بين الواجبات والحقوق
التسامح أساس الحياة الزوجية
لا بد من التعاون بين الزوجين في الحياة المشتركة تحت شعار الإيثار والتضحية.
• جدة: ابتسام شوكاي
الحياة الزوجية تتأرجح بين المودة والخلاف، فلو كانت مودة فقط أو خلافًا فقط، لكان هذا دليلاً على أنها علاقة غير سوية ومهددة بالزوال، ونجاح هذه العلاقة متوقف على الزوجين معًا ومدى حرصهما عليها، وهناك دراسات كثيرة أثبتت أن الحوار، والتسامح، والاحترام المتبادل، والنية السليمة، وتجنب النقد الحاد، واللوم المستمر، كلها مؤشرات على استمرارية الحياة الزوجية.
|
|
|
حسب الاستشاري النفسي د.محمد خالد عبدالحميد فإن الحب والمودة والرحمة صفات متقاربة في المعنى، ولكن نلمس بينها شيئًا من الفروق الدقيقة، حيث إن الحب عاطفة تعمر جوانب القلب وتقوم في داخل النفس، أما المودة قد تكون مظهرًا لهذا الحب، حيث يسلك الزوجان للتعبير عنها سبل المؤانسة والملاطفة والهدايا، وأما الرحمة فهي فيض من المشاركة الصادقة في الفرح، والحزن، والإشفاق المخلص، والمعونة الظاهرة، ينتج عن ذلك كله السكن النفسي الذي تتجمع فيه السعادة كلها، ولا بد من التعاون بين الزوجين في الحياة المشتركة تحت شعار الإيثار والتضحية، فالزوجان يعملان على بناء أسرة إنسانية، ولا يمكن أن يتم هذا البناء إلا بأن يكون عملها متصفًا بالتضحية، والإيثار، والتسامح، والتحمل، وتحكيم دين الله في الحقوق والواجبات لكل من الزوجين، لأن هذا يقطع دابر الخلاف، ويتيح للسعادة أن ترفرف بأجنحتها على بيت الزوجية.
جددي حياتك
ويحدد د.خالد عددًا من الأمور يجب على الزوجين العمل بها لتجديد حياتهما الزوجية وانعاشها، وهي:
أولاً: الحوار
لأن انشغال الزوجين بالعمل ومتطلبات الأطفال وتربيتهم، أو سفر أحد الطرفين للعمل أو الدراسة، من شأنه أن يتسبب في تسرب الملل العاطفي إلى حياتهم، ليقضي على الحوار الفكري والروحي، فلا يأنس الشريك بشريكه ولا يهتم لأمره، ولا بد من تعلم فنون الحديث، وتعلم فن الإصغاء، كذلك، أيضًا، لنجاح الحوار، الذي يكون بتبادل الضحكات، والآراء أو حتى الاتهامات، ثم يصفو الجو أو يتكدر فيتجدد الحب، وفي بعض الحالات يمكن أن يعوق الخوف من تكرار محاولة فشلت لإقامة حوار، أو خوف الزوجة من أن تطلب من زوجها أو تتحرج، لئلا يصدها أو يهمل طلبها أو يستخف به كما فعل في مرة سابقة، كل هذا يفضي إلى انتهاء الحوار بينهما، كذلك يأس الزوج من زوجته التي لا تصغي ولا تجيد إلا الثرثرة، أو التي لا تفهم وتتفاعل مع ما يطرحه أو يقوله، فيلجأ إلى الصمت بوصفه الحل الوحيد أمامه، فيكون عدم الحوار اختيارًا واعيًا لم تدفع به الظروف، وهنا يجب أن تأتي المبادرة من الطرف الذي سبق أن أغلق باب الحوار، والتحاور يكون بين طرفين أحدهما يستمع والآخر يتحدث، وهذا لا يعني أن يرسل أحدهما طوال الوقت أو يتوقع منه ذلك والآخر يستقبل أو ينتظر منه ذلك، وإنما يجب فتح باب الحوار ومحاولة تغيير المواقف السلبية، وعدم الاستسلام للصمت الذي يقتل الحب والتفاهم، فتنهار الحياة الزوجية.
