حوار


إبراهيم عبدالمجيد:
الكتابة لا تصنع الأزمات
التغيير مرتبط بمراحل النضج لدى الكاتب الذي قد يتغير في أسلوبه دون التنازل عن مقتضيات اللغة.

Pict1

• القاهرة: ثناء رستم

إبراهيم عبدالمجيد، كاتب سكندري عاشق لمدينته، كتب عنها العديد من الروايات التي غطت مراحل مختلفة من تاريخها. ترجمت رواياته إلى لغات عدة، استقبلها القارئ الأجنبي ليتفاعل مع كلماته البسيطة وأحداثه الإنسانية التي استمدها من مدينته المفضلة الإسكندرية، تنوعت أعماله الروائية ما بين اقتحام أسرار الفترات التاريخية التي مرت بها الإسكندرية وأحداث شديدة القتامة، وأخري شديدة البهجة.

  • الرواية هي الفن الذي يستطيع جمع الفنون كلها، وتتسع لتحمل داخلها السياسة والتاريخ والعلوم

  • الكتابة متعة وعذاب في آن واحد، وعذابها يسميه يحيى حقي «الجزل» أي: الشعور بالفرح

لكل أديب أو كاتب أسلوبه والهدف الذي يكتب من أجله، فلماذا يكتب إبراهيم عبدالمجيد؟
أكتب لأفرغ ما بداخلي، لكي أشفى، وأكتمل، وأقول كلمتي، وأغير، وأتغير، فالكتابة لا تصنع الأزمات، بل تعالج الأزمات الروحية والنفسية، وهو ما جربته بنفسي وعلى نفسي، فعندما كتبت روايتي «برج العذراء» ساعدتني على الشفاء من أزمة نفسية سيئة كنت أعانيها، وعندما كتبت روايتي «عتبات البهجة» كنت أشعر بوطأة الفراغ، وهي رواية عن الذاكرة والنسيان، وعندما كتبت أولى رواياتي لم أخطط لذلك، فعندما كان عمري أربعة عشر عامًا قرأت رواية رومانسية، وشعرت برغبة غير عادية في إعادة كتابتها، وأضفت إليها الكثير من خيالي، وبدأت إعادة كتابة كل رواية أقرأها وكان منها رواية «أنا الشعب» لمحمد فريد أبوحديد، وكتبتها مرة أخرى باسم «شعاع الجلباب الأزرق»، ورواية «هذه النفوس» ليوسف السباعي، وسميتها «هذه القلوب»، وعندما بلغت السادسة عشر من عمري حضرت ندوة للناقد محمد مندور عن المذاهب الأدبية، وعرفت من خلالها أن الكتابة لها أصول ومذاهب، فقررت أن أدرس أولًا وأقرأ بشكل منتظم.
لم تعد الرواية مجرد حكاية، وإنما أصبحت تمتلئ بالخلفيات: السياسية، والاجتماعية، والثقافية، وهو ما يلمسه القراء في العديد من الروايات العالمية مثل: «العطر» أو «اسمي أحمر»، ولكن ما زالت الرواية العربية قاصرة عن ذلك المفهوم، وعن ذلك يقول إبراهيم عبدالمجيد: الرواية هي الفن الذي يستطيع جمع الفنون كلها، ولكن لا بد أن يكون بها عنصر ثابت هو الحكاية، ومن هنا تتسع الرواية لتحمل داخلها السياسة، والتاريخ، والعلوم، المهم ألا تتحول إلى مقال، وهناك العديد من الكتاب الذين كانت لهم تلك المحاولات مثل: صنع الله إبراهيم، وهدى بركات، وسالم بن حميش من المغرب، ومع ذلك فإن الكاتب العربي لا يشغل نفسه بالتعمق في ثقافة الموضوع، لأن لديه ضغوطًا أخرى يعانيها وينشغل كثيرًا بالمشكلات الاجتماعية والسياسية بعكس الكاتب الأجنبي الذي يعبر عن غضبه الكوني.
الكاتب والمجتمع
