د.وفاء طيبة:
الطفل المبدع صناعة مشتركة
المبدعون الصغار خطوة نحو تعديل الوضع الثقافي في المجتمعات العربية.
• الرياض: سحر فؤاد أحمد
• تصوير : هشام شما
واقع التعليم في مجتمعاتنا العربية ينقصه الاهتمام بالتربية الإبداعية, وبالذاكرة والاستيعاب، أكثر من القدرات العقلية الأخرى، لذا تزداد الشكوى من قلة المبدعين في عالمنا العربي, الأمر الذي يسوغ التساؤل عن موقع التربية الإبداعية في مناهجنا التربوية، ودور الوالدين في تنمية القدرات الإبداعية لدى الأطفال، وصناعة الطفل المبدع.
د.وفاء طيبة، أستاذة علم النفس بجامعة الملك سعود، وصاحبة أول برنامج لتدريب الأطفال على الكتابة الإبداعية، تستشرف دلالات هذه القضية المهمة في مجتمعاتنا العربية.
|
|
|
|
معظم الناس يبدؤون حياتهم وفي حوزتهم حد أدنى من الإبداع كرواية القصص، والتعبير عن انفعالاتهم وأفكارهم، إلا أن هذه القدرة تظل حبيسة لدى معظمنا، ما يجعلها تفقد رونقها وأصالتها تدريجيًا, لا سيما إذا كان واقع التعليم لا يهتم بالتربية الإبداعية والقدرات العقلية قدر اهتمامه بالذاكرة والاستيعاب، فأسلوب التعليم في مجتمعاتنا قد اهتم بالقراءة، وأهمل الكتابة بمعنى التأليف في مراحل التعليم الأولى، وكان ذلك ترجمة لنظرة مجتمعية ترى أهمية القراءة في مجتمعات في بداية مسيرتها بالتعليم. وبذلك أهملت قدرات عقلية مهمة تؤدي إلى الإبداع.
ووفقًا للدكتورة طيبة فإن العقل الإنساني لا بد له من التحرك فيما وراء المعلومات والخبرات المختزنة، لتحليلها أو تجميعها بطريقة جديدة، لإنتاج الإبداعات التي ترقى بها الأمم، لذا اهتمت الدول المتقدمة ببرامج تنمية الكتابة الإبداعية، وأدركت أهميتها، وكان نتاج ذلك ضخامة الإنتاج الأدبي في تلك الدول مقارنة بالدول العربية.
ما شروط الكتابة الإبداعية؟ وكيف يتم إتقانها؟
هناك نوعان من الكتابة: الكتابة الوظيفية التي تتم لتحقيق اتصال الناس ببعضهم لتنظيم حياتهم، وقضاء حوائجهم. والكتابة الإبداعية، وهي التعبير عن المشاعر، والأحاسيس، والآمال، والآلام، والخواطر النفسية، ونقلها إلى الآخرين بطريقة جذابة، مثيرة، لتؤثر في الحياة العامة. وكلاهما يمكن أن يكون إبداعيًا.
وقد صممت برنامجًا لتدريب الأطفال على الكتابة الإبداعية وهو أول برنامج خاص لتنمية الكتابة الإبداعية وتطويرها في المملكة العربية السعودية تم تطبيقه على أطفال المرحلة الابتدائية، ويعتمد على نموذج يهتم بالطفل كأساس، وبالبيئة الدافعة له على الكتابة، وتعليمه التفكير فوق المعرفي، وقدرات الكتابة الإبداعية، وبعض المهارات الخاصة بالكتابة، كما يهتم هذا البرنامج، أيضًا، بتقييم الناتج الكتابي، وتوفير بعض الأساليب والاستراتيجيات التي يستخدمها المعلم مثل: التعلم بالنموذج، أي أن يمارس المعلم النشاط مع الطلبة، ويستخدم المنظمات البيانية، ويكتب المذكرات الشخصية، ويستخدم الفنون والألعاب الحركية في تعلم بعض المفاهيم، ولقاء المعلم الذي يهتم فيه بطالب واحد، وحاجاته، ومشكلاته. وغير ذلك من الأساليب.
