المرأة التي سمع الله قولها وأجابها في قرآن
يتلى إلى يوم القيامة
«المجادلة»
برهان ودليل على مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي.
• أ.د. عبدالرحمن بن جميل قصاص
جامعة أم القرى - مكة المكرمة
|
|
|
شخوص في امرأة
صاحبتنا امرأة صحابية من الأنصار، مثال الزوجة الوفية للعشير، محافظة على قيم أسرتها وركائزها، متحدثة بارعة لقضية كادت تنهي كيان بيتها، مجادلة في الإعلان عن حق لها، مبدعة في فن الحوار وهي برهان ودليل على مكانة المرأة في المجتمع الرباني، تعتمد على الله، عز وجل، في أخذ الأحكام والتشريعات، وقادرة على إدارة الأزمة، وفقيهة في أدب الاختلاف، وفي شأن يوميات أسرتها البسيطة، تقرر حكم الله فكان اتصال السماء بالأرض في صورة محسوسة لقضية خولة بنت ثعلبة بن أصرم، المجادلة زوجها أوس بن الصامت، وهو صحابي جليل، أسلم مبكرًا، شهد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غزوة بدر الكبرى، وأحد وبقية المشاهد.
صانعة الرجال
كانت تربي أبناءها على صهوات الخيل، وتعودهم استنشاق غبار المعارك، وتدربهم على طعنات السيوف وضربات الرماح، ابنها الربيع بن أوس بن الصامت، وكان أوس ابن عم خولة، زوجها وما تذكر الأيام خلافًا بينهما، أو شجارًا تفاقم في حياتهم.
مثال الزوجة
تقدم بزوجها العمر، وكان أوس امرءًا به لمم، إذا أخذه لمم واشتد به يظاهر من امرأته، وكان يفيق فيعقل بعض صحواته. فقال لها ذات يوم «أنت عليّ كظهر أمي». والظهار في الجاهلية كما حدثنا عبيدالله بن موسى، عن أبي حمزة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت عليّ كظهر أمي حرمُت في الإسلام. وفي رواية الإمام أحمد: عن خولة بنت ثعلبة قالت: «فيّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة. قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا، قد ساء خلقه، قالت: فدخل عليّ يومًا فراجعته بشيء فغضب، فقال: أنت عليّ كظهر أمي، قالت ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني عن نفسي قالت: قلت كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليّ، وقد قلت ما قلت، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه. قالت فواثبني فامتنعت، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني. قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابًا ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله». فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت، ثم ندم على ما قال، فقال لزوجته: ما أراك إلا قد حرمت عليّ؟ قالت: ما ذكرت طلاقًا وإنما هذا التحريم فينا قبل أن يبعث الله رسوله فأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسأله عما صنعت. فقال: إني أستحيي منه أن أسأله عن هذا، فقالت: دعني أنا أسأله فقال: سليه عسى تكسبينا منه خيرًا تفرجين به عنا ما نحن فيه مما هو أعلم به.
سارعت إلى رسول الله باكية
خرجت متوجهة إلى بيت رسول الله، ودخلت على الرسول، صلى الله عليه وسلم، في بيت عائشة فقالت: يا نبي الله إن أوسًا هو من قد عرفت، أبو ولدي، وأحب الناس إليّ، وقد عرفتَ ما يصيبه من اللمم، وعجز مقدرته وضعف قوته وعِيّ لسانه، وقد قال كلمة والذي أنزل عليك الكتاب بالحق ما ذكر طلاقًا. قال:أنت عليّ كظهر أمي. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما أراك إلا قد حرُمت عليه»، وهو حينئذ يغتسل رأسه، فقالت: انظر جُعلت فداك يا نبي الله، فجادلت رسول الله مرارًا ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك شدة وجدي وما شق عليّ من فراقه، اللهم أنزل على لسان نبيك ما يكون لنا فيه فرج، ثم حول رأسه ليغسله، فتحولت إلى الجانب الآخر فقالت: انظر جعلني الله فداك يا نبي الله، فقالت الغاسلة: أقصري حديثك ومخاطبتك يا خولة، أما ترين وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، متربدًا ليوحى إليه، فقالت عائشة فلقد بكيت وبكى من كان معنا من أهل البيت رحمة لها ورقة عليها.فبينما هي كذلك بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تكلمه، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا نزل عليه الوحي يغط في رأسه ويتربد وجهه ويجد بردًا في ثناياه ويعرق. فقالت عائشة: يا خولة إنه لينزل عليه ما هو إلا فيك، فقالت «اللهم خيرًا فإني لم أبغ من نبيك إلا خيرًا».
وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله: أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك. قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات }قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها{. قالت عائشة، رضي الله عنها: فما سُرّي عن رسول الله حتى ظننت أن نفسها تخرج فرقًا، أي خوفًا، من أن تنزل الفرقة. فسُرّي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يبتسم فقال: ياخولة فقالت: لبيك ونهضت قائمة فرحًا بتبسم رسول الله ثم قال: «قد أنزل الله فيك وفيه قرآنًا»، }قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ{.
تذكرة.. ووفاء
بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى كفارة الظهار، دعا رسول الله أوسًا فقال له أن يعتق رقبة فقال: لا أجد، فقال: صُم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع، إني لأصوم اليوم الواحد فيشق عليّ، قال:أطعم ستين مسكينًا، قال: أما هذا فنعم. وعادت الفرحة إلى بيتهم الصغير، ومرت أيامهم هانئة جميلة إلى أن بلغ الكتاب أجله ومات أوس، وعاشت بعده خولة تعبد ربها، وتتذكر زوجها فتترحم عليه، وتطلب من الله أن يغفر له، وتدعوه أن يعجل بحياتها حتى تلحق به في جنة عدن عند مليك مقتدر.
شجاعتها الأدبية
تدور الأيام والسنون، ويصادف الزمن المجادلة خولة في عهد خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وفي يوم خرج عمر من المسجد ومعه الجارود العبدي، فإذا بامرأة برزت على ظهر الطريق، فسلم عليها عمر بن الخطاب، فردت عليه السلام وقالت: هيهات يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميرًا في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتقِ الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي عليه الفوت. فقال الجارود: قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال عمر: دعها وفي رواية «قيل لعمر أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟» فقال عمر: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت، إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، فعمر والله أحق أن يسمع لها. رضي الله عنها وأرضاها ورحمها الله رحمة واسعة وأدخلها الجنة التي وعدها الله عباده المتقين.
أقوال العلماء في نزول الآيات
• نزلت هذه الآيات في المجادلة خولة بنت ثعلبة، كتاب: للإمام الواحدي «أسباب نزول القرآن» .
• كتاب الإمام القرطبي في التفسير.
• الجامع لأحكام القرآن تفسير سورة المجادلة.
• تفسير القرآن الكريم لابن كثير تفسير سورة المجادلة.
• الجامع الصغير، رواه البخاري.
• كتاب صاحب الدر المنثور.
• كتاب ابن حجر العسقلاني في فتح الباري.
• الإمام الطبري في تفسيره.
• مسند الإمام أحمد كتاب: باقي مسند الأنصار مرفوع إلى النبي، صلى الله عليه وسلم.
• سنن ابن ماجه.