ثانيًا: التسامح والاحترام
لا بد أن يكون الزوجان متسامحين، وأن يحذرا الجدل العقيم، وألا يشعر أحد الطرفين بصعوبة في التسامح، والثقة هي أساس العلاقة الصحيحة بين الزوجين، كما أن الصدق ركن أساسي، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون الطرفان موضوعيين في أثناء التعامل، وعدم إلقاء اللوم أحدهما على الآخر، وإذا ارتكب أحد الطرفين خطأ فليعترف به، ويجب تبادل حسن الظن، لأن معظم المشكلات تنشأ من عدم تقدير أحد الزوجين لمتاعب الطرف الآخر، كما ينبغي الابتعاد عن التسلط والحرص على عدم تبادل الإهانات بين الطرفين، كما أن الغيرة الزائدة تؤدي إلى نتيجة عكسية على الزوجين. كذلك من الأمور المحببة عدم ذكر عيوب كل منهما وأخطائه أمام الآخرين، بحيث يتم تعديل السلوك من حين إلى آخر، ويعد الثناء والمدح عاملين أساسيين من مقومات وجود البسمة الدائمة، ولا بد من الوقوف إلى جانب شريك الحياة ليحقق طموحاته وأهدافه وأحلامه إلى جانب الحب والتفاهم.
ثالثًا: مواجهة الأزمات معًا
يمكن أن يؤدي سوء الوضع الاقتصادي إلى الطلاق، ولكن بمحاولة تحمل المشكلات، والتقريب بين الزوجين يصبح تأثيره أقل، كما أن تدخل الأقارب والأصحاب الإيجابي من شأنه أن يقرب أكثر بين الزوجين.
رابعًا: الحياة الزوجية يتخللها نقاش وجدال
هنا يجب عدم الاستمرار في الجدال، لأن عملية الشد تحتاج إلى إرخاء أحدهما لامتصاص ثورته، فلا توجد مشكلة إلا ولها حل مناسب، ولكن بعد هدوء وروية، والابتعاد عن تبادل الاتهامات، واتخاذ مبدأ التعاون، خصوصًا في حال عمل المرأة، ولا بد أن تكون هناك جلسة المصارحة بين الزوجين وتبادل وجهات النظر.
خامسًا: التوافق بين الزوجين. التوافق بين شخص وآخر في العمر والثقافة والظروف الاجتماعية، يمكن أن يحقق نوعًا من الألفة الروحية والاجتماعية، ولكن هذا لا يمثل خطًا عامًا، فقد نجد زيجات كثيرة، على الرغم من أنه لم يتم التوافق في هذه الأمور نجدها أكثر نجاحًا من بعض الزيجات التي تملك هذا التوافق.
الزوج الأناني
ويضيف د.خالد: يوجد أزواج أنانيون ومحبون لذواتهم، يتهربون من المسؤوليات والواجبات، فتتحمل الزوجة تلك الأمور عنهم، ثم يعود ليلومها ويعاتبها إذا قصرت، ومن هؤلاء الأزواج من يعشق السهر في المقاهي مع أصدقائه، فلا يتابع شؤون أسرته من احتياجات وأولويات، ولا يتأثر برنامجه ببرنامج أسرته، تاركًا كل الأمور على كاهل الزوجة، فهناك من الرجال من يؤمن بمقولة إن المرأة خلقت من أجل الرجل، خلقت لتشقى وتفنى وينعم الرجل في غروره وأنانيته، هذه المقولة فيها ظلم للمرأة، فإذا أنصفها الإسلام لماذا لا ينصفها الرجل، فيتعاون معها في إدارة شؤون البيت، وتربية الأطفال، وتنظيم النسل، ووضع برنامج صحيح ومنظم لأعمال البيت وشؤون الأسرة، وتدريب الأولاد على الاعتماد على أنفسهم في الكثير من الأعمال، ومشاورة الزوجة في بعض الأمور والقرارات.