البيت هو البيئة الأولى للطفل، وبالتالي فإن تهيئة الوالدين لهذه البيئة يساعد على البدء مبكرًا في تنمية الإبداع عند الأطفال، لا سيما في مجال الكتابة الإبداعية، فكيف يتم ذلك؟
العلاقة وثيقة بين القراءة والكتابة، فعلى الوالدين مساعدة أطفالهم على القراءة وتنمية حبها لديهم، والقراءة لهم في الصغر، وحتى بعدما يتعلمون القراءة بأنفسهم. فيقرأ الوالدان مع أطفالهما قراءة جهرية، ويستمعان إليهم وهم يقرؤون، سواء كانت القراءة في قصة، أو مقالة في مجلة، أو صحيفة، أو قصيدة شعرية، أو مقالة علمية، فالتنويع في القراءة ضروري.
الشيء الجميل، أيضًا، أن يناقش الوالدان مع أطفالهما ما يقرؤون معهم، مثل مناقشة رأي الطفل في موضوعات، وعناوين القصص، والكتب التي يقرؤونها، هل هي مناسبة؟ هل أعجبتهم؟ ولماذا؟ وكذلك مناقشة كلمات الكاتب، وسلاسة أسلوبه، وتنظيمه ما كتب، وأفكاره، ومشاعره بطريقة مبسطة تناسب عمر الطفل. كما أنه من المفيد أن ينبه الطفل إلى اسم الكاتب، والرسام الذي ساعد في إخراج القصة، أو الكتاب بتلك الطريقة، وهل الغلاف مناسب للموضوع أم لا؟ وهل يمكن إضافة أي شيء في رأيك؟ ويمكن أن يحاول الوالدان تشجيع أطفالهما على كتابة قصة جديدة يحلان فيها المشكلة بطريقة إبداعية جديدة، ويجب تشجيع الأطفال على زيارة المكتبات العامة، وتوفير أدوات الكتابة في المنزل بصورة دائمة من أقلام، وأوراق مختلفة الأحجام، وألوان مختلفة الأنواع، وتشجيعهم على كتابة مذكراتهم الشخصية بصورة يومية، فالكتابة اليومية عامل مهم جدًا في تنمية قدرات الكتابة الجيدة.
كما أن للكتابة في المذكرات الشخصية أهمية لتسجيل ملاحظات الأطفال عن الأشياء الغريبة، أو الجميلة، أو المزعجة بالنسبة لهم. كذلك يتدرب الطفل عن طريقها على الكتابة الحرة، وتساعده كتابة المذكرات على جمع الأفكار ليكتب عنها مقالات أو قصصًا فيما بعد. وللكتابة اليومية دور مهم في تفريغ انفعالات الأيام الصعبة، فيكتب الطفل عن خبراته السعيدة، ومشاعره، وأفكاره الجديدة، كما يمكنه أن يكتب رأيه فيما قرأ.
كما أن التعلم بالقدوة مهم في الإبداع، فلا بد أن يرى الأطفال والديهم وهما يكتبان، وأن يكتب لهم والداهم حتى ولو كانت الكتابة مجرد رسائل قصيرة، يعبر فيها الوالدان عن مشاعرهما نحو أبنائهما، فيلمس الأطفال أهمية الكتابة وتجسيد المشاعر الصادقة بها، ثم يمكن تشجعيهم على تبادل تلك الرسائل. كما يمكن للوالدين إشراك الأطفال، وطلب مساعدتهم في الكتابة، كالمساعدة في كتابة بطاقة تهنئة، أو معايدة بأفكارهم أو كلماتهم.
ومن أساليب تربية الطفل المبدع حديث الوالدين مع الطفل عن أحداث سابقة، أو قصص عائلية، أو خبرات جديدة مر بها الوالدان، أو عن الإعلانات التي يشاهدها معهم في الصحف، أو خلال البرامج التلفازية، والتحاور مع الطفل عن لغة الإعلان، كسؤاله: هل استطاع الإعلان توصيل الرسالة؟ هل كانت فكرته جديدة؟ هل حمل مشاعر خاصة؟ ماذا تقترح لتعديل الإعلان؟ كما يمكن التحدث معهم عن أماكن قاموا بزيارتها معًا، والتحدث عن تفاصيل رحلة معينة في بلد معين، في المكتبة، في حديقة الحيوان، ثم يمكن أن يطلبوا منهم الكتابة عما رأوه، وعن مشاعرهم في دفتر المذكرات الشخصية.
