تغيرت حياتنا فتغيرت خريطة القلب
غذاؤنا دواؤنا
التوتر النفسي، والتدخين، والسمنة، والأطعمة السريعة وراء زيادة الإصابة بتصلب الشرايين.
يمتلئ القلب بأسرار كثيرة يكتشف العلم بعضها كل يوم، وتظل شرايينه وأوردته تحمل الكثير، وآلام القلب تحتاج إلى طبيب بارع ومتخصص لكي يصل إلى التشخيص الدقيق وبالتالي العلاج، فالشفاء خصوصًا مع ازدياد عدد المصابين بأمراض القلب المختلفة، نتيجة زيادة ضغوط الحياة، وارتفاع نسب التلوث، وغزو الأطعمة المشبعة بالدهون التي يقبل عليها الأطفال والشباب وتترسب في الجسم، لتسبب مشكلات خطيرة بعد ذلك.
د.أحمد خشبة، أستاذ أمراض القلب والأوعية الدموية بكلية الطب جامعة عين شمس، يكشف لنا الكثير من أسرار القلب وأوجاعه، وأيضًا خريطة أمراضه.
|
|
لم تعد الأمراض التي تصيب القلب الآن هي نفسها التي كانت تصيبه في الماضي كالأمراض الروماتيزمية التي كان يليها مرض الشرايين التاجية الذي انخفض متوسط سن الإصابة به إلى الثلاثينيات والأربعينيات.
كيف حدث ذلك التغيير؟ وما أسبابه؟
يرجع ذلك إلى الضغوط النفسية الشديدة، وزيادة نسبة التوتر والمشكلات اليومية، مع وجود عوامل أخرى مثل: ارتفاع نسبة التلوث، فهناك رأي علمي ونظرية طبية تربط بين التهاب الشرايين وزيادة نسبة التلوث، وبالتالي الإصابة بأمراض الشرايين، ويزيد خطورة أمراض الشرايين الكثير من العادات السلوكية السيئة مثل: التدخين، والسمنة، وعدم ممارسة الرياضة، وعدم بذل أي مجهود جسماني، وهو ما نراه حولنا من زيادة الرفاهية في الحياة اليومية، فمن يمتلك سيارة لا يكاد يمشي تقريبًا، وهناك أدوات تقلل نسبة حركة الإنسان أصبح يستخدمها ولا يكاد يستغني عنها، فكل شيء بالريموت كنترول.
كلما تقدم الإنسان في العمر زادت رغبته في الراحة وعدم بذل مجهود جسماني، فهل تمثل تلك الرغبة خطورة على حياته؟
لا يعني التقدم في العمر عدم الحركة، ويمكن للإنسان المسن أن يمارس رياضة تناسبه مثل المشي بخطوات متمهلة، وليس من الضروري ممارسة الرياضة العنيفة، ولكن المشكلة في تعرض الشباب لأمراض الشرايين، نتيجة تلك العوامل السابقة، لأنهم أصبحوا أكثر عرضة من غيرهم للإقبال على سلوكيات الحياة العصرية التي تتسبب في إصابتهم بتلك الأمراض.
هل من الثابت أن أمراض القلب وراثية؟
هذا صحيح تمامًا، ولكن يمكن لشخص أن يحمل جينات المرض ولا يتعرض للعوامل السابقة، ما قد يمنع ظهور المرض، ولدينا حالة لتوأمين متطابقين والمفترض أن يصابا معًا بالأمراض نفسها، ولكن المفاجأة التي حدثت أن واحدًا منهما أصيب بأمراض الشرايين التاجية والآخر لم يصب، لأن المريض كان لا يمارس أي نوع من أنواع الرياضة ويدخن بشراهة، والآخر حافظ على ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول أطعمة صحية، ولم يدخن.
هل صحيح أن نسبة إصابة الرجال بأمراض القلب أكثر من النساء؟
هذا صحيح إلى حد ما، ومرتبط بعوامل أخرى، فنسبة إصابة النساء بأمراض الشرايين التاجية أقل من الرجال، ولكن هذا يحدث حتى سن معينة، وهو سن انقطاع الدورة الشهرية، وبعدها تتساوى نسبة الإصابة بين الرجال والنساء. فالهرمونات تحمي النساء من الإصابة بأمراض الشرايين التاجية، والشيء الوحيد الذي يمنع تلك الميزة عن النساء هو مرض السكري، فالسيدة المصابة بمرض السكري أكثر عرضة من الرجل للإصابة بأمراض الشرايين التاجية، وهناك أمراض أخرى تصاب بها النساء أكثر من الرجال مثل: ضيق الصمام المترالي الذي تصاب به النساء بنسبة 3 إلى 1، أما أمراض الصمام الأورطي، فالرجال أكثر عرضة للإصابة بتلك الأمراض من النساء، وهناك مرض واحد فقط يصيب النساء وحدهن.
