سياحة


ثيران وصنافر
جزر سياحية في البحر الأحمر
تقع جزيرة ثيران عند الطرف الشمالي للبحر الأحمر وهي من أكبر جزر المملكة.

• د.عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون
مستشار جيولوجيا نفط، عضو هيئة التدريس، جامعة الملك سعود

قرأت كثيرًا عن ساحل البحر الأحمر وجزره وشعبه المرجانية، وتجولت على امتداد سواحله وبعض جزره، والغوص لمشاهدة بعض شعبه المرجانية، وكنت قد شاهدت جزيرة ثيران وصنافر وأنا أقف عند رأس الشيخ حميد، وعند رأس قصبة، وما يؤسف له أن كثيرًا من الناس، بل ومن المثقفين والباحثين لا يعرف عن هاتين الجزيرتين شيئًا، بل لا يعرف أنهما جزيرتان سعوديتان. ولقد أحسن الأساتذة: أحمد الغزاوي، ومحمد الراشد، وعبدالله العنيزان صنعًا عندما سلطوا الضوء على جزر المملكة وسواحلها، خصوصًا ما ذكروه عن جزيرتي ثيران وصنافر في كتابهم الموسوم «جزر المملكة العربية السعودية في البحر الأحمر والخليج العربي».

في زيارة قصيرة قمت بها إلى شرم الشيخ في مصر الشقيقة والتجول على امتداد ذلك الساحل الجميل الممتد من رأس محمد جنوبًا إلى رأس جميلة، ونبق، أو الغرقانة شاهدت من بعيد جزيرة ثيران. وبدعوة كريمة من فاضل قريب قمنا بجولة بحرية صوب تلك الجزيرة، وبعد إبحار لمدة ساعتين ونصف اقترب المركب السياحي من سواحل جزيرة ثيران، حيث المياه الضحلة الزرقاء وتحتها الشعب المرجانية التي كان قد سبقتنا إليها عشرات المراكب التي تقل مئات السائحين والغطاسين والصيادين.

شعب مرجانية ملونة، ومياه ضحلة صافية زرقاء تركوازية، ومياه عميقة زرقاء غامقة خلابة المنظر، تأخذ لروعتها وجمالها الألباب. ونحن نقترب من شاطئ ثيران طلبت من القبطان أن يرسو على الشاطئ للاطلاع على الجزيرة جيولوجيًا، للتعرف على أنواع صخورها، ففاجئني عندما ذكر أن ذلك غير ممكن لوجود فرقة من قوة حفظ السلام الدولية، ويمنع الرسو أو النزول على الجزيرة، وذكرني بتلك الطائرة التي كانت تحوم في المنطقة بأنها إحدى وسائل جهاز الإنذار المبكر الذي يتخذ من الجزيرة مركزًا.

ونظرًا للاهتمام المتنامي لتطوير المعالم السياحية في المملكة فإننا أمام معلم سياحي متميز في موقع جغرافي استراتيجي وهو جزيرتا ثيران وصنافر، ولذا لابد من تسليط الضوء على هاتين الجزيرتين والتأكيد على هويتهما السعودية، وموقعهما الاستراتيجي، وأهميتهما السياحية، وكيفية تأهيلهما، ولعل أولى الخطوات هي التعريف بهاتين الجزيرتين إعلاميًا، ثم العمل على بناء المراسي للتواصل بين الساحل والجزيرتين، وكذلك ربط جزيرة ثيران بجسر من رأس قصبة، وربط جزيرة صنافر بتوأمتها جزيرة ثيران بجسر أو عبارات منتظمة الإبحار.

وقبل الحديث عن جزيرتي ثيران وصنافر نستعرض معلومات عامة حول سواحل المملكة على البحر الأحمر وخليج العقبة وجزرها.

الواجهات البحرية للمملكة
تتمتع المملكة العربية السعودية بموقع استراتيجي في قلب جزيرة العرب، وتغطي مساحتها نحو مليوني كيلومتر مربع أي نحو ثلثي الجزيرة العربية، وتطل المملكة على أربع واجاهات بحرية يبلغ مجموع أطوالها 3400 كيلومتر وهي:
• واجهتان على الساحل الغربي بطول 2400 كيلومتر وهما: البحر الأحمر «80% من طول ساحل البحر الأحمر» وخليج العقبة.
• واجهتان على الساحل الشرقي بطول 1000 كيلومتر وهما: شمال الخليج العربي «900 كم» وجنوب الخليج العربي «خليج العديد» «100كم».

البحر الأحمر
البحر الأحمر بحر شبه مغلق يمتد لمسافة 2037 كيلومترًا من باب المندب جنوبًا إلى رأس محمد جنوب شبه جزيرة سيناء، حيث يتفرع إلى فرعين: شمالي شرقي وهو خليج العقبة وشمالي غربي وهو خليج السويس، ويتصل البحر الأحمر بوساطة منفذين ببحار أكبر وهما بحر العرب «خليج عدن» عن طريق باب المندب، والبحر الأبيض المتوسط عن طريق قناة السويس.

