بئر سيسرا أهمها تاريخيًا
آبار طواها النسيان
الأمم التي كانت تجيد تقنية حفر الآبار والتحكم في الموارد المائية كانت هي المسيطرة .
• استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
مع ظهور الآبار الارتوازية فضلًا عن تحلية مياه البحر لم يعد أبناء الخليج يهتمون بالآبار التقليدية أو يعيرونها أدنى اهتمام، ولا يعد ذلك تجاوزًا لذواتهم بقدر ما هو سلوك أملته عليهم ظروف التمدن والارتقاء المعيشي بعد انسلاخ حقبة الفقر والإملاق الحضاري التي خاض غمارها أجدادهم.
لا شك في أن البئر لعبت دورًا عظيمًا ومهمًا في حياة الإنسان الأول، وكانت عنوانًا مميزًا للحضارات الصحراوية وعنفوانها، والأمم التي كانت تجيد تقنية حفر الآبار والتحكم في الموارد المائية كانت هي غالبًا الغالبة والمسيطرة، فالماء كما هو معروف عصب الحياة، والذي لولاه لما كانت هناك حياة أصلًا لقول المولى عز وجل:
{وجعلنا من الماء كل شيء حي}.
الكائنات الحية
وقد ثبت علميًا بما لا يقبل الشك أن هناك الكثير من الكائنات الحية بمقدورها العيش دون هواء ودون أكسجين ودون ضغط، أو تحت ضغط هائل أو في حرارة شديدة الارتفاع كحواف البراكين، أو في برودة مطلقة، بيد أنها جميعًا لا يمكنها العيش بدون الماء، حتى تلك الكائنات التي لا تشرب الماء تجدها تحصل عليه عادة عن طريق استخلاصه من أصل الهواء الذي يحوي بخار الماء، أو مما تقتات عليه من نباتات.
حضارة الإنسان
لذلك فمن الطبيعي أن تعتمد حضارة الإنسان اعتمادًا كليًا على الماء ومصادره المتعددة، كالأنهار، والبحيرات، والشلالات، والينابيع، والعيون، والآبار التي تستحدثها بمختلف التقنيات، خصوصًا في مناطق الجدب والصحاري القاحلة لتظفر بهذا الكنز العظيم، من هنا جاءت حكاية البئر والصراعات والنزاعات التاريخية التي قامت حوله وبسببه.
حفر الآبار
برع الأنباط في حفر الآبار والتحكم في مياهها، وإخفائها عن أعين الأعداء، حتى قيل إنه متى ما جاء أحد ليغزو مدنهم دلقوا ما بها من ماء وتركوها ليختفوا في مواقع معينة حددوا معالمها مسبقًا داخل الصحراء، وحفروا بها آبارًا لا يعرف أحد مكانها سواهم فتأتي الجيوش الغازية لتفاجأ بعدم وجود الماء فتهلك في مكانها، أو تستعجل الرحيل دون أن تلحق الأذى بأحد.
منطقة الحجر
ومن أشهر آبار الأنباط بئر عميقة نحتت في أصل الصخر بطريقة مدهشة تنم عن دراية وإتقان هندسي عاليين، استخدمها العثمانيون في أثناء بناء محطة سكة قطار الحجاز، وذلك في منطقة الحجر «مدائن صالح» في المملكة العربية السعودية، والمصنفة عالميًا من قبل اليونيسكو على أنها من التراث الإنساني العالمي. والمملكة تزخر بالكثير من الآبار الموغلة في القدم تنتشر غالبًا في المناطق الأشد تصحرًا، وتستحق الوقوف عليها ومعاينتها عن كثب مثل بئر هداج العظيمة في مدينة تيماء المذكورة في كثير من الكتب المقدسة.
تيماء القديمة
والحصن المذكور في بيت الشعر هو حصن تيماء المشهور، وبئر هداج لا يعرف بالضبط متى استحدثت ويرجح بعض المؤرخين أنها حفرت في القرن السادس قبل الميلاد، وتشتهر بوفرة مائها وعذوبته، واتساع فوهتها التي تبلغ ما يقارب الـ65 مترًا. وتقع البئر وسط تيماء القديمة وتعد من أضخم الآبار وأقدمها في العالم، والبئر مطوية بالحجر بعناية ودقة متناهيتين. وتستمد البئر أهميتها كونها مصدر الماء الذي لا ينضب لمزارع تيماء ونخيلها مهما تزاحمت عليه الدلاء والسواني التي تحيط به من كل جانب.
