ذاكرة المكان


تراثية ابن حمسان
عراقة الماضي وألق الحاضر
قرية تراثيةتكلفت30 مليون ريال تحكي تراث منطقة عسير.

• خميس مشيط: عبدالله علي الزهراني
محرر صحفي الخطوط السعودية، العلاقات العامة

ما أجمل العودة إلى الماضي، وما أروع استنشاق عبق التاريخ التليد الذي سطر فيه الآباء والأجداد ملاحم كبيرة من العطاء والتضحية لأجيالهم القادمة، تاركين وراءهم تراثًا وماضيًا لا يقدر بثمن. هذا التراث وقف خلفه رجال استشعروا أهميته، وعملوا جاهدين لحمايته والحفاظ عليه. ظافر بن حمسان، أحد أبناء منطقة عسير، خبير بالتراث الجنوبي، وعاشق للتاريخ منذ نعومة أظفاره، أنشأ قرية تراثية حمل حجارتها بنفسه من الجبال القريبة وساعده أبناؤه. أطلق عليها اسم عائلته «تراثية ابن حمسان».

  • يستقبل ابن حمسان زوار القرية التراثية مرتديًا زيًا وطنيًا تقليديًا

  • يقدر زوار القرية بأكثر من 1200 شخصية سياسية، وثقافية، وإعلامية

اكتشاف الموهبة
هواية التراث يكشف «ابن حمسان» بدايتها بقوله: وجدت داخلي شيئًا يجذبني نحو التراث بقوة، وذلك في عام 1397هـ، في ذلك التاريخ كنت قد تخرجت حديثًا في معهد سلاح الطيران بمهنة فني رادار. قريتي الجميلة لم تغب عني أبدأ، كنت أتخيلها، دائمًا، كرسمه فنانًا تشكيليًا، وحين اكتملت اللوحة الجميلة في ذاكرتي نفذت أول عمل فني، وكان ركنًا صغيرًا للديكور طعمت فيه الأعمال الخشبية بلمسات من التراث، ذلك المشروع الصغير حقق صدى وقابلية كبيرة عند الأصدقاء والمقربين، ورويدًا رويدًا تطورت الفكرة حتى حظيت بمشاركة في معرض الصناعات الوطنية بأبها، وافتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة عسير آنذاك، وهو خير من دعمني واكتشفني. بعد ذلك كلفني بإنجاز قرية عسير في الجنادرية التي تعد الانطلاقة الحقيقية في مشوار التراث الطويل.

مشروع القرية
بدأ ابن حمسان العمل في القرية عام 1411هـ، وكان أول جزء يتم إنجازه هو مجلس «العريش»، وهو المكان المخصص لاستقبال الضيوف وتقديم المشروبات الساخنة يطل على مساحة من الأرض كانت تستخدم لدرس المزروعات، ثم بدأ في مشروع المتحف، وتلاه المسرح الذي جاء على تصميم الأطلال قديمًا ومجلس المنطقة في الماضي، وله من الجانبين درج، ويجلس الحضور بشكل نصف دائري لتناول القهوة العربية مع «شبة الضوء»، ويشاهدون الأحداث أو الرقصات الشعبية.

بروتوكول الاستقبال
يستقبل ابن حمسان زوار القرية التراثية مرتديًا زيًا وطنيًا تقليديًا يدخلهم من باب «الدرب» الذي كان مخصصًا لدخول الجمل بما حمل، يصعد ليحييهم من موقع مرتفع يسمى «الراية»، وهو الموقع الذي تتناقل فيه الأخبار من قرية إلى قرية، يتجه الزوار إلى مجلس «العريش» يشربون القهوة، أو السنوت، أو القشر، وهي مشروبات ساخنة قديمة، حينها يطلق من بندقيته القديمة طلقة بارود تجسد مدى الحفاوة البالغة التي حظي بها الضيف في الماضي، ويقدم لهم نبذة موجزة عن محتويات القرية، وتاريخ المنطقة، وتراثها الأصيل.

رحلة التراث
يسافر الزائر في رحلة مباشرة إلى التراث الأصيل، ويتوجه صوب القصر الحجري الذي صمم على شكل هرمي من أربعة طوابق، ووضع في كل دور منه ما كان يوضع فيه قديمًا من أثاث، ويشاهد مكان مجالس الضيوف، والنوافذ، وأماكن النوم، ومجلس الرجل الذي كان يتفاخر به، ويضع فيه كل أدواته الشخصية وسلاحه، بعد ذلك ينزل الزائر إلى موقع المطبخ الذي وضع أعلى نقطة من البيت، حيث علل «ابن حمسان» ذلك لسببين، الأول حفاظًا على صحة أفراد الأسرة من تأثير الدخان عند استخدام الحطب، والثاني لتحقيق الأمن والسلامة في حال نشوب حريق، حيث يكون مصدره بعيدًا عن المنزل والأسرة، كما يتعرف الزائر على العديد من الموجودات الأثرية والتصاميم الفنية النادرة، ما يجعله يعيش واقعًا حقيقيًا لحياة الأسرة في الماضي، ويستنشق معه عبق التراث الأصيل، ويشعر بجماليات تلك الأيام وروعتها.

متحف القرية
عندما يستريح الزائر يحلق إلى مكان آخر لا يقل متعة وتشويقًا عن سابقه وهو المتحف، فأرضيته تم رشها بالماء الكثيف مسبقًا، وذلك تجسيدًا لمضمون الترحيب التقليدي في منطقة الجنوب «مرحبًا تراحيب المطر». يتجول الزائر من خلاله في أركان متنوعة تم تخصيصها للزراعة، والنقل، والمواصلات، والوثائق، والتراث، والري، والمرأة، وقد احتضنت نحو 800 قطعة أثرية أحدثها يبلغ من العمر مئة عام، ولا تشكل إلا نسبة 10% من المقتنيات الفعلية الموجودة لدى «ابن حمسان»، حيث يحتفظ بالباقي في مستودع خاص، نظرًا لضيق مساحة القرية، وقد امتزجت الموجودات بشكل رائع مع التقنية، حيث تمت الاستفادة منها وتسخيرها لإضافة لمسات جمالية تراثية إلى التقنية، للإسهام في استمرار الحياة في الماضي إلى المستقبل.

زوار القرية
يقدر عدد زوار القرية بأكثر من 1200 شخصية سياسية وثقافية وإعلامية دونوا في سجل الزوار كلمات تتضمن إعجابهم وتقديرهم لما شاهدوه من عمل ضخم، وتراث، ومقتنيات مميزة، بالإضافة إلى ما اكتسبوه من معلومات تاريخية قيمة عن المنطقة الجنوبية.

التكلفة 30 مليون ريال
القرية العجيبة بلغت كلفة بنائها نحو 30 مليون ريال، وتشمل قسم المباني الجبلية، وقسم مخصص للمأكولات الشعبية، حيث يقدم نحو 20 صنفًا من الأطعمة الشعبية القديمة، أما الأخير فهو الجزء الشرقي الذي يحكي تراث منطقة عسير. هذا المشروع التراثي يعده مهندسه بمنزلة بطاقة دعوة لزيارة قرى حقيقية قائمة، حيث يبلغ عددها نحو 5 آلاف قرية في منطقة عسير.