الطفل قبل 6 سنوات
تعجل الزمان يعثر الخطى
مرحلة رياض الأطفال لإعداد الطفل للقراءة والكتابة وليس لتعلمهما.
• القاهرة: سمر صلاح الدين
عندما نروي الزهور لا يجب أن نسقيها حتى الغرق، فالحياة خطوات وقطرات لا طوفان من الأحلام الغارقة. إنها مجرد كلمات إلى الآباء والأمهات والقائمين على التعليم في مرحلة رياض الأطفال. فإجبار الطفل في هذه السن المبكرة على الإمساك بالقلم يلحق الضرر بأنامله. في السطور التالية يناقش خبراء التربية وعلم النفس الظاهرة، ويرصدون الأخطاء، ويضعون الحلول.
لا تخطؤنا العين ونحن نشاهدهم كل صباح وهم في طريقهم إلى المدرسة متعثري الخطى، انحنت ظهورهم الرقيقة من ثقل الحقيبة التي يحملونها وقد امتلأت بالكتب والكراسات. لم يعد هناك وقت سوى لأداء الواجبات المدرسية التي لا تطيقها عقولهم الصغيرة.
الأمهات والآباء فرحين بطفلهم الذى لم يتخطَ الخامسة من عمره وهو يقرأ ويكتب. تعطي له المدرسة الواجبات، وتعقد له الاختبارات، وتمنحه شهادة بتقييم مستواه وكأنه قد ضمن بذلك مكانة في واحدة من الجامعات المهمة وهو في هذه السن المبكرة.
المعلمون رغم علمهم أن التعليم في هذه المرحلة يجب أن يكون من خلال مناهج النشاط فقط، إلا أنهم يضربون بذلك عرض الحائط، بل ويثقلون هؤلاء الأطفال بكثير من المقررات بأساليب تعليمية لا تتناسب مع سنهم الصغيرة. والحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن كثيرًا منهم يضطر إلى ذلك بضغط من الآباء أنفسهم الذين لا يقنعهم المنهج النشاطي في هذه المرحلة ويتعجلون تعلم أبنائهم القراءة والكتابة، بل وأحيانًا كثيرة يثيرون بعض المشكلات في المدارس لهذا السبب.
أما بعض المعلمين فمنهم من يسعى إلى ذلك بعد أن يتطلع شوقًا إلى أرباح الدروس الخصوصية التي أصبحت هي الأخرى ظاهرة في مرحلة رياض الأطفال.
رياض الأطفال
د.سعد عبدالرحمن، أستاذ علم النفس الاجتماعي في قسم تربية الطفل بكلية البنات جامعة عين شمس، يؤكد أن الطفل في هذه المرحلة في حاجة إلى اللعب والتعلم، ولكن لا بد أن يتعلم من خلال اللعب.
فرياض الأطفال تعني «حدائق الأطفال». أي أن يلعب الأطفال ويتعلمون، ويكونون المفاهيم، ويكتسبون العادات الصحيحة من خلال التفاعل الحر المباشر بينهم وبين المعلم، فمثلًا مرحلة رياض الأطفال في السويد تستمر حتى سن 7 سنوات وهذا أفضل، حيث ينضج الطفل في أثناء تعامله مع بيئة الروضة، فشهادة تخرج الطفل في مرحلة رياض الأطفال هناك هو أن يكون قادرًا على رسم خريطة لروضته، وما يمر به في أثناء قدومه إليها من منزله.
كذلك في ألمانيا نجد أن برنامج رياض الأطفال قائم على اللعب، ولكن اللعب الموجه.
أما في فرنسا فيغلب على مرحلة رياض الأطفال الاتجاه التثقيفي مع اللعب، وفي معظم منطقتنا العربية نجد لهفة الآباء على أن يضمنوا لأبنائهم مستوى تعليميًا يؤهلهم للالتحاق بالكليات العملية أو الجامعات الأجنبية، ويجعلهم يزحمون أفكارهم مند مرحلة الروضة باللغات الأجنبية ومبادئ الرياضيات وما إلى ذلك، وهم بذلك لا يحققون التوازن المطلوب بين ما وهبه الله للطفل من استعداد وقدرة، وما يجب أن يتوافر له من رعاية وعناية.
