April_09Banner

ذاكرة المكان


الرمة
وادي جزيرة العرب
ينحدر من جبال حرة خيبر بطول 1209 كيلومترات.

Health1_April

• د.عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون
مستشار جيولوجيا نفط، عضو هيئة التدريس، جامعة الملك سعود

ما أن تعرض وسط المملكة العربية السعودية لأمطار غزيرة لمدة أيام قليلة في شهر ذي القعدة 1429هـ «نوفمبر 2008م» حتى استعادت الأودية تاريخها الجيولوجي، لتعود كما كانت أنهارًا تجري في وديانها، ومن أهمها وادي الرمة.

وادي الرمة
ينحدر من جبال حرة خيبر جنوب منطقة حائل وشمال منطقة المدينة المنورة أودية صغيرة لتكون واديًا عظيمًا يبلغ طوله نحو 1209 كيلومترات، وكان هذا الوادي نهرًا عظيمًا جاريًا خلال الفترات المطيرة والجليدية التي مرت بها جزيرة العرب. وخلال فترات الجفاف والتصحر اللاحقة عملت ترسبات كثبان الرمال لعروق المظهور، وما يقابلها جنوبًا كثبان نفود الثويرات، وعروق كثبان الدهناء على ردم أجزاء من ذلك الوادي العظيم، فتقطع إلى ثلاثة أجزاء رئيسة مكوِّنة ثلاثة أودية هي من الغرب إلى الشرق: وادي الرمة، ووادي الأجردي، ووادي الباطن. ولعل خير تسمية تجمع هذه الأودية الثلاثة في مسمى يليق بها ويصفها هو «وادي جزيرة العرب العظيم»، أو اختصارًا «الوادي العظيم».

مصادر الوادي
تشكل سلسلة قمم جبال صخور بركانية متجهة من الشمال إلى الجنوب، جنوب منطقة حائل، وشمال شرق منطقة المدينة المنورة في الجهة الشرقية، حرة الرشايدة المعروفة تاريخيًا بـ«حرة النار»، وهي الجانب الشرقي لـ«حرة خيبر»، الفاصل الطبيعي بين أودية نجد المتجهة شرقًا، وأودية الحجاز المتجهة غربًا، ومن قمم جبال تلك الحرة جبل العثمور «1925 مترًا عن مستوى سطح البحر»، وجبل المرتزة «1925 مترًا»، وجبل القدر «2028 مترًا»، وجبل المشوية «1914 مترًا»، وجبل حلاة الشحم «1725 مترًا»، وجبل الأبيض «2092 مترًا»، وجبل البيضاء «1794 مترًا»، وجبل الإكليل «1939 مترًا».

تكون الأودية المنحدرة شرق تلك الجبال وادي الرمة، في حين تكون الأودية المنحدرة غربًا وادي الحمض الذي يصب في البحر الأحمر. يبدأ وادي الرمة من مرتفعات جبال في حرة خيبر يبلغ ارتفاعها نحو 1385 مترًا فوق سطح البحر وشديدة الانحدار، ثم تتدرج انخفاضًا إلى نحو 650 مترًا عند الحافة الشرقية للدرع العربي قرب الرس، ثم يبلغ ارتفاع المنطقة التي يحير فيها عند حجز كثبان الثويرات للجزء الغربي من الوادي، وهو وادي الرمة نحو 570 مترًا. يتغذى وادي الرمة من روافد تصب فيه من أربع مناطق إدارية هي: المدينة المنورة، وحائل، والرياض، والقصيم.

اسم على مسمى
أطلق المؤرخون والجغرافيون على وادي الرمة «بطن الرمة». والرُمَّة بضم الراء وتشديد الميم، وقد يقال بالتخفيف «الرُمة»، وفي اللغة «الرمة» هي ما يتبقى من الحبل المقطع، وقد أصاب من أطلق عليه هذه التسمية كبد الحقيقة، ففي هذه التسمية إشارة إلى أن هناك «بقية» أجزاء لذلك الوادي «المتقطع» قد تقطعت عنه. وبالفعل فوادي الرمة هو امتداد لوادٍ عظيم تقطع عنه بكثبان من الرمال، ومن أجزائه الرئيسة وادي الأجردي، ووادي الباطن، والتي تكوِّن جميعًا ذلك الجبل، وهو «وادي جزيرة العرب العظيم».

