April_09Banner

اقتصاد


الأزمة المالية العالمية
هل يسهم التمويل الإسلامي في حلها؟
لا يمكن وضع نظام مالي عالمي جديد دون الوقوف أولاً على السبب الرئيس وراء الأزمة الراهنة.

Health1_April

• إعداد: محمد عمر شابرا
مستشار بحوث في المعهد الإسلامي التابع للبنك الإسلامي للتنمية

يقع العالم كله الآن في براثن أزمة مالية تعد الأشد من نوعها منذ الكساد الكبير، وعلى الرغم من قيام عدد من الدول الصناعية بضخ سيولة، وتقديم معونات تقدر قيمتها بتريليونات عدة من الدولارات، إلا أنه لا توجد أي بوادر لانحسار الأزمة، وترتب على ذلك الدعوة إلى وضع هيكل جديد للنظام المالي العالمي، من أجل منع تكرار حدوث مثل تلك الأزمات، والعمل على الحد من آثارها.

  • تعد أزمة القروض العقارية غير المضمونة التي تمر بها الولايات المتحدة الآن مثالاً تقليديًا على الأزمات الناجمة عن الإقراض المفرط

  • يساعد النظام الإسلامي إذا طبق بحذافيره على تشجيع المشاركة في أصول المشروعات والمشاركة في الربح والخسارة التي تحققها

السبب الرئيس للأزمة
لا يمكن وضع نظام مالي عالمي جديد دون الوقوف أولاً على السبب الرئيس وراء الأزمة الراهنة, ومن المتعارف عليه عمومًا أن الإقراض المفرط وغير الصائب هو أهم الأسباب وراء جميع الأزمات المالية تقريبًا. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي يدفع البنوك إلى اللجوء إلى مثل هذا الإجراء غير الصائب, والذي لن يؤدي فقط إلى زعزعة استقرار النظام المالي, ولكنه, أيضًا, سوف يضر بتلك البنوك على المدى الطويل؟ وهناك ثلاثة عوامل تدفع البنوك إلى القيام بمثل هذا الأمر، وأول هذه العوامل هو الأحكام غير الملائمة لنظام سوق المال, والتي نتجت عن غياب مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، وثاني عامل من هذه العوامل هو التوسع الكبير الذي يفوق الوصف في حجم المشتقات المالية, خصوصًا المقايضات الائتمانية في حالة التخلف عن الدفع، وآخر هذه العوامل هو مفهوم «أكبر من أن ينهار» الذي يجعل البنوك الكبيرة مطمئنة أن البنك المركزي سوف يهب لنجدتها عند المصاعب ولن يسمح لها بالانهيار.
وأدى الإحساس الزائف بالحصانة الناتج عن هذه العوامل مجتمعة إلى حدوث تصدع في النظام المالي. فالبنوك لا تقيم طلبات الإقراض تقييمًا دقيقًا، وأدى هذا إلى توسع غير صائب في حجم الائتمان، وزيادة الرافعة المالية، وحدوث ارتفاع غير مستدام في أسعار الأصول، والعيش في مستوى يفوق الإمكانات وزيادة المضاربات. إلا أنه عندما تنجلي الحقيقة، ستنخفض أسعار الأصول انخفاضًا حادًا، ويصبح النظام المالي هشًا، وتحدث أزمات ديون، خصوصًا إذا كان هناك إفراط في البيع على المكشوف. ويقول جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي: «عندما يستطيع المستثمرون رفع موقفهم المالي باستخدام أموال مقترضة، فمن السهل تكون فقاعة خادعة».

