رسالة المسلم
النصيحة عهد على المؤمنين
حدد الله، سبحانه وتعالى، للمسلم مساره، وبين له طريقه، وهو محاسب على كل قول وفعل.
• إسماعيل العمري
نحن موقنون بأن النصيحة عهد على المؤمنين، ونعلم أن على المسلم أن يكون في حاجة المسلمين، ومنفعتهم، وعونهم. وكذلك فالنصيحة، والمسؤولية، والأمانة تعظم وتكبر باقتراب الناس من بعضهم، فالنصيحة، والدعوة، ورعاية الزوجة والذرية عهد، ورعاية، ومسؤولية يحاسب المرء عليها. وقد حدد الله، سبحانه وتعالى، للمسلم مساره، وبين له طريقه، فهو محاسب ومسؤول في كل مكان، وعن كل قول وفعل.
نحن موقنون، أيضًا، بأن إسلامنا جاء ليملأ الدنيا ضياء، وطمأنينة، وأمنًا، وسلامًا، وسعادة، وهناءً. إسلامنا جاء بالود، والمحبة، والإخاء. جاء الإسلام ليحفظ للإنسان كرامته، وودمه، وماله، وعرضه.
موقنون بأن المسلم يبقى مسلمًا إذا حل وإذا ارتحل، لا تتغير رسالته ولا يتبدل سلوكه، فهو مسلم مستسلم لأمر ربه في كل شأنه، وفي كل مكان. فأهل الإيمان هم الضياء إذا عم الظلام، يسعون في الأرض بالهداية، ويحملون الخير في قلوبهم ويبذلونه لكل الناس.
فالمؤمن كالطبيب يصف الدواء لمن يحتاج إليه في أي مكان يحل فيه، ويدل على الحق ويرشد إليه. فكيف السبيل ليكون كل منا عضوًا نافعًا ينفع الله به البلاد والعباد؟ وكيف نكون دعاة إلى الحق والهدى والنور؟
لقد بين لنا الله، جل في علاه، ونبيه، صلى الله عليه وسلم، الطريق لنكون هداة مهتدين ومرشدين إلى الخير والتقى، قال الله تعالى: }ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{.
وقال أيضًا: }ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر{.
وقال جل في علاه:
}كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله{.
وقال أيضًا:
}ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين{.
وقال سبحانه وتعالى:
}يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون{.
وهذه الآيات تحدد للمسلم رسالته، فالله، تعالى، خلق الخلق ليعبدون، قال سبحانه: }وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{. وجعل رسالتهم في الحياة الإرشاد والتوجيه إلى هذه الغاية النبيلة، وكل سعي مباح في الحياة إنما جعل لنستعين به على حسن الأداء في العبادة، لأنها السبب في الخلق والإيجاد.
قال النبي، صلى الله عليه وسلم:
«أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله، عز وجل، سرور تدخله على المسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع المسلم في حاجته حتى أقضيها له أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا».
وأي حاجة أعظم من الدلالة والإرشاد إلى سواء السبيل والدعوة إلى الخير والحماية من الانزلاق والغواية.
بعث الحسن البصري قومًا من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مروا بثابت البناني فخذوه معكم. فأتوا ثابتًا فقال أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال لهم قولوا له يا أعيمش أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة؟ فرجعوا إليه وأخبروه، فترك اعتكافه وذهب معهم.
والنصح لكل مسلم واجب على المسلم بنص حديث النبي، صلى الله عليه وسلم. ولا شيء يبني الأمم مثل الإيمان، ولا شيء يرفع الهمم مثل صحة العقيدة، والعبادة، وحسن اللجوء إلى الله، سبحانه وتعالى، وصدق التوكل عليه.