صخور وادي الرمة
يخترق وادي الرمة مختلف أنواع الصخور النارية بنوعيها الجوفية والسطحية البركانية، والرسوبية القديمة في الدرع العربي.
ويخترق مختلف أنواع الصخور الرسوبية من أحجار رمل، وطين، وأحجار جير، ومتبخرات «أملاح»، ومدملكات، وغيرها في الرصيف العربي.
تتحكم طبوغرافية المناطق التي يمر بها الوادي، وشدة انحدارها، وطبيعة صخورها في سعته، وضيقه، وشدة جريانه، ففي بعض المناطق يكون عرض الوادي كيلومترات عدة، وقد يضيق لعشرات الأمتار.

معادن صخور وادي الرمة
يجري وادي الرمة وروافده بين صخور غنية بالمعادن وخامات المعادن كالذهب، والفضة، والجوسان، والحديد، والتنجستن، والزنك «الخارصين»، واليورانيوم، والأسبستوس، والنحاس، والفلورايت، والمجنيزايت، بالإضافة إلى صخور الزينة كالرخام والجرانيت. وبالقرب من مجرى الوادي توجد مناجم للذهب والفضة أشهرها منجما الصخيبرات وبلغة.
كما يجري وادي الرمة عبر صخور في الرصيف العربي غنية بالمعادن اللا فلزية كالصلصال، والأملاح، والجبس، والحجر الرملي، والصوان، والحجر الجيري، وغيرها.

روافد وادي الرمة
يبلغ عدد روافد وادي الرمة أكثر من 320 رافدًا وشعيبًا، تمر عبر ثلاث مناطق إدارية هي: منطقة حائل في الشمال الغربي، ومنطقة المدينة المنورة في الغرب، ومنطقة الرياض في الجنوب.
يبدأ وادي الرمة عند التقاء واديي المثواة والمخيط غرب بلدة الروض إلى الشمال الشرقي من المدينة المنورة، ثم التقاء هذين الواديين بوادي الضرب عند بلدة الروض شمال غرب بلدة الحليفة في منطقة حائل لتكوِّن هذه الأودية واديًا كبيرًا يُعرف عند ذاك بوادي الرمة، يسيل باتجاه عام نحو الشرق «لمسافة نحو 210 كيلومترات» عبر منطقة المدينة المنورة إلى أن يدخل القصيم عند بلدة شقران غرب مدينة عقلة الصقور، حيث يستمر عبر صخور الدرع العربي، ثم إلى شرق مدينة الرس، وبمحاذاة مدينة البدائع، يجري عبر صخور الرصيف العربي إلى أن تحتجزه نفود الثويرات، لتتجمع مياهه في سلسلة من السباخ أهمها: سبخة أو منخفض البوه إلى الشرق من الأسياح، ويكون بذلك قد قطع الوادي مسافة 515 كيلومترًا منها مسافة نحو 305 كيلومترات في منطقة القصيم.

السدود
تعمل مجموعة من السدود الأسمنتية والترابية على وادي الرمة، وعلى عدد من روافده في حجز كميات كبيرة من المياه، ما يساعد على تخفيف آثار السيول وتوجيه جريانها، ومن تلك السدود سد النبهانية، وسد قطن، وسد عقلة الصقور الذي يعد من أكبر السدود، حيث يبلغ طوله أكثر من كيلومتر، وارتفاعه أربعة أمتار ونصف المتر، وسعته التخزينية 712 ألف متر مكعب، وقد فاض السد من جوانبه.

