درجة مئوية صيفًا».
وما يميز الغطس في الأردن عن باقي البلدان المجاورة هو المرجان غير الملوث، وخليج العقبة يحتوي على أكثر من 700 نوع مختلف من المرجان الحي، ودرجات الحرارة المعتدلة هناك هي أحد الأسباب الرئيسة لهذا التنوع في أصناف المرجان، وكلما توجهت جنوبًا ارتفعت درجة الحرارة، وبالتالي يبدأ المرجان في التناقص. ولهذا السبب، أيضًا، لا تتمتع شرم الشيخ بأصناف المرجان كما هي الحال في العقبة.
وهناك سبب آخر يجعل خليج العقبة أحد أفضل وجهات الغوص في العالم، وهي أنه كان بطيئًا وحذرًا ليتخصص في «سياحة الغوص» مقارنة مع المناطق الأخرى مثل سيناء التي فيها مليونا غطسة سنويًا، وإيلات التي تشهد ثلاثة أرباع المليون، فإن العقبة تشهد فقط 20 ألف غطسة سنويًا، وهذا ما مكن العقبة من الحفاظ على المرجان وتفادي تدهوره.
ويقدم خليج العقبة أكثر من 20 موقعًا موزعة على الشاطئ الجنوبي وصولاً إلى الحدود السعودية، ويمتاز أيضًا بأن المرجان الملون الحي يبدأ في الظهور على مسافة قريبة من الشاطئ، وبعض مواقع الغطس تحتوي على وديان وحدائق من الشعاب المرجانية. وهناك الموقع الشهير الذي غرقت فيه سفينة شحن لبنانية تسمى (Cedar Pride) عام 1986.
كما أن الحياة السمكية في البحر متنوعة بشكل مثير للدهشة، حيث يتمتع خليج العقبة بنحو 150 نوعًا من الأسماك، وفي الوقت نفسه يعيش في البحر الأبيض المتوسط ما يقرب من 50 نوعًا فقط.
ويضيف عبدالله، الذي قام بأكثر من 7000 غطسة، أن الغوص ليلاً هو تجربة فريدة، وعندما يغوص الشخص للمرة الأولى في الليل يلاحظ أن هناك عالمًا آخر في البحر تحت جنح الظلام، وكثير من الكائنات التي لا نراها في النهار تخرج في الليل. ويمكنك، أيضًا، رؤية الألوان الطبيعية للمرجان بشكل أوضح تحت وهج مصباحك الشديد.
وقد أثنى عبدالله على دور المنظمات البيئية والمنظمات غير الحكومية، مثل متنزه العقبة البحري، وجمعية حفظ الأحياء البحرية الملكية في الأردن، والجمعية الملكية للغوص البيئي في حماية سلامة البيئة البحرية والمحافظة على رفع مستوى الوعي بالقضايا البيئية، وكيفية المحافظة على هذه الثروة بين السكان المحليين.
ويستذكر عبدالله طفولته قائلاً: إن الشعاب المرجانية كانت أكثر تنوعًا مما عليه اليوم، وعزا ذلك إلى التطور الصناعي والتجاري السريع خلال العقد الماضي الذي نتجت عنه تأثيرات كبيرة على الشعاب المرجانية والكائنات المائية.
وهناك في العقبة، يوجد نحو 20 موقعًا للغطس موزعة على طول الشاطئ الجنوبي، كل واحد منها يتميز بكائناته ومرجانه المزدهر، وأشهر هذه المواقع:
الحدود الأردنية السعودية
قرب الحدود السعودية يقع موقعان للغوص يفصلهما وادٍ عميق، والموقع الموجود على الجهة اليمنى هو الأشهر بينهما، ويتكون من حيد منخفض مع جدار طويل يمتد إلى مسافة 850 مترًا من الشاطئ، وينحدر بمستوى 45 مترًا. وبعض الكائنات الشائعة هناك هي الأخطبوط، وسمكة نابليون، وكميات كبيرة من أنواع الكرنب البحري كافة. وعندما يعود الغطاسون إلى الشاطئ بعد نهاية الجولة فإنهم يتوقفون في المواقع الآمنة ليستمتعوا بمناظر المرجان الناعم وخيار البحر في المياه الضحلة على أعلى المنحدر.
حطام سفينة (Cedar Pride)
حطام سفينة (Cedar Pride) هو واحد من أشهر مواقع الغطس في الأردن، وهي سفينة شحن لبنانية أصيبت بأضرار بالغة نتجت عن اندلاع حريق على متنها عام 1982، وبعد طلب من الملك عبدالله أغرقت هذه السفينة على بعد 50 مترًا من الشاطئ لتشكل حيدًا اصطناعيًا للغواصين، وهذه السفينة اليوم ملقاة على جانبها على عمق أقصى قدره 28 مترًا عبر حيدين مرجانيين طبيعيين، ويمكن الغوص إليها بوساطة قارب أو من الشاطئ مباشرة، وهي تشكل موقعًا ممتازًا للغوص تحت جنح الظلام، وسطح السفينة يعج بالكثير من المخلوقات البحرية مثل: قنافذ البحر، والجمبري، بالإضافة إلى سرطان البحر.
الحديقة اليابانية
تقع الحديقة اليابانية إلى الجنوب من حطام (Cedar Pride)، وتعد واحدة من أفضل مواقع الغطس في العالم. وتتوافر فيها جميع شروط الغطس والغوص، ويبدأ الحيد المرجاني في المياه الضحلة ومن ثم يبدأ في الانحدار بشكل رقيق وصولاً إلى الحيد المتعدد الألوان، ومع اختراق أشعة الشمس الذهبية للماء، وبوجود أسراب كبيرة من الأسماك الذهبية محاولة التقاط وجبة من العوالق تشكل منظرًا رائعًا قل نظيره في العالم، وهناك، أيضًا، الأسماك قيثارية الذيل، والأسماك الملائكية الذهبية، انقليس موراي، بالإضافة إلى الأصداف الكبيرة.
موقع (Gorgonion)
سبب تسمية هذا الموقع بهذا الاسم هو وجود مرجانيين كبيرين، وأقصى عمق للموقع هو 12 مترًا، وهو ممتاز للغواصين المبتدئين، ويمكن الوصول إليه من الشاطئ بمدخل رائع ترى فيه أنواعًا عديدة من الكائنات البحرية الخجولة تختبئ في الكهوف على طول المدخل الذي يصل عرضه إلى 3 أمتار وبعمق 4 أمتار، وعند نهاية المدخل يتناهى إلى نظرك حوض كبير يعج بمختلف أنواع الكائنات البحرية، وسوف يعتريك شعور بأنك قد هبطت من السماء. ويحتوي الموقع على قمتين تمتدان من القاع إلى سطح البحر، وتتخذ أنواع فريدة من المرجان الصلب والناعم تلك القمتان مقرًا لها، ما يوفر بيتًا آمنًا للعديد من اللا فقاريات والأسماك.