بالإيمان تشتد أصلاب المؤمنين وتزداد قوتهم، فلا تنهار الأمة المؤمنة، ولا تضعف أبدًا، وتبقى كالطود الشامخ، لذلك تعد الدعوة إلى طريق الخير خير الأعمال وأشرفها، لأنها طريق البناء، وبالدعوة تصان الأمة، وتحمى من الغزو الفكري والفساد العملي، وإذا كان للفرد ذكرًا أو أنثى قيمة في المجتمع، فإن قيمته يحددها ما يقدمه لأمته من خير وما يسديه من معروف، فالدعوة إلى الدين والإرشاد إلى طاعة رب العالمين مما تصان به الإنسانية كلها، وقد كان السلف، رحمهم الله تعالى، ينتهزون الفرص، ويستغلون المواقف للدعوة والإرشاد.
يقول الحسن البصري، رحمه الله: دخلت على بعض المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت، وكان منزله إزاء منزلي، وكان حسن الجوار، حسن السيرة، حسن الأخلاق، فرجوت الله أن يوفقه عند الموت ويميته على الإسلام. فقلت له: ماذا تجد؟ وكيف حالك؟
فقال:
لي قلب عليل ولا صحة لي، وبدن سقيم ولا قوة لي، وقبر موحش ولا أنيس لي، وسفر بعيد ولا زاد لي، وجنة عالية ولا نصيب لي، وصراط دقيق ولا جواز لي، ورب عادل ولا حجة لي.
فقال الحسن: فأقبلت عليه وقلت له: لم لا تسلم فتسلم؟
قال المجوسي: يا شيخ إن المفتاح بيد الفتاح والقفل ها هنا، وأشار إلى صدره، ثم غشي عليه.
قال الحسن: فقلت إلهي وسيدي ومولاي إن كان لهذا المجوسي حسنة عندك فعجل بها إليه قبل فراق روحه من الدنيا وانقطاع الأمل.
ثم أفاق المجوسي من غشيته وهذا العالم الجليل ما زال يدعو له ويرجو له الخير.
فأفاق مستبشرًا وفتح عينيه، ثم أقبل على الحسن فقال: أبشر يا شيخ، إن الفتاح قد أرسل المفتاح امدد يمناك، ثم نطق بالشهادة، ومات بعدها ولم يركع لله ركعة ذهب إلى رحمة الله. أنجاه الله بدعوة ودعاء مؤمن أراد به الخير، فوفقه الله إليه.
فما أعظم الفرق بين هذا وآخر يدعو على ابنه بالويل والثبور! وما أعظم الفرق بينه وبين مسلم يبعد ذريته عن طريق الخير، ويأخذ بأيديهم إلى الهلاك، ويحرص على إبعادهم عن طريق الخير والهدى! ولنا في هذه القصة عبر وفوائد، منها: إخلاص الحسن، رحمه الله تعالى، في دعوته، وحرصه على سلامة المجوسي ونجاته، وقدوته وأسوته في هذا سيد خلق الله، صلى الله عليه وسلم، الذي فعل الشيء نفسه مع الغلام اليهودي، ودعاه حتى أنقذه الله به ومات مسلمًا. ومنها صفات اليهودي التي وصفه بها الحسن من حسن الخلق، والسيرة والجوار، فقد امتد خير تلك الأمة وحسن صفاتها إلى من جاورهم من الكفار، والمشركين، وعبدة النار.
ومنها فقه المجوسي، وعلمه، وكلماته التي تدل على علم ودراية، وهو مجوسي ولكنه جاور الأخيار، فتعلم منهم. وهذا يدل على أنه سمع منهم الكثير، فأخرجها الله من صدره ونفعه بها وقت حاجته إليها، وأنقذه بها يوم هيأ له مؤمنًا مشفقًا، محبًا، ناصحًا أنقذه، وأخرجه من الظلمات إلى النور.
فنحن نريد سواعد تتقوى في الحق، والعدل، ونصرة الأمة، وخدمة العباد، وصيانة البلاد، ورجاء الخير ونشره وتعميمه. لا نريد الذين تشبعوا بالأفكار الشاذة ونظريات التدمير والتخريب، ولا دعاة التحلل والتفلت والفساد، ولا الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
لا نريد الذين يهرفون بما لا يعرفون، ولا الذين يغمزون ويلمزون. لا نريد الذين نصبوا لأمتهم العداء، ولا نريد دعوة أساسها الجهل والتراخي. نريد الذين يحملون مشاعل الهدى، ويبينون للناس ويرشدونهم إلى سبل الهداية.
