|
:النحات د.محمد الفارس
الأشكال الطبيعية
مصدر إلهامي
.إسقاط الفنان رؤيته الفنية على أعماله يكسبها بعدًا خياليًا وحوارًا لا ينتهي |
• حوار وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
فن النحت يختلف في أسلوبه عن بقية الفنون الأخرى، فهو يتعامل في الأبعاد الثلاثية بأنماط فنية أكثر إبداعًا، وله القدرة على محاكاة الواقع الملموس، بعيدًا عن التخيل القسري والخداع البصري، تلك المتلازمة التي تلازم، عادة، الفنون المسطحة كالرسم والتصوير الفوتوغرافي، فيكون الإبداع فيها مرهونًا بقدرة خيال المتلقي وذائقته.
|
|
|
|
النحت أحد أهم الفنون على مدى التاريخ، بل أقدمها، حسب قول الفنان السعودي د.محمد الفارس، وهناك علاقة قوية بين الإنتاج البشري المادي أيًا كان والنحت، بدءًا من الأدوات البسيطة وانتهاءً بأعقد الآلات الحديثة، الأمر الذي يعطيه أهمية ليس فقط على مستوى الفن، بل وعلى المستويين الحضاري والاقتصادي، والمنحوتة أقرب إلى الواقع، والله، سبحانه وتعالى، أعطانا عينين وليس واحدة لكي نرى المناظر على حقيقتها بثلاثة أبعاد، في حين أن الرسام والمصور التشكيلي يعمل على محاولة إظهار البعد الثالث باستغلال الظل والنور والمنظور فيما يمكن عده خداعًا بصريًا.
وحول البدايات في هذا المجال يقول الفارس: كانت لي ميول لصنع الأعمال ثلاثية الأبعاد منذ الصغر، فقد استخدمت الرصاص، والجبس، والطين، والبلاستيك، ولي تجارب نحتية منذ عام 1399، لكنها لم تتجاوز محيط الأصدقاء والأقارب، وخلال بعثتي للدراسة في بريطانيا أتيحت لي الفرصة لزيارة العديد من المتاحف، والمعارض الفنية، ومهرجانات الأعمال اليدوية، وبعد عودتي إلى المملكة عام 1418 بدأت ممارسة النحت على الأخشاب واستخدام المواد المستهلكة.
هل مارست مجالًا فنيًا آخر غير النحت؟
التصوير الفوتوغرافي كان من هواياتي المبكرة منذ عام 1398، وهي هواية لا أمل من ممارستها، لكن فترة التأمل الحقيقية كانت مصاحبة لهوايتي في التصوير، حيث انجذبت كثيرًا إلى الأشكال الطبيعية التي تراها العين في الأشجار والحواف الصخرية، حيث يمتزج الخيال بالواقع الطبيعي، وقد كان لتجوالي في المرتفعات الجنوبية الغربية خلال دراستي الميدانية لدرجة الماجستير 1406 أثر كبير في زيادة تذوقي للمعنى الفني للبيئة، وكذلك الأمر خلال دراستي الميدانية للدكتوراه عن منطقة أبها، وكانت في صيف عام 1414. كما أمارس الكتابة في مجال الفن التشكيلي في صحف المملكة.
هل تأثرت بأحد من فناني الخليج والعالم؟
لعل أكثر الأعمال تأثيرًا هي المنحوتات الطبيعية، فهي وإن كانت منجزًا طبيعيًا إلا أن إسقاط الفنان رؤيته الفنية عليها يكسبها معنى خياليًا وحوارًا لا ينتهي، وقد أثار دهشتي وإيماني بصحة طريقي أنني قرأت مقابلة لهنري مور أعظم نحات معاصر قال فيها: إن الأشكال الطبيعية تلهمه، وإنه يقضي وقتًا في السير على الشاطئ، ويستمتع بجمع الصخور ذات التكوينات الجميلة، ويتأمل أشكال العظام المختلفة، ومن يشاهد أعماله يجد هذا التأثير بوضوح.
