متحف الآثار الأردني
شاهد على التاريخ
وسجل للحضارات
مركز ثقافي ومعرض للمكتشفات الأثرية يطل على عمَّان الحديثة.
• عمَّان: نزار الغنانيم
منذ فجر التاريخ وعلى مر العصور، ولموقعه المتميز على تقاطعات طرق العالم القديم، تعاقب على الأردن العديد من الحضارات والتجمعات السكانية، تاركة دلالات أثرية تشهد على حضورها. متحف الآثار الأردني شاهد على التاريخ يسجل تأثير حضارات المسلمين، ومصر، وبلاد ما بين النهرين، والفرس، واليونان، والرومان، والبيزنطيين، على ثقافة هذه المنطقة وحضارتها.
|
|
يقع متحف الآثار الأردني على قمة جبل القلعة، أحد الجبال السبعة لمدينة عمَّان القديمة التي كانت تسمى في العصر الحديدي «ربة عمون» العاصمة القديمة للدولة العمونية، ويتميز هذا الموقع بإطلالته الساحرة المشرفة على معظم مناطق عمَّان الحديثة.
يتألف المتحف من طابقين: الأرضي وهو مخازن لحفظ القطع الأثرية، والأول يضم عددًا من قاعات العرض، وقد صممه وخططه المهندس المعماري الإنجليزي أوستن هاريسون.
وحسب عبدالرحمن هزيم، أمين متحف الآثار الأردني، أسس المتحف عام 1951 ليكون مركزًا ثقافيًا وسجلًا حضاريًا للحضارات التي تعاقبت على أرض الأردن، ويعرض المكتشفات الأثرية العديدة التي عثر عليها في مختلف المواقع الأثرية بالأردن، وقد رتبت هذه الموجودات ترتيبًا زمنيًا متسلسلًا حسب العصور التاريخية بدءًا بعصور ما قبل التاريخ وانتهاءً بالعصور الإسلامية.
العصر الحجري
ينقسم العصر الحجري في الأردن إلى فترات زمنية متتالية، وقد كشف عن أقدم مخلفات هذا العصر في أعمق التشكيلات المتراكمة في تل أبوهابيل في غور الأردن، وهي فؤوس يدوية كبيرة وشظايا وشفرات كبيرة، كما تشتمل على بقايا عظام بعض الحيوانات التي منها أسنان جاموس، وحصان بري، وعظام بعض الأطراف الحيوانية.
ويتزامن العصر الحجري القديم المتوسط في المنطقة مع استقرار الإنسان البدائي، وقد أسفرت المسوحات التي تمت في مناطق مختلفة من الأردن مثل: الأزرق، ورأس النقب، ووادي الزرقاء، ووادي الحسا، عن العثور على بقايا آثار هذه الفترة التي تمثلت في بعض الصناعات الحجرية التي تتميز بالرؤوس المثلثة المصنوعة من أحجار الصوان.
خزائن المتحف
كما تعرض خزائن المتحف نماذج عدة تمثل فترات مختلفة من العصر الحجري تتمثل في رؤوس، ومسننات، وأزاميل استعملت في الحفر في العظام والخشب، وشهد هذا العصر في مراحله المتقدمة تطورًا في الوسائل المستخدمة في الحياة اليومية، حيث دلت المكتشفات الأثرية على أن السكان قد استخدموا الأقواس والسهام، وعرفوا صناعة الفخار.
وفي هذا العصر استقر الإنسان، وبدأ حسه الفني في التطور، فبنى البيوت وصنع التماثيل، وقد عثر في مدينة عمَّان على مجموعة من التماثيل المصنوعة من الجص والطين، والتي تعد من أقدم التماثيل الجصية لأشكال آدمية، ويمكن مشاهدة اثنين من هذه التماثيل النادرة في خزائن العرض.
العصر البرونزي
استعمل البرونز في صناعة بعض الأدوات بالحياة اليومية كالخناجر ورؤوس الرماح، وفي الأردن العديد من المواقع التي تعود إلى هذه الفترة. كما شهد هذا العصر تطورًا كبيرًا في صناعة الفخار، حيث استخدمت العجلة الفخارية البطيئة, وهو ما يمكن ملاحظته من خلال بعض النماذج المعروضة.
وبعد غزو قبائل الهكسوس «الملوك الرعاة» الأردن وفلسطين قادمين من مصر، أدخلوا معهم أنواعًا جديدة من الفخار ذات أشكال وزخارف لم تكن سائدة من قبل، كما تم طلاء بعض أنواع الفخار بطبقة رقيقة تميل إلى اللون الأحمر، وتحتوي الخزائن على أشكال مختلفة من فخار هذه المرحلة، بعضها مزخرف بأشكال حيوانية وبعضها الآخر مزخرف بأشكال آدمية.
وتعرض في المتحف مجموعة من الخناجر والسيوف والرماح المصنوعة من البرونز، والتي تعود إلى العصر البرونزي المتأخر، ومن المعروضات المهمة «نصب بالوعة»، وبالوعة هي قرية مؤابية تقع على الهضبة التي تعلو وادي الموجب، وهو حجر من البازلت منحوت عليه أشكال آدمية.