قلت إن الوجبات السريعة أحد عوامل الإصابة بأمراض القلب فماذا عن الأطفال الذين يتناولون تلك النوعية من الطعام بكثرة؟
هؤلاء الأطفال عرضة أكثر من غيرهم للإصابة بأمراض القلب، وبمعنى آخر هم مرضى القلب القادمين، فبعض الدراسات تؤكد أن هؤلاء الأطفال يصابون بمرض تصلب الشرايين ابتداءً من سن السادسة أو السابعة، وعندما يصلون إلى منتصف العشرينيات يصابون بأمراض الضغط العالي، وقد تحدث لهم إصابات مبكرة في الشرايين، وهذا يعود إلى أن المواد الغذائية التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة والنشويات مثل رقائق البطاطس المقلية والشوكولاته، ولذلك يجب على الآباء والأمهات أن ينتبهوا جيدًا إلى ما يتناوله أطفالهم، ويحرصون على جعلهم يتناولون الخضراوات، والفاكهة، والألبان، ومنتجاتها إلى غير ذلك من الأطعمة الصحية، إلى جانب متابعة أطفالهم دوريًا بعمل تحليلات لمعرفة نسبة الكوليسترول في الدم.
تنتشر أمراض الدهون الضارة في الدم، فما العلاج؟
كما قلنا إن هذه الأمراض تقف وراءها نوعية الطعام المشبعة بالدهون، وهو ما يجب الابتعاد عنها تمامًا والحرص على تناول الأسماك تحديدًا ثلاث مرات أسبوعيًا، لعدم وجود مواد مشبعة بها، ومن عالم البحار يمكن أن نستعين بزيت كبد الحوت لتقليل نسبة الدهون الضارة في الدم، ويمكن تناوله فقط إذا كانت النسبة بسيطة، أما إذا كانت النسبة مرتفعة، فيمكن الاستعانة بزيت كبد الحوت إلى جانب العلاجات الأخرى، إلى جانب ضرورة اتباع نظام غذائي صحي.
ذكرت الالتزام بنظام غذائي صحي مفيد لمن لديهم نسبة دهون مرتفعة في الدم، ولكن هل يجهد التخسيس القلب؟
التذبذب في الوزن مرات عدة يحدث مشكلات، لأنه يغير نسبة محتوى الدهون في الجسم، ففي كل مرة يتم فيها انقاص الوزن تفقد المرأة جزءًا من الدهون وجزءًا من العضلات، وعندما تعود لزيادة وزنها من جديد تزداد الدهون فقط، ما يعني أنه تم استبدال الدهون بالعضلات، ما سبب زيادة نسبة الكوليسترول في الدم، والإصابة بمرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وتؤدي في النهاية إلى زيادة نسبة تصلب الشرايين، والإصابة بالأزمات القلبية الطارئة أو المزمنة، ولذلك يجب أن تحذر أي سيدة من التخسيس المتكرر والسريع، وأن تتبع نظامًا غذائيًا صحيًا متوازنًا، لكي يصبح في النهاية أسلوبًا للحياة، وليس مجرد فقدان كيلوجرامات عدة في أيام معدودة، وهذا بالطبع إلى جانب ممارسة الرياضة.
أمراض القلب من الأمراض التي يكثر فيها استخدام الأجهزة الملازمة للمريض من منظم لدرجات القلب، إلى دعامات تزرع داخل الشرايين، وأخيرًا رسم القلب للمريض عن بعد، فما طبيعة ذلك الجهاز؟
هو جهاز صغير بحجم بطاقة الائتمان ووزنه 37 جرامًا فقط يحمله مريض القلب، ويقوم بتسجيل رسم قلب للمريض على مدار 24 ساعة، لتمكين المريض من تسجيل رسم القلب يدويًا في أي وقت، وفي أي مكان، ويقوم بإرسال هذه البيانات إلى طبيبه، ليتم توجيهه إلى ما يمكن عمله بأسرع وقت ممكن.
هل يفيد في العلاج التشخيص المبكر لأمراض القلب؟
هذا صحيح تمامًا، خصوصًا مع استخدام الأجهزة التي تسهم في التشخيص مثل رسم القلب الكهربائي الذي يمكن أن يظهر وجود مرض مثل الذبحة الصدرية، ولأن رسم القلب الطبيعي لا يجزم بسلامة القلب بشكل قطعي، فقد يحتاج المرض إلى تسجيل نبض القلب فترة من الزمن من 24 ساعة إلى 48 ساعة، وأحيانًا 72 ساعة، ويقوم بذلك جهاز «الهولتر»، وهو جهاز صغير الحجم يسجل النشاط الكهربائي للقلب لفترة محددة، ويمكن للمريض أن يمارس حياته الطبيعية وهو يرتديه.
ما النصيحة التي تقدمها لمريض القلب؟
أقول له إن أمراض القلب التي تحتاج إلى تناول الدواء أو التدخل الجراحي أمراض شديدة الدقة، وكل ما فيها محفوف بالمخاطر، ولكن أستطيع أن أقول إن اتباع تعليمات الطبيب المعالج بدقة مع الالتزام والعودة إلى الحياة الطبيعية البعيدة عن التعقيد، إلى جانب إجراء الكشوف الدورية، كلها أمور تجعل مريض القلب إنسانًا طبيعيًا ولا خوف على حياته، وسأخاطب، أيضًا، الشخص السليم الذي لا يعاني أي مرض في القلب، وأقول له: لا بد من إجراء فحوص طبية دورية كل ستة أشهر، على الأقل، للاطمئنان، خوفًا من التعرض لأي أمر قد يراه الإنسان بسيطًا، ولكن تترتب عليه أمور خطيرة.