أسماك الزينة
ويرجع السبب في غزارة ماء بئر هداج، عين في زاويته الجنوبية الغربية لا تزال المياه تتفجر منها إلى يومنا هذا، وجود بعض أسماك الزينة التي عمدت بلدية تيماء إلى وضعها حتى تقوم بتنظيفها من الحشرات والطحالب. وقد كانت حقًا فكرة ذكية تستحق الإشادة، حيث ما إن تسقط حشرة أو يرمي أحد بقطعة من الخبز مهما كان حجمها إلا وترى السمك وقد تكالب عليها بأعداد كبيرة والتهمها في لحظات كما لو كانت تحاكي في تصرفها هذا أسماك البورانا الأمازونية.
جذب سياحي
وهناك اختلاف حول أسباب تسمية بئر هداج بهذا الاسم، وعلى ما ذكر أهل اللغة أنها تعني مقاربة الخطى، وحث السير إشارة إلى قوة تدفق الماء وسرعته من عين البئر، وتعد البئر أهم المعالم السياحية في تيماء ومنطقة استقطاب وجذب سياحي.
إرث عالمي
ومن الآبار المشهورة بالمملكة وتستحق المزيد من البحث والتقصي فضلًا عن الاهتمام والعناية بها كتراث وإرث عالمي البئر التي وردها موسى، عليه السلام، وجاء ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى }ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير{. وتقع البئر في مدين التابعة لمنطقة تبوك شمال غرب المملكة، وهي بئر محفورة في الصخر.
بنو أسد
وآبار لينة من الآبار التي يقف عليها المرء مشدوهًا تلفه الحيرة، ولينة قرية تابعة لرفحاء وتقع بين منطقة حائل والحدود الشمالية. ويعود تاريخ هذه القرية، حسب قول المؤرخ حمد الجاسر، إلى زمن النبي سليمان، عليه السلام، وتعد من أغزر مياه بني أسد، بها ما يقارب الثلاث مئة بئر محفورة في أصل الصخر بطريقة مذهلة ومحيرة للعقول، ما دعا بعض الناس للاعتقاد بأن جن سليمان هم من ابتدعها.
بئر الوليدي
من الآبار التاريخية المهمة في المملكة وتستحق الذكر بئر الوليدي في مدينة مرات التابعة لمنطقة الوشم، ويقال إن خالد بن الوليد حفرها في هذه المنطقة في أثناء حروب الردة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ولا تزال غزيرة المياه إلى يومنا هذا.
شبابيك القصور
على أن أشهر الآبار على الإطلاق تلك الآبار التي حفرت على طريق زبيدة، خصوصًا تلك البئر الواقعة قرب حائل، وتتميز باتساع فوهتها التي قد يصل قطرها إلى 15 مترًا، وقد طويت بالأحجار متماثلة الحجم بإحكام ودقة قلما يكون لهما نظير. والغريب وجود ذلك الباب الذي بني على شكل أبواب القصور الملكية أو شبابيكها داخل البئر وفوق مستوى الماء مباشرة، ولا أحد يعرف بالضبط إلى أين يؤدي وقد انسد داخله بالكتل الطينية. كما يظهر حول البئر، التي لا تزال عامرة بالمياه، برك مربعة كبيرة لها مدرجات على جوانبها بنيت بالكامل من الأحجار نفسها التي طويت بها البئر، ربما كانت لغرض ملئها بالماء لمساعدة الحجاج على الاغتسال وإرواء مطاياهم.
آبار تاريخية
وتعد بئر سيسرا المنحوتة في الصخر والواقعة في سكاكا الجوف من أهم الآبار التاريخية على نطاق العالم كونها تحمل اسم القائد الكنعاني الذي ابتدعها سيسرا الذي حارب اليهود في فلسطين وورد اسمه في التوراة والإنجيل، ونحت داخلها درج لولبي يؤكد مدى ما وصل إليه الكنعانيون من حضارة عمرانية.