طفل مبرمج
يضع د.سعد أيدينا على حقيقة الخطر الذي يهدد الطفل جراء هذا الواقع بأننا بهذا الأسلوب نقدم للمجتمع طفلًا مشوهًا عقليًا ليس لديه توجه، بل سنقدم طفلًا مبرمجًا وليتها برمجة جيدة. ليس ذلك فقط، بل إننا سوف ننشئ طفلًا فاشلًا اجتماعيًًا. فإذا حرم الطفل من اللعب في هذه المرحلة فمتى سيلعب؟!
ويرى أن العلاج بأن نأخذ مأخذ الجد الدراسات والرسائل التي تعد في أقسام تربية الطفل بالجامعات المتخصصة، حيث إن فيها برامج يمكن تنفيدها من خلال اللعب، لنسهل على المربي في هذه المرحلة، ونضع بين يديه منهجًا نشاطيًا محددًا وناضجًا.
ينصح، أيضًا، بألا يدخل مجال تعليم الأطفال في مرحلة رياض الأطفال المؤهلات الأقل من درجة البكالوريوس في تربية الطفل.
إعداد جيد للطفل
تتفق د.سهير كامل أحمد، عميد كلية رياض الأطفال، مع ما سبق في أن مرحلة رياض الأطفال هي مرحلة اللعب والعمل والتعلم، وترى أن هذا لا يتم إلا من خلال منهج النشاط الذى يضعه الخبراء في الكليات المتخصصة التي تقوم بتدريب طلابها عليه، لكي يتم إعدادهم جيدًا.
وعن خطورة عدم الأخذ بهذا المنهج تقول: إن عدم الالتزام بمنهج النشاط، وإجبار الطفل على القراءة والكتابة ودراسة المقررات له آثار سلبية، فالطفل في هذه السن لم يكن قد حدث له تآزر بصري وعصبي كامل يؤهله لاستيعاب هذا الأسلوب في التعلم. كذلك فإن عضلات أيدي الطفل في هذه السن لا تكون قد وصلت إلى النمو المتكامل، ما يؤهله للإمساك بالقلم بطريقة صحيحة، لذلك فإن إجباره على الكتابة في هذه السن له آثار سيئة بتشويه هذه العضلات.
واجبات مدرسية مثقلة
كذلك من الناحية النفسية للطفل، فإن إجباره على الكتابة وإلزامه بالواجبات المدرسية المثقلة يجعله يكره المؤسسة التعليمية، فيجب علينا أن نعرف أن فترة رياض الأطفال مرحلة إعداد الطفل للقراءة والكتابة وليست مرحلة قراءة وكتابة.
أما د.جيلان عبدالحميد، أستاذ طب الأطفال في جامعة عين شمس، فرأيها أن يكون تعلم الأطفال في هذه المرحلة عن طريق اللعب وليس التعلم النظامي، لأن ذلك سوف يؤدي إلى أضرار كثيرة منها أضرار صحية. فيجب ألا نجبرهما على الكتابة المنتظمة حتى سن 6 سنوات، وإذا أردنا أن نعلم الطفل الإمساك بالقلم فليس أكثر من أن يرسم دائرة كبيرة، لأنه في هذه الحالة سوف يحرك مفصل الذراع وليس مفصل اليد.
يجب أن نركز على إثراء خيال الطفل في هذه المرحلة فنعلمه بطريقة غير مباشرة عن طريق القصص، والألعاب، والألوان. أي أن يتعلم بالحواس: النظر، والسمع، واللمس، وليس عن طريق التلقين، ولكن بشرط أن يكون هذا الأسلوب من التعليم ذا أهداف وموجهًا وليس بشكل تلقائي أو عشوائي.