أزمة القروض العقارية
تعد أزمة القروض العقارية غير المضمونة التي تمر بها الولايات المتحدة الآن مثالاً تقليديًا على الأزمات الناجمة عن الإقراض المفرط وغير الصائب، ويلعب نظام تسنيد الأصول أو نموذج «الإقراض ثم توزيع القرض» دورًا جوهريًا في هذه الأزمة. وسهلت عملية خلق سندات حيازية ضامنة للدين عن طريق المزج بين القروض المضمونة وتلك غير المضمونة رفع مخاطر التعثر عن سداد القروض غير المضمونة عن المقرضين الأصليين ونقلها إلى المشترين النهائيين الذين يكونوا بطبيعة الحال عازفين عن تحمل تلك المخاطر. وهكذا بسبب رفع المخاطرة عنهم لا يمتلك المقرضون الأصليون الحافز الكافي لأخذ ضمانات ملائمة، ومن هنا اكتسب حجم القرض أولوية عظمى عن جودته، وارتفع حجم الإقراض غير المضمون ارتفاعًا شديدًا.
وكانت نتيجة ما سبق أن عددًا من البنوك في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا وبعض البلدان الأخرى قد أعلنت إفلاسها أو احتاجت إلى معونات أو تم تأميمها، وهذا أدى إلى وجود حالة من عدم اليقين في السوق، والتي أدت بدورها إلى ندرة التمويل، فأصبحت عملية حصول البنوك على تمويل عملية صعبة حتى على البنوك ذات الموقف المالي الجيد، حيث إن هناك ترقبًا حذرًا خوفًا من أن يكون كل ما مر ما هو إلا قمة رأس جليدي ضخم، وأن الأسوأ ما زال في الطريق مثل حدوث ركود طويل الأمد، وتعثر مؤسسات البطاقات الائتمانية والشركات والمتعاملين في المشتقات المالية.

النظام المالي الإسلامي
يعد تحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية أحد أهم أهداف الدين الإسلامي، فالقرآن يبلغنا بما معناه أن المجتمع الذي تنقصه العدالة سوف ينتهي بالتدهور والخراب، ويتطلب تحقيق العدالة وجود عدد من القواعد والقيم الأخلاقية يتقبلها الجميع ويلتزمون بها، ويستطيع النظام المالي تشجيع العدالة إذا كان مبنيًا على اثنين من القيم الأخلاقية، وذلك بجانب كونه قويًا ومستقرًا بالطبع. إحدى هذه القيم هو أن يشارك الممول في تحمل المخاطرة بدلاً من رمي عبء الخسارة بأكمله على كتف المستثمر. والقيمة الأخرى تنص على أن تخصص المؤسسات المالية حصة عادلة من مواردها المالية لمساعدة الفقراء، والتغلب على فقرهم وإيجاد فرص عمل لهم، ومساعدتهم على امتهان الأعمال الحرة، وهكذا تقل التفاوتات بين الدخول والثروات في المجتمع.
ومن أجل استيفاء الشرط الأول يتطلب الإسلام المشاركة بين الممول والمستثمر في تحمل الخسارة بمقدار المكسب نفسه، ولتحقيق هذه الغاية يطبق الإسلام مبدأ «لا مخاطرة، لا مكسب»، وهذا من شأنه إحكام النظام المالي بشكل أكبر، حيث يوفر حافزًا للمؤسسات المالية من أجل تقييم المخاطر الائتمانية بحذر وكفاءة ومراقبة كيفية تصرف المقترضين في الأموال. فقيام كل من الممول والمستثمر بعمل تقييم مزدوج للمخاطر المتضمنة سيعمل على إضفاء المزيد من الإحكام، والحد من الإقراض المفرط.
ويساعد النظام الإسلامي إذا طبق بحذافيره على تشجيع المشاركة في أصول المشروعات والمشاركة في الربح والخسارة التي تحققها. وهناك العديد من المؤيدين للاعتماد على تمويل أصول رأس المال حتى في الاقتصادات الكبرى. يقول روجوف، الأستاذ في جامعة هارفارد، إنه من الممكن أن يلعب الإقراض عن طريق تمويل رأس المال والاستثمار المباشر دورًا أكبر في عالم نموذجي.
ولا يعني الاعتماد على تمويل رأس المال إقصاء نظام القروض نهائيًا، حيث لا يمكن تطويع الاحتياجات المادية كافة للحكومات والشركات والأفراد، لتتماشى مع مبدأ تمويل رأس المال، والمشاركة في الربح والخسارة. إن الإسلام قد وضع عددًا من الشروط:
• يجب أن يكون الأصل المباع أو المؤجر حقيقيًا وموجودًا فعلاً وليس تخيليًا أو افتراضيًا.
• يجب أن يكون البائع مالكًا وحائزًا للبضاعة المباعة أو المؤجرة.
• يجب أن يكون الأمر صفقة تجارية حقيقية تتوافر فيها نية الأخذ والعطاء.
• لا يمكن بيع القرض، وهكذا يتحمل المقترض ذاته المخاطر.