نريد للمسلم أن يكون كالشمس لا يملكها أحد، فهي تشع لينتفع بها كل البشر والمخلوقات.
فنبينا، صلى الله عليه وسلم، أرسله الله إلى الناس كافة بشيرًا، ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. فهو، صلى الله عليه وسلم، عالمي الرسالة ونحن أتباعه، نحمل دعوته ونبلغها إلى الخلق كلهم في كل زمان ومكان.
فقد كانت رسالته، صلى الله عليه وسلم، وستبقى رحمة مهداة، ونعمة مسداة. والدنيا كلها تبحث اليوم عن حامل النور الذي عرف منهجه، وحدد وجهته، وتفانى في أداء رسالته، كما تفانى السلف الصالح، رحمهم الله تعالى، من قبل. نريد دعاة يشعرون بغيرهم ويحسون بإحساسهم. نريد من يواسي الناس ويعطف عليهم بحب، ورغبة، وإخلاص، وتفانٍ.
نريد من يمثل دينه، وبلده، وأمته خير تمثيل، ويكون قرآنًا يمشي على الأرض، وفضيلة تُرى بالعين. نريد للمعاني والقيم الإنسانية أن ترتفع في القلوب، فيحس المسلم بآلام أمته، وأمراض مجتمعه، وحاجات أسرته.
نريد الفئة المؤمنة الصالحة الكريمة أن تتكاثر، وتظهر، وتنتشر لتنشر الخير في حلها وارتحالها. نريد ترجمة المعاني السامية التي أتى بها ديننا العظيم وتصويرها وإظهارها.
نريد أن ندرب أنفسنا على العمل للدين في كل مكان نوجد فيه.
أخي المسلم والقول إليكِ أختي المسلمة كونا دعاة إلى الله حيثما كنتما، ولا تحقرا من المعروف شيئًا ولا تتهاونا في العمل اليسير، فقد يكون له الأثر الكبير.
أنت تشرب الماء ورأيت مسلمًا يقف بجوارك، اعرض عليه، واسكب له، فهذه دعوة للمسلمين وغيرهم. وأنت تركب أو تنزل من أي وسيلة نقل ورأيت شخصًا مثقلًا بحمله، اعرض عليه المساعدة فهذه دعوة. وأنت تعبر الطريق ورأيت طفلًا أو عاجزًا ساعدهما على العبور، فهذه دعوة. إذا رأيت عاصيًا، أو مخطئًا، أو مخالفًا، تقدم إليه، وانصحه برفق، وحب، وابتسامة.
سلم على من تمر به من المسلمين، فهذه دعوة، وأنت تفعل هذا طهر نفسك من كل سوء، أو فعل، أو خلق مشين يبعدك عن الله ويسيء إلى دعوتك، ولا تدع للسوء فرصة ليزاحم الخير في قلبك، وقولك، وعملك. واستمر، دائمًا، وابدأ البحث عن مساوئ نفسك لتطهرها وتزكيها، ولا تشتغل بعيوب غيرك عن عيوبك، فهذا يثبط دعوتك.
ويكفيك أخي المسلم أنك ترى عيوب غيرك بسهولة، وتخفى عليك عيوبك، فلا تقل في غيرك ما لا يعنيك واشغل نفسك وسمعك وبصرك بما فيه رضا ربك، وخالقك، ومولاك.وصاحب أهل الفضل، والعلم، والتقى، وابتعد عن أهل السوء والفساد، فالبعد عنهم غنيمة. املأ أيامك بالدين، وتقرب إلى رب العالمين، وابتعد عن المنكر وأمكنته. وكن هكذا في حلك وارتحالك، في بيتك، وعملك، وسفرك. والأمر سهل، بتوفيق الله، سيهديك مولاك، سبحانه، ويهدي بك، وستكون نافعًا لنفسك، وأسرتك، ومجتمعك، وأمتك.
|