الخلافات الزوجية
من أهم أسباب الخلاف بين الزوجين العناد، والملل، والكسل، وتدخل الأهل، والغيرة، والأنانية، والبخل، وحب السيطرة، وعدم الصدق، والعدوانية، والعنف، والانعزالية السلبية، وهذا ينعكس سلبًا على الزوجين، فتصبح العلاقات متكدرة، تمثل معاناة عميقة في نفسيتهما، حيث إن التواصل السيئ والجدال المدمر يؤدي عادة بشخصين يحبان بعضهما البعض بشدة إلى الألم والمعاناة لكليهما، وإلى جانب الألم النفسي الشديد هناك العديد من الأدلة التي تشير إلى أن الأفراد الذين لديهم علاقات متكدرة يصبحون أكثر حساسية للتعرض لكثير من الاضطرابات النفسية والجسمية، كما تعد الحالة الاجتماعية والزوجية من أهم عوامل ظهور الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب، وتزداد الإصابة بالأمراض بين المنفصلين والمطلقين والمطلقات، وتقل بين المتزوجين، كما أظهرت الدراسات الحديثة زيادة معدل الإصابة بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب بين المنفصلين والمطلقين عنه في العزاب، وبالتأكيد يؤثر هذا الأمر في الطفل، فينمو سويًا في وجود علاقة دائمة، ودافئة، ووطيدة، ومستمرة مع الأب والأم وبين الوالدين أنفسهم، بالإضافة إلى وجود علاقة سوية بين الإخوة. أما الاضطرابات النفسية المصاحبة لسن المراهقة فهي الاكتئاب، والقلق، والإدمان، والانحرافات الجنسية، والتعثر الدراسي، واضطرابات الأكل، واضطرابات الكلام، ويقدر معدل الاكتئاب قبل دخول المدرسة بنحو 3.0%، وقبل البلوغ بنحو 8.1%، أما عند المراهقة 5.4%، ويتمثل الاكتئاب في سن المدرسة في التعثر الدراسي، والأعراض الجسدية، والانسحاب الاجتماعي، وأعراض القلق، أما الاكتئاب ما قبل البلوغ فيتمثل في أعراض جسدية، وفرط الحركة، وغضب، وتمرد، واكتئاب المراهقة يتمثل في السلوك غير الاجتماعي كالانحراف، والعدوان، وتعاطي المخدرات، والفشل الدراسي وأعراض جسدية، أما اضطرابات القلق الاجتماعي فهي الأكثر شيوعًا لدى المراهقينو وتتمثل في الخوف من الغرباء، والخوف من المواجهات، وأعراض قلق عند التعرض لموقف اجتماعي، ويمكن علاج تلك الخلافات من خلال مناقشة الزوجين لمشكلة واحدة فقط في كل مرة، وحلها قبل الانتقال إلى مشكلة أخرى، دون تراكمات انفعالية، يطلب من الزوجين تجنب أي تخمين لنية حاقدة في سلوك الشريك الآخر، وتجنب الاستخدام المتبادل للألفاظ والتصرفات الحادة، خاصة في أثناء وضع الحلول دون تقييم مستمر، وتنمية التقبل العاطفي عن طريق بناء التسامح، والتعرف على أنماط الزوجين لكل منهما، والاستعداد للانتكاس، وإعادة التأكيد الإيجابي لسمات كل منهما، والتدريب على حل المشكلات، ومعاونة الشريك على تحقيق ذاته، ومساعدته على الثقة بنفسه، والمرح، والترفيه، والتشجيع، والتذكير بنواحي التميز والجمال في الشريك، وتجنب النقد الحاد واللوم المستمر، وكذلك الصدق، وحسن توظيف الوقت، والحفاظ على استقرار المزاج النفسي، والذكاء، والتعبير عن الحب والإعجاب بالقول والفعل بإخلاص ووفاء.