العصر الحديدي
مع تقدم الحياة توصل الإنسان إلى كيفية صهر الحديد واستخدامه في صناعة الأسلحة والأدوات المنزلية، وقد تراجعت في هذه الفترة صناعة الفخار، نتيجة الحروب التي نشبت في المنطقة. ويعرض المتحف نموذجًا من الجس لحجر ميشع الذي يمثل شاهدًا مهمًا على إقامة الملك ميشع ملك مؤاب في العاصمة ذيبان، وتصف الكتابة المحفورة عليه حربًا خاضها الملك ميشع ضد الإسرائيليين.
وتكشف المعروضات أنه مع استقرار الوضع السياسي في العصر الحديدي الثاني تحسنت صناعة الفخار، وتم نحت التماثيل وصناعة القطع المعدنية التي تميزت بتأثرها بتأثيرات فنية محلية ومستوردة مثل: تمثال الملك العموني «يراح عازار»، وقارورة تل سيران البرونزية التي نقش عليها أطول نقش عموني يذكر الأعمال التي قام بها «عمينداب» ملك العمونيين، والتي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد.
الفترة الهلنستية والنبطية
يستطيع زائر المتحف أن يشاهد قطعًا فخارية وزجاجية ونقدية عليها طابع الحضارة الهلنستية التي تميزت بدقة الصنع، والتي هي اندماج للحضارة اليونانية الغربية مع الحضارات الشرقية في أجزاء واسعة من الشرق الأدنى، نتيجة فتوحات الإسكندر المقدوني، حيث أصبحت اللغة اليونانية لغة التجارة والثقافة، وأقيمت العديد من المدن القديمة متأثرة بالتقاليد العمرانية اليونانية مثل مدينة فيلادفيا، الاسم القديم لمدينة عمَّان.
كما خصص المتحف قسمًا لحضارة الأنباط الذين استقروا جنوب بلاد الشام بعدما قدموا إليها من الجزيرة العربية، حيث اتخذوا البتراء عاصمة لدولتهم، وقد أبدع الأنباط في صناعة الفخار المتميز بالدقة والجودة المتناهية، بالإضافة إلى سك النقود البرونزية والفضية.
الفترة الرومانية والبيزنطية
بعد أن تمكن الرومان من احتلال سوريا وفلسطين في الفترة الواقعة بين عامي 64-63 قبل الميلاد، ازدهرت في تلك الفترة مدن الحلف التجاري، وهي المدن العشر «الديكابوس»، مثل: فيلادفيا «عمَّان»، وجراسيا «جرش»، وجدارا «أم قيس»، وبيلا «طبقة فحل» وأربيلا «اربد»... وغيرها. وفي تلك الفترة تطورت صناعة الفخار المتميز باللون الأحمر الفاتح، وازدهرت صناعة الزجاج.
وتحوي خزائن المتحف ورفوفه العديد من القطع الفخارية منها الأسرجة المصنوعة بالقالب ذات المقابض المزخرفة بأشكال تمثل الأوراق النباتية أو الأشكال الخزفية، بالإضافة إلى القطع الزجاجية وبعض المسكوكات.
ويستطيع زائر المتحف أن يشاهد أشكالًا مختلفة من الفخار المصنوع في العصر البيزنطي الذي جاء امتدادًا لأشكال القطع في العصر الروماني، فمنها الزبادي، والأسرجة، وقدور الطهو، بالإضافة إلى القطع الزجاجية، والمعدنية، والنقود المصنوعة من البرونز، والحلي المصنوع من الذهب والفضة والمحلى بالأحجار الكريمة مثل اللؤلؤ والفيروز.
العصر الإسلامي
عندما تولى الأمويون الخلافة الإسلامية ونقلوا عاصمة الدولة إلى دمشق، شهدت المنطقة ازدهارًا، حيث شيد العديد من القصور الأموية في الأردن، وقد ازدهرت في هذه الفترة صناعة الفخار، بالإضافة إلى سك النقود الإسلامية.
ويحوي المتحف مجموعة من الأواني الفخارية كالزبادي، والجرار، وقدور الطهو، والأسرجة، والمباخر الحجرية.
كما يعرض المتحف العديد من القطع الفخارية المزججة التي تعود إلى العهد العباسي, والتي نقشت على بعضها كتابات عربية، بالإضافة إلى مجموعات مختلفة من القطع النقدية الذهبية «الدنانير» والفضية «الدراهم» التي سكت في مختلف الفترات الإسلامية.
مخطوطات البحر الميت
يعرض المتحف في قاعة خاصة مجموعة من مخطوطات البحر الميت، منها لفائف معدنية تعد من أهم لفائف العالم القديم، عثر عليه في كهوف منطقة قمران التي كانت تعد أحد أهم المراكز الدينية لطائفة اللاستنيين، كما عثر على مخطوطات من جلد الماعز والورق خيطت أطرافها ووضعت في جرار فخارية لحفظها.
وتعود أهمية هذه اللفائف إلى كونها تؤلف مكتبة حقيقية يمتد تاريخها عبر قرنين من الزمان، ابتداءً من نهاية القرن الثالث الميلادي، وقد كتبت النصوص بالعبرية، والآرامية، واليونانية.