ثرواته الطبيعية
البحر الأحمر غني بثرواته الطبيعية الحيوية منها والمعدنية والنفطية، فالبحر الأحمر تعيش فيه أنواع كثيرة من الأحياء البحرية، فهنالك أكثر من 1284 نوعًا من الأسماك، وفي صخوره وأعماقه التي تراوح بين 1000 متر إلى 2500 متر الكثير من الثروات المعدنية، ففي أعماقه الزنك، والنحاس، والذهب، والفضة، والرصاص، والمنجنيز، وفي صخوره النارية يوجد النيكل، والبلاتين، والزبرجد، وفي صخوره البركانية الزجاج البركاني، وفي صخوره من المتبخرات الغنية بالملح الصخري والبوتاسيوم والجبس، وفي طبقات صخوره ثروات نفطية وغازية.

خليج العقبة
يمثل خليج العقبة الذراع الشمالي الشرقي للبحر الأحمر، وهو بحر مغلق في طرفه الشمالي، ويمتد من رأس الشيخ حميد إلى العقبة، ويبلغ طوله 185 كيلومترًا، ويبلغ أقصى عرض له 33 كيلومترًا شمال مدينة مقنا، وتبلغ أعمق نقطة فيه نحو 1720مترًا.

جزره قليلة جداً وهي جزيرة العشة «أم العش» شمال رأس الشيخ حميد، والوصل «الحميضة» جنوب غرب مدينة حقل، والجزيرتان تابعتان للمملكة، وجزيرة فرعون تابعة لمصر.

عدد الجزر
لقد أمكن حصر 1300 جزيرة كبيرة ومتوسطة وصغيرة تابعة للمملكة، تحيط مياه البحر الأحمر وخليج العقبة بـ1150 جزيرة أي 88.5% من جزر المملكة.
أمكن التعرف على أسماء 405 جزر فقط، أي نحو 35% من تلك الجزر المعروفة «1300 جزيرة»، منها 376 جزيرة معروفة الأسماء في البحر الأحمر.

نشأة الجزر
تتنوع جزر البحر الأحمر حسب نشأتها إما بسبب اندفاعات صخور نارية جوفية، أو ثورات بركانية، أو صخور رسوبية بسبب انبثاقات صخور ملحية عميقة أو حيوية بسبب الشعب المرجانية، أو ترسبات رمال بحرية، أو كثبانية وطبيعة صخورها، فمعظم جزر البحر الأحمر تتكون من صخور نارية جوفية كانت أو بركانية، وصخور ملحية وشعب مرجانية وهي الأغلب.

تضاريس الجزر
تتنوع الجزر حسب تضاريسها، فهناك نوع من الجزر لا يتجاوز ارتفاعه أعلى من منسوب مياه البحر في أثناء المد، وقد تغطيها مياه البحر في أثناء المد، وقد تكون جبلية مرتفعة وعرة.

الشعب المرجانية
ينتشر في البحر الأحمر نحو 200 نوع من المرجان أبرزها النوع الهدابي، وهناك نحو 20 شعبًا رئيسة محاذية لسواحل البحر الأحمر السعودية منها شعاب الشقائق، والبهم، والبلد وأبو شوشة. وتشكل صخور الشعب المرجانية أغلب جزر البحر الأحمر.
الشعب المرجانية تكون حواجز تمتد بمحاذاة السواحل وتعمل كحواجز طبيعية لحماية السواحل من الأمواج العاتية. تأخذ الشعب المرجانية أشكالاً مختلفة منها الحيود المرجانية، والحواجز المرجانية، والحلقات المرجانية.

السياحة
تتميز جزيرة ثيران بوجود سلسلة من الشعب المرجانية، خصوصًا في جانبها الشرقي، وتكاد تتصل بالشعب المقابلة لها على عند رأس الشيخ حميد وجنوبه. تتنوع أشكال هذه الشعب وأنماطها وألوانها الزاهية فمنها مرجان المراوح، ومرجان المخ، ومرجان قرن الغزال، ومرجان عش الغراب، وغيرها.
تمتلك جزيرة ثيران الكثير من العناصر الطبيعية الرائعة للجذب السياحي، حيث تتنوع سواحلها وشعبها المرجانية ومختلف مظاهر التنوع الطبوغرافي والبيئي والحيوي من شعب مرجانية، وأسماك، وطيور، وأنواع الصخور والرمال، ما يجعلها مقصدًا للباحثين عن الراحة، والاسترخاء، والسباحة، والغوص، وصيد الأسماك، والطيور وغيرها.

جزيرة ثيران
يطلق كثير من الناس على جزيرة ثيران اسم جزيرة «تيران»، وهذا خطأ، فاسمها ثيران جمع ثور، وهو وصف لشكل الجزيرة وجبالها، وهنالك جزيرة أخرى بهذا الاسم تقع أقصى الشمال الشرقي لأرخبيل جزر فرسان في الجنوب قبالة ساحل جيزان.