هناك معادلة صعبة بين الكاتب والمجتمع، فعلى الرغم من أنه يستمد إبداعه ممن حوله إلا أنه ينعزل ويبتعد، لكي يتحقق ذلك الإبداع، فهل تأثر إبراهيم عبدالمجيد بتلك المعادلة؟
هذه المعادلة صحيحة والكتابة تؤثر في الحياة الاجتماعية للكاتب فقد أثرت في شخصيًا، لأنها أصبحت الشيء الذي أستغني به عن العالم كله، وأشعر دونها بأنني مغيب في الحياة، ولا أرتاح إلا عندما أكتب، كما أن الفترة بين رواية وأخرى هي أصعب فترة أمر بها، لأنني أشعر بأنني مستهدف من الحياة نفسها، ولذلك لا أجد الوقت للتفاعل مع الناس لكي تتطور علاقتي بهم.
والكتابة متعة وعذاب في آن واحد، وعذابها يسميه يحيى حقي «الجزل» أي: الشعور بالفرح وهو عذاب ليس مؤلمًا، وأستطيع تصور أن المبدع أو الأديب يستغني بالكتابة عن أي شيء آخر في العالم.
الكاتب الحقيقي
هل ينشغل إبراهيم عبدالمجيد بالقارئ وهو يكتب؟ وهل يمكن أن يتغير من أجله؟
الكاتب الحقيقي يصرف ذهنه في أثناء الكتابة إلى الكتابة فقط، ولكن التغيير مرتبط بمراحل النضج لدى الكاتب الذي قد يغير أسلوبه دون التنازل عن مقتضيات اللغة، لأنها ثرية، وهذا لا يمنع الكاتب من البحث عن قراء جدد مثل الشباب، والتوجه اليهم، لأن القراءة الحقيقية تكون في سن الشباب.
والرواية تحقق الآن أعلى معدلات التوزيع، وأصبحت تصدر منها طبعات عدة متتالية مع أن ذلك بالطبع لا يتناسب مع زيادة عدد السكان، خصوصًا إذا قارنا ذلك بالخارج، ولكن على الرغم من كل تلك الظروف التي تعانيها مجتمعاتنا العربية التي تقف كلها ضد الأدب ما عدا القارئ. وأعلم أن الكثيرين يختلفون معي فالقراء رغم قلة عددهم إلا أنني أرى أن الأعداد مناسبة بالنسبة للظروف التي تمر بها مجتمعاتنا من مشكلات اجتماعية، وسياسية، وتعليمية، وثقافية.
رواية جديدة
قد أوشكت على الانتهاء من رواية جديدة بعنوان «في كل أسبوع يوم جمعة» وهي تجربة جديدة بالنسبة لي، حيث تعتمد على فكرة البوح الإنساني من خلال مجموعة تلتقي في إحدى المدونات، وبدأت الفكرة بعدما لاحظت تأثير ذلك من خلال المحادثات على الإنترنت و(Face
Book )والعلاقات الإنسانية التي تنشأ بين مجموعة من الأغراب يرتبطون معًا بالرغبة في الحديث والبوح، وأنا لا أرصد المدونة، وإنما أرصد الحالة الإنسانية التي تدور داخل المدونة، وأخرج بهم خارج جهاز الحاسوب ليلتقوا معًا، وبعضهم ينجح في ذلك وبعضهم الآخر يشعر بأن القدرة على البوح والتواصل لا يمكن أن تتحقق من خلال اللقاء، فيختارون البقاء داخل جهاز الحاسوب.
وجاء اختياري عنوان الرواية من شرط وضعته صاحبة المدونة وهو أن لقاءهم الحواري لا بد أن يتم يوم الجمعة، وأنها لا تقبل الأعضاء إلا يوم الجمعة، وأحاول من خلال الرواية إلقاء الضوء على حياتنا المعاصرة، والدخول إلى ذلك العالم من خلال المشاعر الإنسانية المختلفة، وهو ما سميته «ضرورة اكتشاف العوالم المختلفة واقتحامها»، وقد أكون قد أقدمت على تلك التجربة بعدما قدمت العديد من الروايات التاريخية.