ومن أهم من استفدت منهم من فناني المملكة الفنان عبدالجبار اليحيا الذي لا أمل من الحديث معه في جوانب فنية وثقافية شتى، وهو يرأس، حاليًا، الجماعة التي أنتمي إليها، وهي جماعة «ألوان» للفنون التشكيلية. كذلك الأمر مع الصديق الفنان سعد العبيّد.
كيف ترى احتفاء المجتمع السعودي بانجازاتك الفنية وممارساتك الإبداعية؟
على الرغم من أن الكلمة لا ينظر إليها بألفة في مجتمعنا، إلا أن النحت كممارسة له تاريخ طويل ومستمر رافق مسيرته الحضارية، ويمكن لنا أن نجد ملامح نحتية في تراثه الذي لا شك أنه طبع بطابع إسلامي بعد ظهور الإسلام الذي حارب عبادة الأصنام وصنع التماثيل. ولكن من خلال تجربتي أجد أن أعمالي تجد الترحيب، خصوصًا أنها أقرب إلى الأسلوب الحديث في الفن، بالإضافة إلى تأثير الإرث الطبيعي الذي تتميز به معظم أعمالي.
هل هناك علاقة بين تخصصك في الجغرافيا السياحية والفن التشكيلي؟
بالتأكيد ومن جوانب عدة، فالجغرافيا تتطلب التـأمل في الكون: السماء والأرض، الطبيعة والإنساني، وهي تساعد كثيرًا في توليد الأفكار الفنية التي تنبع من معرفة علمية للعمليات الطبيعية والبشرية التي تعدّل الأشكال حولنا، ومن أمثلتها عوامل التعرية. والسياحة تعتمد على مقومات عديدة ليس أقلها الإرث الحضاري ومنه الفن التشكيلي، ولدي حماس كبير لتوظيف النحت في إنتاج تذكارات سياحية.
هل تتفاعل وجدانيًا مع ما تنحته أم تعده نوعًا من العبث لشغل وقت الفراغ؟
النحت نوع من التعبير والتفاعل مع محيط الإنسان، فهو لمحة فكرية يصوغها الفنان لا لغرض بالضرورة، انفعال إنساني: تنهيدة أو حالة فرح، أو غضب، أو تذوق للجمال يعبر عنها بشكل مرئي.
هل تبيع أعمالك أم تكتفي بعرضها ثم اقتنائها؟
لا مانع من عرض بعضها للبيع عدا بعض القطع الأثيرة على النفس، والمكافأة الحقيقية للفنان هي عندما تثير شعورًا لدى المتلقي، وهي وإن ابتعدت عن الفنان، فهي جزء منه أثيرة لديه، وقد يحن لرؤيتها.
ما مدى التعاون بينك وبين النحاتين السعوديين الآخرين؟
هناك من تخصص في النحت مثل: علي الطخيس، والأخ سعود الدريبي، والأخ محمد الثقفي من الطائف، وفهد الجبرين من القويعية، وغيرهم كثير، والعلاقة معهم علاقة ود وتبادل خبرة، وقد سبق أن اشتركت مع بعضهم في ورش عمل، ومعارض، وأعمال مشتركة. وهناك عدد من النحاتين المجيدين الذين لم أتشرف بالتعاون معهم أو التعرف عليهم، وأتمنى أن تجمعنا رابطة أو جمعية خاصة بالنحت.
ما أبرز المعوقات التي تواجه النحات السعودي؟
الفنان الصادق يعمل لتحقيق ذاته والتعبير عنها، ولكن بلا شك فإن الدعم والتقدير وتوفير صالات العرض المتخصصة في النحت سيكون له أثر جيد. ما زال النحت يعاني غياب النقد الحقيقي وإن انتحل بعضهم صفة الناقد.
هل النحت للرجال فقط؟
النحت مجالات متعددة، فهناك البناء، والتركيب، والإزالة، وتستطيع المرأة ممارستها كالرجل، قد يحتاج بعضها إلى قوة عضلية، ما يجعله غير مناسب لأكثر النساء، لكن هذا لم يمنع ظهور عدد من المختصات في نحت الصخور، خصوصًا أنها تتفاوت من حيث الصلابة، كما برز العديد من الأسماء في النحت الخزفي مثل: مها العويفي الغامدي، وأماني الجحدلي، وسوزان الصايغ، وخلود المفرج.