ذاع صيت جزيرة ثيران وبرزت أهميتها لموقعها الاستراتيجي عند مدخل خليج العقبة وخلال أزمة غلق مضيق ثيران أمام الملاحة الإسرائيلية، ثم حرب سنة 1967. يعد هذا المضيق الممر الملاحي الرئيس لخليج العقبة إلى البحر الأحمر، حيث يبلغ عرض المضيق بين جزيرة ثيران السعودية شرقًا ورأس النصراني على ساحل شبه جزيرة سيناء غربًا نحو 3.5 ميل بحري أو 6.5 كيلومتر.

المضيق عبارة عن ممرين: «الانتربرايز» أو ممر التعاطي وعرضه نحو ثلاثة أرباع الميل بحري، وممر «جرافتون»، أو ممر القرفتين وعرضه نحو نصف الميل بحري. وهناك ممر ثالث لخليج العقبة إلى البحر الأحمر بين شعب جزيرة ثيران غربًا ورأس الشيخ حميد ورأس قصبة شرقًا وعرضه بين ثيران ورأس قصبة نحو 4.5 ميل بحري، وهذا الممر قليل الاستخدام ملاحيًا بسبب ضحالة مياهه وكثرة شعبه وتعرجاتها.

تقع جزيرة ثيران عند الطرف الشمالي للبحر الأحمر عند مدخل خليج العقبة، وهي من أكبر جزر المملكة وهي جزيرة جبلية تتكون من صخور نارية ورسوبية وسواحلها رملية وجيرية شعابية، ويبلغ ارتفاعها 518 مترًا عن مستوى سطح البحر، وجزيرة ثيران هي إحدى أكبر أربع جزر سعودية تبلغ مساحتها أكثر من 50 كيلومترًا مربعًا، حيث تبلغ مساحتها نحو 61 كم مربعًا، ويبلغ طولها نحو 14 كيلومترًا، وتبعد عن الساحل الشرقي نحو 3.4 ميل بحري، وحولها جزر يبلغ عددها نحو سبع جزر صغيرة.

تتكون جزيرة ثيران من قسمين يكاد يفصلهما خليج، قسم شمالي صغير وقليل الارتفاع يبلغ نحو 42 مترًا، وشواطئه واسعة وسهلة، وصخوره رسوبية شعابية، وتحيط بسواحله شعب مرجانية ضحلة المياه، وقسم جنوبي أكبر جباله مرتفعة تتكون من صخور نارية «جرانيتية»، تعلوها صخور رسوبية رملية وجيرية شعابية، ويتدرج ارتفاع هذه الجبال من الشمال إلى الجنوب من 366 مترًا إلى 518 مترًا، ثم تنحدر بشدة نحو الساحل على هيئة حافات وجروف نحو ساحل عميق المياه.

جزيرة ثيران جزيرة سعودية لشعبها المرجانية امتداد وارتباط «جيولوجي» وتضاريسي نحو الساحل الشرقي للبحر الأحمر صوب رأس الشيخ حميد ورأس قصبة. هذه الشعب المرجانية وعرة وغاطسة، ما يجعل الملاحة خلالها أمرًا بالغ الصعوبة.

جزيرة صنافر
تقع جزيرة صنافر جنوب شرق جزيرة ثيران، ويفصل الجزيرتين ممر مائي عرضه نحو 1.5 ميل بحري بين رأس الشفرة شرق جزيرة ثيران ورأس صنافر غرب جزيرة صنافر، ويتوسط الممر شعب مرجاني يُعرف بشعب «أبو طنين». تبلغ مساحة صنافر نحو 25 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ طولها نحو 8.5 كيلومتر، وتبعد نحو 4.5 ميل بحري عن رأس قصبة، ويفصلها عنه ممر مائي مياهه ضحلة كثيرة الشعب المرجانية الغاطسة.

تنقسم جزيرة صنافر إلى قسمين شرقي وغربي يكاد يفصلهما خليج صغير، الجزء الشرقي هو الأكبر مساحة وفيه بعض الجبال التي يبلغ ارتفاعها نحو 112مترًا، والجزء الغربي أقل مساحة وجباله أقل ارتفاعًا، حيث يبلغ ارتفاعها 49 مترًا. تنتشر على طول السواحل الغربية للجزيرة بعض السباخ، بينما يغلب على شواطئ الجزيرة الحافات والجروف الصخرية، وتحيط بسواحلها الشعب المرجانية والقليل من الجزر الصغيرة.
تشبه جزيرة صنافر جزيرة ثيران من حيث النشأة والتركيب الجيولوجي، فصخورها جيرية مرجانية.

• المرجع: «جزر المملكة العربية السعودية في البحر الأحمر والخليج العربي»، تأليف الأساتذة: أحمد الغزاوي ومحمد الراشد، وعبدالله العنيزان، هيئة المساحة الجيولوجية السعودية.