كما يمكن عرض كتابات الأطفال في مكان واضح بالبيت، أو على أشخاص يشجعونهم، ويمتدحون محاولاتهم بكلمات صادقة مثلًا:«لقد كنت هذه المرة أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرك»، «أفكارك جديدة في هذه القصة»، «يا إلهي، أكاد أسمع صوتك في أذني وأنا أقرأ، من المؤكد أنك بذلت جهدًا واضحًا لتصوير مشاعرك...».
وحسب د.طيبة، فإن دور المدرسة في تربية الطفل المبدع لا يقل أهمية عن دور البيت، فتنمية الكتابة الإبداعية لا تحدث إلا بتوافر برامج للكتابة تقدم للأطفال في المدارس. والدور الأساسي في هذا المجال يقع على عاتق التعليم. وخلق البيئة المدرسية التي تشجع على الكتابة والإبداع هو العامل الأساسي في تنمية قدرات الإبداع، لذلك ينبغي تعليم الأطفال أسس الكتابة وأشكالها المختلفة: المقالة، والقصة، والشعر، ثم المقالة الإقناعية، والمقالة الخيالية، والمقالة العلمية، والحكاية، والقصة الواقعية، والقصة الخيالية، والمسرحية، والشعر. مع تطبيق فكرة كتابة المذكرات الشخصية بأنواعها في المدرسة، بحيث يخصص وقت معين يوميًا للأطفال للكتابة فيه.ولا بد من البدء بتعليم الكتابة الإبداعية في المراحل المبكرة من العمر، فهذا يسهل تعلمها في المراحل التالية، وأن يتم بناء المناهج التعليمية على أساس دراسة مراحل النمو لدى الطفل، بحيث لا تكون المناهج سهلة مملة لا تستثير التحدي لدى الطفل، ولا تكون صعبة أو غير مناسبة لنموه العاطفي والعقلي. وبذلك يمكن التأكد من عدم إهدار القدرات العقلية في التعليم. ومن الضروري زيادة الوقت المخصص للكتابة الإبداعية في المدرسة، وتنسيق البيئة الفيزيائية المحيطة بالطفل بحيث تكون مشجعة على التعلم، ومحتوية على كل ما يحتاج إليه عقليًا، وعاطفيًا، واجتماعيًا. وتزويد مكتبات المدارس بالكتب المناسبة لكل مرحلة عمرية، وفي مختلف المجالات، لتلبية احتياجات الأطفال وميولهم بحيث تجذب انتباه كل الأطفال، كل حسب ميوله وذكائه.
وعن دور المعلم في صناعة طفل مبدع تؤكد د.وفاء أهمية إعادة النظر في برامج إعداد المعلمين، بحيث تتضمن تدريبهم على أن يكونوا مبدعين يمكنهم تنمية الإبداع لدى الطلبة. وتدريبهم على الإدارة الصفية بشكل عملي، وعلى وسائل التعليم الجديدة، كالتعلم التعاوني، والتعلم الإبداعي، والتعلم القائم على أبحاث الدماغ. مع ضرورة عقد دورات تدريبية للمعلمين لتنمية قدراتهم الذاتية لتدريس الكتابة الإبداعية، وتكون هذه الدورات مرتبطة بالعلاوة السنوية، بحيث تشكل حافزًا لمن يجتهد من المعلمين.
وعلى جميع المعلمين أن يحرصوا على تهيئة البيئة النفسية المناسبة للتعلم، وتنمية الإبداع. وأن تكون هذه البيئة قائمة على التقبل، والتعزيز، وتنمية الثقة بالنفس، وتقدير الذات للأطفال. وعلينا أن ندرك أن صناعة الطفل المبدع تتطلب تكامل أدوار المدرسة، والمعلم، والبيت، وإلى فتح قنوات الاتصال بين المدرسة والبيت، بهدف تهيئة المناخ الاجتماعي المناسب لنمو الإبداع، بحيث يتعاون الجميع لدفع عجلة التعلم والإبداع لدى الأطفال. حيث إن إحدى قنواته هي إنشاء نادٍ للأطفال, تتم فيه تنمية ملكاتهم الإبداعية تحت إشراف مجموعة من المبدعين أصحاب التجارب.