ويساعد الشرط الأول على القضاء على معظم المضاربات التي تتضمن الغرر أو القمار. ويساعد الشرط الثاني على ضمان أن يتحمل البائع جزءًا من المخاطر، من أجل أن يحصل على نصيبه من الربح. فبمجرد حصول البائع «الممول» على ملكية البضاعة المباعة أو المؤجرة وتكون في حوزته، فإنه يتحمل المخاطرة. ويقيد هذا الشرط عملية البيع على المكشوف، وبالتالي يقضي على احتمالية الانخفاض الحاد في أسعار الأصول خلال فترات التدهور الاقتصادي.
أما بالنسبة للشرطين الثالث والرابع، فلن يكتفيا فقط بالمساهمة في القضاء على جزء كبير من المضاربات وصفقات المشتقات المالية التي لا تتوافر فيها نية الأخذ والعطاء، بل سيعملان، أيضًا، على تشجيع الدائن على أن يكون أكثر حذرًا عند تقييم الخطر الائتماني. وهذا من شأنه منع التضخم غير الضروري في حجم التعاملات وقيمتها والحفاظ على القرض من الزيادة إلى حد يفوق حجم الاقتصاد الفعلي. كما أنهما يسهمان في توفير موارد مالية أكثر للناحية الإنسانية، وبالتالي يساعدان على زيادة فرصة العمل والمهن الحرة، وإنتاج البضائع والخدمات التي تفي بحاجات الناس.
وقد يتم الاعتراض على هذه الشروط بحجة أنها سوف تؤدي إلى انكماش حجم الاقتصاد، بسبب تقليل حجم التعاملات المالية وعددها، إلا أن هذا أمر مستبعد، حيث إن تعاملات المشتقات المالية والمضاربة لا تسهم بشكل كبير في إجمالي الناتج الفعلي والانخفاض في أعداد تلك المعاملات لن يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد. وسوف تنحصر آثار التقليل من مثل هذه التعاملات في الحد من العمولة التي يكسبها المضاربون خلال فترة ازدهار زائف، وهذا سيساعدهم على تجنب الخسائر والإفلاس اللذين لا مفر منهما خلال فترة الانخفاض الاقتصادي.
ومن شأن زيادة أحكام النظام المالي حرمان المقترضين دون ضمانات من الحصول على تمويل، ولهذا تتطلب العدالة إيجاد بعض الحلول المبتكرة والملائمة لضمان حصول المقترضين الصغار الذين لا يملكون ضمانات على تمويل ملائم، لكي لا يحرموا من تحقيق أحلامهم في امتلاك منازلهم وإنشاء مشروعات بالغة الصغر.
وهكذا نرى أن النظام المالي الإسلامي يستطيع الحد من حدوث الأزمات المالية، والتخفيف من حدتها، بالتخلص من نقاط الضعف الرئيسة الموجودة في الأنظمة التقليدية. كما أنه يوفر أحكامًا أفضل للنظام المالي، حيث تشترط مشاركة الممول في المخاطر، بالإضافة إلى أنه يربط بين التوسع الاتئماني والنمو الفعلي للاقتصاد، والمشكلة هي أن التمويل الإسلامي لا يشغل إلا حيزًا صغيرًا من حجم التمويل العالمي، ومع ذلك فالأهمية الحقيقية تكمن في قدرته على حل المشكلات. فإذا طبق المسلمون أنفسهم هذا النظام بصدق ونجاح، مع القيام بالفحص والمراقبة اللازمين، فسينتبه إليه العالم كله في النهاية، وينتهج على الأقل بعض خصائصه.

المراجع
• بنك التسوية الدولي «2008» التقرير السنوي «بازل، سويسرا».
Bank for International Settlements «BIS» «2008», Annual Report. «Basel, Switzerland: BIS».
• إحسان حبيب فيروز «2007» «الطريق الحلال من أجل التغيير الاجتماعي»، آفاق إسلامية، يناير، فبراير، ص 42.
Feroz, Ehsan Habib «2007», “The Halal way to Social Change” Islamic Horizons, January/February, p. 42.
• المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية «2007» «أطر العمل والاستراتيجيات اللازمة لتطوير خدمات التمويل الإسلامي البالغ الصغر». ورقة عمل لمنتدى تنمية القطاع المالي الإسلامي 2007 وعنوانه «تطوير التمويل الإسلامي بالغ الصغر: التحديات والمبادرات» والذي عقد في داكار، السنغال في 27 مايو 2007.
Islamic Research and Training Institute «IRTI» of the Islamic Development Bank «IDB» «2007», “Framework and Strategies for Development of Islamic Microfinance Services”, Working Paper for IFSD Forum, 2007, on Islamic Microfinance Development: Challenges and Initiatives, held in Dakar, Senegal, on 27 May 2007.