وادي الرمة في الرصيف العربي
يغادر وادي الرمة صخور الدرع العربي عند الحجناوي شرق الرس، ليخترق أقدم الصخور الرسوبية للرصيف العربي، وهي أحجار رمل متكون ساق التابع للعصر الكمبري، الأوردوفيشي «ترسبت خلال الفترة ما بين 480 إلى 510 ملايين سنة خلت».
عند بلدتي الخبراء ورياض الخبراء جنوب الهلالية والبكيرية، يقطع الوادي أحجار الرمل والغرين الحمراء الجليدية الممثلة لمتكون صارة التابع لأواخر العصر الأوردوفيشي «ترسبت خلال الفترة ما بين 440 مليون سنة إلى 445 مليون سنة خلت».
يبلغ الوادي أقصى اتساع له عندما يقطع تتابعات أعضاء متكون القصيم التابع للعصر الأوردوفيشي «ترسبت خلال الفترة ما بين 45 مليون سنة إلى 470 مليون سنة خلت»، وهي طفال الحنادر، وأحجار رمل كهفة، وطفال رعن، وأحجار رمل القوارة، حيث يمر الوادي إلى الشرق من البدائع بين نفود الغميس شمالاً، ونفود الشقيقة جنوبًا، ثم يضيق الوادي عند الخنقة.
عند مرور الوادي بين بريدة شمالاً وعنيزة جنوبًا يخترق تتابعات من صخور مختلفة من أحجار رمل، وطفال، وأحجار جير، وجبس، وغيرها من صخور متكونات شجراء وعنيزة وخف التابعة للعصر الكربوني، البرمي «ترسبت خلال الفترة بين 250 مليون سنة إلى 300 مليون سنة خلت». هنا تجد بعض مياه الوادي الفائضة طريقها إلى سباخ المنطقة، ومن أهمها سبختي الزغيبية والعوسجية «العوشزية».
يواصل الوادي مسيره باتجاه الشمال الشرقي ليخترق نفود الغميس، ويقطع تتابعات طفال حمراء داكنة وخضراء إلى الجنوب من الطرفية تعود إلى متكون سدير التابع للعصر الترياسي «ترسبت خلال الفترة ما بين 245 مليون سنة إلى 250 مليون سنة خلت». وهنا يجد قسم كبير من مياه الوادي الفائضة طرقه إلى سباخ المنطقة ومنها: سبخة الطرفية، وسبخة غويمض، وتسمى، أيضًا، سبخة الظليِّم التي هي أكبر سباخ المنطقة، وقد يصل طولها إلى 18 كيلومترًا، وأقصى عرض لها 4 كيلومترات.
تحير مياه الوادي في مخنق، حيث قد يبلغ ارتفاع الماء عند السيل نحو 6 أمتار، ثم يواصل الوادي طريقه شمال شرق بين نفود الطرفية شمالاً، ونفود صعافيق جنوبًا، ثم بين الصريف شمالاً والنبقية جنوبًا، ليخترق تتابعات أحجار رمل وطين، وأحجار جير ممثلة متكون جله التابع للعصر الترياسي «ترسبت خلال الفترة بين 222 مليون سنة إلى 235 مليون سنة خلت».
تكاد تتوقف مسيرة سيول الوادي عند حاجز طبيعي حديث جيولوجيا وهو عروق المظهور شمالاً، وكثبان رمال نفود الثويرات، وتتجمع مياهه عند الحافة الغربية للنفود لتملأ سلسلة من السباخ إلى الشرق من الأسياح «عين ابن فهيد»، والجعلة والبندرية شمالاً، والنبقية جنوبًا.
الجدير بالذكر أن هناك عددًا من الكثبان الرملية التي تتجمع في مجرى الوادي منها رمال الغميس بين مدينة بريدة في الشمال وعنيزة في الجنوب وغربًا.
تعمل كثبان الرمال مثل: رمال الغميس، والثويرات، والمظهور، وغيرها على حجز مياه سيول وادي الرمة، ما يتيح الفرصة لكميات من المياه لتجد طريقها لتغذية الخزانات الجوفية السطحية، خصوصًا في الرواسب الحديثة، وإلى حد ما في خزانات أحجار رمل ساق، والكهفة، والقوارة، وصارّة، وهذه الخزانات تشكل مخزونات لمياه جوفية للمدن والتجمعات السكنية والمشروعات الزراعية القريبة من الوادي.